ترجمة علي كمخ

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

المشكلات التي تواجهها النساء اللاتي اضطررن إلى الهجرة، بسبب الحرب التي اندلعت في سورية، لا تنتهي. إذ تضطر النساء السوريات اللائي تركن منازلهم وديارهم، وهنّ أكبر ضحايا هذه الحرب التي لا يد لهم فيها، إلى الكفاح من أجل البقاء على الحياة في ظل ظروف معيشية قاسية، في مدن عديدة كإسطنبول وأنقرة وديار بكر وماردين وأورفا. إضافة إلى ذلك، إن معظم اللاجئات اللاتي يحملن على كاهلهن عبء الفاقة والفقر الثقيل الذي سببته الحرب لا يجدن عملًا أو وظيفة، ومن تجد منهن وظيفة تحاول التمسك بالحياة، من خلال العمل في كيّ الثياب وفي التعبئة والتقطيع والتغليف كـ “أورطجية” في مصانع وورش النسيج.

معظم النساء اللواتي يكافحن، من خلال صفتَي الأمومة من جهة واللجوء من جهة ثانية، من أجل إطعام وإعاشة أسرهن، يعشن مع أطفالهن في المدن الكبرى، ضمن ظروف سكنية ومعيشية غير مناسبة على الإطلاق.

المطبخ وغرفة النوم والمعيشة والصالة والحمام كلّها معًا في مكان واحد

إن حالة سحر عيسى التي جاءت لاجئة من مدينة حلب السورية، واستقرت مع أطفالها الثلاثة في إسطنبول محلة (أوك- ميداني)، مثالٌ على ما جلبته الحرب من معاناة للاجئات. سحر عيسى تعيش في منزل من غرفة واحدة (المطبخ والحمام والتواليت ومكان النوم وغرفة المعيشة كلها في مكان واحد)، على مدخل إحدى العمارات، وتبحث عن حلول لمشكلاتها، وتنتظر مد يد العون لها ولبناتها البالغات من العمر سبع سنين وثلاث سنين، ورضيعها الذي لم يكمل عامه الأول (11 شهرًا) بعد.

أوضحت سحر: أنها تدفع مبلغ 400 ليرة تركية لهذا المنزل شهريًا، وفي بعض الأيام لا يجدون الخبز ليأكلوه. وتقول إن “الدولة لا تساعدنا، لعدم امتلاكنا هويات شخصية.. وإذا مرضنا فالمشافي لا تستقبلنا”. وتضيف: “قبل إنجابي طفلي الثالث، كنت أعمل في ورش النسيج، أما الآن فلم أعد أستطيع العمل بسبب وجود الرضيع. نحن مدينون بثلاثة آلاف ليرة تركية لبقّال الحي السوري.. ولم نتمكن من دفع الإيجار منذ 4 أشهر.. تمر علينا بعض الأيام دون أن يكون لدينا طعام ولا خبز، ولا حليب لنطعم الأطفال.. أريد مساعدة لأطفالي”.

وتقول أيضًا: “لا أعرف سبب ترحيل زوجي، بالرغم من أنه يحمل هوية لاجئ من إسطنبول، لكنه رُحل من إسطنبول إلى مدينة كيليس، ومن هناك سمعت أنه أُرسل إلى مدينة إدلب في سورية. لا ندري مع من هو هناك، وماذا يفعل.. هو لم يرَ طفله الرضيع ذا الأحد عشر شهرًا.. والطفلان الآخران يسألان عن أبيهما”.

السكن (الإيواء) هو المشكلة الرئيسة

صرّحت غول ريحان دينتج، نائب رئيس الرابطة الدولية للتضامن مع المهاجرات، بأنها قدمت تقييمًا عن الدراسات الميدانية إلى K24 بالتعاون مع اللاجئات. وقد أكدت دينتج أن مشكلة السكن والإيواء هي إحدى أكبر المشكلات التي تواجهها النساء اللاجئات شيوعًا، وقالت: “مشكلة اللاجئات الكبرى هي السكن، كما تأتي قضيتا العمل والعنف ضد المرأة في المقدمة؛ إذ تتعرض للعنف من قبل زوجها الذي يُعد المحيط الوحيد لها.. إنهن يردن ترك أزواجهن والهرب.. ولكن هذه المرة ليس لديهن أي شخص آخر يثقن به في الخارج.. حتى لو لجأت إلى الشرطة، تتعرض للعنف من زوجها ثانية.. يواجهن العديد من الصعوبات، والشعور بالوحدة يسبب مشكلة كبيرة لهن.. هناك نساء يحملن إجازتين جامعيتين في بلادهن، ولكن يعملن بمقابل 300- 400 ليرة أسبوعيًا هنا. إذن؛ فالنساء يعملن في ظروف قاسية جدًا كهذه، وخاصة في فترة (كوفيد- 19) حيث صادفنا الكثير من تلك الحالات”.

وأكدت دينتج “أن امرأة حاملًا في شهرها الثالث كانت تنزف، ولم تستطع الحصول على الخدمة الطبية من المستشفيات العامة، بسبب مرض كورونا، وكان عليهم نقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة، في إشارة منها إلى أن اللاجئات لديهن مطالب بتأمين الخدمات الصحية الاقتصادية لهن، إلى جانب الدعم الغذائي”. وذكرت أن الولايات والقائمقاميات ومؤسسات التضامن والتكافل الاجتماعي لا تقدّم ما يكفي من الدعم اللازم للمهاجرين واللاجئين.

اختُطفت ابنتهم في مدينة إسطنبول

بالرغم من كل هذه السنوات التي مرت، ما تزال الظروف المعيشية بالنسبة للاجئين الذين اضطروا للهجرة إلى إسطنبول بسبب الحرب في سورية صعبةً جدًا.. فهيمة أوسي تحاول تأسيس وبناء حياتها في إسطنبول منذ 8 سنوات، وتعيش الآن في محلة باغجيلار، وتحمل على عاتقها أعباء منزل فيه 11 شخصًا. وإلى جانب قسوة الحرب والظروف التي دفعت العائلة إلى اللجوء من “روجآفا”، والاستقرار في مدينة إسطنبول، شكلت واقعة اختطاف ابنتها ميزكين(17 عامًا) قبل سنتين، مأساةً أخرى بحد ذاتها بالنسبة لها.

تقول فهيمة أوسي، وهي أم لتسع بنات وابن وحيد، إنهم تقدموا بطلبات إلى العديد من الجهات من أجل البحث عن ابنتها، لكنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة إيجابية بعد. وذكرت أن ابنتها اتصلت بهم هاتفيًا، قبل 4 أشهر، إلا أن خاطفيها أخذوا الهاتف من يدها ثم أغلقوه.

أكدت فهيمة أوسي أنهم يعانون ظروفًا قاسية في إسطنبول، وقالت: “بعد أن قدمنا إلى إسطنبول، قمنا بتغيير المنزل أكثر من مرة، بسبب الإيجار، وفي معظم الأوقات لم نكن نستطيع دفع إيجار منزلنا.. وقد زادت معاناتنا أكثر مع انتشار الوباء.. زوجي لا يعمل الآن. بناتي الثلاث يعملن في قطاع النسيج.. لا يعمل أي منا منذ 4 أشهر بسبب الحظر.. لدينا عجز في تسديد فواتير الكهرباء.. ولم نتمكن من دفع إيجار شهرين من إيجار المنزل البالغ (1200) ليرة تركية. كل ما يحصل عليه الأولاد من العمل في النسيج هو مبلغ 1600 ليرة تركية، وعائلتنا مؤلفة من 11 فردًا.. كنّا قبل انتشار فيروس كورونا نتلقى مبلغ 1400 ليرة تركية كمعونة شهرية من الهلال الأحمر، لكننا لا نتلقاها الآن”.

تقرير مؤسسة أبحاث الهجرة (GAR): “نتعرض للتمييز”

ورد في تقرير أعدته مؤسسة أبحاث الهجرة (GAR) حول “تجربة عمل المرأة السورية والعلاقات الجندرية الاجتماعية” أن النساء السوريات المقيمات في تركيا يتعرض لممارسات عنصرية وعرقية في أماكن العمل. وقد ذكرت جميع النساء اللاتي قابلتهن المؤسسة تقريبًا، أنهن مضطرات إلى العمل بسبب الافتقار إلى سبل العيش وصعوبة الحياة في تركيا. وبيّن التقرير أن النساء اللواتي لا يسمح لهن أزواجهن أو أسرهن بالعمل خارج المنزل يقمن بأعمال داخل المنزل (أجورها حسب القطعة)، لكن العمل المنجز في المنزل هذا غير كاف لتأمين معيشة الأسرة، غير أنه يقدم مساهمة يسيرة في دعم ميزانيتها.

مصير النساء اللاجئات واحد

من ناحية أخرى، يبدو أن مصير ضحايا الحرب من اللاجئات السوريات هو واحد تقريبًا. ففي حين أن غالبية النساء السوريات اللائي أجبرن على مغادرة وطنهن كنّ يعشن في بلادهن بسلام وطمأنينة في بيوتهن، فرض عليهن اليوم أن يعشن بلا مأوى أو دار مستقرة، بسبب كونهن أجنبيات عن الأماكن التي يقيمون فيها. فالدور التي يعيش فيها معظم اللاجئين هي إما أقبية أو طوابق أرضية في المباني القديمة. ومع أن بدل إيجارات الطوابق السفلية والأرضية ميسورة التكلفة أكثر من الشقق الأخرى، فإن اللاجئين يجدون صعوبة حتى في دفع تلك الإيجارات. فضلًا عن أن بعض الملاك في معظم المدن يمتنعون عن تأجير منازلهم للاجئين. ويقول اللاجئون الذين أجبروا على العيش في ظروف صحية غير مناسبة في دور وشقق تلفها الرطوبة من كل جانب، إن احتياجاتهم الصحية لم تُلبَّ وخاصة أثناء فترة الوباء.

النساء اللاتي فقدن أزواجهن يشرحن همومهن

بالانتقال من منطقة باغجيلار إلى محلة (أوك- ميداني)، كانت المعاناة والصعوبات التي تكابدها اللاجئات بسبب فقدِ أزواجهن (وفاتهم) إحدى أكبر المشكلات التي واجهتنا، ولفتت انتباهنا في بحثنا عن اللاجئات. فإلى جانب الذين فقدوا أرواحهم في الحرب، كان هناك العديد من اللاجئات السوريات اللواتي فقدن أزواجهن بسبب المرض، زبيدة محمد (40 عامًا) هي إحدى النساء اللاتي ترملن في سن مبكرة. وقد لجأت بسبب الحرب من مدينة عفرين، واستقرت في مدينة إسطنبول، محلة أوك- ميداني، قبل سبع سنوات.. تعيش زبيدة وتواصل حياتها مع أسرتها في قبو أحد الأبنية القديمة.

تقول زبيدة: “نعيش في هذا المنزل منذ 5 سنوات، وندفع 800 ليرة تركية بدل إيجار… يعمل ولداي اللذان تراوح أعمارهما بين 17 عامًا و20 عامًا في صناعة النسيج، ويتقاضى كل منهما 1400 ليرة تركية من الدخل شهريًا.. ولدي ولد آخر وبنت تبلغ من العمر 8 سنوات.. هم يذهبون إلى المدرسة.. أما زوجي فقد تعرض لنوبة قلبية هنا، حين كان يبلغ من العمر 40 عامًا فقط.. نحن مدينون بـ 2500 ليرة تركية للبقّال المحلي.. تقدم البلدية مساعدات غذائية لنا بين الحين والآخر.. ويمنحنا الهلال الأحمر مبلغ 70 ليرة تركية كل شهرين، كبدل تعليم للطالبين”.

عدلة مسكين (46 عامًا) فقدت زوجها منذ 5 سنوات، وهي تعيش في محلة أوك- ميداني منذ 5 سنوات أيضًا، تكافح من أجل البقاء على الحياة في مبنى قديم مع أطفالها. وقالت عدلة التي هاجرت من مدينة حلب واستقرت في مدينة إسطنبول، إنها تعاني مرض السكري، وتضيف: “أنا مصابة بمرض السكري.. وأعاني من ضغط الدم، وأدويتي باهظة الثمن.. زوجي توفي قبل 5 سنوات.. نعيش في إسطنبول منذ خمس سنوات، وإلى الآن لم يبادر أحد إلى مساعدتنا.. فقط ابني الصغير يحصل على بطاقة بقيمة 100 ليرة تركية كل 3 أشهر، من قبل الهلال الأحمر. بطاقتي أنا وبناتي الثلاث وابني الأصغر صادرة من إسطنبول، في حين أن بطاقة إقامة ابني الأكبر صادرة من أورفا.. بالأمس جاء جيراننا في زيارة إلينا لتناول الشاي.. لكن ذلك اليوم لم يكن لدينا السكر لصنع الشاي، أرسلت ابني إلى محل البقالة لكن البقال امتنع عن بيعنا السكر بالدَّين.. إيجار المنزل الذي نقيم فيه هو 1200 ليرة تركية.. نحن في وضع صعب جدًا، كما العديد من اللاجئين”.

الزوج توفي بمرض السرطان.. والعائلة تعيش في بؤس وحرمان

أسماء محمد (53 عامًا) فرّت من بلدة جنديرس التابعة لمدينة عفرين قبل 6 سنوات، من جراء الحرب، واستقرت في قضاء أسنيورت في إسطنبول، فقدت زوجها قبل عامين، بسبب مرض السرطان. وذكرت أن أحد أبنائها لا يستطيع العمل بسبب المرض، بينما الآخر يكسب قوته من العمل اليومي. وتابعت الحديث عن معاناتها على الشكل التالي: “أحد أبنائي الذي نعيش برفقته يعاني المرض، لديه مشكلة في النطق، حيث لا يستطيع التحدث كما يجب. في حين يعمل ابني الآخر في أعمال يومية من أجل تأمين لقمة العيش.. وأحيانًا لا يجد عملًا.. حياتنا في إسطنبول صعبة للغاية.. توفي زوجي قبل عامين بسبب السرطان، ودُفن في إسطنبول. وأنا مريضة أيضًا.. فلا يمكننا الذهاب إلى الطبيب، لأننا لا نملك المال ولا نعرف أحدًا.. لا أعرف اللغة.. أريد أن يساعدنا الناس”.

اللغة هي أكبر المشكلات

قامت المختصة النفسية مرادية أورال، من مركز مكافحة العنف التابع لوزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية في تركيا، بنقل اللقاءات التي أجرتها مع النساء ضحايا العنف اللاتي لجأن إلى المنظمات النسائية لأسباب مختلفة، إلى K24:

“أكثر معاناة لللاجئات بسبب مشكلة اللغة، إذ تواجه اللاجئات السوريات صعوبات لغوية في التواصل الاجتماعي نابعة من ثقافتهن، فأزواجهن لا يسمحون لهن بمغادرة المنزل، فهن مقيدات ولا يمكنهن تعلم اللغة.. إنهن لا يلتقين ولا يتواصلن إلا بالسوريين/ السوريات فقط.. يخشين من التهميش، لأنهن لا يعرفن اللغة.. لديهن مخاوف من أن الأتراك لا يرغبون بهن، لذلك يبقين منعزلات بعيدات عن خوض غمار الحياة. وإضافة إلى ذلك، تواجه اللاجئات السوريات الراغبات في العمل صعوبة في إيجاد عمل، لأنهن لسن مواطنات تركيات. واللاتي يحصلن على عمل منهن يشتغلن في القطاع غير الرسمي بأجور زهيدة للغاية، ونظرًا لأن معظم من التقينا بهن لسن متعلمات، فهن يعملن في وظائف تحتاج إلى مزيد من القوة البدنية. وغالبية النساء اللواتي قابلناهن طالبن بمزيد من الحرية؛ إذ إن ثقافتهن الخاصة التي حبستهن كانت عائقًا في حصولهن على الحرية التي ينشدنها في تركيا، يقبعن تحت الضغط دون أن يدركن مزايا القوانين في تركيا.. الفتيات الصغيرات فقط يعين ذلك. ولهذا لديهن رغبة في الخروج من هذه العزلة، لكن عائلاتهن غالبًا ما تمنعهن من ذلك. وثمة من تزوجت منهن في سن الرابعة عشرة دون موافقتها”.

الرجال الأتراك يمارسون الضغط

ذكرت أورال أن ثمة نساء قدمن من سورية نتيجة الحرب وتزوّجن برجال أتراك هنا، وقالت: “إن بعض النساء اللاتي قابلناهن تعلّمن اللغة التركية أيضًا. لكن وحدتهن واستغلالهن وافتقارهن إلى السند، جعلتهن عرضة للعنف.. ولأنهن لا يتمكن من الحصول على حقوقهن كاملة يتعرضن لضغط الرجال الأتراك.. وهن يعتقدن أن الرجال الأتراك عصريين أكثر، لكنهن يشعرن بخيبة الأمل حين يتزوجن بهم”. وأضافت أورال: “بعض اللاجئات اللاتي يتزوجن من رجال أتراك يتعرضن لضغوط شتى.. يعتقدن أنهن سيحظين بحياة رغيدة مع الزواج، لكن الرجال الذين يقابلنهم يمارسون الضغط عليهن، ويهددونهن بالترحيل مستغلين وحدتهن.. لقد صادفت مثل هذه الحالات.. هذه اللوحة موجودة لدى النساء القادمات من سورية على وجه الخصوص. وبعبارة أخرى، هن معرضات لكل أشكال سوء المعاملة”.

امرأة إيزيدية تبحث عن زوجها!

دجلة إلياس (28 عامًا) امرأة كردية إيزيدية تعيش مع عائلتها وطفليها في باغجيلار، وتعاني هي الأخرى حالة يأس بسبب الحرب. تقول دجلة إنها لم تستطع هي وطفلاها العيش بمفردها في إسطنبول، لذلك اضطرت إلى العيش مع عائلتها التي لجأت بسبب الحرب أيضًا. تضيف دجلة أنها تعيش مع أسرتها المكونة من 11 شخصًا، بالإضافة إلى طفليها، وتقول: “أنا أعمل عاملة نظافة في شركة للنسيج.. أعمل 5 أيام في الأسبوع، وأحصل على راتب شهري قدره 2000 ليرة تركية.. بهذا المبلغ أعلّم أطفالي (نجدت 9 سنوات؛ وعبد الله 8 سنوات) وما يبقى معي أدعم به أسرتي”.

كانت دجلة تعيش وعائلتها قبل الحرب الدائرة في سورية، في مدينة حلب، لكن بعد امتداد المعارك إلى مدينة حلب، عادت العائلة أولًا إلى مسقط رأسها عفرين، ومن ثم هاجرت إلى إسطنبول. وكانت تحاول التوجه برفقة طفليها وزوجها (جمال عبده كللي) من مدينة عفرين، إلى إقليم كوردستان، ولكنّ مسلحين ذوي لحى يرتدون ملابس سوداء اعترضوا طريقهم في مدينة إعزاز. وبعد أن احتُجزوا وعُذبوا مدة أسبوع أعيدت دجلة إلى عفرين مع أطفالها، لكن زوجها ما يزال في قبضة أولئك المسلحين. ومنذ ذلك اليوم، لم تسمع عن زوجها الغائب أي خبر.

الزواج المبكر ومشكلة الضرة

تقول موظفة جمعية الإغاثة الإنسانية واختصاصية المهن الاجتماعية خديجة كايا إن من أكبر المشكلات التي تواجهها، في أثناء عملها الميداني حول طالبي اللجوء، قبول اللاجئات السوريات بالزواج المبكر أو بالزواج الثاني والثالث الذي يجلبه اليأس والضائقة الاقتصادية. وقد رتبت كايا مشكلات اللاجئات على النحو التالي:

“في الوقت الراهن، أصبحت المشكلات التي تعانيها اللاجئات توازي مشكلات النساء بشكل عام. لذلك تعاني أغلب العائلات صعوبة معيشية، ونظرًا لوجود عدد كبير من الأطفال، فلا يمكنهن العمل في الخارج. ولا يوجد عمل آمن (ضمانات) بالنسبة للمرأة اللاجئة، حيث تبقى النساء اللاجئات بسبب وجود الأطفال على هامش الحياة، ونظرًا لكون أزواجهن يشكلون عائقًا أمامهن، فإن الضائقة الاقتصادية التي تشهدها الأسرة تنقلب إلى عنف ضد المرأة والأطفال ضمن المنزل، وخاصة في زمن الجائحة والوباء التي زادت فيها هذه الحوادث، وازدادت معها أعباء المرأة داخل المنزل. إضافة إلى أن معاناة العائلات المتزايدة بسبب الصعوبات في تغطية نفقات المعيشة، تدفعهم إلى تزويج البنات مبكرًا بلا عقد، أو تزوجيهن (على ضرة) زواجًا ثانيًا أو ثالثًا، فيؤدي ذلك إلى تعرضهن لكثير من العنف النفسي والجسدي.

وبطبيعة الحال، ثمة وضع سلبي يتعلق بالسوريين؛ حيث لا يمكن أن ترغب الفتاة في أن تكون زوجة ثانية! لكنها تضطر إلى ذلك بسبب وطأة حالة اليأس، لأن الكثير من النساء والأطفال وقعوا ضحايا للحرب، وباتوا في قارعات الطرق. وتوجد العديد من حالات التعذيب والانتحار. إضافة إلى أن النساء السوريات لا يتمكن في الغالب من خلق مساحة كبيرة لأنفسهن، على صعيد العمل، أسوة بالرجال. إضافة إلى ذلك فإن العديد منهن يعانين مشكلات في اللغة، إذ إن افتقارهن إلى اللغة يدفعهن إلى وظائف بلا ضمانات غالبًا. وثمة من لا تستطيع الحصول على أجور عملها تامّة، وهو ما يدخل في نطاق استغلال الجهد في العمل واستثماره”.

النساء يرغبن في انتهاء الحرب

سلوى جمال الدين (31 عامًا)، قدمت من دمشق- سورية، وتقيم مع زوجها وأطفالها الأربعة في حيّ محمود شوكت باشا في إسطنبول- شيشلي، وتعيش منذ 7 سنوات في منزل إيجاره 800 ليرة تركية. وسلوى من منطقة سري كانيه [رأس العين] في روجآفا، في حين أن زوجها من مدينة الحسكة، وكلاهما مختص بتصميم الأزياء.

قالت سلوى إن عائلتها كانت تعيش قبل الحرب في دمشق. وبعد قصف النظام لمناطق مدنية في دمشق عام 2012، فقد زوجها إحدى عينيه. ثم اضطروا إلى الهجرة إلى إسطنبول، وأضافت: “كان لدينا أنا زوجي ورشة للنسيج في دمشق.. كنا نعمل معًا.. كان وضعنا الاقتصادي جيدًا جدًا.. لكنهم هنا لا يعاملوننا بعدالة! ونعمل بأجور منخفضة.. وزوجي لا يستطيع الرسم، بسبب فقده لإحدى عينيه”. ووصفت سلوى معناة اللاجئات السوريات بالعبارات التالية:

“إن وضع اللاجئات القادمات إلى هنا من سورية وروجآفا سيئ جدًا. فقد توفي العديد من أزواج النساء اللاتي أعرفهن في الحرب، وتوفي البعض من الأزواج هنا بعد المرض.. وكثير من النساء تخلّى أزواجهن عنهن.. فيما غادر قسم آخر من الأزواج أيضًا إلى اليونان، واحتُجزوا هناك.. ومكثت الزوجات هنا.. معظم النساء لا يجدن عملًا، واللاتي يعملن يشتغلن في التنظيف في ورش النسيج. وبعضهن يعملن في ضم الخرز والسبحات مقابل القليل من المال. ولأن العديد من أزواج اللاجئات لا يعملون، تُضطر النسوة إلى العمل من أجل إعالة أطفالهن. إضافة إلى ذلك، كثير من اللاجئات اللاتي لا يحملن بطاقات هوية يُحرمن من الاستفادة من الخدمات الصحية.. والعديد من السوريات يواجهن في المؤسسات الصحية الخطاب التالي: (خيرًا أيتها السوريات! لماذا أتيتنّ؟ ليس لكنَّ من عمل سوى إنجاب الأطفال.. ارحلنَ، لقد طفح الكيل!)، وتتابع سلوى حديثها: لو لم تكن الحرب لما كنا قد جئنا أصلًا.. لأن البعض يضمر كراهية تجاه النساء اللاتي يرتدين اللباس الأسود (العباية/ الجلباب) تشبيهًا لها بــ (داعش) أيضًا”.

سلوى جمال الدين التي قالت إن أحلام اللاجئات السوريات هي الأحلام نفسها قالت أيضًا: “اللاجئات السوريات هن ضحايا حرب.. هن أموات على قيد الحياة. لأن هؤلاء النساء لديهن هويتان: إحداهما كونها امرأة، والأخرى كونها لاجئة، فإشباع بطون الأطفال مطلوب من الأم. من جانب آخر؛ فإن عبء كونها امرأة من جهة، ولاجئة من جهة أخرى، هو عبء صعب وثقيل على المرأة. فحلم جميع اللاجئات هو واحد: انتهاء الحرب في سورية وعودة الجميع إلى ديارهم. إذ إن النساء يردن مواصلة حياتهن في وطنهن بسلام من دون حرب”.

تقرير (İHD) جمعية حقوق الإنسان: انتهاك الحقوق والعنف

لفت تقريرٌ أعدّه فرع إسطنبول لجمعية حقوق الإنسان (İHD) حول اللاجئين بين كانون الثاني/ يناير وأيلول/ سبتمبر، وأُعلن في 17 تشرين الأول/ أكتوبر بمناسبة يوم الكفاح ما بعد الوطني للمهاجرين، الانتباهَ إلى أن اللاجئات يتعرضن للعنف، إضافة إلى انتهاك حقوقهن. وقد تضمن التقرير، في الخاتمة، مقترحات وتوصيات بشأن إيجاد حلول لهذه المشكلات، وهي:

  1. الحيلولة دون انتشار خطاب الكراهية والامتثال للاتفاقيات الدولية التي تعتبر اللجوء حقًا من الحقوق الأساسية.
  2. اتخاذ التدابير الضرورية لمنع العنف ضد المرأة، وحماية حقوق اللاجئة العاملة.
  3. وضع حد للإفلات من العقاب في حملات الكراهية.
  4. استلام طلبات الحماية الدولية والإقامة من قبل إدارة الهجرة.
  5. فتح الطريق أمام السوريين لتقديم طلب الحماية الدولية.
  6. توفير حقوق متساوية مع المواطنين، من حيث الحقوق الأساسية كالتعليم والصحة والإيواء والعمل.
  7. إنشاء مراكز لتقديم الخدمات للاجئين بلغتهم الخاصة.
  8. منح الجنسية للاجئين الذين يقيمون منذ مدة طويلة في تركيا، والذين ثبت عدم إمكانية عودتهم إلى بلادهم في ظل الظروف التي فرضتها آثار الحرب.
اسم المادة الأصليSuriyeli kadınlar: Savaş ve mültecilik arasında yaşam mücadelesi
الكاتبجسيم إلهان- Cesim İlhan
المصدر وتاريخ النشرKurdistan24 -Türkçe– 21.10.2020  
رابط المادةhttps://bit.ly/3l6Sxxv
المترجمقسم الترجمة- علي كمخ
عدد الكلمات2380- 2999