ترجمة: علي كمخ
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
يحاول اللبنانيون تضميد جراحاتهم بعد الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت. وبحسب التصريحات الرسمية، فقد لقي ما لا يقل عن 170 شخصًا مصرعه في الانفجار، بينهم أكثر من 50 عاملًا من عمال الميناء. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار التي لحقت بالميناء وحده تُقدّر بنحو 5-6 مليارات دولار. وبالنظر إلى نتائج الانفجار وآثاره، فمن المحتمل أن يصل إجمالي الأضرار والخسائر إلى 15 مليار دولار.
إنه لمبلغ كبير وضخم، بالنسبة إلى دولةٍ تتفاوض من أجل الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي! ومن الواضح أنها لن تستطيع التخلص من هذا الضرر وتتجاوزه بمفردها. ولذلك عُقد اجتماع من أجل دعم لبنان بجهود للرئيس الفرنسي ماكرون الذي قدّم استعراضًا للعضلات في شوارع بيروت. وقد خرج الاجتماع الذي حضرته العديد من الدول، بتقديم دعمٍ للبنان بمقدار نصف مليار دولار، منها 300 مليون دولار مبالغ مالية، إضافة إلى الميزانية المخصصة لإرسال الاحتياجات العاجلة كالأدوية وما شابهها. بالطبع لن يكون هذا المبلغ كافيًا لإعادة بناء المرفأ، بل لن يكفي حتى لعلاج الجرحى؛ حيث إن معظم المباني التاريخية الواقعة في منطقة الأشرفية التي حدث فيها الانفجار تعرضت لأضرار. ولما كان من الصعب على الناس إصلاح المنازل المبنية من الخرسانة المسلحة العادية، فإن تحديد ميزانية الأضرار التي لحقت بالمباني التاريخية يبدو أكثر صعوبة.
التلفزيونات اللبنانية تبث مقابلات لأشخاص أبدوا غضبهم، وأعربوا عن خيبة أملهم. فقد مرت أيام على الانفجار، لكن غضب اليوم الأول لم يتحول إلى حزن تام بعد. بل على العكس من ذلك، فما زالت الشوارع تعج بالمتظاهرين وغضب الناس يتزايد.. ولا يزال الناس يبحثون عن أحد يقدم لهم كشف حساب عن “أطنان المتفجرات المنسية في المستودعات”.
فُتحت تحقيقات عن الحادث، واعتُقل عدد كبير من الأشخاص، لكن ذلك ليس كافيًا للبنانيين، وإن التعليقات التي تفيد بأن جملة من الإهمالات هي التي أدت إلى الانفجار المميت لا تُقنع اللبنانيين؛ حيث يرى اللبنانيون أن الانفجار كان المحطة الأخيرة التي أوصلت اللبنانيين إليها عقودٌ طويلة من الفساد وسوء الإدارة التي كانت عليها الدولة والنخب السياسية، واتفاقات المصالح السياسية والتجارية، وموازين القوى، ورفض التغيير، بالرغم من ضرورته!
بدأت أحداث الشارع، التي كانت تجري منذ أشهر بين الحين والآخر، تستأنف من جديد. وبات المتظاهرون الذين عددهم بالآلاف، وجهًا لوجه، مع قوات الأمن. وانتشر الجيش في أجزاء كثيرة من بيروت، لكن ذلك لن يكفي لقمع الشارع أو تهدئة غضبه. وأعلنت حكومة التكنوقراط التي تم تشكيلها بعد أشهر من التظاهرات في لبنان استقالتها. وبالرغم من قبول الرئيس ميشيل عون استقالة الحكومة، فإنه طالبها بمواصلة مهامهما حتى تشكيل الحكومة الجديدة. والحقيقة أن استقالة الحكومة، في مثل هذا الوقت، لن تغير في الأمر شيئًا. بل على العكس، لأن وجود أحد ما في الوزارات قد يسهم في عدم توقف البيروقراطية تمامًا، وفي دفع عجلة نظام الدولة التي تدور ببطء شديد بطبيعة الحال. فعلى سبيل المثال، إلى من سيتم تسليم ما سيأتي من الخارج بعد الاستقالة؟ هل تُسلّم إلى المؤسسات والوزارات، أم إلى الحركات السياسية ذات الأساس المذهبي والطائفي-الديني، التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه؟ يرى البعض أن بالإمكان تسليمها إلى البنك المركزي، لكن رئيس البنك المركزي، هو نفسه، يواجه عشرات التهم بالفساد، منذ مدة طويلة.
رئيس الوزراء المستقيل كان قد صرّح قبل أيام بوجوب إجراء انتخابات مبكرة في البلاد. لكن لبنان يدار بدستور قائم على ديني-طائفي، والنظام بأكمله من مقام رئاسة الجمهورية إلى أصغر المديريات وأقلها فاعلية مؤسسٌ وفقًا للمحاصصة الدينية والطائفة، والنظام الانتخابي كذلك مؤسس وفقًا لهذا الدستور، ولذلك فمن غير المرجح أن تكون الانتخابات المبكرة دواءً ناجعًا لكل هذه المشكلات والهموم. وإلى الآن، لم يتضح بعد مصير الحكومة الجديدة في لبنان (الذي يعاني بطبيعة الحال منذ شهور أزمات عدم التمكن من تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات) أستأتي بالانتخاب أم عن طريق التعيين.
إن حالة الاضطراب وعدم الاستقرار كانت واضحة من خلال التظاهرات التي عمت الشوارع، والأزمات السياسية التي كان لبنان يعيشها منذ شهور. ومع هذا، فإن الدول الوازنة والمؤثرة في الساحة اللبنانية لم تنزل بشكل واضح إلى الميدان. ولكن بعد الانفجار، بدأت بعض الدول، على رأسها فرنسا والولايات المتحدة التي دعمت فرنسا، وبعض دول الخليج (من بينها الإمارات العربية المتحدة التي خرجت بطرح “إن إعادة بناء الميناء علينا) بالظهور. أما من الكتلة المقابلة كروسيا وإيران، فلم تكن هناك خطوات واضحة حتى الآن. لكن لبنان، مع الأزمة الاقتصادية والتضخم وعدم الاستقرار السياسي والانفجار، إضافة إلى الغضب الشعبي الكبير، بات على وشك التحول مرة أخرى إلى ساحة مفتوحة للصراع على النفوذ، بالنسبة إلى العديد من الدول. ويتصاعد النظام القائم على الطائفية الذي يفسد كل مقترحات الحلول أمام الناس الذين يرغبون في التغيير. فهذا النظام هو أرضية خصبة للعديد من الدول، من بينها فرنسا، التي حولت لبنان إلى دائرة لنفوذها. ويبدو أن لا أحد يريد تغييرًا جذريًا في لبنان، غير اللبنانيين، وأن لبنان مقبل على أيام مظلمة في كل الأحوال.
سورية.. والنفط وغيره
أما في سورية، فبينما ترتفع درجة حرارة الأجواء في إدلب رويدًا رويدًا مرة أخرى، ترد إشارات من الميدان مفادها أن الجيش السوري المدعوم من روسيا يستعد لموجة جديدة من العمليات. لكن القضية التي تتصدر جدول أعمال دمشق في الوقت الراهن ليست هي إدلب، إنما الاتفاقية النفطية الموقعة بين الشركة الأميركية وبين “قوات سوريا الديمقراطية” التي تسيطر على منطقة ثمينة في شرق الفرات.
بداية، ينبغي القول إن هناك شكوكًا كثيرة بخصوص تحقيق شركة النفط الأميركية أرباحًا كبيرة، بل ربما لا تكون هناك أي أرباح من هذه الصفقة؛ حيث إن المرافق النفطية الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” قد أصيبت بأضرار كبيرة، كما هي الحال في سورية كلها، وهي بحاجة إلى ميزانيات كبيرة لإصلاحها. وبموجب الصفقة، فإن الشركة الأميركية ستعمل من خلال مصفاتي نفط متنقلتين صغيرتين، ولا يُعرف متى تُنقل هاتان المصفاتان إلى المنطقة.
كان النفط منذ فترة طويلة يستخرج في تلك المنطقة عادةً بوسائل بدائية، وكان يباع أو يرسل إلى دمشق، عبر بعض الوسطاء، ومن ثم يعاد مرة أخرى كنفط مكرر ومعالج. ولكن يبدو أن العلاقة التجارية المتبادلة هذه قد انتهت مع دخول الولايات المتحدة على الخط.
وثمة أقاويل تفيد بأن الشركة الأميركية ستبيع النفط الذي ستستخرجه إلى أربيل، غير أنه ليس من الخطأ القول إن أربيل العراق الغني بالنفط لا يحتاج أصلًا إلى النفط السوري، الذي يفتقد إلى الجودة العالية.
لكن هناك طرفين هما بأمس الحاجة إلى هذا النفط: الأول دمشق، والآخر هو “الإدارة الذاتية”؛ فدمشق بحاجة إلى حقول النفط وعائداته، على الأقل من أجل تلبية احتياجات البلاد الداخلية التي تفاقمت نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تلت وضع الولايات المتحدة عقوبات قيصر حيز التنفيذ.
أما إدارة الحكم الذاتي التي تؤمن ريوعًا من بيع الماشية والقمح من الحسكة التي تعد مخزن غلال سورية، ومن المناطق المحيطة بها، وتنقلها إلى أربيل. فإن قدرتها على التعامل مع النفط، بما يكفي لتلبية احتياجاتها وتحقيق بعض الدخل، ستكون إحدى الورقات الرابحة التي تقوي بها قبضتها ضد دمشق.
والسؤال الذي يظهر: ما الذي يدفع شركة أميركية صغيرة، لم يُسمع باسمها من قبل، إلى الإقدام على القيام بأعمال تجارية في مكانٍ يُشك فيه بتحقيق الربح، وفي منطقةٍ يسودها خطر الاشتباك الدائم؟
بحسب دمشق، التي أبدت أقسى ردود الافعال على هذا الاتفاق، لا توجد لا شركة نفط، ولا أي شيء من هذا القبيل. إذ إن الولايات المتحدة تسعى لإخراج إدارة الحكم الذاتي من محور “العلاقة بين SDG-PKK التي تعد تهديدًا للأمن القومي” التركي. ولما كانت العلاقات التركية الوثيقة بأربيل معلومة، فإن أي تقارب لإدارة الحكم الذاتي- SDG مع أربيل قد يثير حفيظة تركيا، ويشحذ ردة فعلها. وتحاول الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، بسط نفوذها القوي والعميق في المنطقة، من دون أن تضع قوات عسكرية كبيرة لها على الأرض.
إضافة إلى ذلك، فإن الشمال السوري في حالة غليان أيضًا، بسبب الاشتباكات المتصاعدة منذ مدة، في دير الزور، بين بعض العشائر و”قوات سوريا الديمقراطية”. وقد حرصت كل من دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” على عدم المواجهة، على الرغم من التصريحات القاسية المتبادلة بين الجانبين، من وقت لآخر، منذ عام 2011. لكن الأجراس قد تبدأ في القرع في أي وقت مع صفقة النفط هذه.
اسم المادة الأصلي | Lübnan’da öfke Suriye’de gerilim tırmanırken |
الكاتب | هدية ليفينت- Hediye Levent |
المصدر وتاريخ النشر | صحيفة أفرنسال- evrensel gazetesi- 13.08.2020 |
رابط المادة | https://bit.ly/3kVDR4M |
المترجم | قسم الترجمة- علي كمخ |
عدد الكلمات | 934- 1272 |