عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Middle East Democracy: Recommendations for the Next President |
اسم الكاتب | Charles W. Dunne تشارلز دان |
مصدر المادة الأصلي | Middle East Institute |
رابط المادة | رابط المادة |
تاريخ النشر | 2 حزيران/ يونيو 2016 |
المترجم | وحدة الترجمة في مركز حرمون – مروان زكريا |
تشارلز دان، هو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، وهو عضو في مبادرة جون هيه، وقد قدّم النصح إلى حملتين من حملات الانتخابات الرئاسية حول سياسات الشرق الأدنى. عمل كديبلوماسي أميركي لمدة 24 سنة في الشؤون الخارجية، حيث عمل في القاهرة، والقدس، ومدراس الهندية. وعمل كمستشار للسياسات الخارجية لمدير الخطط والسياسات الاستراتيجية في هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون (بين عامي 2007 و2008). وعمل كمدير لبرامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي 2011 و2015 في “فريدم هاوس”، حيث ركّز على حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية في المنطقة. وقبل التحاقه بالــ”فريدم هاوس” عمل كمدير لمجلس الأمن القومي العراقي من عام 2005 إلى 2007. عمل كذلك في فريق تخطيط السياسات لدى وزارة الخارجية، حيث أسهم في تطوير مبادرات رئاسية تهدف إلى تقدّم الإصلاح السياسي والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا. وهو حاليًا باحث زائر في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية في جامعة الدفاع الوطني. وهو ضيف متواتر الحضور في قنوات إعلامية مثل: بي بي سي، والجزيرة، والحرّة، كما ظهر على قنوات مثل: سي بي إس، وفوكس، وإن بي آر. كتب إلى العديد من الصحف، من ضمنها: الواشنطن بوست، و يو إس نيوز آند ورلد ريبورت، و أميريكان إنترست، وصحيفة الوطن في أبو ظبي.
استحوذت منطقة الشرق الأوسط، وما ولّدته من تهديدات عابرة للقارات، على اهتمام وتركيز كبيرين لجميع مرشحي الرئاسة الأميركيين للعام 2016؛ الأمر الذي يعني أن الاضطراب في تلك المنطقة سيتطلّب الكثير من الوقت والجهد الديبلوماسي والموارد، بغض النظر عمّن سيفوز في الانتخابات الرئاسية. وبينما تستولي الصراعات العديدة في المنطقة على اهتمام مرشحي الرئاسة، يبقى السؤال الرئيس عن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط مهملًا، أو حتى مزدرىً بشكل كامل. وهكذا امتنع كل المرشحين عن التورّط في الدخول إلى تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط، وكذلك فشل كلّ منهم في معالجة مسألة قلة الديمقراطية والحريات الشخصية في تلك المنطقة، ولن ينجح النهج العسكري -وحده- في حلّ معضلة عدم الاستقرار فيها. يقترح تشارلز دان، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، والديبلوماسي الأميركي السابق، أن على الإدارة الأميركية المقبلة انتهاج سياسة تركز على تعزيز الديمقراطية في كل المنطقة.
نقاط رئيسة
- الحاجة إلى الديمقراطية، وإلى عودة فضاء سياسي أكبر في الشرق الأوسط. استخدام الأساليب التقليدية في القمع لن ينجح في “إعادة المياه إلى مجاريها”.
- العوامل التي ولّدت الربيع العربي لم تتغير؛ الأمر الذي يجب أن يُعنى به صنّاع السياسات الأميركيون بعمق.
- رغبة الولايات المتحدة في استقرار المنطقة، تتطلّب معالجة الأسباب الكامنة وراء عدم استقرارها، بما في ذلك نقص الديمقراطية والتشارك السياسي.
- على الإدارة المقبلة أن ترفع من تمويل منظمات المجتمع المدني في المنطقة، بين أدوات أخرى تهدف إلى ترسيخ الديمقراطية، وفتح الفضاءات السياسية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان على نطاق واسع.
- على الولايات المتحدة أن تشرط دعمها العسكري لحلفائها الإقليميين، بالعمل على إعلاء حقوق الإنسان ضمن إطار ديمقراطي.
مقدمة
ركّز المرشحون الرئاسيون لعام 2016، عند الحديث عن الشرق الأوسط، على قتال داعش، والفوضى التي تبتلع سورية، والعراق، وليبيا، والخطر المتزايد للإرهاب. هناك من المرشحين من هاجم الاتفاق النووي مع إيران، وهناك من امتدحه. وانتُقِد الرئيس باراك أوباما كلاعب ضعيف في الشرق الأوسط، ولكن امتدحت أيضًا سياسته المتحفظة. ونوقشت الأخطار المنبثقة من الشرق الأوسط على أميركا بشكل حامٍ، وكذلك حكمة التدخلات العسكرية. ظهرت اختلافات متكررة بما يخص الأسباب الرئيسة المتسببة في الصراع في المنطقة، وما كان على الولايات المتحدة فعله وما عليها الآن فعله إزاءها.
ولكن لم يثر أحدٌ قضية حقوق الإنسان، أو مسألة الحاجة إلى تغيير ديمقراطي، كان هذا تقصيرًا عن البحث في المشكلة الكامنة وراء كل ذلك الاضطراب. في الواقع، أشار المرشحون إلى هذه المسائل في ضوء الشكّ والسلبية. وندر أن قدّم أي منهم بديلًا عن التطرف العنيف وداعميه الأيديولوجيين، أو اعتبر ذلك عنصرًا مهمًا في سياسة إدارته المقبلة. من سوء الطالع أن يكون ذلك، لأن مصالح أميركية مهمّة هي الآن على المحك.
من المرجح أن تعود المطالبات بالديمقراطية، والمساحات السياسية الأوسع، إلى الظهور في نهاية المطاف، على الرغم من تراجعها في وجه الفوضى المتزايدة، وخطر داعش، والنكسة الاستبدادية الحادة؛ إذ تستمر نسب السكان من الشباب بالارتفاع في الدول العربية، وهم القوة التي غذّت الثورات في تونس ومصر. وتبدو مطالبهم اليوم مشابهة لتلك في عام 2011، عند بداية الربيع العربي: العدالة الاجتماعية، والوظائف، والكرامة، ومزيد من المساحة لحرية التعبير، بما في ذلك انتقاد حكوماتهم دون الخوف من العقوبات، والآن، وكما كان وقتها، أغلبية الحكومات لا تستطيع، أو لا ترغب في معالجة تلك المسائل. القمع ببساطة، وهو الرد الرجعي للكثير من الحكومات في المنطقة، لن يحسر موجة الاحتجاجات لعقود، كما حدث في الماضي. راقب مصر، حيث تواجه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي احتجاجات متزايدة، وتشهد تراجع شعبية الرئيس السيسي بشكل كبير، منذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي عام 2013، كما تزايدت الهجمات الإرهابية، واتسعت رقعة الاحتجاجات السياسية، على الرغم من الحملة الأمنية المشددة.
“القمع ببساطة، وهو الرد الرجعي للكثير من الحكومات في المنطقة، لن ينجح في إنهاء موجة الاحتجاجات”
بالتالي، وعلى الرغم من تجميد الربيع العربي، فالعوامل التي ساهمت في إطلاقه ما زالت موجودة. ويجب على صناع السياسة الأميركان إيلاء ذلك أشدّ الاهتمام، خاصة أن الموجة المقبلة من الثورات ستكون على الأرجح أشدّ وطأة من السابقة. ومن شأن زيادة التطرّف، والراديكالية، تغذية نمو الحركات الإرهابية، وكذلك تشكّل الظروف المناسبة للثورات ذات الطابع الإسلامي في البلدان المضطربة. كما أن التدفق المتسارع للاجئين إلى أوروبا ومناطق أخرى، والناتج عن الصراعات الأهلية العنيفة، قد يهدد أمن أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة. ومن نافل القول، أن ذلك كله سيؤثر على المصالح الأمنية الأميركية، والنظام السياسي العسكري التي أسهمت الولايات المتحدة في إنشائه، وإرساء قواعده عبر عقود خلت؛ وبذلك فالولايات المتحدة بأمسّ الحاجة إلى استراتيجية تدعم المصالح الأميركية في الاستقرار والأمن، وتسهم في الوقت ذاته في تحقيق المطالب الشعبية بالتغيير السياسي، واحترام الحريات الأساسية. ولكن غاب النقاش -في استراتيجية كتلك- عن حملات 2016 الانتخابية.
