عدنان بوينو كارا/ ترجمة علي كمخ

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

لا يمكن لأيّ أحدٍ يمارس التمييز ضدّ طالبي اللجوء ويستهدفهم ويكنّ الكراهية للأجنبي، بدلًا من إنتاج سياسات سليمة ومتسقة تتمحور حول حقوق الإنسان وطرح الآفاق المستقبلية، أن يجلب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان إلى مواطنيه؛ وإن مسألة طالبي اللجوء، من هذه الوجهة، تعمل على صياغة الهويات السياسية لكل الأحزاب والأطراف وتحدّدها.

إحدى القضايا التي نثيرها في النقاش بشكل مستمر سياسة الاستقطاب؛ ومن الواجب علينا في البداية الإشارة إلى أن المنهج الاستقطابي يضعف القاعدة السياسية ولا يقدّم إمكانات أو مساهمات في السياسة، أيًا كانت الأرضية التي يسير عليها. فهذا الأسلوب إشكالي بالمجمل، ولكن ما هو أكثر إشكالية وخطورة منه هو جعل طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين ومجموعات الأقليات المختلفة أدواتٍ لهذا الموضوع، بسبب استهداف الشرائح الأكثر هشاشة والأكثر ضعفًا والأكثر أمانًا.

إن هذا النمط من السياسة يعرّض السِّلم الاجتماعي للخطر، ويزيد من التهديدات التي تستهدف طالبي اللجوء؛ حيث إن خطر تحول لغة الإقصاء والتهميش في الانتقادات الموجهة من خلال التركيز على اللاجئين، إلى عداء واعتداءات مادية، هو أمرٌ مخيف ومثير للرعب. علاوة على أن جعل هؤلاء الناس أداة للاستقطاب السياسي هو إشكالية لجهة الديمقراطيات وحقوق الإنسان. وما هو أبعد من ذلك أنه يشير إلى مشكلة أخلاقية أيضًا.

بالنظر إلى اللغة المستخدمة، يبرز الحدث وكأنه يتجاوز الغرض من كونه مركز جذب للناخب غير الراضي. وخاصة اللغة التي تستخدمها المعارضة التركية التي تمتلك على دياسبورا مهمة خارج البلاد، وهي تعد مشكلة مهمة من حيث تذكيرها باليمين المتطرف والتيارات المعادية للإسلام في أوروبا في ما يتعلق بطالبي اللجوء. فاستخدام هذه اللغة من جهة، والمطالبة بسياسة أكثر ديمقراطية وليبرالية وعادلة من جهة أخرى، إنما هو -بأبسط العبارات- تضاربٌ سياسيّ.

فليس بمقدور الذهنيات التي تسعى إلى تحويل السخط الاجتماعي المتصاعد في فترة من الانحسار الاقتصادي إلى عداء ضد طالبي اللجوء، وتقوم بالغوص السياسي من خلال الغضب المجتمعي العام، تقديم رؤية مستقبلية متماسكة ومتسقة لتركيا. فهذا النوع من العقليات السياسية يمهّد لطريق نهايته الحتمية شغب سياسي ومأساة اجتماعية. ولا يمكن -عند استحضار تجارب الماضي الملموسة- تجاهل هذا الاحتمال. ومن المفيد أيضًا النظر إلى المسألة من خلال انعكاساتها المحتملة من الخارج، لا من داخل البلاد فقط.

أتراك الخارج

يرتبط تاريخ مغادرة الأتراك إلى أوروبا، بغرض العمل، بالاتفاق المبرم مع ألمانيا في 31 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1961. ففي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1961، هبطت القافلة الأولى من العمال المكونة من 55 شخصًا في مطار دوسلدورف. كانت هذه القافلة هي الأولى من بين 400 عامل من الذين سيعملون في ألمانيا لمدة عام واحد. استمرت الاتفاقية مع ألمانيا حتى عام 1973، ووصل عدد الأشخاص الذين ذهبوا إلى أوروبا للعمل بين 1961-1973 إلى (605.000) شخص. وفيما يلي المعلومات المتوفرة على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، بخصوص الأتراك الذين يعيشون في الخارج؛

استقر قرابة 5.5 مليون من أصل أكثر من 6.5 مليون مواطن يعيشون خارج البلاد في دول أوروبا الغربية. وعند احتساب الـ 3 مليون الذي تأكدت عودتهم إلى تركيا، فإن المجموع يصل إلى كتلة بشرية قوامها 9.5 مليون شخص تقريبًا.

