ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

بعد عشرة أعوام من الحرب الأهلية في سورية، لدى إدارة بايدن فرصة لإعادة المشاركة في العملية الدبلوماسية والهوية في إطار جديد، لإنهاء معاناة الشعب السوري. وقد رسم السفير جيفري فيلتمان وهراير باليان إطارًا لوقف دوامة الانحدار في سورية، في هذا المقال الذي نشره معهد كوينسي.

يرِث الرئيس المنتخب جو بايدن أزمة عمرها عشرة أعوام في سورية، ما تزال تطرح تحديات إستراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقويم سياسة الولايات المتحدة بخصوص سورية، مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية للنهوض بمصالحنا.

كان أحدنا معروفًا منذ أعوام، بوصفه منتقدًا قويًا للرئيس السوري بشار الأسد، ولسياسات سورية الداخلية والخارجية. والآخر كان ناقدًا قويًا لفكرة أن الضغط وحده سيغيّر ما نعدّه سلوكًا إشكاليًا. وما تزال خلافاتنا في السياسة العامة، ولا سيّما فيما يتعلق بالرئيس الأسد، قويةً، وتجعل توصيتنا المشتركة أكثر أهمية. والواقع أننا نتفق على أن السياسة الأميركية منذ عام 2011، باستثناء مواجهة تهديد داعش في شمال شرق سورية، فشلت في تحقيق نتائج إيجابية، وأن ذلك المحور ضروري.

تشمل مصالح الولايات المتحدة في سورية القضاءَ على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيمياوية وانتشارها، والتخفيف من معاناة ملايين المدنيين الذين تحطمت حياتهم بسبب خليط من الحرب والقمع والفساد والعقوبات. وإضافة إلى ذلك، سورية هي نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، ومن ضمنها بين الولايات المتحدة وروسيا، وإسرائيل وإيران، وروسيا وتركيا، وتركيا والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. ومن بين المصالح المهمة الأخرى إزاحة عبء اللاجئين عن البلدان المجاورة وعن أوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردات الفعل الشعوبية.

لقد نجحت سياسة الولايات المتحدة الحالية -من حيث التركيز على عزل سورية ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمّرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. وبالقدر نفسه، كانت الجهود التي بذلت في وقت سابق لتدريب وتجهيز وتسليح جماعات المعارضة، للضغط على الأسد من أجل تغيير الاتجاه أو التخلي عن السلطة، فاشلة. وبدلًا من ذلك، أسهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سورية على روسيا وإيران.

إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية أدت إلى حدوث نقص حاد، وأسهمت في انهيار العملة السورية، لكنها لم تُضعف الدعم الأساسي بين الدوائر المحلية الأساسية للأسد، ولم تغير سلوك النخبة الحاكمة. وقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وجعلت من روسيا وتركيا وإيران المتحكمين الرئيسين في مستقبل سورية. وفي الوقت نفسه، توقفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركز على الإصلاحات الدستورية.

والأسوأ من ذلك أن العقوبات العقابية المفروضة على سورية أنتجت عواقب إنسانية ضارة غير مقصودة، من خلال تعميق وإطالة أمد بؤس السوريين العاديين، ومكّنت أمراء الحرب، ودمّرت الطبقة المتوسطة السورية، وهي المحرّك المحتمل للاستقرار والإصلاح الطويل الأجل. ومن المؤكد أن قيادة البلد لا تعاني بسبب تلك العقوبات.

تواجه الولايات المتحدة الآن خيارًا بين النهج الحالي، الذي لم ينجح إلا في الإسهام في إنتاج دولة فاشلة متقيحة، أو عملية دبلوماسية متكررة تهدف إلى وضع إطار مفصّل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، التي ستقابلها، إذا نفذت، مساعدة محددة الأهداف، وتعديلات على العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إن الهدف من هذا الإطار يتلخّص في وقف دوامة الانحدار في سورية، وإعادة تنشيط الدبلوماسية، من خلال تقديم مقاربة مرحلية (على مراحل) تمكّن من إحراز تقدم بخصوص القضايا المتفرقة، ومنح الحكومة السورية ومؤيديها طريقًا واضحًا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهي لا تتصدى للتحدي الإستراتيجي المتمثل في اصطفاف سورية مع إيران وروسيا، وهو تحدٍ غير مقبول من جانب الولايات المتحدة، ولا تحاسب أي شخص على الوفيات المروعة والدمار في سورية، ولا النهج الحالي يفعل ذلك أيضًا.

ترد تفاصيل لبِنات بناء هذا الإطار في ورقة مركز كارتر التي صدرت في أوائل كانون الثاني/ يناير، وهي تستند إلى المشاورات المكثفة التي أجراها المركز مع السوريين، بخصوص جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد وكذلك في المجتمع الدولي.

أولًا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة (كوفيد -19) في سورية من العقوبات. ومن الأمور الملحّة أيضًا تيسيرُ إعادة بناء الهياكل الأساسية المدنية الأساسية، مثل المشافي والمدارس ومرافق الري. ويلي ذلك تخفيف تدريجي يمكن التراجع عنه للعقوبات الأميركية والأوروبية.

لن تبدأ هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض بخصوصها مع الحكومة السورية. وستتحقق آليات الرصد والمراقبة من التقدم المحرز. وستشمل الخطوات إطلاق سراح السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين والوصول إلى المساعدات الإنسانية من دون عوائق في جميع أنحاء البلد، وإزالة الأسلحة الكيمياوية المتبقية، وإصلاح القطاع السياسي والأمني، ومن ضمن ذلك المشاركة بحسن نية في عملية الأمم المتحدة في جنيف، وتوسيع اللامركزية أكثر.

ولكن لا ينبغي أن تكون هناك أوهام؛ فالعوائق التي تحول دون النجاح كثيرة. خاصة أن القيادة السورية لم تبد سوى القليل من الرغبة في التوصل إلى حلول توفيقية. ويستدعي الزخم في هذا النهج التدريجي تحركًا سوريًا يمكن التحقق منه، وإذا ثبت أن ذلك التحرك يقتصر على التشدق بالإصلاح، فسيؤدي ذلك إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية، وقد يؤدي إلى إعادة فرض عقوبات “سريعة وقاسية”.

لقد تخلت أغلب البلدان التي تدعو إلى رحيل الأسد عن هذا المطلب الذي نادت به بشدة قبل أعوام. ولكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في التوصل إلى أي من الإصلاحات المتوخاة في هذا الاقتراح التدرجي. هذه ليست هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن كثير من القتلى والدمار خلال الأعوام العشرة الماضية، بل إنه اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن تسفر فجأة عن نتائج مختلفة عن النتائج التي شهدناها منذ عام 2011. وبوسع الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال إصدارهما علنًا لقائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة، أن تمارسا نوعًا مختلفًا من الضغوط على سورية، للوصول إلى الإصلاحات التي رُفضت حتى الآن. وإن تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة يُتيح فرصة لتركيز واختبار هذا النهج الجديد.

(*) الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز ومواقفه من القضايا المطروحة

جيفري فيلتمان هو زميل زائر في الدبلوماسية الدولية في برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز. تشمل أبحاثه دراسة جهود الأمم المتحدة وغيرها من جهود الوساطة لاستخلاص الدروس بشأن التحسينات المحتملة في منع نشوب الصراعات، وحلّها على الصعيد المتعدد الأطراف في سياق عالمي يزداد استقطابًا. وهو أيضًا باحث كبير في مؤسسة الأمم المتحدة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها.

اسم المقال الأصليThe United States needs a new Syria policy
الكاتب*جيفري فيلتمان وهراير باليان،Jeffery Feltman and Hrair Balian
مكان النشر وتاريخهمعهد بروكينغز،Brookings Institute، 29 كانون الثاني/ يناير 2021
رابط المقالhttp://brook.gs/3tqoHbX
عدد الكلمات890
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة

هراير باليان: مدير برنامج حل الصراعات -مركز كارتر