عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية | The fall of Raqqa: hunting the last jihadists in ISIS, s capital of cruelty |
اسم الكاتب | مارتن شولوف، Martin Chulov |
مصدر المادة الأصلي | الغارديان، The guardian |
رابط المادة | https://www.theguardian.com/world/2017/oct/06/the-fall-of-raqqa-hunting-the-last-jihadists-in-isiss-capital-of-cruelty |
تاريخ النشر | 6 تشرين أول/ أكتوبر 2017 |
المترجم | أحمد عيشة |
استخدمت المجموعة الإرهابية المدينة السورية لعرض همجيتها. الشعور بالانتقام، هو من يحفّز الهجوم المعاكس النهائي الآن.
كان أبو عوض، وهو مقاتلٌ شجاع من أجل الدولة الإسلامية، قلقًا. وكان رجاله الذين تعرضوا للضرب، وكانوا يجعلون أنقاض المباني المفخخة مأوى لهم، إذ تتناقص إمداداتهم، يفقدون الصبر والانضباط.
(أبو أسامة)، قال على تردّدٍ لاسلكي: إنّ ملاحقيه كانوا يرصدون شارعين، من الجانب الآخر من خط المواجهة لمعركة الرقة. وأضاف: «ليس لدينا مياهٌ للوضوء أو الاستحمام، وليس لدينا ما يكفي من الأدوية لعلاج الجرحى».
«نظفْ نفسك من الأوساخ، وسأومنَ لك بعض الماء في الصباح»، ردَّ رجلٌ بصوتٍ مرهق.
مقاتلون على خط المواجهة في شرق الرقة. تصوير: أخيليس زافاليس
كان أحدُ المتمردين الأكراد الشباب يستمعون إلى لاسلكيّ معلق بيده، إذ تعرف إلى الصوت. وقال: «إنَّه سوريٌّ»، كما قال آخرون من وحدته، يجلسون حوله في فناء منزل القائد عسكري. «ذاك هو زعيمهم، أبو أسامة. ذات مرة، أخبرتنا [داعش] [على التردد نفسه]: (نحن سوف نحرقكم، ثم ندفنكم)، لم يكن هناكَ أيّ ردٍّ من النقطة».
حوالى 300 من مقاتلي داعش، يُظن أنَّه طُلبَ منهم البقاء في المدينة، متشبثين بزاويةٍ من عاصمة ما يسمى بخلافتهم التي لم يتبق لهم فيها خلال خمسة أشهرٍ من المعركة التي لا هوادة فيها إلا ثلاثةَ أحياءٍ مدمرة. سور المدينة القديمة الذي صمد أكثر من ألف عام يحوط بجانبٍ واحد من ساحة المعركة، وأرضٌ يباب (بور) كانت في السابق منطقةً صناعية على الجهة الأخرى. امتزج الدخان الناجم عن حرق المباني مع الغبار الرمادي من الغارات الجوية وغطى ما تحت سماء الخريف المملة حقًا.
استخدمت السيارات المحترقة سدًّا موقتًا للطريق بالقرب من قاعدةٍ لقوات سوريا الديمقراطية بالقرب من خط الجبهة. تصوير: أخيليس زافاليس
ليس لدى المتطرفين الذين بقوا أيَّ مكانٍ يذهبون إليه. مصيرهم يكاد يكون من المؤكّد محكومًا بالدمار المروع للمدينة، إذ بدأ كلُّ شيء لداعش في سورية منذ أكثر من أربع سنوات.
يتركّز ما تبقى من معركة الرقة الآن على متاهةٍ من الشوارع، والمنازل المدمرة التي تؤدي إلى ساحة برج الساعة، حيث تُعلقُ رؤوس مقطوعة على أعمدة بعد إعدام داعش لأصحابها، ويُطلب من السكان الحضور أنْ يشهدوها.
منذ عام 2013، ارتبط الدوار الحلقيّ البسيط في النفس العالمیة بوصفه رمزًا لخطر داعش. في نظر كثيرين، فإنَّ خسارته التي تلوح في الأفق سوف تختتم بزوال الجماعة الإرهابية.
يغطي القرميد، والغطاء المعدني الملتوي اثنين من الشوارع الفارغة المؤدية إلى الساحة، حيث يرصد قناصة داعش الجانبين كليهما. وسيؤدي الاستيلاء عليها إلى تدمير استيلاء الجماعة على الأراضي التي غزوها، ويخسرونها بصورة مطردة منذ العام الماضي. من خلال ثقبٍ في جدار يستخدمه فريق قناصٍ كرديّ، يمكن رؤية الساحة، والساعة الشاهقة على بعد أقلِّ من 500 متر.
تظهر المباني المدمرة من خلال موقع قناص يطل على مناطق داعش. تصوير: أخيليس زافاليس
في حين استخدمت داعش مسجد النوري الكبير في الموصل لادعاء أنّها مجموعةٌ ملهمةٌ من الإيمان، كشفت ساحة برج الساعة وحشيتها العارية، وترهيبها. وقال إسماعيل، وهو صيدلاني من المنطقة، هرب من المدينة قبل ستة أشهر، وانضم إلى التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة والمعروف باسم قوات سوريا الديمقراطية: «كان هناك حوالى 13 حالة إعدامٍ في الشهر»، وأضاف: «اعتادوا أنْ يرصدوا الدوار وهم يرتدون الأقنعة، ويتجولون في الشوارع مع مكبرٍ للصوت يأمر الناس أن يشاهدوهم».
«إذا كنت جاسوسًا، يقطعون حنجرتك من الأمام. والشيء نفسه إذا كنتِ مجدفًا (تشتم الدين) أو قاتلًا. بينما يُقطع رأس السحرة والمشعوذين من الخلف. أما النساء، فنصيبهن الرصاص».
تحدث المقاتلون على طول خط الجبهة، رجالًا وأولادًا- وكثيرٌ منهم من السكان المحليين في الرقة- بصورة واقعيّة فجة عن حوادث كان من شأنها أنْ تكون غير مفهومة قبل عهد داعش. وقال موسى (21 عامًا): «لقد جاؤوا ليأخذوا أخي من منزلنا»، مشيرًا إلى أنقاض منزلٍ على الطريق. «قطعوا رأسه، وعلقوا جسده على صليبٍ بالقرب من حلب. لم يكن مسموحًا لنا حتى أنْ نسأل لماذا». أما رامي، وهو مقاتلٌ عربيٌّ آخر من الرقة، فقدَ أيضًا شقيقًا اقتاده أعضاءٌ من داعش من منزله. وأضاف «كانوا كلَّهم سوريين، من بيننا، وإلا لما كانوا ارتدوا الأقنعة». وأضاف: «قتلوا والدتي عند أحد الحواجز».
دليل، من اليسار، من باتمان في تركيا، وحزام، من كوباني، في قاعدتهم في الرقة. تصوير: أخيليس زافاليس
كان الرجال قد حصّنوا أنفسهم في مبنى رماديّ مكوّنٍ من ثلاثة طوابق على بعد أقلِّ من ميلين جنوبيّ برج الساعة. الغرف مملوءةٌ بالطعام المتعفن، والذباب. أغلقتْ نصف مقطورةٍ مقلوبة أحد المداخل إلى القاعدة، وسدّتْ أكياس الرمل الجانب الآخر. في الطابق الثاني، حزام، 28 عامًا، وهو كرديٌّ من كوباني، يعلن صارخًا باستمرار تعليماتٍ عبر لاسلكيّ كان يحمله بيده الوحيدة المتبقية. قذائف الهاون أفقدته يده اليسرى في المعركة من أجل بلدته (كوباني) قبل عامين، وعندما أشار إلى عقب معصمه لتوجيه رجاله، بدا أنَّ له تأثيرًا إضافيًّا.
تمامًا خلف إحدى المقابر التي حطمت داعش كل الشواهد فيها، جرى إرسال ستةُ مقاتلين شباب في الليلة السابقة لتطويق الجهاديين ومحاصرتهم، لكنَّ مكانهم انكشف. فأصيبَ اثنان منهما بجروحٍ من قذائف آر بي جي، وأُرسل بقية عناصر الوحدة لإنقاذهم. يمشي حزام عبر شرفةٍ بينما الغارات الجوية تضرب بقوةٍ فوق داعش في الأماكن المقابلة. انطلقت موجة الانفجار خلف جدر الطين البني في البلدة القديمة وعلى مقرات القيادة الرئيسة. وبعد ذلك بقليل، عاد لاسلكيه للحياة. «أرسلوا عربة همر. لدينا شهيدين»، صاح رجلٌ «وأربعة إصابات».
بعد ساعة، قامت (الجيب) المدرعة التي زودّتهم بها الولايات المتحدة- وهي العربة الوحيدة التي تملكها الوحدة- تدوي صاعدةً الشارع، وأرجل الموتى تتدلى من الخلف، بينما حُشر الجرحى في المقدمة. تقدّمت شاحنةٌ مساعدة باتجاه (الهامر)، ورفعت الجثتان على البطانيات، ونقلتا بلطفٍ إلى الرواق المفتوح. انحشر الجرحى إلى جانبهم. ولدٌ جريح في حالة صممٍّ، وإغماء، أراح رأسه على إحدى الجثث عندما انطلقت الشاحنة نحو العيادة الطبية، بعد أن انعطفت الشاحنة وراء منازل مهجورة.
مقاتل مصاب من قوات سوريا الديمقراطية على ظهر شاحنة في الطريق الى المستشفى. تصوير: أخيليس زافاليس
لم يبق مدنيٌّ واحد في الرقة الشرقية. وفي غيابهم، كتاباتهم ورسومهم على أطلالهم تتحدث عنهم، وكذلك عن المحتلين المهزومين، والمجموعات الدولية التي جاءت للقتال. قالت إحدى الرسائل التي خطّها أحد أعضاء داعش: «الفرق بين الرجال والمرتدين هو الصلاة». وقالت رسالةٌ أخرى: «إنَّ الرقة ستُطهَر من رجس الإرهابيين». وترك الفوضويون اليونانيون الذين يقاتلون إلى جانب الأكراد، والعرب بصماتهم أيضًا: (روفيكوناس، الرقة 2017)، كتابات على أحد الحوائط بالقرب من منطقة المعركة.
على جانبي الجبهة، اصطف الرجال والنساء من أنحاء العالم كلها للقتال. أفرادٌ من الجماعات اليسارية العالمية- أميركيون، وأتراك، وألمانيون، وإسبانيون، من بين أمور أخرى- تكشف صفوف المقاتلين الأكراد والعرب، أما داخل قوات سوريا الديمقراطية، فالأقليات من أنحاء المنطقة جميعها هي من يشغل المناصب البارزة.
في مركزٍ طبي، قامت اثنتان من الفتيات اليزيديات من العراق- في أواخر سن المراهقة، ولكنهنَّ يبدونَ في سنٍّ أكبر كثيرًا- بتفجير الفناء الذي جُلب المقاتلون الميتون منه وتفتيشه قبل ساعاتٍ قليلة. جلس زملاؤهم الأربعة الجرحى في مكانٍ قريب. «أقسم أنَّنا حتى لم نرهم»، قال صبيٌّ واسع العينين من الرقة، والضماد على رأسه. شبكَ زميله يديه على أذنيه المتضررتين.
مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية يرصد تحركات العدو من موقع قناص يطل على مناطق داعش. تصوير: أخيليس زافاليس
عاكف، طبيب العيادة، وهو كرديٌّ من الجبال التركية، جلس بعد أنْ عالج إصابات الأولاد، وصرفهم. قال: «إنَّهم محض فتيان طائشين يحتاجون إلى الفيتامينات». وأضاف: «يمكنهم العودة والقتال».
كان لعاكف مرتبة في العيادة، كما فعل الأكراد الأتراك في منطقتين أخريتين من الجبهة- حيث كان مقرُّ حزام، وبعيدًا عن الجبهة في ضاحية سمرا في الرقة، كانت هيفدا، وهي امرأةٌ في أواخر الثلاثينيات من عمرها، تقود قاعدةً صغيرة، ولكنّها حساسة. اجتاحت الطوابق، وفتشتها، تطبخ وجبات الطعام، تبقى يقظةً، وتعقد محكمةً كلما أرادت. وأضافت: «عندما تريد شيئًا تعرف أنَّه على حق، ستصل إليه بشجاعةٍ واقتناع». يذعن الأكراد والعرب في القاعدة لها، كما يذعنون لدليل، من مدينة باتمان التركية الذي جلس جنبًا إلى جنب مع حزام في القاعدة المتقدمة.