من الملاحظ هنا أن عدد الأتراك المشمولين باتفاقية العمل الثنائية لم يتجاوز 605 آلاف شخص، في حين أن عدد المقيمين خارج البلاد منهم حاليًا يتجاوز 6.5 مليون شخص. وكما سائر المجتمعات المغتربة الأخرى فقد فضل الأتراك أيضًا العيش ضمن تجمعات خاصة بهم. ولربما قد يكون مفهوم “الحي التركي” قد تطور من هذا المنطلق. فثمة العديد من الأحياء في كثير من الدول تشعركم وكأنكم في تركيا. يمكن أن نورد بعض الأمثلة على ذلك: حي كروزبيرا في برلين، مولهايم وودينجاس في كولن، شاربييك في بروكسل، غرين لانس في لندن، سانت دونيس في باريس، المنطقة العاشرة في فيينا، بيترسون في نيو جرسي، تشارل لويس في روتردام، رينكباي في ستوكهولم وحي ماركاتوربلاين في أمستردام.

الهجمات التي تعرض لها الأتراك

كانت الظروف الاقتصادية والعداءات التاريخية والاختلافات العقائدية من العوامل المؤثرة في تغذية العداء للأجانب. وقد تأثر الأتراك أيضًا بهذا النوع من العداء الذي ظهر في كثير من البلدان. ويمكن تلخيص العداء الذي تعرض له الأتراك بالاحتقار والكراهية، وبالاعتداء على أماكن العبادة وعلى أماكن العمل، وبالاعتداء الفعلي المباشر والقتل. فكانت ألمانيا هي المكان الذي تحولت فيه الكراهية والعنصرية تجاه الأجانب إلى عنف ضد الأتراك؛ وأولى المذابح التي تخطر في الأذهان في هذا السياق هي مقتل ثلاثة أتراك على يد النازيين في مدينة مولن عام 1992، ومذبحة سولينجن التي قتل فيها 5 أشخاص حرقًا عام 1993، وهجوم بالقنابل في كولونيا عام 2004 أدى إلى إصابة 22 شخصًا بجروح، والجريمة التي حدثت في مكان لبيع “الشاورما”، وأسفرت عن مقتل 9 أشخاص.

إن هذه الصنوف من الهجمات تتغذى من السياسيين الشعبويين الذين يرغبون في فسح المجال لأنفسهم من خلال العنصرية والعداء للأجانب. لكن من المعروف أن هناك جرائم ارتُكبت أكثر بكثير من الأمثلة التي أوردناها، إذ تعرض المهاجرون من غير الأتراك أيضًا لمثل هذه الهجمات. ومع ذلك فإن هذه الهجمات أدينت ولاقت معارضة من قبل شرائح واسعة من الجماهير في البلدان التي وقع فيها الحادث. فالأحزاب السياسية في تركيا تعمل على تطوير موقف مشترك مع الأتراك الذين يحملون نزعات عنصرية وكراهية ضد الأجانب، الأمر الذي يلقى تقديرًا أيضًا. وإن مساهمة هذا الموقف في التعاطف مع اللهجة المستخدمة ضد الأجانب ومع الهجمات التي تستهدفهم مسألةٌ على غاية من الأهمية.

الأجانب في تركيا

يُصنّف الأجانب المقيمون في تركيا في فئتين منفصلتين. ووفقًا لبيانات المركز التركي للإحصاء لعام 2020 فقد بلغ عدد الأجانب الذين يملكون تصاريح إقامة وعمل 1.333.410 شخصًا. وبحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية الموجودون في تركيا 3.65 مليون، في حين وصلت أعداد المتقدمين بطلب الحصول على الحماية الدولية إلى 330 ألف متقدم. أي أن العدد الإجمال يصل إلى 3.93 مليون شخص، منهم 3.6 مليون لاجئ سوري، و335 ألف من رعايا دول أخرى. من الواضح أن الحرب الأهلية التي تشهدها سورية أثرت بشكل خاص على هذه الأرقام. فعلى الرغم من استضافة دول الجوار السوري لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وعلى الرغم من إمكانية الحديث عن عودة القسم الأكبر من هؤلاء إلى ديارهم مع تعافي البلاد وتحسن ظروفها؛ فمن الضروري التعامل مع المسألة بأسلوب صحي وسليم، وعدم الوقوع في مشكلة الكراهية ضد الأجانب.

يتعرض طالبو اللجوء الذين يعيشون في بلدنا أيضًا لمشكلات (الكراهية، الاحتقار، الإقصاء والاستبعاد.. إلخ) وهي مشكلات تماثل ما يواجهه الأتراك المقيمين في أوروبا. وكما الحال في كل بلد، فإن اللهجة المستخدمة والمزاعم غير الواقعية التي يسوقها السياسيون الشعبويون تؤجج نار هذا النوع من الهجمات وتذكيها. وثمة تناقض كبير في موقف من يندّد بأفعال الكراهية والعداء التي يتعرض لها من غادر إلى الخارج كأجنبي، بينما يظهر العداء ويستخدم لغة مماثلة ضد الأجانب الذين اضطروا إلى اللجوء والإقامة في بلده، وهذه مسألة يصعب فهمها! لأن كراهية الأجانب والتدخل الفعلي ضدهم تتأثر في جميع أنحاء العالم باللغة التي يستخدمها السياسيون.

العداء السياسي للأجانب

تترك المجتمعات، لأسباب ترتبط بالمشكلات الاقتصادية ومشكلات التوظيف والعداء التاريخي والاختلافات في المعتقدات، مسافة بينها وبين الأجانب بشكل عام. وبسبب العيوب التي تعانيها أو المشكلات التي تواجهها هذه المجتمعات فهي تنظر إلى الغرباء نظرة “كبش فداء”. وهذه المسألة شائعة جدًا في جميع أصقاع الدنيا. ولأن بعض السياسيين يؤمنون بهذا أو يريدون استغلال هذا الوريد في المجتمع، فهم يستخدمون لغة تُسهم في تسييس هذه المشاعر وإنضاجها. فعلى سبيل المثال؛ كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يستخدم هذا كخيار سياسي، ومع الأسف، هذا الشعور يلقى استجابة معينة ليتحول إلى كراهية لدى بعض شرائح المجتمع في تركيا. فبالرغم من عدم وجود عداء واسع النطاق تجاه الأجانب حتى الآن، فإن الأرضية السياسية الحالية وتحويل قضية طالبي اللجوء إلى أداة بيد السياسة الاستقطابية مؤهلة لتحويل العداء والكراهية إلى أعمال فعلية. لكن هناك فائدة في الإشارة إلى أن جميع أنواع سياسات الكراهية لها أرضية اجتماعية معينة. وأيًا كانت المبررات، فإن سياسة الكراهية هي سياسة غير مشروعة، علاوة على كونها قضية إشكالية أخلاقيًا.

تسير الكراهية والعداء المتنامي تدريجيًا تجاه الأجانب في تركيا بشكل أساسي عبر طالبي اللجوء السوريين. وفي هذه النقطة، دعونا ننظر إلى خطابات حزب الشعب الجمهوري حول هذا الموضوع: “عند القول أعيدوا السوريين.. آه يا سيدي كيف تقول ذلك؟! نحن لا نعلم بعدُ كم هي تكاليف هؤلاء علينا حتى الآن.. سترون غدًا من بين هؤلاء الناس فاعلين مهمين في عالم تحت الأرض [المافيا]، سيتعطل نظامنا بالكامل …” (12 مارس/ آذار 2016، جمعية إيجة لرجال الأعمال الشباب). “إذا كانت نتائج الاستفتاء بـ نعم فسيمنح 3 ملايين لاجئ سوري الجنسية التركية.. وإذا كانت النتائج بـ لا فلن يُمنحوها…” (20 آذار/ مارس 2017، مدينة أوردو). “قلت لكم مرارًا وتكرارًا إن هؤلاء السوريين سوف يتسببون ببلاء للأمة، تأكدوا، والله وبالله سيكونون مصيبة بالنسبة لنا يا أخي.. قلت ذلك خمسين مرة …” (4 شباط/ فبراير 2020، اجتماع الكتلة)، “عند الحديث عن السوريين فالمال كثير، أما مواطنونا فيعيشون في التوابيت.. أولئك الذين أنفقوا 50 مليار دولار على السوريين، لم يستخدموا خياراتهم السياسية لحماية مواطنيهم وإبقائهم على قيد الحياة …” (3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، إزمير). “لقد أنفقتم 40 مليار دولار على 3 ملايين و600 ألف سوري. ماذا كان سيحدث لو أن هذه الأموال قد صُرفت على الحرفيين والمزارعين والصناعيين؟ كانت البلاد ستزدهر.. الحقيقة مؤلمة فلا يستطيعون تحملها…” (27 فبراير 2021، اجتماع الكتلة).

أما تصريحات حزب الجيد المعارض الآخر، حول هذا الموضوع، فكان بعضها كالتالي: “هل كان من حقك تحميل 33 مليار دولار بما يعادل 200 مليار ليرة، وهي أعباء اللاجئين السوريين، على عاتق أمتنا؟” (23 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، اجتماع الكتلة الحزبية). “اللاجئون السوريون مشكلة متنامية لبلدنا، سواء بالمعنى الجنائي أو المعنى الاجتماعي …” (31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 مشاركة على تويتر). “نحن نعارض منح السوريين وضع اللاجئ، تثار مسألة السوريين على جدول الأعمال باستمرار لجعل بقائهم في تركيا دائمًا … “(16 كانون الأول/ ديسمبر 2019، ورشة عمل اللاجئين السوريين). وفي لقاء مع المواطنين في قونية، أفاد شخص يشتكي من الفقر قائلًا: “هل رويتُ هذا التراب بدمي منذ عام 1071 حتى يعيش السوري! لقد قدمنا للسوريين 40 مليار دولار من المال.. عندما تصبحين رئيسًا، نطالبك بطردهم وعدم الإبقاء على سوري واحد”… وفي مشاركة لها على حسابها في (تويتر) تقول رئيسة الحزب؛ “انظر يا سيد أردوغان، إن الذي يتكلم ليس بإرهابي، وليس من قوى خارجية، بل هو مواطن من قونية وثق بك وأدلى بصوته في الانتخابات الأخيرة لصالحك. (2 نيسان/ أبريل 2021، قونية) وكتب أحد مؤسسي الحزب يزعم أنه صحفي على صورة امرأة تمشي مع 7 أطفال عبارة: “كانت القنابل تنهمر على المدن كل ليلة، ولكننا لم نستغني عن ممارسة الحب طوال الوقت”. وشارك الجملة على تويتر مع عبارة “فليعد السوريون إلى ديارهم”، في تعبير عن الذهنية التي تتشابك فيها العنصرية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي معًا.

وبتحليل خطاب حزب الشعوب الديمقراطي/ حزب السلام والديمقراطية، حول الحرب الأهلية السورية، يتبين أن محورهم الرئيسي هو وصف المعارضين السوريين بأنهم مجرد “عصابات سلفية “، وإظهار حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب على أنه “الطرف الشرعي” الوحيد في هذه الحرب. هذا النهج هو في أصله موقف تمييزي وعنفي، يتهم جميع الشرائح الاجتماعية (التي لا تواكب حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب) بالإسلاموفوبيا. وكانت التصريحات الصادرة عن قيادات الحزب عام 2014 بأن “العنف الأعمى الذي سينتشر في عموم الشرق الأوسط وتركيا”، قد اعتبرت تهديدًا لتركيا.

من الواضح أن السمة المشتركة للخطابات التي تناولت طالبي اللجوء السوريين، والتي أوردنا نبذة عنها، هي ترويع الجمهور العام فيما يتعلق باللاجئين، واستفزاز المواطنين من خلال مزاعم وادعاءات كاذبة وجمل الكراهية والمقارنات … والسؤال هنا هو: هل يمكن أن نقول إننا نمارس السياسة، دونما تحريض على كراهية الأجانب بالاستناد إلى هذه التصريحات؟

المغالطات المتداولة باستمرار حول السوريين

هناك “حملة” انتاج للأكاذيب، تتطور مستمدة قوتها من اللغة التي يستخدمها والمواقف التي يبديها السياسيون حول مسألة كراهية الأجانب. فلو اقتضى الأمر ذكر بعض الادعاءات الكاذبة التي ينتجها أناس يتغذون على عُقد مختلفة، كالعداء، والمشكلات الاقتصادية، والعنصرية، والطائفية؛ لوجدناها تتلخص بالآتي؛ حصول السوريين على رواتب من الدولة؛ حصول السوريين على تصريح عمل والعمل بحرية أينما يريدون؛ تسجيل الطلاب السورين في الجامعات في القسم الذي يختارونه دون أي شروط أو امتحانات؛ منح كل سوري يلتحق بالجامعة مبلغًا يتراوح بين 800- 1200 ليرة تركية؛ إعفاء السوريين من أداء رسوم وضرائب الآليات وضريبة الحرفيين ورسوم الهاتف ورسوم المياه والكهرباء والغاز الطبيعي؛ تجاوز السوريين طوابير الانتظار في المشافي؛ حصول السوريين على الجنسية التركية بعد انقضاء 5 سنوات؛ إدلاء السوريين بأصواتهم في الانتخابات؛ توظيف السوريين في الإدارات العامة؛ تعيين المدرّسين السوريين في المدارس؛ والتحاق الأطفال السوريون بالمدارس التي يختارونها. ويمكن الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمغالطات التي يشاع صحتها عن السوريين، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3uJIcfU

الفرق بين الرؤية الرسمية والرؤية الحقيقية

من الممكن زيادة الأمثلة التي حاولنا تلخيصها أعلاه؛ إذ يمكن رؤية مدى تطور التصريحات التي يستخدمها السياسيون بوضوح في الأكاذيب المنتجة، عند اتباع الأشخاص الذين يستخدمون عبارات الكراهية والحقد ضد السوريين مع كل سياسي يلتقونه؛ فالمشكلة تكمن في المواقف التي يبديها السياسيون تجاه هذا النوع من المقاربات الشعبية.

وتختلف الآراء الرسمية للأحزاب السياسية حول كراهية الأجانب التي تُسهم في تشكيلها من خلال اللغة التي تستخدمها؛ فقد ورد في الصفحة 125 البيان الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري لعام2018، في ما يخص السوريين، ما يلي: “سنعمل بعد تحقق الحل السلمي في سورية على ضمان عودة من يرغب من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في بلادنا إلى ديارهم تدريجيًا، بشكل آمن ودون لحاق أي ضرر بهم”. فيما ورد في الصفحة 126 من البيان المذكور المقترح التالي: “سنسعى للتغلب على مشكلة عمل السوريين، ولا سيما الأطفال الذين يعملون بشكل غير رسمي في ظروف غير مقبولة”.

أما رأي حزب الجيد، في هذا الموضوع، فقد تم التعبير عنه في القسم الوارد تحت عنوان “مشكلة الهجرة واللاجئين”، من برنامج الحزب، على النحو التالي: “سيضمن حزبنا إنشاء مناطق آمنة في بلدان المصدر، ضمن أطر التعاون والنضال الدولي المشترك المتعلق بمشكلة الهجرة واللاجئين، وسنضع (من خلال إشراك بلدان ثالثة في اتفاقيات إعادة القبول) السياسات التي من شأنها منع تدفق اللاجئين، ونعمل على تأمين مساهمة الدول التي تتسبب في اللجوء أو تسهلها بالأعباء والتكاليف”. فهذا الخطاب صحيح بطبيعة الحال.

وأما المبدأ الأساسي الوارد في المادة 17، من إعلان المبادئ الاشتراكية الدولية التي ينضوي تحتها كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، فهو أن “الاشتراكيين الديمقراطيين يناضلون في سبيل توفير حقوق متساوية لجميع الأعراق والجماعات الإثنية والقوميات والمعتقدات المختلفة”. في حين طرحت المادة 3 من برنامج حقوق الإنسان للاشتراكية الدولية آراءً في إطار الخطابات التي مفادها أن “على كل حكومة أن تضع سياسات ترتكز على مبادئ لمساعدة اللاجئين”، وأن “إعادة طالبي اللجوء قد يؤدي إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان”، و “لا ينبغي تقييم حق اللجوء اعتمادًا على حالة البطالة في البلاد، ودونما النظر إلى البلد الذي قدم منه طالبو اللجوء”. المادة نفسها تذهب إلى أبعد من ذلك، إذ تنص على “ضرورة حماية اللاجئين من المساعي التي تقلب السياسات المتبعة بحقهم عكسيًا”، وعلى “وجوب وقف التمييز ضد طالبي اللجوء”. وقد أدان الإعلان المتعلق بمؤتمر الاشتراكية الدولية الذي عقد في مدينة ملقة عام 2015، سياسات بعض الدول الأوروبية تجاه طالبي اللجوء، وأعرب عن أن السياسات التي تتبعها تركيا والأردن ولبنان والعراق هي سياسات “أخلاقية وقانونية”. وأكدت المادة على “وجود مخاوف من تصاعد السياسات الشعبوية واليمينية المتطرفة التي من شأنها تحريض المجتمع وإثارته بخطابات كراهية وعداء ضد الأجانب”.

ومن الواضح أن هناك فرقًا بين ما سردناه هنا وبين الآراء التي أوردناها أعلاه. حيث إن الاختلاف بين السجلات الرسمية والآراء على الصعيد الاجتماعي يعدّ مشكلة مهمة. فإما أن البيانات الواردة في الوثائق الرسمية لا تكشف عن الرأي الحقيقي، أو غير صحيحة، وإما أن اللغة المستخدمة في العلاقات القائمة مع المجتمع هي غير صحيحة. وفي كلتا الحالتين ثمة مشكلة خطيرة تتعلق بالاتساق.

وضع الأحزاب داخل كتلة المعارضة

على الرغم من عدم تسميتها، فقد ظهرت كتلة معارضة تضم بعض الأحزاب. حزبان في كتلة المعارضة يعبّران عن أفكارهما بشأن طالبي اللجوء بصوت عال، ويصوغان التصور الاجتماعي عبر هذه الأفكار. غير أن التزام بعض أحزاب الكتلة الصمت حيال هذه المسألة، يعدّ مشكلة مختلفة بحد ذاتها، لأن المسألة تحتاج إلى تحديد موقف واضح، بسبب جانبها الإنساني. إن مواصلة أحزاب السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والنهضة التزامهم الصمت، حيال الموقف الناشئ المتعلق بطالبي اللجوء، قد يتسبب في مشكلة تمتين هوياتهم السياسية من جهة، وفي انحراف مسارهم من جهة ثانية. ففي فترة اختزلت فيها السياسة بالحسابات، سيكون من الصواب التذكير في الأوساط المغلقة والمفتوحة بـ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن الوضع القانوني للاجئين”، ومشاركتها مع الرأي العام، حتى يتمكن من بيان موقفه من هذه المواقف التي ترقى إلى مستوى العداء وكره الأجانب، وإلا فإن التفكير في “عدم إحداث شرخ داخل كتلة المعارضة” أو التفكير من منطلق “التخلص من الحكومة الحالية كمسألة أولوية”، لن يلغي المسؤولية.

