بشار الأسد، الذي أضعفته الأزمة الاقتصادية، أهدى نفسه برلمانًا بمتناول يده، مؤلفًا من أعضاء في حزب البعث، ومن رجال ميليشيات سابقين، ومن رجال أعمال موالين. ولم يشارك أي معارض في الاقتراع.

تتوافق هذه النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات، خلال مؤتمر صحفي عُقِدَ يوم الثلاثاء 21 تموز/ يوليو بدمشق، مع قاعدة غير مكتوبة تمنح ثلثي مقاعد المجلس على الأقل إلى هذا الائتلاف. وكان حزب البعث ومن يدور في فلكه قد فاز في الانتخابات السابقة بعدد مشابه تقريبًا من المقاعد، أي 187 مقعدًا.

لم يرشح نفسه في هذه الانتخابات أي عضو في المعارضة الموصوفة بـ “المُحتملة”، المستقرة بدمشق والتي لا تنادي برحيل الرئيس بشار الأسد. أما المعارضة القريبة من روسيا، والموجَّهَة من قبل الكرملين، حامي النظام السوري، فلم تقدم هي الأخرى أي مرشح.  

لم تنج هذه الانتخابات من أن تصفها المعارضة المقيمة في الخارج بـ”المسخرة”. “ملايين المنتخبين السوريين صوتوا بأرجلهم حين ساروا على طريق المنفى والهجرة الإجبارية  بفعل إرهاب الأسد ورعاته، روسيا وإيران“، كما سخر الائتلاف الوطني السوري، الهيئة الرئيسة المضادة للأسد، التي اتخذت من استنبول في تركيا مقرًّا لها. أما الخمسة ملايين سوري الذين دفعتهم المعارك إلى الخروج من بلدهم وهم في غالبيتهم العظمى من الذين يعادون بقوة سلطات دمشق، فلم يستطيعوا المشاركة في التصويت.

“مستقلون” موالون للنظام

كانت قد أقيمت مكاتب للتصويت في معاقل التمرد سابقًا، تلك التي استعيدت خلال السنوات الأخيرة من قبل القوات الموالية للحكومة، مثل الغوطة، في ضواحي دمشق، وشرقي حلب، وكذلك منطقة درعا، جنوب سورية.

لكن هذه المناطق، في معظمها، خالية من السكان. وأغلب السكان الذين لم يرحلوا إلى الخارج وجدوا ملجأ لهم في نواحي إدلب، آخر معقل للتمرد، الواقعة في منطقة الشمال الغربي للبلاد. “لم تعرف سورية انتخابات حرّة وصحيحة منذ وصول حزب البعث والأسد إلى السلطة” قبل نصف قرن، “ولا تؤلف انتخابات هذه السنة أي استثناء“، كما قدَّرت وزارة الخارجية الأميركية.

المُنتَخَبون الجدد المنتمون إلى البعث، اختيروا جزئيًّا إثر انتخابات داخلية، كان يفترض بها تنشيط حزب مُجَمَّدٍ ومُهَمَّش منذ وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000.

أما النواب الآخرون، باستثناء قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، فقد قدموا من آفاق متباينة، حتى وإن كانوا جميعًا موالين للنظام. نجد من بينهم شخصيات منحدرة من المجتمع المدني، مثل نبيل الياس، المسؤول عن الجمعية الخيرية للأقلوي سامر فوز؛ ومقاولين مرتبطين بالنظام؛ وزعماء حربيين سابقًا تحولوا إلى السياسة مثل باسم سودان وفاضل ورده. كانت الموافقة على ترشيحهم قد جرت قبل الاقتراع من قبل حزب البعث والجهاز الأمني السوري، اللذيْن تأكدا من الولاء الكامل لهؤلاء “المستقلين”.

“الطاعة العمياء أو الطرد”

سمح هذا الاختيار المسبق الكتوم للنظام السوري استبعاد ترشيح عددٍ من النواب السابقين أنفسهم، من الذين  يُعتبرون متقلبين للغاية، وجرى إقناعهم بألا يتقدموا لترشيح أنفسهم ثانية.

كان من بينهم الشركسية (أي من مجموعة السكان ذوي الأصول القوقازية) جانسيا كازان، من القنيطرة، في منطقة الجولان، المنخرطة بشدة في الدفاع عن عائلات “الشهداء” وجرحى الحرب، وكذلك العلوي نبيل صالح، وهو شيوعي سابق، اشتهر بخطبه الطويلة ضد الفساد والمستفيدين من الحرب. ، وكانت لجنة الانتخابات (وهي أنف المخابرات، أي الأجهزة الأمنية) قد وافقت على أن يتقدم للترشيح  2100  من أصل 8735 مرشح.

A Douma, en banlieue de Damas, le 19 juillet.
في دوما، بضواحي دمشق، يوم 19 تموز/يوليو. عمر صناديقي/ رويتر

فالرجل المبصر للغاية، فارس شهابي، رئيس اتحاد الغرف الصناعية السورية، الذي كان قد تجاوز النصائح التي وجهت إليه كي لا يرشح نفسه، لم يُنتخَب. كان هذا الممثل للبورجوازية التجارية الحلبية في مقدمة المدافعين عن نظام الأسد في وسائل الإعلام الدولية، وكان ينتقد بسهولة الأثرياء الجدد، الذين برزوا بفضل الحرب، مثل حسن قاطرجي. “الرسالة واضحة: إما الطاعة العمياء لنظام الفساد الذي يعيش ذروة ازدهاره، وإما الطرد والعقاب، كما عبَّر المرشح المسكين عن رد فعله على صفحته في الفيسبوك. لو كنتُ قد هزمتُ في انتخابات شفافة ونظيفة لكان الأمر مختلفًا“.

يظهر البرلمان الجديد إذن مؤلفًا أكثر من أي وقت مضى من نواب مطواعين أو انتهازيين أو متحمسين أيديولوجيًا، رهن إشارة بشار الأسد. ففي المرحلة الصعبة التي يجتازها نظامه، وهو يواجه انهيار الليرة والعقوبات القاسية غير المسبوقة التي قررتها ضده الولايات المتحدة الأميركية (قانون قيصر)، أراد الرئيس الأسد على وجه الاحتمال الشديد تأمين ظهره. ذلك أن هذه النتائج تحمل على توقع انتخابات رئاسية ذات اتجاه واحد في عام 2021، حين سيضع بشار الأسد ولايته على المِحَكّ.

عنوان المادة: En Syrie, des législatives sous contrôle pour tenter de stabiliser le régime

الكاتب: بنيامين بارت Benjamin Barthe

المترجم: بدرالدين عرودكي

مكان النشر: صحيفة اللوموند ، 24/7/2020

رابط المقال:    https://bit.ly/39n3HsV

عدد الكلمات : 943