وتابعَ عاكف: «إن المشكلة مع تركيا هي أنها تجري تسويةً بين الرأسمالية والشمولية». وأضاف: «لقد لعبوا دورا مؤسفًا في المنطقة». وباستخدامٍ تحقيريّ للزعيم التركي، رجب طيب أردوغان، قال: «إنَّ زمن السلطان يمضي».
هيفدا على اليمين، في قاعدة سمرا، الرقة. تصوير: أخيليس زافاليس
المتطوعون العرب، وكثير منهم من السكان المحليين، متميزون في الخطوط الأمامية، ولأن أيًّا من المجموعات لا تعترف علنًا بدورهم أوتقدّره، فإنَّ تجنيد الرجال المحليين قد أطلق المعركة بشعورٍ من الانتقام الشخصي.
على مقربةٍ من خط المواجهة، مع لاسلكي لداعش في يد، وجهاز آخر للتحدث مع رجاله في الآخر، قال إلياس، 25 عامًا، من الحسكة: إنَّ دور قوات الرقة كان أساسيًّا في المكاسب حتى الآن، كما دور الغارات الجوية الدقيقة من التحالف بقيادة الولايات المتحدة. «[داعش] تعرف أنّنا لا نعذبهم إذا قبضنا عليهم. وبالنسبة إلي حتى لا أكرههم». وأضاف: «إنَّهم أناسٌ جهلة. لقد غُسِلت أدمغتهم. إذا تعاملنا معهم كما يعاملوننا، نصبحَ مثلهم».
قاد إلياس رجاله من خلال فتحة في جدارٍ بالقرب من الجبهة، ثم فتح مزيدًا منها في المنازل المجاورة التي من خلالها كان ينتقل المتطرفون ومطاردوهم. وقفتْ دراجةٌ بصورة غير متناسقة وسط حطام الحرب في إحدى الغرف، وغطّتْ ملابسٌ متناثرة، وكتبٌ إسلامية أرضية غرفةٍ أخرى، إلى جانب طعامٍ متعفن. على السطح، يرابط مقاتلون عرب خلف إحدى الجدر، بينما انطلق صاروخٌ من طائرةٍ مقاتلة إلى مواقع داعش. اندلع الدخان من مكان الانفجار في صوامع الحبوب القريبة وظلّل المقبرة. «أنا أحب شعور المعركة»، قال إلياس بينما السماء مظلمة. «إنه شعورٌ لذيذ».
بينما انسحبت داعش، ولجأت إلى أماكن تحت الأرض لتجنب الطائرات فوقها. توجد أنفاق كثيرة، وكلها تقريبًا مفخخة. وقال إلياس في مبنى أمامنا في الأعلى: «إن كمية الطاقة التي وضعوها في زرع الألغام أمرٌ لا يصدق». وأضاف: «لقد فقدنا رفيقًا لنا في هذا الفناء هنا».
يساعد مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية رفيقًا سقطت قذيفة على قدميه. تصوير: أخيليس زافاليس
رائحة الموت منتشرة أينما عُثِر على نفقٍ وقنبلةٍ يدوية الصنع. اكتشفنا رجلًا من داعش هناك في اليوم السابق. وقد دُفن جثمانه في مكانٍ قريب.
وكما هو الحال بالنسبة إلى مقاتلي الجماعة الإرهابية الذين تعبوا، فإنَّ الرجال الذين يصطادونهم يقولون إنَّ سقوط الرقة قد حفزّهم. ويرى القادة أنَّ المدينة سوف تسقط في أربعة أسابيع أو ستة، حيث لم يتبق ثمةَ مكان يختفي فيه المتطرفون الأشداء سوى بين الأنقاض، وفي أنفاق ما كان في السابق مركز حكمهم في سورية.
إنَّ التدمير الساحق للرقة يتحدث عن مكانٍ كان أكثرَ من حرب فحسب. إنَّ النفسية المحطمة للمدينة تنوء بثقلها فوق ساحة المعركة. إذ قال أحمد عيسى، وهو طالبٌ يبلغ من العمر 25 عامًا: «كلُّ شيءٍ تَدَمَّر»، «والديَّ لن يعودا إلى هنا. وأنا لنْ أتركَ أختي تعود. نحن مسكونون بأرواحٍ شريرة هنا. نحتاج إلى شيءٍ ما لتطهيرنا».