حكّ المشاعر الاجتماعية أم اتخاذ موقف إنساني؟

من المفيد بداية التطرق إلى نقاط ثلاث: الأولى الجغرافيا التي كانت تعد بالأمس أراضي سورية، كانت جزءًا من أراضي الدولة العثمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية؛ الثانية أن جزءًا من الأراضي السورية داخل حدود الميثاق الوطني كان ذا قيمة كبيرة بالنسبة للجمهورية التركية؛ والثالثة أننا كنّا جيرانًا منذ ما يقرب من 98 عامًا، ولم تحدث هجرة إلى تركيا من هذا النوع حتى اليوم. أي أن الوضع الحالي لا يتعدى كونه حالة عرضية، وعلى الرغم من عرضية الوضع، فإن العداء السوري ما هو إلا نزعة قومية سلبية ناشئة عن التعصب الطائفي والعداء ضد العرب.

إن العداء للأجنبي في حقيقة الأمر هو مفهوم غريب عن هذا التراب. فقد تعامل سكان المنطقة مع المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين الذين قدموا إلى هذه البقعة من الأرض، لأسباب مختلفة، عبر التاريخ، كضيوف وعاملوهم بكل رفق ورحمة، ولم يروا فيهم تهديدًا أو منازعة، ولم ينظروا إليهم نظرة الغير، بل على العكس وقفوا بجانبهم وكانوا عونًا لهم في التعايش والاندماج. من حيث إن معظم الذين يعيشون على هذه الأرض كانوا قد هاجروا إليها من أماكن مختلفة، وكانوا يدركون أسباب وصعوبات الهجرة جيدًا. ولهذا السبب؛ كانت الهوية الأناضولية التي ترسخت في الألف عام الأخيرة هي الإرادة المنظمة في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان والحوض الأفريقي. إن اللغة التمييزية والإقصائية والداعية للكراهية والنفور، بدلًا من الحضّ على التسامح والتآلف، هي ليست لغة هذه الجغرافيا. لكنّ حالة فوبيا الأجنبي الناشئة، مع الأسف، تدمّر القلبَ والعقلَ وتقضي عليهما معًا.

ويجب ألا ننسى أنه لا يمكن لأي أحد يمارس التمييز ضد طالبي اللجوء ويستهدفهم ويكنّ الكراهية للأجنبي، بدلًا من إنتاج سياسات سليمة ومتسقة تتمحور حول حقوق الإنسان وطرح الآفاق المستقبلية، أن يجلب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان إلى مواطنيه؛ وأن مسألة طالبي اللجوء، من هذه الوجهة، تعمل على صياغة الهويات السياسية لكل الأحزاب والأطراف وتحددها. وإن سياسة الكراهية الواردة تحت هذا العنوان هي في الوقت ذاته دلالة على عدم مسؤولية وعلى حالة انعدام سياسي؛ لأن اللغة العدائية في هذه القضية ليست مقبولة، لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية السياسة. فانتقاد سياسات الحكومة في هذا الشأن شيء، واستهداف اللاجئين وجعلهم مادة للصراع السياسي من خلال ممارسة التمييز ضدهم شيء آخر. فالأصل ليس حك المشاعر الاجتماعية من خلال إبداء المعارضة، ولكن الأصل هو اتخاذ مواقف إنسانية.

اسم المادة الأصليYabancı Düşmanlığının Maliyeti: Siyasal Holiganlık ve Toplumsal Trajedi
الكاتبعدنان بوينو كارا- Adnan BOYNUKARA
المصدر وتاريخ النشرPerspektif Online – 26.04.2021
رابط المادةhttps://bit.ly/3og0pz5
عدد الكلمات2928
المترجموحدة الترجمة/ علي كمخ