المرشحون
طرح مرشحو الرئاسة في الولايات المتحدة مناهج مختلفة للسياسات المتعلقة بالشرق الأوسط، من ناحية عامة، وكذلك من ناحية أفضل رد على الاضطراب السياسي هناك، لكنهم اشتركوا جميعًا في عدم الارتياح من الفوضى التي تعم المنطقة، وفي التمنّع عن الانخراط عميقًا في المسألة.
دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المفترض، قدّم نظرة هزيلة؛ ففي خطابه عن السياسة الخارجية أمام مركز المصالح الوطنية في 27 نيسان/ أبريل، 2016، تحدث بشكل واضح عن اعتراضه على دعم إدارة أوباما لمعارضي مبارك، وتدخلها في ليبيا، وفشلها في استخدام ما سمّي خط الرئيس أوباما الأحمر في سورية:
انتقلنا من الأخطاء في العراق إلى مصر إلى ليبيا، ثم إلى خط الرئيس أوباما الأحمر في سورية، وأسهم كل من تلك الأفعال في زجّ المنطقة في دوامة من الفوضى، وأعطى داعش المساحة التي احتاجتها للنمو والازدهار. كان ذلك سيئًا جدًا. وبدأ كله مع الفكرة الخطرة، القائلة بأن بإمكاننا صنع ديمقراطية غربية في بلاد، لا تملك خبرة ولا رغبة في أن تصبح ديمقراطية غربية… دعم أوباما معارضي نظام ودود في مصر، طبّق معاهدة سلام طويلة مع إسرائيل، ثمّ أسهم في تسلّم الإخوان المسلمين للسلطة مكانه… لقد جعلنا من الشرق الأوسط مكانًا أكثر اضطرابًا وفوضوية مما كان في أي وقت مضى… بدل محاولة نشر قيم كونية، لا يحملها أو يريدها كل الناس.
واقترح ترامب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة بشكل موقت، وإبقاء اللاجئين السوريين خارج البلاد، كما دعا إلى خطط مضادة للإرهاب من شأنها أن تخرق كلًا من القانون الأميركي والدولي، لكنه تراجع عنها فيما بعد. وبالمجمل، عبّر ترامب عن رؤىً تقترح سياسة شرق أوسط بمنهج يحارب الإرهاب، مشروحة بشكل فضفاض، مع إشارات خفيفة إلى الضرر المباشر سواء على المستوى السياسي أو العسكري. من المرجّح أن تفضي فترة رئاسية لترامب إلى التحالف مع أنظمة استبدادية، والابتعاد عن أي سعي نحو تغيير ديمقراطي، أو تحرر سياسي.
“من المرجّح أن تفضي فترة رئاسية لترامب إلى التحالف مع أنظمة استبدادية والابتعاد عن السعي نحو تغيير ديمقراطي”
وعلى الجانب الديمقراطي، لم تصدر وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، موقفًا علنيًا حاسمًا (لم تذكر حملتُها الانتخابية الشرق الأوسط برمته على صفحتها الإلكترونية)، واقتصرت خطاباتها السياسية على مناقشة الشؤون الأميركية التقليدية: أهمية حماية إسرائيل، والحاجة إلى حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، والخطر الإيراني (ودعم الصفقة النووية)، وكذلك أمن منطقة الخليج، وأنشأت سمعة بكونها -بشكل عام- تتبع الصقور أكثر من الرئيس أوباما.
ولكن ألمحت في خطابها، أمام لجنة العمل السياسية الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، في 21 آذار/ مارس 2016، إلى رفضها العمل مع المستبدين في الشرق الأوسط، كما جرت العادة، ودعم التغيير السياسي في دول استبدادية مثل إيران، وإن ليس بالضرورة في دول الحلفاء العرب، قالت كلينتون: إن “من يفكر من المرشحين للرئاسة، أنه يمكن الولايات المتحدة أن تعهد بأمن الشرق الأوسط إلى الدكتاتوريين، أو أنه لم يعد لأميركا مصالح قومية أساسية على المحكّ في تلك المنطقة، مخطئ بشكل خطِر [….] وفي نفس الوقت، على أميركا الوقوف إلى جانب تلك الأصوات الداعية إلى المزيد من الإنفتاح في الداخل الإيراني [….] يجب أن نعلمهم بأننا سندعم جهدهم في إحداث تغيير إيجابي في إيران.”؛ إذن، من المرجح لفترة رئاسية لكلينتون، أن تبقي التركيز على استقرار إقليمي، ولكن مع إغفال تعزيز حقوق الإنسان، والتحول الديمقراطي ضمن دول حلفاء أميركا العرب، وفي نفس الوقت رفع درجة الضغط على طهران؛ لتأمين فضاء سياسي أوسع، لكن ليس من المرجح؛ لحساسيتها الظاهرة تجاه مخاطر العلاقات شديدة التقرّب من أقوياء الإقليم، أن تتطوّر إلى إعادة تقييم جذرية لطبيعة تلك العلاقات.
بينما لم يقل السيناتور، بيرني ساندرزمن فيرمونت، الكثير عن السياسة الخارجية بشكل عام، ولكن كانت له رؤى واضحة حول نقاط محددة تتعلق بسياسة الشرق الأوسط، وكثيرًا ما انتقد -بحدة- تصويت كلينتون لصالح الحرب على العراق (ما سمّاها كارثة سببت الفوضى في تلك المنطقة)، وعبر عن خوفه عقب التدخل في ليبيا خلال خدمة كلينتون كوزيرة للخارجية، كما اتهم كلينتون برغبتها المبالغ فيها في الالتجاء إلى استخدام القوة، لكن مواقفه حول القضايا الأخرى عمومًا، توافقت مع مواقفها، مثل دعم الاتفاقية النووية مع إيران، ودعم إسرائيل الراسخ، وأهمية تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
حضّر ساندرز ملاحظات حول أجندته بشأن الشرق الأوسط؛ ليلقيها أمام (آيباك) في الخامس من آذار/ مارس 2016، وغطى فيها قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بالتفصيل – وشمل ذلك انتقادات لأفعال إسرائيلية ضد الفلسطينيين، مثل: مصادرة الأراضي والحرب على غزة، ومر على قضايا أخرى تتعلق بالمنطقة بشكل عام، لكنه علق بشكل سريع ومختصر على حقوق الإنسان، وكان ذلك بمناسبة حديثه عن المملكة العربية السعودية، حيث وصف نظامها بالديكتاتوري، وأهمل المسألة الأوسع للحريات الشخصية، والتغييرات الديمقراطية المطلوبة في المنطقة كلها، وبالفعل لم يؤسس الشخص الذي يعدّ نفسه “اشتراكيًا ديمقراطيًا” لسجل واضح، يشرح فيه رؤاه للديمقراطية في الشرق الأوسط إبّان حملته، ويمكن الافتراض أن ساندرز يتحفظ على السياسات التي تنوي التدخل والتأثير في السياسات الداخلية لبلاد المنطقة، أو تعزز بشكل نشط الدعم الأميركي لحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، وعلى الرغم من التمنع، أو حتى الازدراء التام، الذي أظهره المرشحون حيال هذه القضايا، على الإدارة المقبلة في كل الأحوال أن تعيد النظر في خياراتها السياسية، في إطار دعم للقيم الديمقراطية والحريات الشخصية، عند تقديم استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط.
“على الإدارة المقبلة أن تعيد النظر في خياراتها السياسية في إطار دعم للقيم الديمقراطية والحريات الشخصية”
في نهاية المطاف، يجب أن نتذكّر أن إعلاء شأن الحريات الإنسانية، داخل أميركا وخارجها، كان على الدوام قيمةً جوهرية للولايات المتحدة، منذ تأسيس هذه الأمة، وواحدًا من المبادئ التنظيمية التي اعتمدت عليها سياسة الولايات المتحدة الخارجية لزمن طويل، كما يقول وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في كتابه (نظام العالم) : “إن انفتاح الثقافة الأميركية ومبادئها الديمقراطية، جعلت من الولايات المتحدة مثالًا وملجأ للملايين [….] بالنسبة لتوماس جيفرسون، ليست أميركا قوة عظمى فحسب، بل “امبراطوية للتحرر”، تتوسع بشكل مستمر بالنيابة عن كل الإنسانية؛ لتصون مبادئ الحكم السليم.”
توصيات أساسية
مع تلك العادة القديمة، وارتباطها بأوضاع الشرق الأوسط على وجه التحديد، قد تسهم التوصيات التالية في تأطير النقاش للرئيس المقبل وإدارته.
وتم تفعيل حملة “تخفيف الضرر” في الشرق الأوسط، عبر إعادة تجهيز الطريقة التي تتحدث بها الولايات المتحدة حول التغيير السياسي في تلك المنطقة. على الرئيس، أو الرئيسة، المقبل وإدارته، المصادقة -بشكل واسع- على فتح المزيد من المساحات السياسية، واحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان؛ التي تشمل حرية التعبير، والاحتجاج، والدين، إلى جانب ضمان حقوق النساء والأقليات، وعلى الإدارة تقديم الدعم العلني للدول التي خطت خطوات في الاتجاه الصحيح، وتوبيخ أولئك الذين انتهكوا باستمرار مبادئ حقوق الإنسان، وما يقال بشكل علني أكثر أهمية -غالبًا- مما يقال خلف الأبواب المغلقة. وعلى الإدارة المقبلة -كذلك- دعم المدافعين عن حقوق الإنسان علنًا، وبشكل خاص أولئك المسجونين بسبب أعمالهم؛ من شأن ذلك أن يسهم في تشكّل صورة الولايات المتحدة لدى الأغلبية الشابّة والهائجة من سكان تلك المنطقة، بأنها لن تهمل أساسيات الحريات الإنسانية على حسابهم.
على الولايات المتحدة أن تكثف دعمها لمنظمات المجتمع المدني، التي تواجه قمعًا متزايدًا من حكوماتها؛ فبالنسبة إلى الكثير من المنظمات غير الربحية، بات الوصول إلى تمويل أجنبي ممنوعًا، على الرغم من أنه مصدر أساسي لتمويل البرامج غالبًا، ووُضعت صعوبات وحدود لأنشطتهم، كما تم تقليص، أو حتى تجريم، تواصلهم مع شركاء عالميين؛ وكذلك اعتقال موظفين فيها. وتم إيقاف الكثير من المجموعات الحقوقية ومنظمات أخرى غير ربحية عن العمل، وتم إغلاق عدد من المنظمات الأجنبية في بلاد عديدة من مصر إلى الخليج. ولذلك على الرئيس المقبل أن يجعل من دعم المنظمات غير الربحية في الإقليم أمرًا مشددًا، تقوم السفارات في المنطقة بالإشراف عليه، ويجب إشراك حكومات إقليمية في تلك المشاريع، والعمل مع المجتمع المدني الأوروبي والأميركي؛ لتقديم النصح، والتقنيات الملائمة، لمساعدتهم على إدامة الروابط والبرامج مع المنظمات غير الربحية في المنطقة؛ وعليه كذلك تقديم دعم أكبر للبلدان التي تسير على خطى سياسية سليمة. ليس للولايات المتحدة أن تعلن عن انتصار أو فشل في تلك المسألة، وأن تشتت انتباه الديبلوماسية الأميركية إلى الأزمة المقبلة، مثلًا: ضاعفت إدارة أوباما -محقةً- المساعدات المقدمة إلى تونس، البلد الوحيدة الذي تم فيه الانتقال الديمقراطي بنجاح، من أصل ستة بلدان حدث فيها الربيع العربي، تلك قصة ناجحة، يمكن الاستلهام منها، وتقديم دعم أقوى، حتى عبر إشراك الاتحاد الأوروبي فيه. وفي المغرب، وعلى الرغم من نظام حكومتها الملكي، ربما تكون قصة نجاح أخرى على الطريق.
ربما من الأفضل للإدارة المقبلة أن تنظر إلى تجارب سابقة؛ بغرض استنباط أفكار بديلة، فمثلًا: قدّم المنتدى متعدد الأطراف من أجل المستقبل، الذي تأسس زمنَ إدارة بوش، أداة مبدعة للحوار حول طيف واسع من القضايا الاقتصادية والسياسية، بين حكومات المنطقة، من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية. وأهم ما في الأمر، أنها سمحت لمنظمات المجتمع المدني، من المنطقة، بالدخول في حوار مباشر مع حكوماتها، وحيث تدهورت الأوضاع كثيرًا منذ ذلك الحين، وتعمّقت الهوّة بين الحكومة والمجتمع المدني، ربما تفسح مبادرة منتدىً منقّحٍ ومطوّر، وربما باسمٍ مختلف، المجالَ أمام نقاشاتٍ، وإعادة تقييم، قد تفضي إلى وسطيّة تلائم كل الأطراف المعنية.
“ربما من الأفضل للإدارة المقبلة أن تنظر إلى تجارب سابقة؛ بغرض استنباط أفكار بديلة، مثل المنتدى متعدد الأطراف؛ من أجل المستقبل، الذي تأسس زمنَ إدارة بوش”
زيادة حصة مشاريع تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان من التمويل في المنطقة؛ حيث وثّق مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط ما يلي: “تتزايد سيطرة القضايا الأمنية والعسكرية على سياسة الولايات المتحدة، ودعمها الخارجي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا [….] ويتم إنفاق حصة من مساعدات الولايات المتحدة، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على المساعدات الأمنية والعسكرية، تزيد عمّا كانت عليه عام 2010، على الرغم من النقاش العلني، في 2011، عن “إعادة التوازن” إلى المنطقة في الاتجاه المعاكس.” على الإدارة المقبلة أن تعيد النظر في ذلك.
إقامة منتديات دولية متكررة وذات تأثير؛ بغرض تسليط الضوء على منتهكي حقوق الإنسان بشكل صارخ. يمكن أن تشكّل المراجعة الدورية العالمية، التابعة للأمم المتحدة، بخصوص سجلات حقوق الإنسان، إحدى تلك المنتديات، وكذلك يمكن لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وآلياته للإجراءات الخاصة، أن يشكّل منتدىً مناسبًا، خاصة بتعيينه مختصين مستقلين للقيام بعمليات التحقيقات، وتحضير التقارير حول قضايا حقوق الإنسان في تلك البلدان.
التأكد من قيام الحكومة -بكليتها- تقديم الجهد اللازم؛ في سبيل تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. بما أن البنتاغون، ووكالة الاستخبارات المركزية، يقومان بالوزن الأثقل من الجهد الديبلوماسي في الإقليم؛ فعلى الرئيس المقبل الإصرار على اشتراكهما مع الدولة، ومجلس الأمن القومي، ووكالات مدنية غيرها؛ لدعم أجندة أميركية، تعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان. تلك هي الطريقة الوحيدة التي من شأنها جعل الحكومات في الشرق الأوسط، تأخذ الولايات المتحدة على محمل الجد في هذا الإطار، وبغير ذلك، ستفترض تلك الحكومات -محقةً- أن علاقاتها بالإدارة تقتصر -بالفعل- على الشؤون الأمنية وحدها.
تحضير الدعم العسكري؛ ليتوجه نحو الإصلاح السياسي. ستظل المصالح الأمنية للولايات المتحدة أولوية أساسية، في معظم الحسابات الاستراتيجية بدون شك، إلا أن الولايات المتحدة غير ملزمة بدعم منتهكي حقوق الإنسان -بشكل صارخ- دعمًا عسكريًا غير مشروط؛ ففي الواقع، تؤدي سياسة -كتلك- إلى تقويض المصالح الأمنية؛ لذلك ينبغي للولايات المتحدة أن تتجه باتجاه تحضير دعم عسكري من شكل خاص، خاصةً الدعم المعنوي منه، وذا أنظمة السلاح الردعية، بشكل يحترم أساسيات حقوق الإنسان، ويتيح فضاءات سياسية، تمكّن من التغيير الديمقراطي. علاوة على ذلك، يجب على الإدارة المقبلة ألّا تتهرب من تطبيق أجزاء من القانون الأميركي، مثل قانون ليهي، الذي يحرّم تقديم المساعدات إلى وحدات عسكرية أجنبية، متورطة في انتهاكات قاسية لحقوق الإنسان، كذلك البند 508 من قانون أعمال الدعم الأجنبي، الذي يمنع تقديم أي مساعدات إلى بلاد، يحكمها قادة عسكريون بفعل انقلاب على رئيس منتخب. تحايلت إدارة أوباما على المحتوى الواضح للقانون؛ بتجنبها المستمر للفظ كلمة “انقلاب”، عقب الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي عام 2013؛ وبذلك أرسلت رسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستفضل دومًا مصالحها الاستراتيجية والعسكرية عن قيمها السياسية؛ ما أعطى ضمنًا الضوء الأخضر لارتكاب أسوأ التجاوزات على يد حكومة السيسي.
ليست التوصيات السابقة، بأي حال من الأحوال، قائمة حصرية، بل من الأفضل عدّها نقطة بداية للرئيس المقبل، أو الرئيسة، حين يقرر نهجًا جديدًا حيال المنطقة، ولكن يمكن لها أن تكون بدايةً جيدة؛ للنقاش حول إعادة بناء سمعة أميركية كقائد عالمي في مجال حقوق الإنسان بين شعوب المنطقة، وغيرها من العالم. قد يجد الرئيس المقبل فيها مصلحة أميركية أساسية بعد ذلك كله.