ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
عندما اندلعت الحرب الأهلية في سورية عام 2011، فرَّ كثير من السوريين عابرين الحدود الغربية إلى لبنان. يعيش الآلاف منهم الآن في عرسال، وهي بلدة نائية في سهل البقاع، ليست بعيدة عن الحدود السورية.
يستضيف لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه ستة ملايين نسمة، عددًا كبيرًا من اللاجئين يقدّر بنحو (1,5) مليون سوري. ومع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، بسبب التضخم والاعتماد على الواردات والبطالة الجماعية وتفجير الميناء في آب/ أغسطس؛ تصاعدت التوترات بين اللبنانيين واللاجئين.
غالبًا ما يستخدم السياسيون اللبنانيون خطابًا معاديًا للاجئين؛ ففي مقابلة العام الماضي، قال وزير الخارجية جبران باسيل (زعيم التيار الوطني الحر اللبناني): إن “معظم السوريين -أكثر بكثير من 75 في المئة- لم يعودوا خائفين، أمنيًا وسياسيًا، لكنهم باقون هنا لأسباب اقتصادية”. وأضاف: “إنهم يعملون في لبنان، ويأخذون وظائف اللبنانيين، لأنهم يعملون بأجور أرخص، إذ ليس عليهم ضرائب يدفعونها، وهم يتلقّون مساعدات، بالإضافة إلى الأجور التي يتقاضونها”.
تحاول السلطات اللبنانية أن تجعل من لبنان بيئة غير مواتية للاجئين السوريين، الذين يُستبعَدون بالفعل من الاقتصاد الرسمي في لبنان. في العام الماضي، أصدر المجلس الأعلى للدفاع، وهو هيئة داخل الجيش اللبناني، أمرًا بهدم المساكن شبه الدائمة التي بناها اللاجئون في عرسال، والسماح بالمساكن المؤقتة فقط.
وبما أن عرسال تقع في جزء جبلي من لبنان، حيث فصول الشتاء الباردة التي لا ترحم، فقد أمضى كثير من اللاجئين وقتهم في تحسين منازلهم، لجعلها أكثر دفئًا ومقاومة للأمطار، وأقاموا جدرانًا إسمنتية.
وبدلًا من تقديم أوامر مكتوبة إلى اللاجئين، أعطت السلطات اللبنانية تعليمات للمنظمات الدولية والجمعيات الخيرية لتمريرها إلى اللاجئين السوريين، تتعلق بكيفية تفكيك مساكنهم، وتحديد شكل الهياكل التي ينبغي بناؤها مكانها. وسمحت السلطات اللبنانية للمنظمات غير الحكومية بتوفير المواد اللازمة للمساكن الجديدة.
وبحسب تلك الأوامر، أُزيلت الأساسات الإسمنتية التي بناها بعض اللاجئين. وعندما أُعيد بناء الملاجئ، سُمح بأن يكون لها أساس بارتفاع خمسة قوالب من الطوب (القرميد)، أما الأسقف والجدران، فيجب أن تكون مصنوعة من عوارض خشبية أو أغطية بلاستيكية أو قماشية. والجدران الداخلية، يمكن أن تكون في أفضل الأحوال من الرقائق الخشبية.
وفي هذا السياق، وظفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية اللاجئَ السوري نبيل خلوف مع فريق من البنائين، لتنفيذ تلك المهمة: تفكيك ملاجئ اللاجئين السوريين الضعفاء وكبار السن والمعوقين، واستبدالها بهياكل مؤقتة. لكون هؤلاء اللاجئين غير قادرين على تفكيكها بأنفسهم، كما أمرت السلطات اللبنانية.
منذ فراره من القلمون في شرق [غرب] سورية عام 2014، عمل نبيل مع جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية، ومع عدد من الجمعيات الخيرية الأخرى في عرسال. وكان عمله مع جمعية (إدنبرة) في مجال المساعدة الفورية لإنشاء برنامج تدريب مهني، يمكّن اللبنانيين واللاجئين السوريين في عرسال من تعلّم المهارات المهنية مجانًا، مثل مهنة إعداد الإسمنت للبناء والنجارة، بالإضافة إلى مهن عديدة، كصيانة الأجهزة المحمولة وتصفيف الشعر والخياطة والإسعافات الأولية.

في الأعوام الأخيرة، بدأ نبيل (الذي كان يعمل في أحد البنوك في سورية قبل اندلاع الحرب الأهلية) إدارةَ فريق من السوريين الذين تدربوا كبناة (معماريين) في دورات برنامج جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية. ومن خلال العمل في مشاريع بناء في المنطقة المحلية، نمت مهارة الفريق وذاع صيته في المنطقة. وكان هذا الأمر هو سبب وصولهم إلى اهتمام لجنة الإنقاذ الدولية والمفوضية، بمشروع هدم المخيم.
قال نبيل: “أنا ورفاقي كنّا نعمل أحيانًا حتى الساعة الثانية صباحًا، في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من العام الماضي، من أجل استكمال عملية الهدم وإعادة البناء في أسرع وقت ممكن”. وأضاف: “كان الأمر صعبًا جدًا”.
تقول مارغريت توكي، وهي موظفة ميدانية في جمعية (إدنبرة) للمساعدة الفورية: “كنّا نشرح لسكّان المخيم سبب قيامنا بذلك، وكان معظمهم يتفهمون السبب، ولم نهدّم جميع أنظمة المياه والصرف الصحي، بينما كان الجيش اللبناني يقتحم المساكن ويدمّرها مباشرة”. وأضافت: “لقد كان الأمرُ مفجعًا، وعلى الرغم من ذلك، كان لدينا عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقات العقلية الذين ليس لديهم أي فكرة عن سبب قيامنا بذلك، وكانوا محبطين للغاية”.

عندما وصلت أخبار انفجار المرفأ، في 4 آب/ أغسطس، إلى عرسال، وشاهد نبيل صور الدمار، ناقش فكرة أن ينقل فريقًا من البنائين إلى بيروت، للمساعدة في الإصلاحات مع منظمة (الخوذ الخضراء)، وهي منظمة ألمانية غير حكومية تعمل في عرسال.
في البداية، قدّمت الخوذ الخضراء 13,000 دولار أميركي، وقدّمت جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية 10 آلاف دولار أميركي لـ نبيل وفريقه، للذهاب للعمل في بيروت. كانت الخطة هي العمل ثلاثة أسابيع، لكنها استغرقت نحو أربعة أشهر، قضاها نبيل في بيروت قبل أن يعود مجددًا إلى عرسال.
عندما وصل الفريق لأول مرة إلى بيروت، أقاموا مساحة لورشهم المؤقتة للزجاج والنجارة في الكرنتينا، وهو حيّ عمّالي فقير قريب من الميناء الذي دمّره الانفجار. في الأسبوع الأول، نام الفريق في الكرنتينا؛ حيث كان هناك نقص كبير في المساكن الآمنة المتوفرة في بيروت، بعد الانفجار؛ ثم استأجر الفريق منزلًا في جبل الشيخ (حرمون)، على بعد ساعة من بيروت. ونظرًا لأن المنزل كان بعيدًا جدًا عن الميناء، وجد الفريق أنهم يقضون ساعات في حركة المرور سيئة السمعة في بيروت، التي صارت أسوأ في أعقاب انفجار الميناء.
بعد الأسبوع الأول، عرضت البلدية في بيروت على الفريق مساحة في مجمع صناعي في الكرنتينا، كان يُستخدم في السابق لخدمة شاحنات جمع النفايات. يقع المجمع بجوار مركز الإطفاء الذي فقد كثيرًا من رجاله، عندما استجابوا لأنباء اندلاع الحريق في الميناء في 4 آب/ أغسطس، حيث قُتلوا نتيجة قوة الانفجار، عندما اشتعل مخزون ضخم من نترات الأمونيوم كان مُخزَنًا بصورة غير صحيحة.
بعد شهرين من التنقلات الطويلة من جبل الشيخ (حرمون)، قرر الفريق إنشاء مخيم مؤقت في المجمع الذي كانوا يعملون فيه، ومكثوا هناك طوال الشهرين الأخيرين. وعندما مرض أحد أعضاء الفريق وخافوا من إصابته بـ (كوفيد -19)، جهزوا مساحة عزل مؤقتة. وعندما بدأ هطول المطر وعبَرَ سقف المستودع الذي تضرر بشدة، نقلت الفرق ورشة عمل النوافذ في المجمع.

انتشر خبر العمل الذي كان يقوم به نبيل وفريقه بسرعة، وبدأت العديد من الجمعيات الخيرية الأخرى في إحالة الناس إلى ورشة العمل الخاصة بهم في الكرنتينا، قال نبيل: “أصبحنا مركز نشاط”.

مكاتب البلدية في بيروت بأبواب ونوافذ جديدة
كان الناس يأتون إلى ورش العمل، ويقدمون تفاصيل الأضرار التي لحقت بمنازلهم ووضعهم المالي، حيث ستخرج مارغريت بعد ذلك وتجري تقييمًا للوضع. وإضافة إلى توفير النوافذ والأبواب لـ 565 عائلة، قام نبيل وفريقه بإنشاء نوافذ جديدة لمكاتب بلدية بيروت، ومحطة الإطفاء في الكرنتينا، وأيضًا للمعهد الموسيقي في الباشورة. كان فريق البناء السوري يعمل (12) ساعة في اليوم، من دون يوم عطلة، حيث كانوا يصنعون ويركبون النوافذ للمنازل المتضررة.
قالت مارغريت: إن جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية تلقت تبرعات من طلاب بريطانيين في الجامعة الأميركية في بيروت، أرادوا مساعدة أصدقائهم، وكذلك من نادي روتاري (Rotary) في المملكة المتحدة، وكذلك تبرعت عائلة أميركية بمبلغ مالي. وقدّمت جمعية “المحتاجون People in Need” الخيرية السلوفاكية إلى جمعية أدنبرة المساعدة في إصلاح نوافذ المنازل.
في المجموع، تم توريد وتركيب 2003 نوافذ و 793 بابًا، بواسطة نبيل وفريقه. أنفقت جمعية أدنبرة للمساعدة الفورية والخوذ الخضراء 49,000 دولار أميركي على المواد والعمالة لمشروع الإصلاح. وهو مبلغ ضئيل مما أنفقته من قبلُ كثيرٌ من المنظمات غير الحكومية الدولية في أعقاب انفجار الميناء.
دفعت جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية لـ نبيل راتبًا، وكان بدوره يدفع لكل من عماله 20 دولارًا أميركيًا في اليوم، وهو ما يزيد قليلًا عن متوسط السعر المحلي في بيروت البالغ (17) دولارًا أميركيًا. كما قدّمت جمعية إدنبرة مكافأة للعمال، في منتصف فترة إقامتهم في بيروت. تقول مارغريت: “لقد كانوا يعملون بجد، وكان بودّنا أن ندفع لهم أكثر، لو كان بمقدورنا”. لم يتقاضَ نبيل أجرًا إضافيًا مقابل عمله في بيروت، ورفض عرض مكافأة من جمعية إدنبرة للمساعدة الفورية.

في تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أربعة أشهر من إصلاح المنازل في بيروت، عاد فريق نبيل إلى عائلاتهم في عرسال. كان الشتاء قد حلّ، وانخفضت درجات الحرارة إلى ما يقرب من درجات الصفر المئوية. وبدأ تساقط الثلوج على الخيام التي استبدلوها بمنازل اللاجئين السوريين التي هُدمت العام الماضي.
على الرغم من الفترة الطويلة التي قضاها نبيل بعيدًا عن عائلته، شعر بأن عليه الذهاب إلى بيروت، عندما شاهد لأول مرة الصور ومقاطع الفيديو للدمار الناجم عن انفجار الميناء. وحين وصل المدينة في آب/ أغسطس، قال: “كانت بيروت أسوأ من عرسال”. في كلٍّ من عرسال وبيروت، دمّر عمل الحكومة اللبنانية وعدم تحركها منازل وأماكن لجوء لكثيرين.
بعد انفجار الميناء، يبدو أن التدمير المتعمد لبعض المنازل في عرسال كان بلا معنى على وجه الخصوص. ومع ذلك، يستمر تدمير منازل اللاجئين في لبنان. في اليوم التالي لعيد الميلاد، أحرق شبّان محليون خيام (350) لاجئًا سوريًا، في أحد المخيمات بالقرب من طرابلس، على إثر مشاجرة بين أسرة لبنانية وبعض سكان المخيم.
مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، يخشى كثير من اللاجئين السوريين ممّا ينتظرهم في لبنان، في الأشهر المقبلة.
الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
اسم المقالة الأصلي | Syrian Refugees Excluded from Lebanese Labor Market |
الكاتب * | حنة ماكارثي، HANNAH MCCARTHY |
مكان النشر وتاريخه | COUNTER PUNCH، 11 كانون الثاني/ يناير 2021 |
رابط المقال | http://bit.ly/3nOOKWd |
عدد الكلمات | 1341 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |
* صحفية إيرلندية ومحامية، مقيمة الآن في بيروت.