أشار تقييم لوزارة الخارجية الأميركية إلى أن النظام السوري يزيد الانهيار الاقتصادي في لبنان سوءًا
ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
وفقًا لتقييم مشترك بين وزارة الخارجية والكونغرس، في هذا الصيف، حصلت عليه مجلة السياسة الخارجية (فورين بوليسي)، فإن إدارة ترامب قلقة من أن نظام بشار الأسد في سورية يعمل على تقويض لبنان المجاور، من خلال رفع أسعار الصرف لعملته الضعيفة، وزيادة نفوذه على الحكومة الهشة، بواسطة حزب الله المدعوم من إيران.
وقال الخبراء: تحت ضغط العقوبات الأميركية والدولية -بسبب انتهاكات النظام لحقوق الإنسان واستخدامه الأسلحة الكيمياوية في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ قرابة عقد من الزمان- كان نظام الأسد يعتمد منذ مدة طويلة على اختلاس الأموال من النظام المصرفي اللبناني وتهريب الأموال النقدية عبر الحدود، إلى جانب الوقود والدقيق والقمح، وهو أمرٌ واجهت السلطات اللبنانية صعوبة في منعه.
يواصل نظام الأسد ممارسة نفوذه داخل الحكومة اللبنانية، بواسطة حزب الله وحلفاء سياسيين آخرين، ويقوض هذا الأمرُ استقلال لبنان وسيادته. ويشير التقرير إلى أن مثل هذا التأثير يشكل تحديات كبيرة أمام استقرار لبنان. وقد ساهم نظام الأسد في الانهيار الاقتصادي الأخير في لبنان، إذ حاول استخراج أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية من السوق اللبنانية، تاركًا الدولار بمقدارٍ نادر جدًا في لبنان، وتسبب ذلك في رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، حيث شهدت العملة اللبنانية انخفاضًا بنسبة 80 في المئة في العام الماضي، وهو انخفاض دفع العديد من العمال المهرة، مثل الأطباء، إلى مغادرة البلاد.
احتلت القوات السورية لبنان لما يقرب من 30 عامًا، حتى عام 2005، عندما أجبرت الانتفاضة الشعبية، بعد اغتيال رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري (الذي عارض وجود تلك القوات الأجنبية على الأراضي اللبنانية) تلك القوات على الانسحاب. ومنذ ذلك الحين، يسعى نظام الأسد إلى الحفاظ على بسط نفوذه على جاره الأصغر، باستخدام حزب الله والجماعات السياسية الأخرى، وتضاعف هذا الهدف بعد أن تعرضت سورية لضغوط شديدة من العقوبات الأميركية والدولية.
نيكولاس هيراس، مدير العلاقات الحكومية في معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث في واشنطن، قال: “ليس سرًا أن نظام الأسد يشير صراحة إلى لبنان والنظام المالي اللبناني، على أنهما رئتا سورية. وعندما بدأ الاقتصاد اللبناني الانهيار، العام الماضي، أثّر ذلك فعليًا في قدرة النظام على الوصول إلى احتياطياته من العملات الأجنبية”.
يحافظ الأسد أيضًا على علاقات وثيقة مع سليمان فرنجية، رئيس حركة المردة اللبنانية التي شغلت مقعدين في الحكومة الأخيرة.
قبل الاحتجاجات واسعة النطاق التي أطاحت حكومة لبنان السابقة، العام الماضي، تعهّد رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، بالابتعاد عن الحرب الأهلية السورية التي امتدت إلى نحو عقد كامل، منذ بداية الربيع العربي 2011.
كُلّف الحريري بتشكيل حكومة، في تشرين الأول/ أكتوبر، بعد أشهر فقط من استقالة الحكومة السابقة، بعد انفجار مدمّر في ميناء بيروت خلّف أكثر من 200 قتيل، لكنه لم ينجح حتى اليوم في التعامل مع السياسة الطائفية الحساسة في لبنان. سيجبر الانفجار السلطات اللبنانية على إعادة بناء الميناء المدمر، حيث لا تزال البلاد تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الواردات، وهناك خشية من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على الحكومة، لطرد أكثر من (1.5) مليون لاجئ في البلاد، نزح كثير منهم بسبب الصراع السوري.
وقال مساعد أحد أعضاء مجلس الشيوخ: “سيكون من الأسهل، على بعض السياسيين في لبنان، تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية، والبدء في دفع الناس للعودة، هذا مصدر قلق منذ مدة طويلة. كلما ازدادت الأمور سوءًا في لبنان؛ أصبح الخوف أكثر واقعية”.
الأسد، الذي يواجه أزمة العقوبات الأميركية، وهو يحاول تعزيز ما تبقى من ساحة المعركة السورية، يتخذ الاتجاه المعاكس، عندما يتعلق الأمر بالتدخل في لبنان. حيث قالت حنين غدار، وهي باحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: إن النقص في السلع الأساسية، ومن ضمنها الأدوية، سمح لسورية وإيران بإغراق السوق بمنتجاتهما الخاصة. وقالت: “كلما قلّت قدرة لبنان على الاستيراد، زاد تحكم حزب الله في المؤسسات اللبنانية، وأصبحت هذه السوق الموازية أقوى. إيران وسورية ستستفيدان من هذا”.
بدأت إدارة ترامب، في ظلّ ما يسمى بحملة الضغط الأقصى العسكري والاقتصادي على إيران، في إدراج الكيانات اللبنانية والمشرعين المرتبطين بحزب الله، ومن ضمنها مصرف جمّال الائتماني (Jammal Trust Bank) في قائمة العقوبات العام الماضي.
في غضون ذلك، أصبحت التوقعات الاقتصادية للبنان أكثر خطورة، وتنذر بكارثة، حيث يتوقع البنك الدولي تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حوالي (-19) في المئة هذا العام. وألقى بنك (التنمية) باللوم على السلطات اللبنانية، لفشلها في العمل على إصلاحات شاملة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. جمعت قمة المساعدات في آب/ أغسطس، بعد انفجار بيروت، بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قرابة 300 مليون دولار لتقديم مساعدة فورية للشعب اللبناني. لكن ماكرون، الذي يستضيف مؤتمرًا آخر للمساعدات يوم الأربعاء، أشار إلى أن فرنسا ستمنع المزيد من المساعدات المالية، حتى يقوم لبنان بترتيب بيته السياسي. ويضاعف هذا الأمر تمامًا الضغطَ المالي الفوري الذي يواجهه لبنان.
وتقول حنين غدار: “لن يعود لدى البنك المركزي أيّ احتياطيات بعد الآن، ما يستخدمونه هو ودائع الناس. كانوا ينفقونها لدعم الأدوية والوقود والقمح. في نهاية المطاف، سوف يستنفدون احتياطات البنك المركزي من الودائع، وعندئذ؛ لن يكونوا قادرين على دعم أي شيء”. لكن الخبراء قالوا إن الضغط الناجم عن عمليات سحب العملة السورية والمجتمع الدولي لم يحفّز الحكومة اللبنانية (المتهمة بالفساد منذ أمد طويل) على تغيير أساليبها. وتتابع غدار قائلة: “إنهم يرفضون الإصلاح. ويعتقدون بغباء أن إدارة بايدن ستأتي وتنقذ الموقف. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يُنقذ لبنان، في كل مرة”.
اسم المقال الأصلي | U.S. Fears Syria’s Assad Meddling in Fragile Lebanon |
الكاتب | جاك ديتش،Jack Detsch |
مكان النشر وتاريخه | فورين بوليسي، 2 كانون الأول/ ديسمبر 2020 |
رابط المقال | https://bit.ly/3mNQSO6 |
عدد الكلمات | 877 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |