(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
تمهيد
واجهت تركيا مع اندلاع الحرب الأهلية في سورية عام 2011 أكبر عملية للهجرة في تاريخها. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم، سجّلت دخول حوالي 3.6 مليون مواطن سوري إلى أراضيها. وبحسب بيانات المديرية العامة لإدارة الهجرة لعام 2018، فإن ما يقارب من 1.6 مليون من مجموع السكان السوريين الموجودين في تركيا هم من الأطفال في السنّ المدرسي، ومن الشباب الذين هم في سن الدراسة الجامعية. وإن تنشئة هذه الكتلة التي يتزايد حجمها بشكل لا يمكن تجاهله تنشئةً مميزةً، ليكونوا أفرادًا مؤهلين، تشكل أهمية كبيرة، ليس من أجل مستقبل السوريين فحسب، بل من أجل مستقبل تركيا أيضًا. ولهذا السبب، فقد هدفت هذه الدراسة إلى تحديد حالة عبر دراسة الأبحاث التي أُجريت حول تعليم الأطفال السوريين المقيمين في تركيا منذ عام 2011. وفي سياق هذا الغرض حاولنا رسم صورة عامة، من خلال جمع الدراسات الأكاديمية والتقارير التي أعدتها المنظمات غير الحكومية (منظمات المجتمع المدني) في ما يتعلق بتعليم الأطفال السوريين الموجودين في بلادنا. وتناولنا المشكلات والصعوبات التي تواجه الأطفال السوريون في أثناء العملية التعليمية، والمعدلات المنخفضة في الالتحاق المدرسي، وحاجز اللغة، والنقص في الكوادر التربوية المؤهلة، ثم ناقشنا الحلول المحتملة لها.
مدخل
يرغب الناس، عمومًا، في العيش في أماكن يعتقدون فيها بأنهم قادرون على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والمأوى والأمن والتعليم، وفي الأماكن التي ينعمون فيها بالطمأنينة والاستقرار في ظروف تحملهم على العيش بأفضل الأشكال في المستقبل، لكن هذه الظروف قد لا تتوفر، كليًا أو جزئيًا، لأسباب فردية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، من وقت لآخر. ونتيجة لذلك، تُسمّى عملية تغيير المكان داخل البلاد أو عبر قطع الحدود الدولية، سواء كانت فرديًة أم جماعيًة، بالهجرة. وكانت ظاهرة الهجرة، التي تُعدّ حركة سكانية تحدث منذ تاريخ الوجود البشري، مصدرًا لعدد من التغييرات الاجتماعية أيضًا.
وقبل الخوض في مناقشة آثار الهجرة على المجتمعات والأفراد، قد يكون من المفيد تعريف المفاهيم الموجودة في أدبيات الهجرة، واستخدامها مع ظاهرة الهجرة، فكثيرًا ما يتم استخدام مفاهيم المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء، في أدبيات الهجرة بمعنى واحد، وتُتجاهل الاختلافات بين هذه المفاهيم، إذ إن هذه المفاهيم الثلاثة تُستخدم لوصف وتعريف الأشخاص الذين هاجروا بطريقة ما، على اختلافها عن بعضها كل الاختلاف. وعلى الرغم من عدم وجود تعريف معتمد للمهاجرين بشكل عام، في المنابر الدولية، فقد عُدّ الذين قاموا بتغيير أماكنهم في سياق مصالحهم الشخصية، من دون أي ضغط أو إكراه، مهاجرين. وفي هذا الصدد، يختلف مفهوم المهاجرين عن مفهوم اللاجئين وطالبي اللجوء، فاللاجئون هم الأشخاص الذين لا يرغبون في العودة إلى البلد الذي يحملون جنسيته، لأسباب محقة، أو لم تسنح لهم الفرصة في ذلك، اعتقادًا منهم بأنهم سيتعرضون للعنف أو الظلم والاضطهاد بسبب عرقهم أو دينهم أو طبيعتهم، أو بسبب انتمائهم إلى جماعة معينة، أو بسبب الآراء السياسية التي يتبنونها، وتم قبول طلبهم من البلد الذي تقدموا فيه بطلب اللجوء. أما اسم طالبي اللجوء فهو الاسم الممنوح للأشخاص الذين تقدموا بطلبات للحصول على مركز اللاجئ ولم يتم قبول طلباتهم بعد.
ونرى أن ثمة ارتباكًا وتخبطًا في المفهوم، عندما يتعلق الأمر بالوضع القانوني للمواطنين السوريين في بلدنا، ومن المعروف أن عددًا كبيرًا من السوريين هاجر إلى تركيا، بعد اندلاع الحرب الأهلية في سورية عام 2011، ويُلاحظ استخدام عبارات مختلفة لوضع السوريين الموجودين في البلاد، حتى في الدراسات الأكاديمية التي تناولت هذا الموضوع، ففي حين نجد استخدام مصطلح لاجئ في بعض الدراسات، يتم تعريفهم في دراسات أخرى على أنهم طالبو اللجوء. وعلى الرغم من تطابق وضع السوريين مع تعريفي اللجوء وطالبي اللجوء معًا، فقد تم اتباع إجراءات خاصة مع المواطنين السوريين الموجودين في تركيا، ألا وهي (وضع الحماية المؤقتة). ومن المعتقد أن هذا السلوك الخاص سبّب حالة خلط في هذه المسألة.
لجأ السوريون في البداية إلى تركيا مؤقتًا، للابتعاد عن الظروف السلبية الناشئة عن الحرب الأهلية، إضافة إلى أن المسؤولين حاولوا خلق بيئات مناسبة للسوريين الذين رأوا فيهم “ضيوفًا”. لكن هذا الوضع الذي طال، على عكس ما كان متوقعًا، أظهر أن توصيفهم “كضيوف” لم يعد صحيحًا، وخصوصًا بالنظر إلى العدد الكبير من السوريين الذين قدموا إلى تركيا، فالتعريفات القانونية لهؤلاء الأشخاص الذين هاجروا من سورية هي قضية مهمة جدًا، من حيث الحقوق الني ستُمنح لهم، والواجبات والمسؤوليات المتوقعة منهم، ولهذا السبب مُنح هؤلاء الأشخاص وضعًا قانونيًا مختلفًا، عبر سن “اللائحة التنفيذية للحماية المؤقتة”.
في سياق حركات الهجرة الجماعية القادمة إلى تركيا بغرض اللجوء، صدرت في عام 2012 التوجيهات من أجل قبول وإيواء مواطني الجمهورية العربية السورية وعديمي الجنسية المقيمين في الجمهورية العربية السورية. وفي عام 2013، دخل قانون الأجانب والحماية الدولية حيّز التنفيذ، فتحوّل الوضع، في عام 2014، إلى وضع لجوء متكامل، من خلال تنظيم مركز الحماية المؤقتة في إطار القانون.
يتبين من النظر إلى العملية أنّ السوريين قد اكتسبوا، بعد وضعهم تحت الحماية المؤقتة، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014، حقَّ الاستفادة من خدمات التعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية. وتم ربط الفعاليات والأنشطة التربوية – التعليمية للسوريين بضوابط معينة، مع التعميم الخاص بخدمات تعليم وتدريب الأجانب الذي دخل حيز التنفيذ في العام نفسه. وأصبح إنتاج السياسات القائمة على افتراض عودة السوريين إلى ديارهم مصدرًا للتحديات والصعوبات، في مسألة إدماج السوريين في المنظومة التعليمية في المرحلة التي وصلنا إليها اليوم.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل