في سرديّات اللاجئين السوريين
ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
المحتوى:
الملخص
1. المقدمة
2. تأملات منهجية
3. الطائفية وسورية – مقاربات نظرية
3.1. من الطائفية إلى التطييف
3.2 المشهد السردي الرئيس في سورية
4. تتبع التطييف: سرديات اللاجئين السوريين عن الثورة والحرب الناشئة
4.1 المطالبة بالحرية: سرديات الأمل
4.2 كسر جدار الصمت: سرديات الخوف
4.3 شبح حماة: سرديات الاستهداف والإيذاء
4.4. مواجهة الآخر المتدين/ الديني: سرديات الكراهية وعدم الثقة
5. الاستنتاجات
الملخص
حاولت كثيرٌ من الأبحاث الحديثة فهم دور الطائفية في الصراع السوري، إلا أن قلة من الدراسات تناولت هذه القضية بنظرة عمودية، من القاعدة إلى القمة، من خلال دراسة تجارب الناس اليومية والمعيشة. تسعى هذه الدراسة للوصول إلى مسارات تشكيلات الهوية الطائفية، من خلال روايات اللاجئين السوريين التي تعبّر عنها قصصٌ تدور حول الثورة والحرب الأهلية الناشئة. وتتساءل الدراسة عن الكيفية التي يُختبر فيها الجدل الطائفي وانعكاسه، من منظور السرديات الجزئية للاجئين، ومن الطرق التي تتوافق بها هذه التجارب مع الأطر المسيسة التي تعمل على المستوى الكلي. من خلال اتخاذ مفهوم “الطائفية” نقطة نظرية، تدافع الدراسة عن مقاربة هوية ديناميكية، عند محاولة فهم العمليات المعقدة للهويات المتنازع عليها والمتنافسة. وتشير الدراسة إلى أن استخدام مفهوم “التطييف“، بدلًا من الطائفية، قد يُقدّم فهمًا أكثر دقة للعمليات التي يتم فيها بناء الهويات الدينية بصورة خطابية مطّردة وتعبئتها، في صراعات مثل الصراع السوري.
يعتمد التحليل الكيفي لهذه الدراسة على مقابلات سردية عميقة، مع لاجئين سوريين متعددي الديانات يقيمون في النرويج، تنقسم قصصهم إلى أربع مجموعات سردية، وتتناول الأمل والخوف والإيذاء أو التضحية وكذلك الكراهية وعدم الثقة. من خلال عمليات تطرف الثورة والحرب، تسرد كل مجموعة من هذه المجموعات ذكريات ولحظات وتجارب معينة، أسهمت -بطرق مختلفة- في معرفة وتشكيل قضايا الهوية وتصورات “الآخر الديني”. وتكشف قصصهم مجتمعة منعطفًا مهمًا، يمكن من خلاله دراسة التعقيدات المحيطة بالدين والهوية والصراع، دراسة أوضح وأدق.
المقدمة
“أتيحت لنا الفرصة لتنفس الحرية، وكان ذلك شعورًا رائعًا. لقد شعرتُ بأننا وُلدنا من جديد”؛ “الطائفية تجري في دم سورية.. إنها ليست قضية إيجابية أو سلبية، إنها واقع”؛ “وصلت الطائفية إلى نقطة يعرف فيها الجميع أنها الآن باتت أبدية، وستجرف الجميع إلى الجحيم”!
تصوّر تمثيلات اليوتوبيا والديستوبيا إطارَين قهريين، مجازيًا، يلفّان القصص التي جمعتها من اللاجئين السوريين في المنفى. وهما يؤطران معًا مساحة سردية تحدث فيها تعددية مطّردة لأصوات اللاجئين. تتأرجح تلك الأصوات، بين الآمال المليئة بالحيوية عن عصر جديد وديمقراطي بدأ بالثورة في عام 2011، ومشاعر اليأس بالانحدار اللاحق إلى العنف والحرب والتهجير القسري. إن مسألة “الطائفية” أو الطرق التي يتم بها بناء الهويات والاختلافات الدينية وتعبئتها واكتسابها للزخم، اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا، هي جزءٌ لا يتجزأ من هذه القصص.
إن حالة الطائفية في سورية، من منظور اللاجئين السوريين، ظاهرة مثيرة للاهتمام لا بدّ من دراستها؛ حيث إن تاريخ البلاد الطويل، من التنوع العرقي والديني والتعايش السلمي بين الثقافات، مثيرٌ للاهتمام والتساؤل، وإن لم يكن بالضرورة تفسيرًا مشتركًا للماضي يتقيد به جميع السوريين. وراء أحداث عام 2011 وما بعده، هناك سياق متعدد الطبقات يثير سؤالًا عامًا وشاملًا، عن الأسباب التي جعلت سورية تنحدر بهذه السرعة إلى صراع عنيف، وتغذي الانقسامات على أسس طائفية. تتمثل إحدى طرق تتبع “جذور ” وتطور هذه الخلافات وآثارها الدينية، إن جاز لنا التعبير، في أن نصغي جيدًا للاجئين السوريين المشتتين في بقاع الأرض، عن تلك الخصومات وتداعياتها الدينية. تحاول هذه الدراسة، مسترشدة ببعض الأسئلة، تتبع عمليات التطييف [استخدام الطائفية في المشهد] من خلال الأصوات السورية في النرويج: كيف يُعاش النقاش الطائفي، وكيف ينعكس عليهم، من منظور اللاجئين وعلى مستوى السرد الجزئي؟ وكيف تتوافق هذه التجارب مع الأطر المسيسة التي تعمل على المستوى الكلي؟
على الرغم من الكميات المتزايدة من الأدبيات المتعلقة بدور الطائفية في الصراع السوري، فإن قليلًا من الدراسات تناول هذه القضية، من منظور الدراسات الاجتماعية والثقافية أو الدينية. وعدد أقلّ منها يستمر في استكشاف تشكيل الهويات الطائفية والخطابات، من روايات اللاجئين المباشرة [2]. وبناء على ذلك؛ هناك حاجة إلى فهم أكثر دقة لكيفية عمل الدين والهويات على الأرض في الصراعات المعقدة، مثل الذي يجري في سورية. على وجه الخصوص، كما أوضحت آن ماري كورتي ولوسيان فان ليير، نحتاج إلى النظر عن كثب في كيفية “تشكيل الهويات الدينية السائلة، و(إعادة) اختراعها و(إعادة) تخصيصها أو إعادة ملاءمتها، ضمن الأطر الثقافية والسياسية المتغيرة”.
استجابةً لهذه الدعوة؛ تسعى هذه الدراسة للوصول إلى مسارات تشكيلات الهوية الطائفية، من خلال روايات اللاجئين التي عبّرت عنها السرديّات التي تدور حول الثورة والحرب الأهلية الناشئة. وبالتحديد، تتساءل هذه المقالة عن كيفية أن شذرات من قصص التجربة الذاتية للاجئين تعرض الإطار الاستطرادي للطائفية وتعيد تقويمه وتتحقق من صحته، أو تنقضه وتنفيه. سأوضح أننا ننقل تجارب اللاجئين بوساطة الخطابات، وهي موجودة في تقاطع السرديات الجزئية والكلية، والقصص الأصغر والأكبر، والشهادات الفردية والخطابات الاجتماعية السياسية. وإذا أخذناها مجتمعة، فإنها تكشف عن منعطف مهمّ، يمكن من خلاله دراسة التعقيدات المحيطة بالدين والهوية والصراع.
باتباع نظرة منهجية عامة، تبدأ هذه الدراسة بفحص نقدي لمفهوم “الطائفية”، وتوضّح أن المقاربات المختلفة نظريًا تتفاعل مع المصطلح في تحليلات الصراع السوري. وتبدأ بتقديم لمحة عامة عن المشهد السردي الرئيس في سورية، قبل تخصيص الجزء الأخير للتحليل الكيفي، حيث تُستكشف عمليات التطييف من الأسفل، بالاعتماد على الروايات التي يسردها اللاجئون السوريون. تنقسم القصص إلى أربع مجموعات سردية، وتتعامل مع الأمل، والخوف، والإيذاء، والكراهية وعدم الثقة. وتكشف كلّ مجموعة من هذه المجموعات عن لحظات وأحداث وتجارب معينة، قامت بطرق مختلفة بتشكيل التصورات حول قضايا الهوية والاختلافات الوليدة التي تنشأ عندما يتقاطع الصراع والدين في المسارات السردية للحرب.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل