ماثيو آيتون/ ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
شهدت الأسابيع الأخيرة تعالي صوت الشائعات التي تزعم أن الدعم المحلي والإقليمي والدولي يتزايد من أجل تأسيس مجلس عسكري انتقالي سوري (TMC). ويُزعَم أن العميد المنشق مناف طلاس سيقود ذلك المجلس، وستكون مهمته إيصال البلد الذي مزقته الحرب إلى مستقبل ما بعد بشار الأسد.
لقد طُرح مفهوم المجلس العسكري الانتقالي السوري منذ بضع سنوات، وقال لي كبار الشخصيات المعارضة إن الفكرة اقتُرِحت في مناسبتين سابقتين على الأقل -2012 و2016- وأنها سوف تصاغ إلى حد ما على غرار التجربة المصرية بعد إطاحة حسني مبارك في عام 2011، حيث تولّى المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة الدولة. ومع ذلك، ففي حالة سورية، ظلّ تشكيل المجلس العسكري الانتقالي السوري فكرة ضبابية وظل في حالة سبات إلى حد كبير في الأوساط الدبلوماسية، حيث إن وحشية الصراع بين الإخوة وبناء توافق الآراء الدولي الهزيل قد خنقا تحقيقه.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الوقت يتغير. ووفقًا لمقال نشر في 10 شباط/ فبراير، في صحيفة الشرق الأوسط التي تتخذ من لندن مقرًا لها، فإن روسيا، حامية الرئيس الأسد في الخارج وصانعة الملوك في مرحلة ما بعد الصراع، تلقت اقتراحًا من أعضاء في المعارضة المنفيّة لبناء المجلس العسكري الانتقالي السوري. وادعى المقال أن شخصيات من منصّة القاهرة (وهي مجموعة مقرّها في العاصمة المصرية) قدّمت الخطة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وكان هدفهم تسهيل الانتقال السياسي في سورية. والمنصة بشكل عام هي أكثر توافقًا مع موقف روسيا من مواقف المعارضة التي تتخذ من تركيا مقرًا لها.
وبعد نشر المقال بفترة وجيزة، أصدر جمال سليمان، وهو مسؤول سابق في منصة القاهرة، بيانًا حاول فيه أن يصحح الأمور بقوله إنه طرحَ الاقتراح على لافروف بصفته الشخصية، لا بصفته عضوًا في منصة القاهرة. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الشائعات الإعلامية بعد ذلك مدعية أن هناك جهودًا متضافرة تُبذل خلف الأبواب المغلقة لإنشاء وتأسيس المجلس العسكري الانتقالي السوري. ويزعَم أن المفضَل لقيادة هذا التشكيل هو صديق الطفولة للأسد، وهو من داخل النظام السابق، وجنرال من قوات النخبة في الحرس الجمهوري، إنه مناف طلاس الضابط الذي انشق وهرب إلى باريس في تموز/ يوليو 2012، عندما كانت ترتعد فرائص دمشق تحت وطأة تمرّد متزايد القدرة.
وتقول بعض التقارير إن المتحمّسين للمجلس العسكري الانتقالي بقيادة طلاس اعتبروا مقال الصحفي السوري ياسر بدوي، المنشور في صحيفة نيزافيزيمايا غازيتا الروسية اليومية، المؤيد لهذه الفكرة، دليلًا على تقبّل الكرملين لأحدث ظهور للفكرة. وفي الواقع، كما جاء في مقال الشرق الأوسط، “فسّرت شخصيات معارضة نشر روسيا لمقالته [بدوي] على أنه دليل على استعداد روسيا رسميًا لمناقشة هذه الفكرة”.
وروّج البعض للفكرة في مكان آخر، وادعى باسل العودات، في جريدة الأهرام المصرية، أن المفهوم “يحظى بتأييد واسع النطاق في سورية”، في حين أكّد معارضو النظام في المنفى في بعض المقابلات، مثل القائد السابق للمتمردين عمار الواوي، تأكيدًا قاطعًا أن نشوء المجلس أمرٌ “لا مفرّ منه”. وتفيد التقارير أن الدافع وراء إنشاء هذا المجلس هو الإشراف على التحرك نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الذي يدعو في جوهره إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وتتبعه انتخابات يقودها السوريون وتشرف عليها الأمم المتحدة، كجزء من تسوية سياسية أوسع نطاقًا للصراع.
ولا يبدو خارج نطاق العقلانية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون مستعدًا، نظرًا للوقائع التي يواجهها الآن في سورية، لإضفاء مباركته على المجلس العسكري الانتقالي، لرسم مسار للخروج مما يبدو وكأنه طريق مسدود. وقبل كل شيء، إن الأموال اللازمة لإعادة بناء سورية، التي يمكن أن تسمح لروسيا بتحريك تدخلها نحو انتصار استراتيجي طويل الأمد ودائم، لن يمنحها الحلفاء الغربيون ولا أغلب دول الخليج العربي الذين يطالبون بإنهاء قيادة الأسد كشرط أساسي. لذا، يبدو أن هناك ما يكفي من المبررات التجريبية والنظرية للتساؤل: هل يتم بذل الجهود وراء الأبواب المغلقة، بين أصحاب المصلحة في الصراع السوري مع مصلحة موسكو التي لا غنى عنها، من أجل بثّ الحياة في روح المجلس العسكري الانتقالي بقيادة طلاس، أم أن التقارير تستند إلى حد كبير إلى الشائعات؟
وأوضح لي العميد طلال فرزات، رئيس حركة الضباط الأحرار، الذي تربطه علاقة وثيقة بالعميد طلاس، أن مشروع المجلس العسكري الانتقالي “حظي أخيرًا بتوافق في الآراء بين الولايات المتحدة وروسيا، وبدعم من البلدان المجاورة لسورية والمحور العربي”، وأكد بعض العلامات الملموسة الموجودة لدعم ذلك. وأخبرني فرزات، من دون أن يوضح التفاصيل، أن “مناف طلاس موجود في الساحة”، وأنه “تلقى إشارات جادة من المستويين المحلي والدولي، ليبلور المشروع ويظهره”.
وزعم فرزات كذلك أن هناك تفاعلًا جديًا ومستمرًا مع الخطة، من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا ودول عربية متعددة. وزعم أنه لا ينبغي الخلط بين الغياب الحالي للإعلانات العامة عن الدعم، والافتقار والتأييد المتنامي من وراء الكواليس. وأضاف أن “الأطراف الخارجية تراقب الاقتراح، ولكنها تفضل عدم الإعراب عن آراء صريحة بخصوصه، حتى الآن، معتقدة أن ذلك يساعد في تدوير وتعميم الفكرة على مختلف المستويات بطريقة هادئة وتداولية”. وعلى الصعيد الإقليمي، أعرب المسؤولون القطريون والسعوديون عن اهتمامهم الشديد بالاقتراح، وأنهم “يشعرون بنبض” كيانات المعارضة السورية تجاه الفكرة.
والواقع أن العنصر الحاسم في تحويل المجلس العسكري الانتقالي إلى واقع يتلخّص في الوحدة بين الرجال الذين يقفون وراءه والجهات الفاعلة العسكرية السياسية على الأرض، وهم على وجه التحديد: الحكومة السورية المؤقتة، والجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وزعم فرزات، وهو يتطرق إلى ذلك، أن “الدلائل الحقيقية على وجود دعم دولي واسع النطاق” قد ساعدت في تشجيع “الأطراف السورية على أرض الواقع” على قبول المبادرة.
ومع ذلك، فإن أعضاء المعارضة الذين تحدثت إليهم “على أرض الواقع” يعدون هذه المزاعم إشكالية، وجميعهم دحضوا فكرة المجلس العسكري الانتقالي، إما إنكارًا لجدواها السياسية وإما رفضًا صريحًا لها، باعتبارها نتاج شائعات. وقال أحد كبار المسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة: “نحن، في الحكومة السورية المؤقتة، وفي كتائب وتشكيلات الجيش الوطني السوري، لم يسألنا أحد عن هذا المشروع، وليس لنا أي دور فيه، أو أي موقف منه على الإطلاق. ولا يحظى مشروع مناف طلاس بأي دعم من المعارضة السورية، و98 في المئة من السوريين الذين يؤيدون المعارضة لا يقبلون بما يسمّى بالمجلس العسكري”.
وردد أحد الجنرالات من الجيش الوطني السوري الذي يتخذ من إدلب مقرًا له، هذه النقطة قائلًا: “إن هذا الحديث [عن المجلس العسكري الانتقالي] هو مجرد آراء منتشرة في منتديات وسائط التواصل الاجتماعية، ولا يوجد اتفاق مع أي شخص”. واستمرارًا لهذا الموضوع، أدان جنرال آخر، من مجلس حماة العسكري في الجيش الوطني السوري، المشروع باعتباره “شائعات وفقاعات من الناس الذين يحبون الظهور، كما لو أنهم مهمّون لمستقبل سورية، يعيشون في أوروبا ويستمتعون بجمع (لايكات likes) على مواقع التواصل الاجتماعي”. وعلى النقيض من ذلك، تبدو قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة أكثر استيعابًا وتكيفًا. وقد أبلغني مسؤول رفيع المستوى من المجموعة أنه كانت هناك “اتصالات بين مناف طلاس وقوات سوريا الديمقراطية، بخصوص الفكرة وكيفية تنفيذها، ونحن نؤيدها”. غير أن المتحدث الرسمي أضاف، في معرض الكشف عن المرحلة الجنينية من المجلس العسكري الانتقالي، “حتى الآن، جرت مناقشات أساسية. وهناك حاجة إلى مزيد من المحادثات وتوضيح الفكرة وكيفية تنفيذها”.
ولكن، حتى لو وُجد مهندسو المجلس العسكري الانتقالي أنفسهم في سيناريو عالمي مثالي، حيث تقف مجموعة جماعات المعارضة السورية كلها خلفهم، فإن هناك سؤالًا محرجًا يظل مطروحًا: كيف نبدأ الانتقال من الأسد؟ وبعيدًا عن التأكيد أن الدكتاتور يجب أن يغادر منصبه، وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254، فإن الأفراد الذين كانوا وراء المشروع الذين تحدثت إليهم كانوا غير قادرين أو غير راغبين في تقديم مزيد من التفاصيل، بخصوص الكيفية التي قد يتخذونها لإبعاده؛ سواء من خلال نوع من الاتفاق السياسي أو بالقوة.
مفتاح العملية الذي لا يمكن القفز من فوقه هو الاستعداد الروسي للتخلي عن الأسد. ومن الناحية الواقعية، تبدو فرص ذلك ضئيلة، حيث تلقي موسكو بثقلها وراء ما يسمى بالانتخابات السورية المقبلة (المقرر إجراؤها في 26 أيار/ مايو) ومن شبه المؤكد أنها ستمنح الرئيس السوري فترة ولاية أخرى في منصبه. وفي معرض تأكيد ذلك، صرّح مسؤول من حقبة باراك أوباما، كان يعمل كمستشار حول الانتقال السياسي السوري حتى عام 2012، بأنه كلّما طرح أسئلة حول خطط الانتقال من الأسد، على أولئك المشاركين في المجلس العسكري الانتقالي، “كان يواجه دائمًا جدارًا أصمّ أو متاهة من الأمنيات”.
وقال المسؤول الأميركي السابق: “الأمر الأكثر أهمية أن تخلق هيكلًا مفصلًا يصور كيف يمكن أن تحكَم سورية خلال مراحل مختلفة من التحول السياسي. ومع ذلك، إنه أمرٌ آخر تمامًا، أن توصف كيف يبدأ الانتقال نفسه في الواقع”.
ما يبدو في الوقت الراهن أن هذا المجلس العسكري الانتقالي هو إلى حد كبير نظرية يكافح وجودها المادي، من أجل تجاوز الحبر المصروف على الورق. هناك عوائق كبيرة تحول دون تنفيذه، مثل التعامل مع مصير الأسد، وكسب تأييد المعارضة السورية المدعومة من تركيا، التي تشكك في الرجال الذين يتخذون من أوروبا مقرًا لهم في المقام الأول ويقفون خلف المجلس العسكري الانتقالي، وفي العميد طلاس. هذا فضلًا عن الافتقار إلى الأدلة الملموسة، بخلاف مزاعم فرزات، التي تؤكد أن روسيا تؤيد الاقتراح. ومع ذلك، فإن المسؤول الأميركي السابق أبدى ملاحظة واحدة على خلاف مع ملاحظات المعارضة السورية. وقال إنه على الرغم من تحفظاته حول قدرة المجلس العسكري الانتقالي على البقاء، “أستطيع أن أؤكد لكم أن الأمر أكثر بكثير من اختراع وسائل التواصل الاجتماعي”.
اسم المقال الأصلي | Syrian Transitional Military Council: A ‘social media invention’ or much more? |
الكاتب | ماثيو آيتون، Matthew Ayton |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 3 أيار/ مايو 2021 |
رابط المقال | https://bit.ly/3tHe3MN |
عدد الكلمات | 1445 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |