(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

ملاحظة المحرِّر: “كُتبت هذه المساهمة من الداخل السوري، بواسطة مراسل في لبنان، لم يرغب في الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بالسلامة. ينشر مركز السياسة العالمية (CGP)، من حين لآخر، تحليلات من مصادر غير مسماة لحماية هوياتهم. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء الكاتب، وليست سياسة رسمية أو موقفًا من مركز السياسة العالمية”.

بشار الأسد وزوجته أسماء في أحد مراكز الاقتراع بدمشق يوم الأحد 19 تموز/ يوليو 2020 (إ ف ب)

يصوّت السوريون لانتخاب مجلس تشريعي جديد، في تموز/ يوليو، وهذه ثالث انتخابات تجرى، منذ اندلاع الصراع في آذار/ مارس 2011. يسخر معظم السوريين من العملية الانتخابية؛ حيث لا يُسمح بالترشح للمنصب (نائب في مجلس الشعب) إلا للمرشحين المؤيدين للنظام، من بعد موافقة الأجهزة الأمنية. وهذا يعني أن لا وجودَ لمعارضة النظام في مجلس الشعب السوري، لا معارضة علمانية ولا إسلامية، ولا متطرفة ولا معتدلة.

في الواقع إن أكثر من نصف مقاعد المجلس (عددها 250 مقعدًا) محفوظةٌ لحزب البعث الحاكم وحلفائه في الجبهة الوطنية التقدمية، ولذلك فإن عملية الانتخاب لا تبدو مهمة، للوهلة الأولى. لكن انتخابات 2020 مثيرة للاهتمام، لأن هذا المجلس هو الذي سيوقع على الدستور الجديد، عند اكتماله، وهذا المجلس هو المكلف بترشيح الرئيس المقبل. ولهذه الأسباب، لم يُسمح بمشاركة أيّ معارضة في الانتخاب حتى المعارضة القريبة من النظام (التي تتخذ من دمشق مقرًا لها ويُشاع أنها تابعة لأجهزة الأمن). وكذلك فشل أعضاء المعارضة الموالية لروسيا (التي تدعو إلى التغيير ولكن تحت القيادة الحالية) في المشاركة في الانتخابات. وفي المقابل، المنتفعون من الحرب هم الذين يشغلون مكانًا على اللوحات الانتخابية، إلى جانب رجال الميليشيات الذين ألقوا أسلحتهم أو وضعوها جانبًا، وأخذوا يتطلعون إلى مناصب سياسية.

تحوّل رجال الميليشيات إلى سياسيين

من بين رجال الميليشيات الذين ترشحوا إلى مجلس الشعب، عبد الإله عبده (من لواء القدس)، عمر حسن (من لواء الباقر)؛ وفضل وردة، ممثل عن حزب البعث، وهو لا يزال يمارس النشاط العسكري في ريف حماة. باسل سودان، من حزب البعث (يتنافس على مقعد عن اللاذقية)؛ وهادي شرف، شقيق مدير الفرع السوري لمنظمة “شهداء حزب الله”. كل هؤلاء الرجال لم يُسمع بهم قبل عام 2012. وكانوا قد قاتلوا مع الإيرانيين وحزب الله حتى عام 2015، ثم انتقلوا إلى المدار الروسي، وبعد أن حلّ الروس العديدَ من هذه المنظمات، بدؤوا البحث عن وظائف جديدة لأعضاء هذه الجماعات، ومن بين الأماكن المنشودة النقابات السورية.

من دون شك، أبرز قادة هذه الميليشيات هو براء قاطرجي، وهو مهرّب يمارس السياسة الآن، وهو عضو في اللجنة الدستورية المكلفة بتفويض من الأمم المتحدة. وكان قد انتُخب لمجلس الشعب عام 2016، ممثلًا عن محافظة حلب، وحقق مكاسب من عقود التمويل مع النظام، ومن عمليات شراء النفط والغاز من إيران، ومن دفع رواتب شهرية لميليشيات.

يتنافس حاليًا ستة من قادة الميليشيات على مقاعد في المجلس، إضافة إلى 15 شخصية كلهم ضالعون في نشاط الميليشيات، معظم هؤلاء ليس من العلويين أو الشيعة، حيث فيهم شخصيات من السنّة، مثل محمد شعبان بري، الذي ينحدر من قبيلة قيس، وهي قبيلة بارزة قاتل أفراد منها إلى جانب حزب الله، في معارك ريف حلب عام 2016. يضاف إلى هؤلاء حصة غير معلنة لعائلات الجنود الذين أصيبوا أو قُتلوا في الحرب، معظمهم أفراد من المجتمع العلوي.

وفقًا لتقسيم غير رسمي للمقاعد في المجلس، هكذا سيكون توزيع المقاعد:

A screenshot of a cell phone
Description automatically generated

ولأن محافظة إدلب خارج سيطرة الحكومة، ستجري انتخاباتها في مدينة حماة. وسيُسمح أيضًا للمواطنين الذين هم في الأصل من مناطق تحت سيطرة النفوذ التركي، مثل جرابلس وإعزاز والباب، ويرغبون في التصويت للمرشحين الجدد، بالإدلاء بأصواتهم في المدن التي تسيطر عليها الحكومة. سيتم التنافس على نصيب الأسد من المقاعد المستقلة المتاحة، البالغ عددها 65، بين تحالف واسع غير متجانس، من رجال الأعمال وقادة القبائل والفنانين ورجال الدين. يتصدر القوائم المستقلة في العاصمة رجلُ الأعمال السني محمد حمشو، الذي كان أحد المستهدفين بقانون قيصر لحماية المدنيين السوري، الذي أقره الكونغرس الأميركي حديثًا، وينافسه في العاصمة سامر دبس، حليفه البرلماني السابق الذي يرأس غرفة صناعة دمشق. وهناك أيضًا فارس الشهابي، وهو سنّي آخر يرأس غرفة صناعة حلب، ويعمل أيضًا كمستقل.

تحول حزب السلطة

ثمة تطور مهم آخر، هو أن الحزب القومي الاجتماعي السوري (SSNP)، ثاني أكثر الأحزاب نفوذًا في سورية بعد حزب البعث، مُنع من الترشح للانتخابات مجلس الشعب، وكان قد حُل قبل أشهر من الانتخابات. كان الحزب القومي الاجتماعي السوري أقدم حزب في سورية، إذ يعود تاريخه إلى أوائل الثلاثينيات، وكان يفتخر بقاعدة حزبية متنوعة، مع كثير من الشباب من العلويين والمسيحيين والدروز والسنة المسلمين. في الخمسينيات، كان يتنافس الحزب بانتظام مع البعث والأحزاب الأيديولوجية الأخرى، مثل الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي السوري. وقد حُلّ الحزب السوري القومي الاجتماعي في عام 2020، بسبب تبعيته لرامي مخلوف (ابن خال الرئيس بشار الأسد) الذي وقع في نزاع مع النظام، في وقت سابق من هذا العام، بسبب تآكل نفوذه السياسي والتهرب الضريبي. كان حزبه ثاني أكبر كتلة في مجلس الشعب، مع تزايد مطرد في التمثيل: ثلاثة مقاعد في عام 2007، وخمسة في عام 2012، ثم سبعة في عام 2016. كانوا يستعدون للوصول إلى عدد من المقاعد بين 10 و15 نائبًا في مجلس 2020. أما الوصيف الثالث -بعد البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي- فهو الحزب الشيوعي السوري، برئاسة عمار بكداش، ولا يزال حزبًا منظمًا وله شعبية واسعة ومؤيد بقوة لروسيا.

حزب البعث نفسه يشغل حاليًا 168 مقعدًا، من أصل 250 مقعدًا في المجلس، ولكن حصل تغيير في انتخابات هذا العام، هو أن البعثيين خضعوا لانتخابات داخلية، لتحديد من الذي سيرشح نفسه عن الحزب. تم إلغاء الامتيازات السابقة لمسؤولي الحزب، مثل المنزل المجاني والسيارات، بسبب الضائقة المالية للاقتصاد السوري، كما تم إخبار نواب البعث القادمين بأن عليهم ألا يتوقعوا أي مكافأة مالية على خدمتهم، على أمل أن يجذب هذا الإجراء المخلصين والأكثر وفاءً، فقط، في المجلس 2020. حيث سيضمن هؤلاء المرشحون، عند انتخابهم، عدم الموافقة على أي مادة تحدّ سلطات الرئيس، في الدستور المقبل. من المتوقع استئناف المحادثات الدستورية، التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وتم تأجيلها بشكل متكرر بسبب فيروس كورونا/ COVID-19، في آب/ أغسطس المقبل. يجب عليهم وضع دستور جديد، بحلول منتصف عام 2021، قبل الانتخابات الرئاسية.

حاول المشرعون الروس -من دون جدوى- في 2018 دفع مسودة دستورية ألغت 23 صلاحية من سلطات الرئيس، مثل الحق في تسمية رئيس الوزراء، والحكومة، ومحافظ البنك المركزي، لكنها أبقت على سيطرة المكتب على الجيش والأجهزة الأمنية. إذا تم فرض أي من هذه البنود على اللجنة الدستورية في جنيف، فسيتم تشكيل المجلس المقبل لرفضها من داخل المجلس.

نقطة شائكة أخرى هي فترة الرئاسة. وفقًا للمسودة الروسية، يحصل رئيس الجمهورية على فترتين فقط، بدءًا من اليوم التالي لاعتماد دستور جديد. وهذا يعني أن السنوات الـ 21 الأولى للرئيس بشار الأسد في السلطة لن تُحسب، وسيبقى لمدة تصل إلى فترتين إضافيتين تنتهي في عام 2035. ولكن إذا تم تمرير الدستور في اليوم التالي لرئيس أدى اليمين الدستورية، فلن تدخل هذه الفقرة حيز التنفيذ، إلا بعد انتهاء ولايته الرابعة في عام 2028، ما سيبقي الأسد في السلطة حتى عام 2042.

مع أخذ هذا في الحسبان، سيحاول المجلس المقبل تأجيل تمرير أي دستور جديد، إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو 2021. وإذا مُرّر الدستور في ذلك الوقت؛ فلن يكون أكثر من طبقة سكر على لعبة النظام التي صمّمها الروس لتناسب الكرملين ودمشق على حد سواء.

العنوان الأصلي للمادةWar Profiteers in Syria Enter Politics
الكاتبتحرير مركز السياسة العالمية (CGP)
المصدرينشر مركز السياسة العالمية (CGP) 13 تموز/ يوليو 2020
الرابطhttps://bit.ly/2E81INB
المترجموحدة الترجمة- محمد شمدين