عنوان المادة الأصلي باللغة الانكليزية: | The Gulf monarchies’ complex fight against Daesh |
اسم الكاتب | Eleonora Ardemagni |
مصدر المادة الأصلي | مجلة الناتو |
رابط المادة | |
تاريخ النشر | 28 أيلول/ سبتمبر 2016 |
المترجم | محمد شمدين |
المحتويات
ثانيًا: قطع التمويل عن الجهاديين
ثالثًا: مواجهة الرواية الجهادية
خامسًا: قوتان إقليميتان ديناميّتان
مقدمة
تعدّ دول الخليج من أنشط الشركاء ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش: الدولة الإسلامية في العراق والشام)، منذ إعلانها في أيلول/ سبتمبر 2014، وعلى الرغم من ذلك، فالمنافسة الإقليمية وتغيير التحالفات التي تشمل الدول الفاعلة وغير الدول، تؤثر بصورة متزايدة على جهد دول إمارات الخليج ضد الخلافة التي تعلنها بنفسها. عوامل جيوسياسية تعرقل النهج التعاوني ضد التهديد المتعدد من الجهادية العابرة للحدود.
أوّلًا: دعم الحملة العسكرية
تضمنت مشاركة دول الخليج – البحرين، الكويت، سلطنة عمان، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى الأردن (ليس عضوًا في مجلس التعاون)، في الحملة ثلاثة محاور: المحور العسكري، والتمويلي والثقافي.

من الناحية العسكرية، يعدّ الأردن والإمارات العربية المتحدة من أنشط الشركاء العرب الفاعلين في التحالف الدولي. حيث بلغت ذروة الضربات الجوية، بعد أن أسرت داعش الطيار الأردني الشاب، المتحدّر من قبيلة بارزة في جنوب مدينة الكرك، وقامت بحرقه في شباط/ فبراير 2015. ومع قدرات عسكرية جيدة، يمثل الأردن الجناح الغربي للخليج، ولكن لها أيضًا علاقات عميقة ضمن النسيج الاجتماعي الشامي. حيث لعَمّان الدور المهم في تدريب الجيش السوري الحر.
خارج دعم التحالف ضد “داعش”، يستضيف الأردن جهد قيادة الناتو في بناء قدرات الجيش العراقي، في مجالات مكافحة العبوات الناسفة، والتخلص من الذخائر المتفجرة وإزالة الألغام.
استثمرت الإمارات العربية المتحدة في سلاح الجو لتكون الأكثر قدرة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقًا لتقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب، فإن عدد الغارات الجوية التي نفذتها أبو ظبي ضد “داعش” يأتي في المرتبة الثانية بعد واشنطن. زاد الإماراتيون من قدراتهم في عمليات التزود بالوقود من الجو، وزيادة تنفيذهم الضربات الجوية على أهداف حيوية مثل العربات المدرعة وناقلات الجند. ومقارنة بالمملكة العربية السعودية، فهي تستهدف _على الأغلب- الأهداف الثابتة والمحددة مثل مقرات القيادة العسكرية ومعسكرات التدريب والمرافق. وكما كان الحال خلال الحملة على ليبيا، لم تقم قطر بغارات لكنها تؤيد التحالف الدولي من خلال القيام بعلميات الدوريات الجوية على سورية (راجع مقال فريدريك ويهري لمزيد من المعلومات حول مساهمات دول مجلس التعاون الخليجي).
الإمارات العربية المتحدة من أكثر الشركاء الخليجين نشاطًا في التحالف الدولي (القوات الجوية الإماراتية إف-16). موقع أخبار العراق
ثانيًا: قطع التمويل عن الجهاديين
شكلت المساهمات المالية الخاصة لتسليح المجاهدين قضية حساسة بالنسبة إلى دول الخليج في مواجهة شركائهم الغربيين، حيث برزت الكويت كممر مالي للأفراد الجمعيات الخيرية المستعدين لدعم الفصائل السنية المتطرفة في سورية، وقد بلغت ذروتها في عام 2012، حيث كانت القوانين تسمح بإعادة تنظيم الجمعيات الخيرية وتحويل الأموال.
وفي عام 2014، بدأت دول الخليج في إعادة لتشريعاتها الوطنية، بسن قوانين تمنع جمع التبرعات لمصلحة الجهاديين، وترصد أنشطة الجمعيات الخيرية، كما سحبت الجنسية من بعض المواطنين المشتبه بهم في صلات بالإرهاب، وكذلك مراقبة تمويل الجهادين وأيضا التجنيد عبر الإنترنيت. حيث صدرت مراسم ملكية بزيادة العقوبات على تلك الجرائم المتعلقة بالإرهاب، وتشديد اللوائح المالية بشأن مكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من ذلك، توجد بعض المناطق الرمادية: فعلى سبيل المثال، نظام الحوالة الكلاسيكي لتحويل الأموال (غير شرعي في عُمان) يمكن استخدامه كوسيلة غير رسمية لتمويل أنشطة المتمردين.
وقد استضافت البحرين، كمركز مالي إقليمي، العديد من المؤتمرات وورش العمل الدولية حول هذا الموضوع على مدى العامين الماضيين. إضافة إلى ذلك، فقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي وكندا في أيار/ مايو 2016 حوارًا إستراتيجيًا لوقف تمويل الجهاديين. ومن التدابير الأخرى، قامت الكويت بتأسيس وحدة الاستخبارات المالية مختصة في التحقيق بالنشاط غير المشروعة، في حين قامت المملكة العربية السعودية بعرض حوافز مادية للمبلغين عن هذا النشاط، وعرض مكافأة مالية لمن يُعلِم عن جامعي الأموال للجهادين وغسل الأموال، كما شاركت الرياض في رئاسة لجنة مكافحة الإرهاب-داعش ضمن المجموعة المالية- مع الولايات المتحدة وإيطاليا.
وفي الوقت الذي بات فيه اتخاذ مثل هذه التدابير ضرورة لمكافحة الإرهاب، إلا أنها أثارت جدلًا بين المحللين، نظرًا إلى إمكانية استخدام هذه الأدوات في قمع المعارضة السياسية، وتعظيم سيطرة الملكية (السلطات) على المجال العام.
ثالثًا: مواجهة الرواية الجهادية
إلى جانب الوسائل العسكرية والمراقبة المالية، يتطلب احتواء النشاط الجهادي تنسيق الجهد لمكافحة الفكر المتطرف. الملكيات الخليجية تدرك أنه لا يمكن لـ “داعش” أن يكون وكيلًا معاديًا للتدخل الإيراني: ليس انضمام عديد المواطنين الخليجين إلى ما يسمى بالخلافة كمجاهدين فحسب، لكن، ومنذ عام 2015، ارتفع عدد الهجمات الإرهابية على أراضي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تستهدف التجمعات ذات الأغلبية الشيعية كما في المملكة العربية السعودية والكويت. فهزيمة داعش بشكل تدريجي أصبحت مسألة أمن قومي بالنسبة إلى الملكيات الخليجية أيضًا، وتصاعد تصور شكل التهديد في الخليج العربي، يفضي إلى تعزيز فرص التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية.
ارتفع عدد الهجمات الإرهابية على أراضي مجلس التعاون الخليجي، مستهدفة التجمعات ذات الغالبية الشيعية في الكويت، وكذلك في المملكة العربية السعودية. موقع الجزيرة
وفقًا لبيانات رسمية، انضم نحو 2500 من السعوديين و2000 من الأردنيين إلى “داعش”، فضلًا عن 70 كويتيًا، 10 قطريين و15 إمارتيًا (هذه تقديرات غير رسمية). ضاعف أئمة المساجد والفقهاء في الخليج العربي من إدانة “داعش” على العموم، ورفض أسسه الفكرية ومشروعه السياسي الذي يسمى بالخلافة، والذي يتحدى شرعية نظام الحكم الملكي لآل سعود، والذي برز بعد الهجوم الفاشل الأخير بالقرب من المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
مكافحة الدعاية المتطرفة، واحدة من مفاتيح مكافحة الرواية الجهادية وتجريدها من حججها سواء على المستوي الجمعي أم على المستوى الفردي. على سبيل المثال، قامت الكويت بتوزيع تعاميم على المساجد بضرورة اعتماد خطاب موّحد غير عنفي في خطب الجمعة. وفي أبو ظبي نظم مركز الهداية الدولي لمكافحة التطرف مؤتمرات وورش عمل حول مكافحة الفكر الجهادي. وبالتعاون مع الولايات المتحدة قامت حكومة الإمارات العربية المتحدة بوضع مركز ” صواب” في أبو ظبي، على منصات التواصل الاجتماعي والذي يهدف مواجهة الطروحات والدعاية المتطرفة عبر الإنترنيت.
رابعًا: العامل الجيوسياسي
جميع أعضاء التحالف الدولي لديهم نفس الهدف- هو هزيمة “داعش”- ولكن كل شريك له سيناريوهاته الخاصة حول كيف سيكون شكل الشرق الأوسط. لذلك، مصالح القوى المتنافسة تميل إلى الغلبة، في الحصول على تعاون كامل ضد تهديد متعدد لجهاد عابر للحدود.

تصبح محاربة ما يسمى بالخلافة مفهومًا ملتبسًا، ولا فكاكَ له من التنافس السعودي الإيراني للهيمنة الإقليمية. مثل السم، الطائفية تفاقم الخلافات الدينية والعرقية وتوظفها لأغراض القوى السياسية، ما يوفّر مساحة فكرية أوسع لشبكات الجهادية أكثر من قبل وخاصة في الدول الضعيفة. إضافة إلى ذلك، ففي العام الماضي كان الاتفاق النووي الإيراني بين مجموعة 5+1 (دول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) وإيران، والذي انعكس على الصراع في سورية حيث خيبة الامل بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ فبالنسبة إلى واشنطن، العدو الأول في الحرب هو “داعش”، في حين أن أولوية الرياض هي احتواء إيران.
انخفض دعم الولايات المتحدة للفصائل المقاتلة في سورية، بعد أن قررت أنها لن تتدخل ضد نظام بشار الأسد. وجهات النظر المتقاربة حول سورية البديلة عززت التوافق الإستراتيجي مع فرنسا والمملكة العربية السعودية في المنطقة. وسمحت بتعزيز محور إيران-حزب الله- روسيا في سورية لحماية نظام الأسد، لتأمين دورها السياسي. واضطرت السعودية والملكيات الخليجية بالقبول بالأمر الواقع والتخلي عن طموحها الإقليمي الرئيس بكسر “الهلال الشيعي”. بغداد تقع بشكل متزايد تحت تأثير النفوذ الإيراني، في حين بات الأمل ينصر عسكري بقيادة السعودية في اليمن مجرد وهم.
خامسًا: قوتان إقليميتان ديناميّتان
مثل إعادة تركيا النظر في تحالفاتها الإقليمية أحدث التغييرات التي طرأت على قواعد اللعبة في الصراع على سورية، فبإعادتها النظر في ترتيباتها، والتي صدفت أنها تقع في مصلحة رئاسة الأسد، سيضعف النفوذ العسكري والديبلوماسي للمملكة العربية السعودية، ما يعقد المعركة ضد الجهادين. ففي آب/ أغسطس 2016، أعلنت تركيا تدخلها العسكري في سورية بهدف محاربة داعش، واحتواء الميليشيات الكردية (بالأخص وحدات الحماية الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة). من ناحية أخرى، فإن التقارب التركي مع روسيا، فيما يتعلق بالملف السوري، من شأنه أن يعزز موقف نظام الأسد في مواجهة المعارضة السنية المعتدلة المدعومة من الملكيات الخليجية، الأمر الذي يهدد بزيادة قوة الفصائل السلفية مثل أحرار الشام وجهاديي جبهة فتح الشام.
في هذا السياق، ظهرت قوتان محركتان إقليميتان، حيث انتقل أمن الشرق الأوسط الى الشرق، لأن إيران وروسيا وتركيا (دول غير عربية) تقود حاليًا السياسة الإقليمية، في حين تميل المملكة العربية السعودية في المبالغة بردّ الفعل في تأكيد الذات عسكريًا، في محاولة منها لمواجهة الاحداث غير المرغوب بها.
إضافة إلى ذلك، تنامى الدور الإستراتيجي للمجمع الأمني لشرق المتوسط، ليس في توازنات الشرق الأوسط فحسب، ولكن أيضًا في التحالف الدولي ضد “داعش”. قبرص، بقواعدها الجوية والبحرية (والتي تستخدمها المملكة المتحدة وفرنسا في شن غارات ضد الجهاديين)، لها دور ملحوظ، نظرا إلى تلك التعزيزات العسكرية الروسية في بلاد الشام.
مؤخرًا، افتتحت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين سفاراتٍ لها في قبرص، بعد خطوات قامت بها كل من قطر والكويت وسلطنة عمان، كما أعادت المملكة العربية السعودية القائم بالأعمال في عام 2015. ويشير هذا التطور على أن الملكيات الخليجية في صدد زيادة التعاون الإستراتيجي مع نيقوسيا، فقبرص هي بداية الأمن الجغرافي والبحري للخليج، فهي تقع على مفترق الطرق بين السويس، باب المندب ومضيق هرمز.

قام حلف الناتو بتطوير العلاقات مع معظم دول الخليج منذ عام 2004. حيث قامت الكويت بإنشاء بعثة دبلوماسية دائمة في منظمة حلف شمال الأطلسي. (في الصورة: أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر آل صباح والأمين العام للحلف، ينس شتولتنبرغ 4 أيار/ مايو 2016). الناتو
خاتمة
مثل غيرها من القوى الإقليمية المتورطة في الصراع، تحاول ملكيات الخليج تحقيق أكبر قدر من المكاسب الإستراتيجية في المشهد السوري، من حيث التأثيرات الإقليمية والتحالفات المحلية، الحرب ضد ما يسمى بالخلافة ليست سوى قطعة من سيناريو أوسع.
بعد خسارته أراضي على امتداد سورية، العراق و(ليبيا)، تنظيم البغدادي سوف سيحول نفسه على تنظيم اللا دولة ويتصرف كالدولة حيث يقوم بتنفيذ عمليات إرهابية على نطاق واسع، كما كان تنظيم القاعدة يقوم بذلك. وكنتيجة، من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، يشكل صعود داعش تهديدًا لأمنها الداخلي من حيث هجمات داخلية وكذلك عودة المقاتلين، وليس فقط قضية جيوسياسية. وليس من قبيل الصدفة أن تقلص المشاركة العسكرية للرياض ضد “داعش” منذ بداية الحملة على اليمن، والذي يمثل المصالح الجيوسياسية للسعودية في مواجهة طهران.
وبعد، فعلى الرغم من تعقيد العناصر المتداخلة والمنافسات المختلفة للأدوار في المنطقة، فإن التحالف الدولي لمحاربة داعش يشكل فرصة ثمينة لاختبار التعاون العسكري بين العرب والغرب، مع التركيز على أن هذه الشراكة هي بين الناتو والملكيات الخليجية. وضمن هذا الإطار، فقد أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي مثالًا نادرًا وفعالًا من الوحدة في تاريخها الحديث.