ترجمة علي كمخ

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

كانت الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط، وعلاقتها بالسياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون، ودور هذه العلاقة في ظهور ونشأة الحركات الراديكالية في المنطقة، مثارَ جدل ومحلًا للنقاش منذ مدة طويلة. ويبدو أن الولايات المتحدة التي أرادت أن تلعب دور القوة المهيمنة الأوحد، في النظام العالمي أحادي القطب الذي أعلنته من تلقاء نفسها بعد الحرب الباردة، قد أرهبت الشرق الأوسط بسياساتها العدوانية التي اتبعتها بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على وجه الخصوص؛ حيث إن التدخلات التي أقدم عليها الغرب، من دون وجه حق، طوال مرحلة ما بعد العهد العثماني، لم تُسهم في إثارة مشاعر العداء تجاهه في مجتمعات الشرق الأوسط فحسب، بل مهّدت الطريق إلى تغذية وإذكاء نار التطرف في هذه المجتمعات أيضًا. وعلى الرغم من أن كل عمل عسكري ونشاط دبلوماسي قامت به الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد بدا وكأنه انتصار سهل لها للوهلة الأولى، فإن تصاعد المشاعر المعادية لأميركا في المنطقة -بعد هذه التدخلات- أخذ حالة الدوامة التي باتت تتكرر وتعيد نفسها. وخلاصة القول: في الوقت الذي تنامى فيه التطرّف وتزايدت أعمال العنف، في الشرق الأوسط الذي بدأ ينجرف إلى الفوضى يومًا بعد يوم بسبب التدخلات الأميركية، تصاعدت نزعات الإسلاموفوبيا في الغرب، وأصبحت التدخلات في الشرق الأوسط في هذه المرحلة أكثر تهورًا ورعونة.

إن هذه “المعضلة الأمنية”، كما هو واضح، تعمل على تشجيع التطرف الذي بدأ يتصاعد في كل من الشرق الأوسط والغرب على حد سواء. ولا سيّما أن السمة الأساسية للحركات الراديكالية هي هدفها الموجه إلى تغيير النظام الاجتماعي القائم بالكامل، وإجراء تغييرات جذرية في المبادئ والهياكل والبنى الأساسية، على نحو يتماشى مع أهدافها، وإنشاء تشكيل جديد ينسجم مع الخيارات السياسية الخاصة بها. وعليه؛ فقد تبين أن التطرّف يزداد، في كلّ من الشرق الأوسط والغرب؛ كلما جرى الابتعاد عن المقاربات المعتدلة والعادلة. وبات هذا الوضع غير الطبيعي الذي نتج عن السياسات الكلية سببًا جاذبًا للميول الراديكالية عند الأفراد الذين انتابهم الشعور بالعزلة والإقصاء، وتخلفوا عن مواكبة النظام الاجتماعي، وفشلوا في تحقيق المكانة التي يرجونها في المجتمع. وبالنظر إلى مناخ الحرب الأهلية الدائرة في سورية وما يجري في العراق في السنوات الأخيرة؛ نجد اتقاد الإسلاموفوبيا والعداء المتزايد في الغرب ضد المهاجرين، من خلال بروز التطرف اليميني المتشدد، بالتوازي مع تطورات أخرى كظهور (داعش) إلى حيز الوجود. حيث بات هذا اليمين المتطرف منتجًا مباشرًا للعنف في الغرب [[1]].

إلى جانب هذا الموقف العدائي الذي تبلور في سياسات الغرب تجاه الدول الإسلامية، هناك مسألة أخرى لوحظت في المدة الأخيرة، وهي نوع التطرّف الذي عُرف بـ “راديكالية الذئب المنفرد”، وهو تطرف يقوم على الأشخاص الذين يشرعون بتنفيذ العمليات، من دون الرجوع أو التواصل المباشر مع الكيانات المنظمة؛ إذ استعرضَ هؤلاء المتطرفون (الذين يصعب اكتشافهم وتحديدهم من قبل أجهزة الاستخبارات في العالم، لعدم صلتهم المباشرة بالجماعات الإرهابية) أنفسَهم، في الهجمات التي استهدفَت المساجد في كل من نيوزيلندا والولايات المتحدة وأوروبا. وقد أكد الكتّاب والأكاديميون الذين أجروا أبحاثًا حول الموضوع أن من الأنسب تقييم التطرّف بأنه عملية ميل من النزعة السلمية إلى العنف، أكثر من كونه ظاهرة تطورت بشكل فجائي. وبحسب هؤلاء، فإن المراحل التي يمرّ بها التطرف: مرحلة التطرف المبدئي (ما قبل التطرف)، والاقتداء، والتلقين العقائدي (غسيل الدماغ)، وأخيرًا مرحلة القتال، تبدي تشابهًا في كل من الغرب والشرق الأوسط. ووفقًا لهذا التعريف، يعيش الشخص في مرحلة ما قبل التطرف حياةً عاديةً طبيعيةً، من دون أن يتبنّى أي أيديولوجية راديكالية تفتح الباب للإرهاب لاحقًا. أما في مرحلة الاقتداء وتحديد الهوية؛ فيمرّ الفرد بـ “انفتاح معرفي” (cognitive opening) أو بحث عن أيديولوجية تذكيها الأزمة، ينتج عنها اهتزاز وتزلزل في المعتقدات السابقة للشخص. وأما في مرحلة التلقين العقائدي؛ فيكون هناك تركيز/ تحديد في نظرة الفرد الراديكالية للعالم، في سياق دعم أعضاء المجموعة وتوجيهات القائد الأيديولوجي. أخيرًا، ينتقل الشخص إلى مرحلة الحرب والقتال، لأداء جميع الأعمال التي تتوقعها المنظمة منه.

قد يكون كلُّ الإرهابيين متطرفين، لكن ينبغي ألا ننسى أنه ليس كلُّ متطرف إرهابيًا. وهذا يعني أنه ليس كل الأفراد الذين يتبنون أيديولوجية معينة، أو نظرة راديكالية نحو العالم، يتورطون -من حيث النتيجة- في أعمال الإرهاب. ولكن المسألة الأساسية المهمّة هنا هي: هل يتضمن التطرّف محتوًى عنيفًا أم لا.. إذ سيكون من المفيد تبني منظور تشكيكي في قضايا التطرف والإرهاب. حيث تدخل الدول الفاشلة، والحروب والاحتلالات، ونقص التعليم، والفقر، والأسباب الشخصية والظروف الاجتماعية الاقتصادية السلبية، وكذلك العوامل الدينية والجغرافية والثقافية والأيديولوجية، في قائمة العوامل التي تلعب دورًا كبيرًا في تغذية وتأجيج تطرّف المجتمعات والأفراد.

التطرف في الشرق الأوسط

ترتبط منطقة الشرق الأوسط اليوم وتتلازم مع مفهوم التطرف، لكن تحديد الأسباب المحلية والعالمية لهذا الوضع هو أمرٌ حيوي من أجل فهم علاقة السبب بالنتيجة؛ إذ إن مشكلة شرعية الأنظمة الحاكمة، وأنظمة الإدارة البعيدة كل البعد عن تلبية توقعات الناس وتطلعاتهم في المنطقة، كانت سببًا كافيًا ومصدرًا مهمًا لإثارة السخط عليها؛ فبينما تتحول الاختلافات العرقية والطائفية والأيديولوجية إلى عناصر للصراع في المنطقة، تبرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية كعوامل رئيسية في تغذية وإذكاء التوتر.

ومن أبرز القضايا التي عززت ودعمت الميل إلى التطرف في الشرق الأوسط، التدخلات الغربية، وبخاصة السياسات الأميركية، التي هي موضوع هذا البحث؛ حيث إن السياسات التي تنفذها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي سياسات تحوي ما يكفي من عناصر الخلاف في حدّ ذاتها، تتجلى في بعض الأحيان في شكل تعميق هذه الخلافات، وفي كسر التوازن، من خلال الاشتراك في الصراع إلى جانب أحد الأطراف، في أحيان أخرى. لذلك، إن جاز جمع كل هذه العوامل تحت عناوين عدة، فبالإمكان سرد العوامل الرئيسية التي تشجع على التطرف في منطقة الشرق الأوسط، على النحو التالي:

أثر القضية الفلسطينية:

تعدّ القضية الفلسطينية من القضايا التي سكنت الوجدان ولازمت الأذهان والعقول، عند جميع شعوب الشرق الأوسط؛ حيث إن عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية يُعدّ أحد أهم أسباب التوتر في الجغرافيا الشرقية؛ لأن وجود إسرائيل الصهيونية مع المنظومة التي أقامتها، من خلال احتلال أراض لا حقَّ لها فيها، أوجد حالة غضب كبير لدى شعوب المنطقة، إضافة إلى أن فشل الدول العربية في كل طروحاتها، تجاه السياسات والممارسات الإسرائيلية، كان له إسهام كبير في تشكل “النهايات العصبية” للتطرف. وإن عدم إحراز تقدّم ملموس، ضد المنظومة العسكرية والإرهاب الإسرائيلي، تسبب في ولادة ردّات أفعال تنظيمية مختلفة، في فلسطين، وفي منطقة الشرق الأوسط بأكملها؛ فأصبحت الجبهات، التي برزت أمامنا كحركات مقاومة داخل فلسطين، بمنزلة عناوين للغضب ضد الأنظمة في مختلف البلدان العربية. حيث إن وجود ملايين اللاجئين الفلسطينيين في بلدانهم هو حقيقة تجعل المشكلة الفلسطينية حاضرة في المجتمعات العربية على الدوام. وبالمقابل، نجد أن المجازر والفظائع التي ترتكبها إسرائيل بشكل منهجي ضد الفلسطينيين، يوميًا تقريبًا، أصبحت أخبارًا روتينية يومية للناس. علاوة على المنظر المأساوي للقدس والمسجد الأقصى، باعتبارهما من أكثر القضايا حساسية عند المسلمين، حيث إن احتلال إسرائيل لهما يُكمل هذه اللوحة. بالإضافة إلى تداعياتها ونتائجها السياسية على جميع دول المنطقة، أصبحت المشكلة الفلسطينية سببًا مهمًا للتطرف في مجتمعات الشرق الأوسط، نظرًا لأهميتها الاجتماعية والدينية وبُعدها الوجداني والضميري.

البحث عن الشرعية السياسية:

إن حقيقة سيادة وهيمنة التنظيمات القبلية والعشائرية والعائلية، على البنية الاجتماعية والسياسية برمتها في الشرق الأوسط، تكشف إلى جانب الفصل والتمييز بين القومية الغربية والقومية الشرقية، عن المساعدة في فهم الإخفاقات في عملية التحوّل إلى أمّة، إضافة إلى أن اتخاذ شعوب المنطقة -على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم- الهوية المجتمعية الدينية أساسًا في التعريف عن أنفسهم يوفر غطاءً لا يمكن الاستغناء عنه في تقديس الهوية السياسية. وبالطبع، هنالك العديد من الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لفشل الدولة القومية، لكن فشل الأنظمة السياسية في البحث عن المشروعية وفي القومية عند بناء الهوية الاجتماعية، أدى إلى زيادة أهمية القيم التقليدية وتعزيزها.

وقد برزت إلى الواجهة، في أثناء مساعي أنظمة الشرق الأوسط في البحث عن الشرعية، ديمقراطيات مصطنعة، أفرزتها الائتلافات والتحالفات القبلية والنخب القومية الغربية أو الهياكل الملكية المطلقة التي شكلتها بعض العائلات البارزة في المنطقة أو الأنظمة الثيوقراطية التي تعطي الأولوية للهوية الدينية؛ غير أن أحد الأسباب المشتركة لفشل كل من هذه الهياكل هو الفجوة الهائلة والهوة العميقة بين النخب الحاكمة والبقية الباقية من المجتمع. ولهذا، فإن الغاية لدى من يحملون الفكر الراديكالي تستند إلى إفراغ الدولة القومية من محتواها الشرعي، وتأسيس نظام خاص بهم بدلًا من ذلك. ومن الملاحظ أن فشل كل من القومية الكلية والجزئية وجهود التحديث والجماعات التي تطالب بنظام علماني في الشرق الأوسط، أسهم في إعداد أرضية ملائمة لتبرعم التطرف في المنطقة.

الإمبريالية والتأثير الخارجي:

على الرغم من أن حركات التحرر والاستقلال والدول التي نشأت في الشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الثانية قد لبّت توقعات الناس وتطلعاتهم بالحرية فترة قصيرة، فإنها لم تستطع بلوغ النجاح المنشود ذاته في تحقيق الازدهار الاقتصادي؛ فالسمة المشتركة لجميع أنظمة الشرق الأوسط التي يسودها عدم الكفاءة المؤسساتية، والافتقار إلى الخبرة، والمنافسة الأيديولوجية، هي كونها كيانات سياسية تابعة للخارج، بشكل من الأشكال.

وبسبب عدم اقتصار التبعية الغربية على الأمور الاقتصادية والعسكرية فقط، وشمولها للأبعاد التي ترهن مستقبل المجتمع بأسره؛ فلا يبدو تغيير هذه المنظومة أمرًا بهذه السهولة. وعلى الرغم من أن هذه التبعية هي من بقايا التركة السيئة لسنوات الاحتلال التي تلت العهد العثماني، فإنها استمرت في العصر الحديث بطريقة سهّلت التدخل الخارجي في أنظمة الشرق الأوسط، وأدت إلى تعطيل كيمياء المجتمع. حيث لم تكن مفاهيم الديمقراطية والاستقلال وحقوق الإنسان، وتحقيق الازدهار الاقتصادي والسلام في مجتمعات الشرق الأوسط، تعني شيئًا للغرب الذي عاث فسادًا في المنطقة ونهبها في سبيل مصلحته الخاصة، في كل الأوقات. هذه العوامل الخارجية التي عدّتها شعوب المنطقة تدخلات إمبريالية لعبت أيضًا أدوارًا محركة وتحريضية في صياغة الديناميات السياسية في المنطقة، نتج عنها بروز العديد من الجماعات الأيديولوجية والعملياتية ضد هذه التدخلات خلال المرحلة.

السياسة الإقليمية للولايات المتحدة الأميركية ودورها في المنطقة:

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بأهمية إستراتيجية كبيرة جدًا عند الولايات المتحدة الأميركية. ويبرز الوجود الإسرائيلي، والسيطرة على موارد النفط، وحماية الأنظمة العربية الأخرى الحليفة، والحرص على الإمساك بالمنطقة ضد منافسيها العالميين، كعناوين رئيسية للعوامل التي تجعل المنطقة مهمة عند الولايات المتحدة. فمنذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن، كان كل رئيس أميركي تقريبًا يشدد على الأهمية الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية لمنطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وينتج سياساته ويطورها في هذا السياق. فكانت المقاربات، كمبدأ ترومان، ومبدأ أيزنهاور، ومبدأ نيكسون، ومبدأ كارتر، تغطي دائمًا -بشكل من الأشكال- الأولويات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. وكانت فترات رونالد ريغان وجورج بوش الأب والابن، ضمن نهج المحافظين الجدد (الذي بدأ يكتسب وزنًا منذ الثمانينيات) سنوات من التحركات الحاسمة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.

بعد الحرب العالمية الثانية؛ نفذت الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية العديد من العمليات في المنطقة، في سبيل إبعاد نفوذ الاتحاد السوفيتي خارج حدود المنطقة، ومنع تأميم شركات النفط المحلية. وكانت الأحداث التي أدت إلى انقلاب عام 1953 على رئيس وزراء إيران [محمد مصدق] المنتخب ديمقراطيًا، نتيجة محاولته الإقدام على تأميم شركات النفط البريطانية، وانقلابات القصور الناجمة عن أزمة النفط عام 1973، وكذلك عملية غزو الكويت عام 1990، هي النماذج التي عكست أولويات الغرب النفطية في المنطقة. وعلى الرغم من أن اعتماد الولايات المتحدة الأميركية على نفط الشرق الأوسط قد تقلّص اليوم، فإن احتمال انتقال السيطرة على هذه الموارد إلى منافسين كبيرين، مثل الصين وروسيا، لا يزال يجعل نفط المنطقة محط اهتمامها وأولوياتها. وباتت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الدول الصاعدة إلى الواجهة في تنفيذ السياسات الأميركية، في هذه المرحلة.

إن انعكاسات المعايير الأيديولوجية التي تشكل إحدى الركائز الأخرى، للسياسة الأميركية في المنطقة، تلفت الأنظار أيضًا، فقد تبنت الولايات المتحدة (التي جعلت من الشرق الأوسط منطقة مصالح إستراتيجية لها منذ مبدأ أيزنهاور عام 1957) ابتداءً من عام 1969 مبدأ نيكسون الذي يقوم على زيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية لدول الشرق الأوسط، في النضال ضد الشيوعية. وفي هذا الصدد، زادت الولايات المتحدة مبيعاتها من الأسلحة إلى إيران والمملكة العربية السعودية، انطلاقًا من الاعتقاد بأن ذلك سيلعب دورًا مهمًا في الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط ضد الخطر السوفيتي.

قدمت الثورة الإيرانية عام 1979 والغزو السوفيتي لأفغانستان في العام نفسه ذريعةً أكبر للولايات المتحدة للتدخل في المنطقة. حيث إن هذين الحدثين عُدّا من نوع التطورات التي قد تقلب موازين القوى في المنطقة لصالح الاتحاد السوفيتي. وبناءً على ذلك، تم وضع مبدأ كارتر لعام 1980، الذي يحمل اسم الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر، موضع التنفيذ. وبموجبه؛ صارت تُعدّ محاولة أيّ قوة أجنبية كسب نفوذ في منطقة الشرق الأوسط، تهديدًا للمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، حيث كانت تُتَّخذ كل التدابير والإجراءات تجاه ذلك، حتى استخدام القوة العسكرية [[2]].

وبالرغم من زوال منافس مهم لأميركا في الحسابات الإقليمية، مع تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بعد عام 1990، فإن غايات الولايات المتحدة الأميركية في منع ظهور قوة إقليمية أو عالمية جديدة في أي منطقة من العالم تتعارض مع مصالحها، بقيت حاضرة على الدوام. بالإضافة إلى هذه الأهداف العالمية، دخل التحول الذي بدأ يمر به الشرق الأوسط بالذات في ساحة الاهتمام المباشر للولايات المتحدة الأميركية. ذلك بأن الولايات المتحدة جعلت من مفهوم “التهديد القادم من دول الشرق الأوسط” أحد الأهداف الأساسية في السياسات التي اتبعتها بعد الحرب الباردة، حيث اعتبرت في هذا السياق دولًا عدة، كإيران والعراق وسورية، من العناصر المهددة لاستقرار جغرافية الشرق الأوسط، واتهمتها بدعم ورعاية الإرهاب والتأثير في ظهور الميل العنفي وإنتاج أسلحة الدمار الشامل وما إلى ذلك. لدرجة وصفها لهذه الدول (إلى جانب التهم السالفة) بـ “الدول المارقة“، وبطريقة مذلة ومهينة [[3]].

وفي الوقت الذي وُجدت فيه هذه الدول على أحد جانبي هذه التهديدات، كان ثمة فصائل من أصول فلسطينية ولبنانية ومصرية في الجانب الآخر منها. هذه القوى التي أدرجتها الولايات المتحدة في القائمة السوداء، باتت في مرمى الاستهداف المباشر في السياسات الإقليمية للولايات المتحدة في الفترة التالية؛ إذ إن مفهوم “التهديد” هذا لا يزال يحافظ على سريانه حتى اليوم، وهو المؤثر في تحديد السياسة الإقليمية للولايات المتحدة. وقد باتت الولايات المتحدة -من خلال هذا المفهوم- أكثر تدخلًا في المنطقة، ابتداءً من بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (عام 2000)، وغدت أكثر عدوانية في عهد جورج دبليو بوش على وجه الخصوص. ثم سرعان ما قامت، بعد هجمات تنظيم القاعدة التي استهدفتها في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، بوضع “مشروع القرن الأميركي الجديد” حيّز التنفيذ، وأطلقت عملًا مكثفًا في سبيل أن يلقى مفهوم “ثورة المحافظين الجدد” صدًى واستجابة في المنطقة [[4]].

إن فكرة “باكس أميركانا” التي تهدف إلى إعادة تشكيل وصياغة النظام الدولي في فلك القيم الأميركية، قد طغت عليها، في عهد بوش، ذهنية مهيمنة مطلقة، تتصور بفضل هذه الثورة الجديدة فرض المصالح الأميركية على العالم ككل. وبهذا الشكل، فإن الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تحولت إلى سياسة تضفي الشرعية لاستخدام “القوة الصلبة” التي تهيمن عليها مفاهيم، كوصف وتعريف “كلّ من ليس معي فهو عدوي”، والتدخلات الوقائية، والضرر الذي لا يمكن تجنبه، وتغيير الأنظمة، والمحاربين غير الشرعيين.. وما إلى ذلك [[5]]. واليوم، يمكن القول إن العملية ما تزال متواصلة، لكن بألوان ونبرات مختلفة بدءًا بعهد أوباما وانتهاءً بعهد ترامب.

يُعدّ صراع الولايات المتحدة مع إيران أحد أهم الفروقات التي توجه سياساتها في الشرق الأوسط. فمواقف إيران (الحليف الأول للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة حتى ثورة عام 1979)التي باتت تتعارض وتتضارب مع مصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بعد ذلك التاريخ، أثرت في جميع التطورات السياسية التي حدثت في الأربعين عامًا الماضية؛ إذ إن الولايات المتحدة أرادت استخدام ورقة حقانيتها التي كسبتها في المجتمع الدولي في مواجهة إيران، خاصة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لتقوم بالعديد من الحملات ضدها، بدعوى دعم ومساندة الإرهاب. غير أن الإدارات الأميركية المتعاقبة التي حاولت تغيير النظام في إيران، بواسطة الجماعات المسلحة التي دعمتها في الفترات السابقة، اقتنعت بعدم جدوى ذلك خلال العشرين عامًا الماضية، فأخذت تكثف جهودها هذه المرة بالمراهنة على انهيار النظام الإيراني من الداخل، عبر دعم الحراك الاجتماعي في البلاد. حيث تم في عام 2002 تأسيس كيان سمي بـ (Coalition for Democracy in Iran-CDI) “التحالف من أجل الديمقراطية في إيران”، خدمة لهذا الغرض [[6]].        

كلّ الذرائع التي ساقتها الولايات المتحدة ضد إيران لم تجد الدعم المطلوب داخل البلاد، بل إنها أسفرت بالعكس عن سحق المجموعات المعارضة الصغيرة؛ فبينما تسببت مثل هذه التدخلات الأميركية من ناحية في أن يصبح النظام في إيران أكثر تطرفًا، وضعت من الناحية الأخرى حجر الأساس لظهور حركات راديكالية تدعمها إيران في العديد من دول وبلدان المنطقة. لدرجة أن الفوضى والدمار اللذين خلفتهما الولايات المتحدة الأميركية بغزوها للعراق عام 2003، دفعا غالبية الشعب الإيراني إلى التكاتف مع النظام القائم ومساندته، ومهدتا عام 2005 الطريق لانتخاب محمود أحمدي نجاد (المعروف بآرائه الراديكالية) رئيسًا للبلاد. فأدركت الولايات المتحدة بوضوح أنه لا يمكن في هذ الوضع تغيير النظام في إيران، من خلال تغذية الحركات الاجتماعية، وصارت تبدأ عمليات البحث عن سبل جديدة.

 أما المسألة التي عززت يد الولايات المتحدة أكثر من غيرها في هذا السياق، وتمكنت من خلالها من كسب التأييد الدولي بسهولة؛ فكانت محاولات إيران ومساعيها في زيادة قدراتها النووية. غير أن الولايات المتحدة التي طبقت في البداية إستراتيجية -من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية- للسيطرة على هذه المحاولات، تخلت فيما بعد عن هذه السياسة، بتأثير اللوبي الصهيوني الإسرائيلي، لتزيل الستار عن فصل جديد ضد إيران بعد انسحابها من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بذلك.

مما لا شك فيه أن الأولوية القصوى للولايات المتحدة في المنطقة تتمثل في قضية “أمن إسرائيل”؛ فاللوبي اليهودي الفعال جدًا في الولايات المتحدة، يؤثر بشكل كبير في صوغ سياسات الولايات المتحدة أو على الأقل في تحديد إستراتيجياتها المتعلقة الشرق الأوسط؛ حيث إن الوجود الإسرائيلي في المنطقة ليس عاملًا محددًا في تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل فحسب، بل هو عامل محدد في صياغة العلاقات مع الدول الأخرى أيضًا.

إن جهود الولايات المتحدة (التي دعمت إسرائيل بشكل سافر في جميع حروب الشرق الأوسط الماضية) لإقامة نظام سلام بين إسرائيل والعرب، منذ عام 1991، هي جهود مثيرة للسخرية؛ إذ إن عدم إنتاج هذه الجهود المبذولة مع الأنظمة العربية المتعاونة سلامًا عادلًا، شكّل خيبة أمل، وخلق موجة جديدة من التطرف في العالم العربي كله، وفي مقدمته فلسطين. وبالأخص الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 المعروفة باسم “انتفاضة الأقصى”، التي أظهرت آثارها في المنطقة بأسرها على شكل موجات، وتسببت في تراكم إرث كبير من الغضب لدى الجيل الجديد، تجاه الأنظمة العربية المتعاملة مع الثنائي الأميركي- الإسرائيلي. وما الانتفاضات العربية التي انطلقت عام 2011 إلا أثر من آثار هذا الغضب المتراكم.

وقد سارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تسلم الإدارة في الولايات المتحدة في 14 أيار/ مايو عام 2018، إلى الإعلان عن قراره المتعلق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأسعد به إسرائيل، لكنه بالمقابل أدى إلى مقتل العديد من أبناء الشعب الفلسطيني الذين خرجوا في تظاهرات تنديدًا بالقرار، بعد التعامل الإسرائيلي العنيف معهم. هذا الموقف من الولايات المتحدة التي تولت مهمة الدفاع والذود عن كل ممارسات إسرائيل التي ما زالت تحتل الأراضي الفلسطينية، وتمتلك مختلف صنوف أسلحة الدمار الشامل، وتواصل هجماتها على القدس دون أدنى مراعاة للقوانين، خلق موجة من الحقد والكراهية في العالم الإسلامي بأسره. ولذا، فعند تحليل أسباب العنف الناشئ في الشرق الأوسط، يجب التشديد على أن هذا الجانب من القضية كان عاملًا فاعلًا جدًا في تصاعد المشاعر الغاضبة المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة [[7]].

تشكل المشكلات والقضايا المستجدة وموقف الولايات المتحدة منها، إلى جانب المشكلات المزمنة والمستعصية في الشرق الأوسط، بُعدًا آخر للتطرف في المنطقة. حيث تعدّ الحرب الأهلية السورية المتواصلة منذ عام 2011 واحدة منها. وانطلاقًا من هذا، فإن الولايات المتحدة التي أدركت أهمية سورية في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، أخذت تتناول السياسة السورية، كأحد العناوين المهمة في سياساتها الشرق أوسطية. وبالرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد أدرجت اسم سورية على لائحة “الدول الداعمة للإرهاب” منذ عام 1979، فإنها استمرت في السعي لتحقيق التوازن مع إدارة دمشق، بسبب تبني الأخيرة دور الوساطة بين إسرائيل وفلسطين. إلا أن هذا الانفتاح على سورية انقلب إلى عداء مرة أخرى، وبالأخص بعد عام 2000، بعد أن فشلت مفاوضات السلام التي انطلقت في الشرق الأوسط عقب أزمة الخليج عام 1991 في الخروج بنتيجة تضمن أمن إسرائيل. ولم يكن في وسع الولايات المتحدة، في أثناء المرحلة التي أعقبت انطلاقة حراك الربيع العربي عام 2011، التعامل مع المسألة السورية بمعزل عن إيران، إذ أصبحت المسألة السورية من أهم العوامل بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية في سبيل وقف الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد والحد من نفوذها في سورية.

وقد ارتبطت ساحة الأزمة الحقيقية التي جمعت بين الحرب السورية والغزو الأميركي للعراق، حول نقطة مشتركة في هذه المرحلة، بفترة حضانة الجماعة التي ستظهر فيما بعد على أنها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). إذ لعبت ردّات أفعال السكان المحليين، نتيجة السياسات الاحتلالية التي انتهجتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، وفراغ السلطة الناجم عن الحرب الدائرة في سورية، دورًا في تسهيل ولادة (داعش) في المناطق الواقعة بين سورية والعراق. وقد حظيت مثل هذه التشكيلات التي تجاهلها الغرب وغض الطرف عنها، في سبيل إحداث تغيير في أنظمة المنطقة، بدعم آلاف المقاتلين من هذه البلدان.

فلم يقتصر الغزو الأميركي للعراق عام 2003 على نشوء العديد من الحركات الراديكالية الجديدة فحسب، بل أدى من ناحية أخرى، في جو من فراغ السلطة التي قدمتها الولايات المتحدة “على طبق من ذهب”، إلى ظهور جماعات تدعي القتال باسم المذهب السنّي، تقابلها عشرات التنظيمات المتشددة التي تقاتل باسم الشيعة. وسرعان ما تحول العداء التاريخي، بين وجهتي نظر طائفيتين مختلفتين، إلى مسرحية في صورة صراع إيراني مع المملكة العربية السعودية حليفة الولايات المتحدة. وقد مهّدت سياسة الإدارة الأميركية المنحرفة التي اتبعتها في الشرق الأوسط، وبالأخص في سورية، الطريقَ لظهور دويلات إرهابية جديدة، لم تدع أي دولة في المنطقة قادرة على ضمان أمن وسلامة ترابها وأراضيها. ولهذا السبب، أدت غريزة حماية الحدود إلى تنشيط ردة الفعل الدفاعية لجميع الدول الإقليمية، حيث قام كلّ طرف بفتح جبهات جديدة بواسطة جيشه الوطني ووكلائه. فقد حولت تنظيمات إرهابية، كحزب العمال الكردستاني و(داعش) والقاعدة من جانب، ومجموعة الميليشيات المختلفة الناشئة داخل حدود كل دولة من جهة أخرى، المشهدَ في الشرق الأوسط إلى حالة في غاية من التشاؤم والتعقيد. ويبدو تأثير الولايات المتحدة التي لعبت بشكل من الأشكال دورَ البطولة في كل مشكلات المنطقة، في هذه اللوحة السوداء، واضحًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ولا تزال قضية “مكافحة الإرهاب” الوسيلة المتعددة الاستخدامات التي لم تفقد صلاحيتها حتى الآن، كأداة مفيدة جدًا في يد الإدارة الأميركية لتبديد هذا الجو السلبي الذي تشكل ضدها. علاوة على أن الإسلاموفوبيا التي يعاد إنتاجها باستمرار، بالشكل الذي تغذي فيه هذا الصراع، أصبحت اليوم أداة فعالة تستخدم للتلاعب بالمجتمعات الغربية. وبفضل الإسلاموفوبيا هذه، حققت الولايات المتحدة مكسبًا مهمًا في نظر المجتمعات الغربية، من أجل إضفاء الشرعية على سياساتها في الشرق الأوسط، وعلى تدخلاتها في المنطقة؛ إذ يبدو أن العديد من المنظمات غير الحكومية ومراكز الفكر الأميركية قد اتخذت لنفسها، بفضل مصادر التمويل المختلفة، وظيفة نشر وإشاعة الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام والعالم، وخلق تصور للإرهاب في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن جميع الأنشطة العسكرية والدبلوماسية التي نفّذتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تبدو ظاهريًا وكأنها انتصارات سهلة، فقد كانت لجميع تدخلاتها أحادية الجانب (من دون قرارات من الأمم المتحدة) عواقبُ سلبية ووخيمة على المنطقة والعالم معًا. ولذلك، فإن سياسات العنف والشدة التي اتبعتها، والتدخلات العسكرية التي أقدمت عليها بغير وجه حق، لم تقتصر على زعزعة موقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فحسب، بل كانت تُضعف قاعدة شرعيتها أيضًا، في كل مرة. وكلّما أقصي المسلمون وهمّشت جغرافية الشرق الأوسط؛ زادت فاعلية الجماعات التي مالت إلى التطرف وتنامى تأثيرها في المنطقة، وباتت المجتمعات وكأنها سلّمت بهذه الرؤى والأفكار.

إن تدخلات الولايات المتحدة والدول الغربية، التي رفعت من وتيرة التطرف في مجتمعات الشرق الأوسط، أذكت نار العداء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ثَمّ أسهمت في تأجيج حدة الإسلاموفوبيا في المجتمع الغربي، عبر الأخبار التي حشدها الغرب في وسائل الإعلام. وباختصار: إن السياسة التي حاولت الولايات المتحدة اتباعها في الشرق الأوسط، ما بعد فترة الحرب الباردة، بهذا الأسلوب، قد غذّت التطرف الذي تحول إلى أحد أهم الأسلحة في يد الولايات المتحدة، للهجوم على المنطقة تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”.

النتيجة: بالرغم من أن منطقة الشرق الأوسط كانت على الدوام حُبلى باحتمالات نزاعات كبيرة داخل نفسها، فإن تنشيط هذه الاحتمالات وتحريكها كان بفعل ونتائج السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها، في المنطقة.

اسم المادة الأصليORTADOĞU’DA RADİKALLEŞME VE ABD FAKTÖRÜ
الكاتب Murat Kaplan- مراد قابلان
المصدر وتاريخ النشرمركز البحوث الإنسانية والاجتماعية (insamer) 27.07.2020
رابط المادةhttp://bit.ly/38xIkGw
عدد الكلمات3571- 3873
المترجمقسم الترجمة- علي كمخ

[1] Silber, Mitchell D., Bhatt, Arvin، محللون، كبار المخابرات. التطرف في الغرب: التهديد المحلي، نيويورك: قسم الشرطة، 2007.

[2] Kona, Gamze Güngörmüş “تصور الأمن في الشرق الأوسط وتأثير عوامل الخطر الداخلية”. مجلة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة أكدنيز، أنطاليا، 2004، 113-138.

[3] فواز جرجس. أميركا والإسلام السياسي، إسطنبول: منشورات Anka، 2001.

[4] Hudson, Michael C، لعب دور المهيمن: خمسون عامًا من السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط”. مجلة الشرق الأوسط، 1996، 50.3: 329.

[5] Özkan, İ، “فهم داعش”. مجلة بيريكيم، 2014.

[6] Yıldızoğlu, Ergin التباين في النقاشات حول العراق في اليمين الأميركي: الهيمنة- الإمبراطورية “. التحليل الاستراتيجي 2002، 3.30: 17- 23.

[7] Arı, Tayyar العراق، إيران، الولايات المتحدة الأميركية والنفط، الطبعة الثانية. إسطنبول: Alfa، 2007.