ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

قال الرئيس بشار الأسد إن الملايين من المواطنين الذين فرّوا إبّان الحرب يُمنعون من العودة، لكنه تجاهل السبب الرئيس لعدم عودتهم: إنه الأسد نفسُه

الرئيس بشار الأسد يخاطب افتراضيًا المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين إلى سورية الذي نظمته روسيا في دمشق، الصورة وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عبر أسوشيتد برس.

هذا الأسبوع، استضافت الحكومة السورية مؤتمرًا باذخًا في العاصمة دمشق، بهدف محاولة إعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ، فرّوا من الحرب الأهلية في البلاد، إلى ديارهم.

قال الرئيس بشار الأسد للحاضرين إن الدول الغربية التي ألحقت الضرر بالاقتصاد السوري من خلال العقوبات منعتهم من العودة، وعملت على إبقاء اللاجئين في الدول المجاورة. لكنه تجاهل السبب الرئيس الذي يجعل كثيرًا من اللاجئين يقولون إنهم غير مستعدين للعودة: إنه الرئيس نفسه، فمعظم اللاجئين يخافون من العودة إلى ديارهم، ما دام الأسد وحكومته باقين في السلطة.

يسرى عبدو، 40 عامًا، التي فرّت إلى لبنان بعد اندلاع الصراع في عام 2011، قالت: “أنا لا أثق في النظام، ولا في بشار”. فمنذ بداية الصراع، اختفى صهرها بعد أن جُندّ في الجيش السوري، واستولى الموالون للحكومة على منزلها. وتابعت قائلة: “مع وجود هذا النظام، لا يوجد أمان، ولا عودة”.

لاجئون سوريون يقطفون البقدونس في تركيا العام الماضي. إنهم من بين أكثر من ستة ملايين لاجئ فروا من الحرب الأهلية في البلاد. صورة موريشيو ليما لصحيفة نيويورك تايمز

منذ أن بدأت الحرب في سورية، مع احتجاجات الربيع العربي التي دعت إلى الإطاحة بالسيد الأسد، هُجرّ أكثر من نصف سكان البلاد قبل الحرب، وأصبحت أزمة اللاجئين في سورية واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا في الشرق الأوسط. فقد سجلت الأمم المتحدة أكثر من (5,5) مليون سوري كلاجئين، يعيش معظمهم في لبنان وتركيا والأردن. وهاجر أكثر من مليون شخص آخر إلى أوروبا، ويقول خبراء اللاجئين إنهم لا يتوقعون عودة أعداد كبيرة من المهجرين إلى ديارهم، ما لم تكن هناك تغييرات أساسية داخل سورية نفسها.

ناصر ياسين، أستاذ السياسة والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، الباحث في قضايا مجتمعات اللاجئين، قال: “لن يعودوا. إن عوامل العودة إلى الوطن: الأمان، إعادة بناء المنازل، إتاحة الفرصة للعمل، وتوفير الخبز للناس.. كلها غيرُ متوفرة في سورية”. وكحال كثير من الخبراء، لم يتوقع تحسنًا في هذه القضايا، من دون تغيير سياسي في دمشق وإعادة إعمار كبيرة، ولا يبدو أن أيًا منهما أمرٌ محتمل.

غادر معظم اللاجئين في الأعوام الأولى من الحرب، عندما دمّرت المعارك بين القوات الحكومية والمتمردين المسلحين البلداتِ والمدن. واستمر النزوح الجماعي مع استغلال الجماعات الجهادية -مثل تنظيم الدولة الإسلامية- الفوضى لتتوسع، وأرسلت دول عديدة، منها تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، قواتٍ لدعم حلفائها السوريين.

مقاتلو الجيش السوري الحر في ضواحي دمشق في كانون الثاني/ يناير 2012، في المراحل الأولى من الحرب ضد الأسد، صورة توماس منيتا لصحيفة نيويورك تايمز

الآن، يبدو أن السيد الأسد آمنٌ، وأن حدّة المعارك الكبيرة قد خفّت، لكن هذا الهدوء النسبي لم يتسبب في عودة أعداد كبيرة من اللاجئين، على الرغم من أن معظمهم يعيشون في فقر مدقع، في البلدان التي ترغب في أن يغادروها.

وفقًا للأمم المتحدة، منذ عام 2016، عاد حوالي (65) ألف لاجئ فقط من لبنان إلى سورية، بينما اختار أكثر من (879) ألفًا البقاء في بلدٍ يعاني أزمات سياسية واقتصادية. وعدد اللاجئين في الأردن لم ينخفض إلى أقل من (650) ألفًا منذ عام 2016. وتقول تركيا إن أكثر من (400) ألف لاجئ انتقلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها في شمال سورية في السنوات الأخيرة، لكن هذا العدد جزء بسيط من أصل (3,6) مليون لاجئ تستضيفهم البلاد. ويتفق خبراء اللاجئين على أن معظم المهجرين يرغبون في العودة إلى ديارهم، لكنهم يذكرون عددًا من الأسباب التي تجعلهم لا يفعلون ذلك.

سورية بلدٌ ممزّق، ولا يحكم الأسد سوى جزءٍ من أراضيها. مدنها متضررة، أي أن بعض اللاجئين ليس لديهم منازل يعودون إليها، إضافة إلى أن انهيار اقتصادها ومقاومة العديد من الحكومات للتعامل مع الأسد منعا إعادة الإعمار على نطاق واسع. وعلاوة على المخاوف المادية، فرّ معظم اللاجئين من العنف الذي ارتكبته حكومة الأسد، وهم يخشون الآن أن تكون العودة إلى ديارهم سببًا للاعتقال أو التجنيد الإجباري في جيشه.

لم تُناقش أيٌّ من هذه القضايا في مؤتمر سورية الذي استمر يومين حول عودة اللاجئين، واختتم أعماله في دمشق يوم الخميس، 21 تشرين الثاني/ نوفمبر. وبدلًا من ذلك، أكّد رهطٌ من المتحدثين وخطاب بالفيديو للسيد الأسد روايته للحرب، حيث ألقى باللوم فيها على مؤامرة دولية، هدفها إطاحة حكومته، بواسطة الجماعات الإرهابية. وشكر السيد الأسد في خطابه كلًا من روسيا وإيران اللتين ترسلان دعمًا عسكريًا لقواته، واتهم الدول العربية والغربية باستخدام اللاجئين، كـ “مصدر دخل مربح لمسؤوليهم الفاسدين”، ومنعهم من العودة إلى سورية.

وقال الأسد: “بدلًا من اتخاذ إجراءات فعالة لتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم، استخدمت هذه الدول كل الوسائل الممكنة، من الرشوة إلى الترهيب، لمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم”.

حتى قبل افتتاح المؤتمر، في مركز المؤتمرات الكهفي، حيث ملأ المندوبون المختارون للمناسبة القاعة، مع ترك فراغات بين المقاعد لمنع انتشار فيروس كورونا، واجه الحدث مقاومة من الأطراف ذات الرهانات العميقة في قضية اللاجئين.

من بين الحاضرين في المؤتمر الذي عُقد في دمشق يوم الأربعاء 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ووليد المعلم، وزير الخارجية السوري. صورة لؤي بشار / وكالة الصحافة الفرنسية صور جيتي

رفضت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الحضور، وكذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي ووصفت المؤتمر بأنه “سابق لأوانه”. وأوردت الكتلة في بيان أسباب عدم تمكن اللاجئين من العودة إلى ديارهم بأمان، ومن ضمنها حالات الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية والتجنيد الإجباري وسوء الخدمات الاجتماعية أو انعدامها والعنف الجسدي والجنسي والتعذيب.

أرسلت حوالي 20 دولة أخرى ممثلين، من ضمنها الصين وروسيا وباكستان والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا. لكن تلك الدول تستضيف القليل من اللاجئين، إن وجد في بلدانها لاجئون أصلًا. ومن بين الدول الثلاث التي تستضيف الغالبية العظمى من اللاجئين، أرسل لبنان ممثلًا له. ولاحظ المشاركون في المؤتمر وجودًا روسيًا قويًا، بدا في بعض الأحيان أنه يفوق حضور الحكومة السورية، حيث قام حرّاس الأمن الروس المزودين بأجهزة اتصال لاسلكي بدوريات في مركز المؤتمرات، بينما كان المسؤولون المدنيون والعسكريون الروس يحضرون الجلسات في الداخل. وقام مسعفون روس بقياس درجات حرارة الأشخاص الذين يدخلون الباب الرئيس، ووزعوا أقنعة الوجه على الحضور من الروس.

وقال محللون إن المؤتمر بدا وكأنه كان مدفوعًا بدرجة أقل بالاهتمام باللاجئين من الحسابات السياسية والاقتصادية الروسية والسورية. فروسيا سعت بجد لضمان انتصار الأسد، منذ تدخلها لمساعدة قواته في عام 2015، وهو استثمار لا يؤتي أُكُله، إذا ظلت سورية في حالة من الفوضى. وترى الحكومة السورية أن الترحيب باللاجئين في الوطن وسيلة لتجديد قواها وربما إطلاق المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.

خضر خضور، الباحث غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، قال: “النظام بالكاد ينجو من الناحية الاقتصادية، ويحتاج إلى أشخاص جدد للحفاظ على بنيته التحتية العسكرية تعمل. وكل دولار يدخل دمشق يصبّ في مصلحة النظام”. لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن المؤتمر أثار أي حماسة بين اللاجئين أنفسهم.

مهند الأحمد، الذي فرّ إلى لبنان في وقت مبكر من الحرب، تساءل: “إذا دعتنا الحكومة السورية للعودة، فهل سيقدمون لي ضمانات بعدم اعتقالي بسبب الخدمة العسكرية؟ وهل يمكن للحكومة أن توفر لي منزلًا وطعامًا وعملًا في سورية؟”.

اسم المقال الأصليSyria Seeks Return of Refugees, but They Fear Leader’s Wrath
الكاتببن هبارد، Ben Hubbard
مكان النشر وتاريخهنيويورك تايمز، The New York Times، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020
رابط المقالhttps://nyti.ms/2UywZ12
عدد الكلمات1157
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة