عنوان المادة الأصلي باللغة الانكليزية: | The Limits of Chinese Isolationism |
اسم الكاتب | Alice Su أليس سو |
مصدر المادة الأصلي | The Atlantic |
رابط المادة | http://www.theatlantic.com/international/archive/2016/10/china-xinping-trade-xinjiang-muslim-uighur/504176 |
تاريخ النشر | 17 تشرين الثاني/ أكتوبر 2016 |
المترجم | مروان زكريا |
هل في إمكان دولة تقوم بالأعمال في جميع أرجاء العالم أن تتفادى حقًا التدخل في سياسات الدول الأخرى؟
بيجين- نشرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية في تاريخ 20 آب/ أغسطس رسالة موجهة إلى المسافرين في جبل سليمان، وهو موقع حج شعبي لدى السياح يقع في منطقة أوش في قرغيزستان. وتروج الرسالة لسياسة “حزام واحد طريق واحد”، وهي خطة طموحة أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013 لاستثمار مليارات الرنمينبي الصينية في البنية التحتية والتنمية، على طول الطريق الممتدة من بيجين الى إسطنبول.
ويمر هذا الطريق عبر دول مضطربة مثل أفغانستان وباكستان والعراق. ومع ذلك، كانت قرغيزستان مليئة بالسكان المحليين الودودين المتحمسين للتقرب إلى الصين. وقد مر التقرير -الذي يحمل عنوان “حب الصين على الجبل المقدس في قرغيزستان”- على صورة بائع متجول يبلغ من العمر 17 عامًا، ويظهر بفخر قميصه الذي يحمل شعار “صنع في الصين”، متوجهًا بوجهه نحو آلاف الطلاب الذين يتعلمون لغة الماندرين الصينية في الجامعات القرغيزية.
وبعد عشرة أيام من نشر الرسالة، تعرضت قرغيزستان لأول تفجير انتحاري في تاريخها: هجوم بسيارة مفخخة، تم تنفيذه في السفارة الصينية في بيشكيك، قُتل فيه المهاجم وجُرح خمسة آخرون، ثلاثة منهم صينيون. وكان المهاجم (زوير خليلوف) رجلًا إيغوريًا يبلغ من العمر 33 عامًا، ويحمل جواز سفر طاجيكيًا، وفقًا لرواية السلطات القرغيزية.
وذكرت وسائل الإعلام الصينية والقرغيزية أنه كان عضوًا في “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”، وهي جماعة انفصالية إيغورية، تُحمِّل الصين مسؤولية العنف ضد المدنيين في محافظة شينجيانغ الغربية، التي يسكنها الإيغور. وفي غضون أسبوع من الهجوم، اعتقلت السلطات القرغيزية أربعة من الأوزبك وواحدًا من القرغيز ممن زعم أنهم متواطئون، وأصدرت مذكرات توقيف بحق ثلاثة آخرين من المشتبه بهم قيل إنهم موجودون في تركيا. ومرة أخرى، وَعَدَت وزارة الخارجية الصينية في بيجين بالردّ “بحزم” على حركة تركستان الشرقية الإسلامية بسبب “الجرائم الدموية” و”كثير من الحوادث الإرهابية التي تستهدف الصين داخل البلاد وخارجها”.
يبدو أن الهجوم الذي وقع في قرغيزستان كان ثمرة مشؤومة لتحول موقف الصين المتمثل في اتجاهها نحو المشاركة الدولية. لقد كان شعار “حزام واحد طريق واحد” بمنزلة محور أساس للسياسة الصينية، فبعد عقود من شعار “تاو غوانغ يانغ هوي”، أو تخفّي المرء عن الأنظار وإخفاء قدراته، توجهت الصين نحو الخارج لتوكيد قوتها التي عادت إلى الحياة. وفي السنوات الأخيرة، أسست الصين الواثقة من نفسها أكثر “بنك آسيا للاستثمار في البنية التحتية”، وأرسلت قوات حفظ سلام إلى جنوب السودان، وعقدت صفقات لبناء السكك الحديدية في آسيا الوسطى وإفريقيا وأميركا الجنوبية، وتحدت الآراء الدولية بشأن بحر الصين الجنوبي. لكن كان لذلك المحور تكاليفه.
مع نمو النفوذ الصيني، تقدم بيجين نفسها بديلًا للغرب الإمبريالي وللولايات المتحدة التي تتدخل في كل مكان كقوة عظمى، تصدر الطرق الإسفلتية السريعة بدلًا من القيم والأخلاقيات، وتعزز الاستقرار والسلام من خلال التنمية الاقتصادية والبنية التحتية والتجارة. وبعد التمسك لمدة طويلة بسياسة عدم التدخل الصينية، التي تركز على الاحترام غير المشروط لسيادة الدول، ستنفذ بيجين كل هذا التوسع نظريًا من دون التعليق على الظروف المحلية للدول الأخرى.
ومع ذلك كان هجوم آب/ أغسطس في قرغيزستان واحدًا من بين سلسلة من حوادث العنف، بما في ذلك الهجمات الإرهابية التي عانت الصين منها خلال سعيها للحصول على السلام الاقتصادي. فإضافةً إلى مئات القتلى والمصابين خلال السنوات الأخيرة في شينجيانغ، كافحت الصين أيضًا من أجل حماية مواطنيها في ليبيا والسودان وجنوب السودان، والآن في قرغيزستان. والأعمال التجارية لا تضمن السلام، على ما يبدو، مما يعني أن الصين قد تضطر الى تغيير نهجها التقليدي، وتخطو نحو العالم الفوضوي للشؤون الداخلية للدول الأخرى.
تعود سياسة عدم التدخل الصينية إلى عام 1953، عندما وضع رئيس الوزراء، في ذلك الوقت، شوان لاي “مبادئ الصين الخمسة للتعايش السلمي” التي ستلتزم بها الصين مستقبلًا: الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. وقد نمت هذه المبادئ خلال المسار التاريخي للصين باعتبارها دولة نامية ترنحت “مائة عام من الذلة” تحت نير الإمبريالية والاستعمار.
وعلى عكس واشنطن، بمهماتها العلنية لنشر الديمقراطية وإصلاحات السوق الليبرالية الجديدة، بنت بيجين رؤية في السياسة الخارجية بموازاة الإصلاحات المشبوهة التي يروج لها الغرب وسياسات تغيير الأنظمة، مع عدم وجود مصلحة حقيقية لها في فرض نموذجها الخاص على أي بلد آخر. وعلى الرغم من تبني الحكومة المركزية للماركسية اللينينية والتعاليم الشيوعية من الناحية الخطابية، إلا أن النمو الاقتصادي للصين قد نجم عن نظام يكيف الأيديولوجيات باستمرار مع “الخصائص الصينية”، منتجًا بذلك نوعًا مرنًا هجينًا من اشتراكية ورأسمالية الدولة لا ينطوي على أي مبادئ جامدة. نموذج الصين هو “عبور النهر عبر تحسس الحجارة”، حسب تعبير دنغ شياو بينغ الشهير عندما قاد عمليات الإصلاح في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي غضون ذلك، بررت سياسة عدم التدخل الصينية اختيار بيجين لإجراء صفقات أسلحة مع نظم تخضع للعقوبات الغربية، مثل أنظمة إيران وسورية والسودان، والسعي لعقد صفقات الطاقة والتصدير المربحة، على الرغم من رعاية شركائها التجاريين للتطرف العنيف، والمشاركة في الإبادة الجماعية، أو استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في بلدانهم. وقد دانت وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان الصين لاتخاذها مثل هذه القرارات، ولكن من دون جدوى.
وردًا على تلك الإدانات، يؤكد الخبراء الصينيون على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، أو يشيرون إلى “المعايير المزدوجة” للولايات المتحدة في شراكتها مع أنظمة مثل المملكة العربية السعودية، وإلى تعذيب المتهمين بالإرهاب في خليج غوانتانامو وأماكن أخرى، وهندسة الانقلابات غير الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، أثبت شعار “الأعمال أولًا”، إلى حد ما، نجاحه بالنسبة إلى الصين. فالتجارة بين الصين وقرغيزستان، على سبيل المثال، ارتفعت بمقدار 60 في المئة، أي إلى ما مجموعه 672 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2016، ما جعل الصين أكبر شريك تجاري للبلاد، والمصدر الأول للصادرات، وفقًا لوكالة الأنباء الصينية الرسمية شين خوا.
غير أن الأعمال لا تتفادى الإرهاب. فالهجوم الذي وقع في قرغيزستان، بوابة الصين الجغرافية إلى آسيا الوسطى، كان مرتبطًا بالاضطرابات المتنامية في شينجيانغ، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، مثل النفط والفحم والغاز الطبيعي. وتشجع الدولة الصينية الهجرة غربًا من الصين الداخلية إلى شينجيانغ، وتوفر الحوافز المالية والسكن الرخيص لأولئك الذين يرغبون في الاستقرار هناك.
لقد خلقت هذه الاستثمارات كلها، من دون اتخاذ تدابير تكميلية للتخفيف من حدة التوتر الاجتماعي، وضعًا قابلًا للانفجار. فعندما عززت الصين الاستثمارات البشرية والمالية في شينجيانغ، تحول التوازن السكاني في المنطقة من 6.7 في المئة من شعب الهان في عام 1949 إلى أكثر من 40 في المئة في عام 2008. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، يتزايد العنف في المنطقة. فقد اندلعت أعمال شغب عرقية في أورومتشي في عام 2009، ما أسفر عن إصابة الآلاف ومقتل المئات. وفي السنوات الثلاث الماضية وحدها، شُنت هجمات إرهابية ذات صلة بالإيغور في منجم للفحم في أكسو، وفي مسجد “عيد كاه” في كاشكار، وفي سوق في أورومتشي، ومحطة قطار في مدينة كون مينغ، وفي ميدان تيانانمين في بيجين. ويتزايد عنف الشرطة أيضًا مع عشرات المدنيين الإيغور الذين قتلوا في ياركاند خلال أعمال الشغب التي اندلعت بعد فرض قيود صارمة على ممارسة الشعائر الدينية في عام 2014.
أثناء تجوالي عبر جنوب شينجيانغ في حزيران/ يونيو، رأيت الانتشار الأمني الكثيف فى مدن صينية مثل هوتان وياركاند وكاشغر، مع ناقلات الجند المدرعة، والكاميرات، والشرطة حاضرة في معظم زوايا الشوارع، وهم غالبًا ما يبحثون عن الإيغور بينما يتجاهلون المارة من الهان. قال لي مرشد سياحي من الإيغور ونحن نسير عبر سوق الشارع في هوتان: “ليس لدينا شيء ضد أبناء قومية هان”. وقد فتشته الشرطة عند المدخل وفحصت بطاقة هويته وهاتفه المحمول، في حين لم يطلبوا شيئًا مني مع وجهي الذي يدل على أنني صينيّ من الهان. ثم أضاف “لكن الحكومة تتعامل معنا بشكل مختلف. وهذا يجعلنا بالطبع نشعر بعدم الارتياح، وكأننا نرتكب خطأً بوجودنا هنا. كما أن هذا يجعل الشعب الصيني خائفًا منا”.
إن للخوف وانعدام الأمن تأثيرًا واضحًا على الفرص التجارية. ففي كل صيف من السنوات الـ 12 الماضية، كانت كاشغر تستضيف معرضًا تجاريًا لتعزيز الصفقات الاستثمارية والتجارية في منطقة آسيا الوسطى. وكانت مدن مثل شنتشن وشانغهاي ترعى مناطق تجارية جديدة على مشارف المدينة. أما في هذا الصيف، فكانت المنطقة المحيطة بالمعرض مليئة بمراكز التسوق الفارغة والمراكز التجارية المهجورة المتربة التي أقيمت على مساحات مترامية الأطراف من دون أن تُستخدم مطلقًا. كان رجل صيني من الهان الذين هاجروا الى شينجيانغ من مدينة قوان غتشو جنوب البلاد مع عائلته في العام الماضي يبدو شديد التوتر بسبب قدومه. قال لزوجته وطفله: “يجب ألّا نقود سيارتنا؛ إذ يمكن أن تُقصف أو تسرق” مشيرًا إلى أن التوترات بين الشرطة والإيغور ترتفع خاصة خلال شهر رمضان الذي تزامن قدومه مع موعد المعرض.
***
يشكل الإرهاب والتطرف الديني تحديًا للدولة الصينية، خاصة لكونها غير معتادة على الروايات الاستشهادية التي تتغذى على الظلم، ما يجعل من السهولة تصوير الحزب الشيوعي كطاغية وكافر على حد سواء. ولا تحاول الحكومة الصينية مواجهة التطرف أو تخفيف التوترات العرقية من خلال الحوار والإدماج أو التعليم. بل تفضل، بدلًا من ذلك، تغطيتها بالحملات الأمنية والدعائية، ما يؤدي إلى تفاقم الأعمال العدائية الموجودة بالفعل، وتوفير تغذية إضافية للروايات المتطرفة.
وبما أن الصين تمنع الإيغور من الصيام خلال شهر رمضان، وتحظر اللحى والملابس الدينية المحافظة، وتمنع القاصرين من دخول المساجد، وتقيد الوصول إلى الأضرحة التقليدية، فإن حركة تركستان الشرقية الإسلامية تستقطب المجندين الراغبين في الذهاب إلى سورية حيث ينظَّمون في صفوف فرع تنظيم القاعدة السابق “جبهة فتح الشام”. ومن المفارقات، أن القمع الصيني يناسب تمامًا الحملات الدعائية التي تنظمها حركة تركستان الشرقية الإسلامية، والتي تشمل أشرطة فيديو وقناة برقية ومقالات في المجلات تسلط الضوء على “جرائم النظام الشيوعي” و “الجرح الدامي في تركستان الشرقية” و “بكاء الأوشحة الحريرية لأمهات الإيغور”.
تعدّ مكافحة الإرهاب الصينية في الخارج محدودة بسبب تبنيها لمبدأ سيادة الدول كمبدأ أعلى. وتهدف منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة متعددة الأطراف تشكلت في عام 2001 بين الصين وروسيا وعدد من دول آسيا الوسطى، إلى تعزيز التعاون ضد الإرهاب الإقليمي، والنزعات الانفصالية، والتطرف، كما تهدف إلى إبراز نهج الصين المتعدد الجوانب بعدم التدخل في حل المشاكل العالمية. ومع ذلك، تعاني الجوانب الوظيفية الأمنية في المنظمة من نقص التمويل المزمن ونادرًا ما تستخدم، في حين أن الدول الأعضاء فيها تتحد، في كثير من الأحيان، في عروض الدعم التي يقدمها بعضهم لبعضهم الآخر في قمع الحركات المدنية.
فعندما قتلت قوات الأمن الأوزبكية مئات المتظاهرين العُزّل في أنديجان في عام 2005، على سبيل المثال، بررت المنظمة المجزرة كشكل من أشكال مكافحة الإرهاب، واتخذت قرارات تحظر منح حق اللجوء للاجئين الأوزبك من أنديجان في قرغيزستان. وفي الوقت نفسه، حصلت الصين على اتفاقيات تسليم المجرمين، واستخدمت الأجهزةُ الأمنية المنظمةَ لترحيل الإيغور إلى الصين من كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان. في الوقت الذي كانت فيه الجهات الفاعلة غير الحكومية أكثر أهمية للأمن العالمي من أي وقت مضى، والذي ألزمت الصين فيه نفسها بالمبدأ الضار الذي يقضي بحصر العلاقات بين دولة ودولة.
وبما أن الصين اتبعت الخط الفاصل بين توسيع نفوذها ورفض التدخل، فإن عليها أن تحقق توازنًا جديدًا يأخذ بالاعتبار الجهات الفاعلة غير الحكومية. ولكن تغييرًا من هذا النوع ليس سهلًا. وكما أبلغني هوي مسلم. في أورومتشي، وهو صيني يبلغ من العمر 30 عامًا ويعمل تاجرًا في منتجات الصوف: “لا يُعامل الإيغور على قدم المساواة، ولكنهم لا يزالون مواطنين ضمن النظام نفسه؛ فما الذي تضمنه المواطنة الصينية في المقام الأول في رأيك؟”.