ملخص
يحلل هذا المقال فشل جيش فلاديمير بوتين في أوكرانيا، من حيث العلاقة مع خمسة عوامل رئيسة: أولها احتكار بوتين للسيطرة على القوات المسلحة، الأمر الذي دفع الأصوات الناقدة والمناقشات النزيهة إلى الابتعاد عن المسائل العسكرية والدفاعية؛ والثاني هو فشل الإصلاح، فالجهود الرامية إلى إصلاح مؤسسة ما بعد الاتحاد السوفييتي المتضخمة المجهزة بشكل سيئ لم تُنتج قوة قتالية في القرن الحادي والعشرين قادرة على مضاهاة أفضل جيوش العالم أو مواجهتها؛ والثالث أن الجيش الروسي لم يتمكّن من اجتذاب الشباب الموهوبين؛ والرابع أن صناعة الدفاع الروسية الهائلة mammoth تنتج عددًا قليلًا جدًا من الأسلحة، حيث لا يمكن أن تضاهي الأسلحة الغربية المتطورة؛ والخامس أن العمليات أجريت في جورجيا وشبه جزيرة القرم وسورية ضد خصوم ضعفاء، ولم تكشف تمامًا كيفية أداء القوات الروسية في حرب برية تقليدية، ضدّ عدوّ حازم ومسلّح تسليحًا جيدًا. باختصار: الجيش الروسي هو انعكاس للدولة التي أنشأته: استبدادي، مهووس بالأمن، يعجّ بصنع القرار شديد المركزية، والعلاقات المختلة بين السلطات المدنية والعسكرية، وعدم الكفاءة، والفساد، والوحشية.
مقدمة
قبل مدّة وجيزة من غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، وبعده أيضًا، توقّع معظم الخبراء أن الجيش الروسي سيتعامل مع المدافعين عن جارته الجنوبية الغربية، ويُنهي أمرهم. ومع أن الحكمة التقليدية تقول إن القوات الروسية قد مرّت بأوقات عصيبة بعد الحرب الباردة، فإن حُكم بوتين لأكثر من عقدين من الزمن حوّلها إلى آلة عسكرية فعالة. في أوائل عام 2014، استولت القوات الروسية -بزيّها المموّه الأخضر غير المميّز- على شبه جزيرة القرم، أوكرانيا، بقليل من إراقة الدماء أو حتى المجهود. وبعد ذلك بعامين، وصف أحد المحللين تدخل القوات الجوية الروسية، إلى جانب نظام بشار الأسد في سورية، بأنه “الحدث العسكري السياسي الأكثر إثارة في عصرنا”. وفي عام 2021، أشار معلّق آخر إلى الحملات الناجحة في أوكرانيا وسورية، وفي جورجيا أيضًا (2008)، ناسبًا الفضل إلى بوتين في “الإشراف على تحوّل شامل للقوات المسلحة الروسية”[1].
تستند عمليات التقييمات/ التقديرات المعيبة مثل هذه، إلى سوء فهم للمشهد العسكري الروسي؛ فالجيش الروسي هو انعكاس جوهري quintessential للدولة التي أنشأته: استبدادي، مهووس بالأمن، يعج بصنع القرار شديد المركزية، والعلاقات المختلة بين السلطات المدنية والعسكرية، وعدم الكفاءة، والفساد، والوحشية.
ينبغي أن ننبّه إلى خمس نقاط رئيسة: الأولى أن احتكار بوتين للسيطرة على القوات المسلحة، ورفضه السماح بهيئة تشريعية مستقلة، قد دفع الأصوات الناقدة والمناقشات الصادقة والبحث النزيه بعيدًا عن المسائل العسكرية والدفاعية؛ والثانية فشل الإصلاح، كما يمكن للعالم أن يرى الآن، إذ لم تُنتج الجهود المبذولة لإصلاح جيش ما بعد الاتحاد السوفيتي المتضخم وغير المجهّز قوةً قتاليّةً تواكب القرن الحادي والعشرين يمكنها مضاهاة أفضل جيوش العالم أو مواجهة قدراتها؛ والثالثة أن الجيش الروسي لم يتمكن من اجتذاب الشباب الموهوبين، حيث يرفض كبار الضباط بعنادٍ تفويض السلطة، ويحرمون الشباب من فرص تطوير صفات المبادرة والقيادة، في حين أن معظم ضباط الصفّ وقواتهم غير مؤهلين بشكل جيد؛ والرابعة أن صناعة الدفاع الروسية الهائلة (التي تملكها وتديرها الدولة إلى حد كبير) لا تنتج سوى عدد قليل جدًا من الأسلحة، وتلك التي تصنعها لا يمكن أن تضاهي الأسلحة الغربية المتطورة؛ والنقطة الأخيرة أن العمليات في جورجيا وشبه جزيرة القرم وسورية لم تُثبت شيئًا، فقد نُفِّذت ضد خصوم ضعفاء، ولم توضح البتة كيفية أداء القوات الروسية في حرب برية تقليدية ضدّ عدو حازم ومسلّح تسليحًا جيدًا.
في الديمقراطية الدستورية، تشارك كلٌّ من السلطتين التشريعية والتنفيذية في السيطرة على القوات المسلحة، حيث يُقنَن التسلسل القيادي، وكذلك المسؤوليات المؤسسية بخصوص الجيش، وتنصّ القوانين على الاستخدامات المحتملة للجيش، في مختلف السيناريوهات الداخلية والخارجية. يُمرر المجلس التشريعي الوطني ميزانية الدفاع ويشرف على صرفها، ويعمل قائد الأركان كقائد أعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع ليس ضابطًا عاملًا، ويقدّم المدنّيون -ومنهم العاملون في وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية التي تركز على الدفاع- المشورة والتدقيق. أما في الدول الاستبدادية، فتسيطر السلطة التنفيذية بشكل مباشر على الجيش، في حين أن الهيئة التشريعية الوطنية (إن وجدت) والسلطات الإقليمية ليس لها رأي. ولا يوجد مكان آمن لعمل خبراء السياسة الأمنية المستقلين أو الباحثين أو الصحفيين.
يدير الكرملين القوات المسلّحة الروسية، والكرملين يعني اليوم بوتين الذي لديه عدد قليل من المقربين confidants. منذ عام 2012، كان مستشارو بوتين الرئيسون في المجال الأمني هم سيرغي شويغو، وزير الدفاع (الذي ليس لديه خلفية عسكرية)، والجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس أركان القوات المسلحة. وهم يعملون بالكامل وفقًا لإرادة الرئيس الذي أقال بإجراءات سريعة كلّ من كان ناجحًا. أدى إحباط بوتين من تعامل وزارة الدفاع مع “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا (أن تقول “الحرب” أو “الغزو” يمكن أن تزج بأي مواطن روسي إلى السجن لأعوام) إلى تهميش شويغو، الذي ظل يحتفظ بوظيفته، على الرغم من الانتقادات الحادة من القوميين الروس البارزين[2].
عندما وصل بوتين إلى السلطة عام 2000، كان للجيش وكبار ضباطه نفوذ كبير على السياسة الخارجية والدفاعية، من ضمن ذلك الإصلاح العسكري. ومنذ ذلك الحين، صارع بوتين من أجل حصر جميع القوات العسكرية والأمنية بين يديه[3]. خلال فترة ولاية وزير الدفاع، أناتولي سيرديوكوف (2007-2012)، أبعدَت عمليات التطهير غير الدموية ضباط هيئة الأركان العامة الذين اختلفوا مع أفكار الكرملين حول الإصلاح العسكري، والذين كان يعتقَد أنهم مستقلون للغاية وغير راغبين في تقديم دعم مستمر لبوتين. خفض سيرديوكوف عدد موظفي الإدارة العسكرية المركزية بأكثر من 30 في المئة، وتخلّص بشكل رئيس من الجنرالات والعقداء[4]. على مدى الأعوام العشرة الماضية، كان الجنرالات الروس خدمًا لبوتين. لا تعتمد حياتهم المهنية على كفاءتهم المهنية فحسب، بل على ولائهم الشخصي له. على الورق، وزارة الدفاع مسؤولة أمام البرلمان ولجانه المعنية بالدفاع والأمن، ولكن في الممارسة العملية الوزارة مسؤولة أمام الإدارة الرئاسية وحدها. يقرر الرئيس المسائل التي تتعلق بنشر الجيش متى وأين وكيف سيتم نشره، في الداخل أو في الخارج.
بوتين مركزي centralizer. ومع أن روسيا لا تزال فيدرالية اسميًا، فإن المجالس المحلية فقدت القدرة على أداء حتى المهام التقليدية، مثل استدعاء جنود الاحتياط، كما أظهرت الأحداث الأخيرة. الصحفيون الذين تجرؤوا على الكتابة بموضوعية حول قضايا الدفاع تعرّضوا لعقوبة سجن كبيرة، حتى بسبب التقارير مفتوحة المصدر[5]. قد تقيّد العضوية في حلف شمال الأطلسي -وهو تحالف دفاعي يتبنى المبادئ الديمقراطية الليبرالية- شخصًا استبداديًا مثل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء الهنغاري، من السعي إلى “تعديل” حدود بلاده، لكن بوتين لا يواجه مثل هذه العقبة. فهو يهيمن على منظمة معاهدة الأمن الجماعي (التي تضم جمهوريات سوفييتية سابقة)، في حين أن “نادي الطغاة dictators’ club” الذي هو منظمة شنغهاي للتعاون لا يقيد -بأي حال من الأحوال- قبضته على المؤسسة العسكرية الروسية. لأكثر من عقد من الزمان، كان الجيش الروسي بلا منازع جيشَ بوتين؛ حيث لا يوجد أي أثر للسلطة المدنية المتوازنة مؤسسيًا أو للشفافية أو المساءلة يعوق سيطرته عليه.
مقاطعة الإصلاح
في نهاية الحرب الباردة، كان القادة السياسيون والعسكريون الروس مدركين أوجه القصور التي تعانيها قواتهم. ومع ذلك، في معظم فترة تسعينيات القرن العشرين، حدث القليل أكثر من تخفيض في حجم القوة. عارض الجنرالات التغييرات الهيكلية، وافتقرت النخب السياسية إلى الإرادة للمقاومة، وكانت الموارد شحيحة. انتصر الجيش الروسي في حربي الشيشان الأولى والثانية (1994-1996؛ 1999-2009) ضدّ منطقة انفصالية صغيرة، ولكن بأداء عملياتي كان محرجًا وخجولًا. كما أكدت الهزيمة في جورجيا في آب/ أغسطس 2008، وهي جارة صغيرة أخرى تعاني نقص التمويل، على أوجه القصور العسكرية الروسية. كان أداء أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات ضعيفًا للغاية، حتى إنّ الضباط اضطروا في بعض الأحيان إلى استعارة الهواتف المحمولة للمراسلين الحربيين، للتواصل مع القوات. اعترفت القوات الجوية بإسقاط أربع طائرات، خلال الصراع الذي استمر اثني عشر يومًا (ادعى الجورجيون أنهم أسقطوا 21)، وهي خسائر كان من الممكن تجنبها بسهولة، لو كانت المركبات الجوية من دون طيار (الطائرات المسيّرة) في متناول اليد، للقيام بعمليات الاستطلاع. اعترفت المصادر الروسية بأن الدبابات والطائرات الحربية لم تشهد أي إصلاح شامل منذ الحرب الأفغانية (1979-1989)، ولم تكن الأسلحة “الذكية” وأنظمة الاتصالات الحديثة متوفرة، واعتمدت وزارة الدفاع على “الموردين المفضلين” المعروفين بصنع أسلحة عفا عليها الزمن[6].
واستجابة لنقاط الضعف هذه، سعى برنامج الإصلاح الذي بدأ في عام 2008 إلى تحويل الجيش السوفيتي القديم الذي لا يزال قائمًا على التعبئة الجماهيرية، إلى قوة أصغر حجمًا وأكثر احترافًا جاهزة للقتال. حتى لو كشفت أوكرانيا عن قيودها، فإن التغييرات التي أجريت منذ عام 2008 كانت كبيرة. وبتفويض مطلق carte blanche من بوتين، أحال وزير الدفاع سيرديوكوف عددًا كبيرًا من كبار الضباط العنيدين، إلى التقاعد، لكسر المقاومة المؤسسية. وتمّ ترشيد هيكل الجيش وتبسيطه. وتقلّص عدد الوحدات الكبيرة من 1890 إلى 172، وعدد الكليات العسكرية من 65 إلى 10، وعدد المناطق العسكرية في الحقبة السوفيتية، من 16 إلى أربعة [7]. وكان الهدف الرئيس من الإصلاحات الدفاعية هو سدّ الفجوة النوعية العميقة، بين الأفراد العسكريين الروس وحلف شمال الأطلسي، التي أبرزتها الحرب الروسية الجورجية القصيرة، أو على الأقل كان تحسين التدريب والاستعداد القتالي للقوات غير النخبوية التي كانت تشكّل دائمًا معظم الوحدات الروسية.
أراد المحدّثون Modernizers أيضًا تثبيت قوة قوات الجيش عند المليون. من الأفضل التعامل مع البيانات الرسمية الروسية بتشكك، ولكن يبدو أن إجمالي عدد أفراد القوات المسلحة الروسية (البرية والبحرية والجوية) كان بين (700,000 و900,000) على مدى العقد الماضي. خفض سيرديوكوف حجم سلك الضباط، وتخلص تدريجيًا من ضباط الصف praporshchiki، وزاد بشكل كبير من عدد الجنود “المتعاقدين” (المحترفين).
في محاولة لجعل الجنود المحترفين أكثر جاذبية، ذهبت الأموال لتحسين ظروف العمل والإسكان والرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية للجنود وعائلاتهم. واصل شويغو عملية الإصلاح، ورفع عدد الجنود المتعاقدين إلى (410,000) بحلول عام 2020، عندما كان عدد المجندين الإلزاميين (260,000) فقط[8]. المجندون الإلزاميون هم رمز لقيود روسيا: يرغب الكرملين في الحصول على جيش محترف بالكامل، لكنه لا يستطيع تحمّل تكاليفه، لذلك هناك حاجة إلى التجنيد لملء الصفوف. وطالبت خطة الإصلاح بنصف مليون جندي متعاقد بحلول عام 2019، ولكن قيل إنه تم تسجيل (405,000) فقط، ومن المحتمل أن يكون هذا الرقم مبالغًا فيه[9]. ابتداءً من عام 2012، كان الجنود المتعاقدون يتقاضون رواتب تزيد بنسبة 25 في المئة عن متوسط المدنيين الروس، وكانت المزايا العسكرية سخية نسبيًا أيضًا. لكن التضخم كان مشكلة رئيسة. وقد أدى تآكل رواتب ومزايا الجنود المتعاقدين إلى جعل المهن العسكرية أقلّ إغراء، وأدى إلى انخفاض جودة المتقدمين: لم يكن الجيش يسعى وراء عدد أقل من المجندين فحسب، بل كان أقل جاذبية.
من دون مجندين متعاقدين مؤهلين، فإن حلم الجيش الروسي عالي الكفاءة high-quality، الذي يمكن أن يدعمه ضباط الصف، لا يمكن أن يتحقق أبدًا. كانت نقطة الضعف التقليدية للجيوش السوفيتية أو الروسية التي تعود إلى أيام القيصرية هو غياب ضباط الصف المحترفين. يعتمد الجيش الحديث على “ضباط الصف noncoms” المهنيين؛ فهم يتمتعون باستقلالية كبيرة، ويحافظون على عمل الضباط المفوضين والأفراد المجندين معًا، ويدربون القوات ويجعلوها منضبطة، ولا سيما القيادة العملية في “اللحظة الصعبة”.
أدرك الإصلاح العسكري الروسي الحاجة إلى قوة ضباط صفّ محترفة. في غضون عشرة أعوام بعد الحملة الجورجية، ساد المقاولون فيما كان يُعد كتلة ضباط الصف. لكن بقيت هناك أسئلة حول عمق تدريبهم ودرجة المبادرة الممنوحة لهم، في جيش كانت فيه فكرة تفويض السلطة إلى الأدنى مفهومًا غريبًا منذ فترة طويلة. في عام 2009، أنشأت وزارة الدفاع أكاديمية لضباط الصف، ولكن لا يبدو أن الخريجين الذين تخرجهم كل عام، والبالغ عددهم ألفي خريج، كان كافيًا لتغيير ثقافة الجيش. في عام 2010، كان لا بد من إعادة تكليف سبعين ألفًا من صغار الضباط الذين سرّحهم سيرديوكوف، من أجل الاستمرار في القيام بما يمكن تصنيفه في الغرب على أنها مهام ضباط الصف. وتشير البيانات المتاحة، التي أكدتها الحرب في أوكرانيا، إلى أن روسيا بعيدة كل البعد عن نشر ذلك النوع من قوة ضباط الصف البارعة التي تشكل ضرورة أساسية لجيش حديث، والتي تظهرها أوكرانيا نفسها بشكل متزايد من خلال أدائها في المعركة.
لم يمسّ الإصلاح أي مجالات أخرى، حتى المداواة الطبية في المعارك، وهو أمرٌ عملت عليه الجيوش الغربية بجد في العقود الأخيرة. إن الجمع السريع بين الجنود الجرحى والرعاية الحرجة أمرٌ أساسي، لكن الجيش الروسي بتاريخه في تحمل الخسائر الكبيرة لم يركّز كثيرًا على هذا. احتجّ أطباء الجيش الروسي الشباب الذين استقالوا من لجانهم على أنهم لم يحصلوا على “أي شيء عمليًا”، للعمل معه من حيث المعدات ويمكّنهم من “تقديم الإسعافات الأولية فقط”[10].
الجنرالات والجنود
ميّز غياب الثقة في المرؤوسين والإحجام عن التفويض كلّ مستوى قيادي من الجيش الروسي. وغالبًا ما تؤدي ممارسة الحقبة السوفيتية المتمثلة في انتظار الأوامر للوصول إلى المستويات الأدنى من القيادة -وهي عادة تهدف إلى عدم ترك مجال للتفكير المستقل والإبداع- إلى ضياع الفرص في ساحة المعركة. أقال سيرديوكوف ثلث كبار الضباط، من ضمن ذلك المجموعة الأخيرة من المفكّرين النقديين الذين ربما اختلفوا مع سياسة الكرملين. وجعل آفاق ترقية كبار الجنرالات تعتمد على قدرتهم على قراءة المؤشرات الصادرة عن الإدارة الرئاسية. حتى في قمة التسلسل الهرمي العسكري، يشعر الجنرالات بالقلق من أخذ زمام المبادرة، خوفًا من إغضاب رؤسائهم الذين يشملون الآن بوتين نفسه.
ومع ذلك، يبدو أن البعض في القيادة العليا شككوا في خطة بوتين، وخاصة فكرة توجيه ضربة خاطفة للاستيلاء على كييف، محذّرين من أن القوات والمعدات الروسية ليست على مستوى المهمّة[11]. عندما تبين أن المشككين كانوا على صواب، سمح الكرملين -على ما يبدو- لهؤلاء الجنرالات بوضع استراتيجية جديدة. ثم حوّلوا الصراع إلى حرب استنزاف تستند إلى الاستعداد الروسي القديم بقوة النيران الساحقة. وعندما فشل القصف المدفعي والجوي أيضًا، كما أظهر القتال حول مدينة خيرسون الجنوبية الحيوية والاختراقات الأوكرانية في قطاعات أخرى، أعاد بوتين تنظيم قائمة كبار القادة ثلاث مرات. في نيسان/ أبريل، وفي حزيران/ يونيو، ومرة أخرى في أيلول/ سبتمبر، غيّر الكرملين الجنرالات سعيًا وراء أداء قتالي أفضل.
في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، كلّف بوتين الجنرال سيرجي سوروفيكين بمهمّة تحويل وجهة الحرب حتى مع استمرار القوات الأوكرانية في شن ضربات مضادة حول الأجنحة، وفي المناطق الخلفية للتشكيلات الروسية المفاجئة. تشمل مؤهلات سوروفيكين الخبرة في بيئات القتال المعقدة بالإضافة إلى سمعة “القسوة الكاملة” و “الفساد والوحشية” وإساءة معاملة المرؤوسين [12]. وبكلمات أخرى: يعِدُ سوروفيكين بأن يكون مناسبًا تمامًا لبوتين وجيشه.
يمكننا أيضًا أن نرى عدم ثقة بوتين في قيادته العليا، من خلال مشاركته الشخصية الأعمق في القرارات العسكرية. عندما شنَّ الأوكرانيون هجومًا مضادًا في أيلول/ سبتمبر 2022، أخبر جنرالاته أنه هو نفسه من سيضع الآن استراتيجية. تمتد إدارته التفصيلية للحرب إلى اتخاذ قرارات تكتيكية منخفضة المستوى، وإعطاء الأوامر لجنرالات الخطوط الأمامية من الكرملين. ووفقًا لمصادر استخباراتية غربية، فإن الرئيس الروسي “يتخذ قرارات عملياتية على مستوى القرارات التي يتخذها عقيد أو عميد”، ويساعد في تحديد تحركات القوات وترتيب المواقف “بأي ثمن” (وهو نهج يؤدي إلى خسائر في القوات والمعدات، حيث تقع الوحدات الممنوعة من القيام بعمليات انسحاب تكتيكية فريسة للتطويق)[13]. من المحتمل أن تنبع مشاركة بوتين المتزايدة من إدراكه أن قادته لم يُطلعوه في وقت مبكّر من الحرب على مدى سوء أداء القوات الروسية ضد المقاومة الأوكرانية الذكية والشرسة غير المتوقعة.
ولكن هل كان ينبغي لبوتين، الذي ليس لديه خلفية عسكرية، أن يتوقع أن تبلي قواته بلاء حسنًا في أوكرانيا؟ ابتداءً من عام 2008، تحسّن التعليم والتدريب العسكري لجميع الرتب. كان هناك مزيد من التدريبات، ومنها التدريبات المشتركة واسعة النطاق التي شارك فيها عشرات الآلاف من الأفراد من مختلف الإدارات الروسية. أدت ساعات الطيران المعززة للطيارين العسكريين وتحسين إجراءات الصيانة لطائراتهم إلى تقليل الأعطال الميكانيكية والخسائر القتالية في جورجيا وسورية. ومع ذلك، لوضع كل هذا في سياقه، يجب التأكيد أن معايير التدريب والصيانة الروسية في جميع المجالات، باستثناء عدد قليل من وحدات النخبة، لم تكن أكثر من متواضعة، وبالكاد تصل إلى المستويات التي تميز الجيوش المتقدمة في العالم.
على الرغم من زيادة الأجور، لم تتمكن القوات المسلحة الروسية من جذب أفضل وألمع الشباب الروس في مواجهة المنافسة من سوق العمل المدني. لا يزال السكن يمثّل مشكلة للضباط ذوي العائلات، ولم تواكب الأجور التضخم منذ سنوات[14]. في كثير من الوحدات، الظروف سيئة، ويتم التعامل مع صغار الضباط بازدراء، لأن الرؤساء يُظهرون المحاباة تجاه بعضهم[15]. تشير الأدلة المتواترة إلى أن كثيرًا من الضباط الذين لديهم فرص عمل خارج الجيش يستقيلون من مهامهم. يعود قرار عام 2018 بإحياء منصب الضابط السياسي (zampolit)، في وحدات صغيرة مثل سرايا المشاة، إلى الحقبة السوفيتية، ويشير إلى أن الدولة تشك في ولاء جنودها[16].
لم تكن الخدمة العسكرية الإلزامية مرغوبة. حيث يتجنب كثير من أولئك الذين يستطيعون تجنبها (عن طريق رشوة أطباء الجيش لإعلان أنهم غير لائقين)، في حين أن الأكثر يأسًا يفرّون من البلاد أو يؤذون أنفسهم عمدًا للتهرب من التجنيد. ولا تزال المضايقات الوحشية للمجندين الأغرار، التي تؤدي أحيانًا إلى نتائج مأساوية، تمثل مشكلة على الرغم من الجهود المبذولة للحد منها. في عام 2008، تم تخفيض فترة الخدمة الفعلية الإلزامية إلى النصف، إلى عام واحد، وهو ما يعني أنه بعد التدريب يخدم الجندي لمدة ستة أشهر فقط. معظم القوات التي يعُدّها الجيش جاهزةً للقتال ليست من المجندين، على الرغم من أن المجندين (ربما بشكل مفاجئ) يشكلون حوالى ربع وحدات كوماندوس النخبة. خطط الجيش لخفض عدد المجندين إلى (150,000) بحلول عام 2021، لكنه أخفق في تحقيق هذا الهدف. ومع استمرار الحرب الأوكرانية، سوف يصبح المجندون غير الراغبين أكثر انتشارًا وشيوعًا، وسوف يضطر الجيش على نحو متزايد إلى الاعتماد على جنود سيّئين من حيث التدريب والتحفيز.
ركّز استدعاء بوتين في 21 أيلول/ سبتمبر 2022 لـ (300,000) من جنود الاحتياط من جديد على قضايا القوى العاملة قبل عشرة أيام فقط من بداية فترة التجنيد في الخريف. ويعتقد كثيرٌ من الخبراء أن تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط ستثبت أنها عملية صعبة بالغة. وحتى الآن، وقع الاستدعاء بشكل غير متناسب على الأقليات العرقية. ويشمل هؤلاء رعاة الرنّة/ الغزلان الرحّل من شمال شرق ياكوتيا (5,600 كيلومتر من كييف) وكذلك تتار القرم، الذين تعرضوا للقمع لفترة طويلة من قبل النظامين السوفيتي والروسي والمعارضين الصريحين لضم شبه الجزيرة[17]. حتى لو كان أولئك الذين تم تعبئتهم من جنود الاحتياط الفعليين، فمن المحتمل أن جزءًا صغيرًا منهم فقط قد تلقّوا تدريبًا منتظمًا في الأعوام التي انقضت منذ تركهم الخدمة الفعلية. سيستغرق الأمر أشهرًا قبل أن تتمكن هذه القوات من زيادة المجهود الحربي لموسكو.
وفي مكالمة فيديو مع مستشارين في 29 أيلول/سبتمبر، اعترف بوتين علنًا بارتكاب “أخطاء”، مثل استدعاء الآباء الذين لديهم أطفال، والأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة، وبعضهم فوق سن الخدمة[18]. اشتكى الجنود المعبؤون، بعضهم في منتصف العمر، من أنهم احتجِزوا في “ظروف قطيع الماشية”، واضطروا إلى شراء طعامهم بأنفسهم، واستلموا أحذية وألبسة غير مناسبة، وأعطُوا أسلحة قديمة سيئة الصيانة[19]. ترك الرئيس الأمر لحكام المناطق والمسؤولين الذين هم دونهم لإصلاح المشاكل، من دون أن يذكر أن سياساته الخاصة قوضت قدرات الحكومات المحلية. وخلال الأسبوع الأول بعد إعلان التعبئة، فرَّ ما لا يقل عن (200) ألف شاب روسي وعائلاتهم إلى البلدان المجاورة، ومنها قيرغيزستان ومنغوليا، وكذلك إلى أماكن أبعد. كان الفارّون ينضمون إلى الملايين من مواطنيهم، وكثير منهم من الشباب والمتعلمين تعليمًا عاليًا، الذين عبروا عن رفضهم لحرب بوتين.
في الأعوام الأخيرة، شاركت قوّات النخبة والشركات العسكرية الخاصة التي توظّفها موسكو في كثير من المعارك الروسية. وأشهر هذه الشركات العسكرية الخاصة هي مجموعة (فاغنر)، وهي جماعة مرتزقة، ربما سميت على اسم الملحن الألماني، أسسها عام 2014 ديمتري أوتكين، وهو مقدم سابق في القوات الخاصة، ويفغيني بريغوجين، وهو أوليغارشي من الدائرة الداخلية لبوتين، وهو مدان إدانات جنائية متعددة من الحقبة السوفيتية. ويزعم أن الوحدة تشرف عليها وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، التي خدم فيها أوتكين. لا تزال كيفية حصول (فاغنر) على رواتبها أمرًا غامضًا، لكن من المحتمل أن تأتي الأموال من موارد الدولة وكذلك من الأوليغارشيين. كان عملاء (فاغنر) في زيهم الخالي من الشارات هم “الرجال الخضر الصغار” الذين ظهروا لأول مرة، خلال استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم، ومنذ ذلك الحين، شاركوا في الصراعات المسلحة في سورية وكذلك في كثير من الدول الأفريقية، من ضمن ذلك ليبيا ومالي وموزامبيق والسودان. وتفيد التقارير بأن أكثر من ألف من مرتزقة (فاغنر) قد انتشروا في منطقة لوهانسك أوبلاست في منطقة دونباس، شرق أوكرانيا، وتكبدوا خسائر فادحة. وأينما ذهبوا، كانت انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب تتبعهم[20].
إخفاقات صناعة الدفاع الحكومية
الدولة الروسية هي المالك الرئيس للصناعات التي تدرّ معظم دخلها (الطاقة، والخدمات المصرفية، والأسلحة، والنقل)، وتشارك بشكل مباشر في إدارتها. ولأنها شركات مملوكة للدولة، تتمتع شركات الدفاع بقروض رخيصة، وديون خفيفة العبء، والتحرر من ضغوط السوق التنافسية. وعلى الرغم من أن الدولة استثمرت بكثافة في صناعة الدفاع وشهدت نجاحًا في بعض المجالات، فإن صانعي الأسلحة الروس فشلوا في تضييق المسافة -وخاصة فجوة الجودة- بين بضاعتهم وبضاعة منتجي الأسلحة الرائدين في العالم.
وابتداءً من عام 2005 تقريبًا، بدأت إصلاحات موسكو الدفاعية وبرامج التسلح الطموحة تطالب بزيادات كبيرة في الإنفاق العسكري. يتفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، على نطاق واسع، على أن الميزانية العسكرية الروسية تضخمت من حوالى 20 مليار دولار أميركي في أواخر تسعينيات القرن العشرين، إلى أكثر من أربعة أضعاف هذا المبلغ في عام 2015، قبل أن تتراجع إلى رقمها الرسمي الحالي البالغ (65,9) مليار دولار (أو 4,1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لعام 2021). ومن حيث القيمة الاسمية، فإن هذا أقل من عشر الإنفاق الدفاعي السنوي للولايات المتحدة، ولكن هناك سبب للاعتقاد بأن هذه الأرقام تُقلل بشكل كبير من الحجم الحقيقي للنفقات العسكرية الروسية. وباستخدام مقاييس توازن القوة الشرائية، قد تصل النفقات العسكرية الفعالة لموسكو إلى (200) مليار دولار سنويًا[21]. في الأعوام الأخيرة، كانت الولايات المتحدة والصين والهند هي الوحيدة التي لديها ميزانيات دفاعية تتجاوز ميزانيات روسيا.
يهدف برنامج التسلح الحكومي الروسي في 2011-2020 إلى بثّ حياة جديدة في صناعة الدفاع، من خلال تكليفها بتصنيع أو تجديد 70 في المئة من أسلحة الجيش[22]. تزعم المصادر الرسمية أن الصناعة حققت ذلك، إذ طوّرت مدفعية جديدة، وأدخلت بعض صواريخ كروز عالية الدقة، وسلّمت عدة مئات من الدبابات الجديدة (من ضمن ذلك T-90M التي تم الترويج بشدة لها)، وحدّثت مئات أخرى بدروع وإلكترونيات محسنة. كان من المقرر أن تعزز ما يقرب من خمسمئة طائرة مقاتلة جديدة، وخاصة طائرات من نوع (Su-27 وMiG-31) المسلحة بصواريخ موجهة بالرادار، القوة الجوية الروسية إلى مستوى جديد، مع مئات المروحيات القتالية الجديدة والطائرات الحربية القديمة المحدّثة التي تضمن هيمنة موسكو على الأجواء[23].
إن برنامج التسليح الحكومي الأحدث، الذي بدأ في عام 2020 ومن المقرّر أن ينتهي في عام 2027، هو أكثر تواضعًا، ويركز على تطوير التنقل والخدمات اللوجستية وتحسين وتوحيد أنظمة الأسلحة الموجودة. على مدى العقد الماضي، أصبحت روسيا ثاني أكبر مصدّر للأسلحة في العالم، بعد الولايات المتحدة. بلغت حصة روسيا من المبيعات في هذا السوق من عام 2017 حتى عام 2021 (19) في المئة، في حين كانت حصة الولايات المتحدة (39) في المئة[24]. بالنظر إلى الأداء المتواضع للأسلحة الروسية في أوكرانيا وضعفها أمام الأسلحة الغربية (مثل صاروخ جافلين المضاد للدبابات، أميركي الصنع)، فإن البلدان التي كانت تشتري معدات عسكرية من روسيا (أكبر ثلاثة عملاء هم الصين والهند ومصر) قد تفكّر مرتين قبل الشراء من موسكو مرة أخرى.
إن التحديات النظامية والبنيوية التي تكتنف صناعة الدفاع الروسية لن تختفي. مشاكل سلسلة التوريد تؤخر التسليم. هناك نقص في الأموال اللازمة لاستبدال الأدوات الآلية القديمة، ودفع تكاليف البحث والتطوير، في حين أن إهمال مراقبة الجودة أمر شائع. وخلص تحليل أجري حديثًا إلى ما يلي:
إن البيروقراطيات المركزية وغير الفعالة، وضعف حقوق الملكية الفكرية وسيادة القانون، وسوء مناخ الاستثمار، والفساد المستشري، وعدم كفاية التمويل، هي من المشاكل التي تعوق التقدم السريع في المجالات التي تعتمد بشكل خاص على خلق أرضية خصبة للإبداع والتبادل الحر للأفكار[25].
لا يزال صانعو الأسلحة الروس بعيدين عن إنتاج أسلحة يمكنها منافسة الأسلحة الغربية، من حيث التطور التقني والجودة العامة. إن بناء الذخائر الموجهة بدقة على نطاق واسع، وأنظمة الاستهداف، والطائرات من دون طيار بعيدة المدى ذات الضربات الثقيلة، أمرٌ بعيد المنال، بالنسبة للصناعة الروسية. الثمن الذي دفعته المؤسسة الصناعية العسكرية الروسية، نتيجة اندلاع الصراع مع أوكرانيا في عام 2014، هو انقطاع علاقاتها الطويلة الأمد والمفيدة مع منتجي الأسلحة الأوكرانيين. والآن، قطعت العقوبات وصول روسيا إلى البصريات optics والإلكترونيات الغربية، التي تعدّ أساسية للأسلحة الحديثة المتقدّمة. سيكون توسيع المصانع القائمة أمرًا صعبًا، حيث لا توجد الأموال والمتطلبات الأخرى.
الخطط الطموحة التي أعلِنت مع كثير من الضجة والتهديد غالبًا ما كانت تأتي بالقليل من النتائج أو بلا شيء. في عام 2008، وهو العام الأول من الإصلاح العسكري، كان هناك اقتراح لإنشاء قوات متنقلة مستقلة تضم وحدات محمولة جوًا ومشاة بحرية وقوات خاصة، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك. البرنامج الذي تم نشره على نطاق واسع لإنتاج مقاتلة من الجيل الخامس، (Sukhoi Su-57)، يبلغ عمره الآن أكثر من عشرين عامًا، ولم ينتج سوى عدد قليل من النماذج الأولية. إن (Su-57) هي أول طائرة شبح حاولت روسيا صنعها على الإطلاق. ومن المفترض أن تكون قادرة على القتال جو-جو، وجو-أرض، ومن المفترض أن تكون رد روسيا على طائرة (F-35) من إنتاج شركة لوكهيد مارتن الأميركية، التي يتم إنتاج الآلاف منها للولايات المتحدة ولكثير من الحلفاء في جميع أنحاء العالم، من ضمن ذلك تسع دول أو أكثر من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو). إنّ العقبات الفنية، وقرار الهند بسحب تمويلها، وانهيار كانون الأول/ ديسمبر 2019 (أول انهيار معروف علنًا) تجعل مسألة جاهزية (Su-57) للإنتاج على نطاق واسع، في وقت قريب، أمرًا مشكوكًا فيه.
منذ الحقبة السوفييتية، كان قطاع الأمن من بين أكثر قطاعات الاقتصاد اضطرابًا، عندما يتعلق الأمر بالكسب غير المشروع والفساد. في القرن الحادي والعشرين، أصبحت روسيا، على حد تعبير كارين داويشا، “كليبتوقراطية/ لصوصية بوتن”[26]. أعطى مؤشر تصورات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2021 روسيا درجة فساد بلغت (29) نقطة، وهو ما يجعلها -حسب مقياس الصدق المكون من (100) نقطة- أقرب بكثير إلى الدولة الأكثر فسادًا في العالم (جنوب السودان مع 11 نقطة) مقارنة بالأقل فسادًا (الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا، 88 لكل منها). كوزير للدفاع، وضع سيرديوكوف هدفًا رئيسًا له، وهو استئصال أو على الأقل الحد من الرشوة والاحتيال المرتبط في كثير من الأحيان بشراء الأسلحة، فضلًا عن إساءة استخدام الأموال المخصصة لتحسين الظروف المعيشية للقوات. أقال بوتين سيرديوكوف في عام 2012 بسبب صلات الأخير بمسؤول في وزارة الدفاع متهم بالاختلاس. يستمر الفساد على نطاق واسع، وغالبًا ما تختفي مئات الملايين من الدولارات. وقد اعترف المدعي العام العسكري الروسي مؤخرًا بأن نحو خُمس (20 في المئة) ميزانية وزارة الدفاع قد سُرِقت. وقال مسؤولون آخرون إن ما سرِق قد يصل إلى خُمسيهما (40 في المئة)[27]. قلة من الخبراء قد يختلفون مع الادعاء الأخير لوزير الخارجية الروسي السابق، أندريه كوزيريف، بأن الفساد -والخوف من إخبار بوتين عنه- قد ترك روسيا مع “جيش ذي قيمة ومظهر خادعين”[28].
مسلحون مستعدّون للقتال – ومخيبون للآمال
كيف حال القوات الروسية في أوكرانيا؟ من المستحيل معرفة ذلك تمامًا؛ لأن معظم المصادر الغربية صديقة لأوكرانيا، في حين أن وسائل الإعلام الأوكرانية والروسية لديها حوافز للالتفاف على الحقيقة. ومع ذلك، كان الأداء العسكري الروسي أقل بكثير مما توقعه معظم الخبراء. لقد فوجئ الخبراء بأن افتراضاتهم كانت خاطئة. ربما بدا سجل الجيش الروسي الذي يعود إلى عام 2008 مثيرًا للإعجاب ظاهريًا، لكنه تم تجميعه وإعداده ضد خصوم ضعفاء. جورجيا صغيرة جدًا، وجيشها الصغير كان سيئ التنظيم للانطلاق. في شبه جزيرة القرم، واجهت قوات موسكو مقاومة ضئيلة. في سورية، قيل الكثير عن القدرات المتجددة للقوة الجوية الروسية، لكنها كانت في مواجهة المتمردين الذين كانت قدراتهم الدفاعية الجوية متواضعة في أحسن الأحوال. كما أرسلت روسيا إلى هذه العمليات الأقل حجمًا في الغالب قوات النخبة والقوات الخاصة، وليس الجنود العاديين. باختصار: لم يختبر الجيش الروسي شيئًا مثل البيئة القتالية الصعبة التي واجهها في أوكرانيا.
حتى كتابة هذه السطور، مضى على الحرب في أوكرانيا عامٌ تقريبًا. لقد أضعف مسار القتال موقف الخبراء الذين زعموا أن روسيا بعد عام 2008 قد شقّت طريقها إلى المرتبة الأولى من القوى العسكرية في العالم. حتى الآن، فشلت القوات الروسية من أعلى إلى أسفل، في معظم الاختبارات التي واجهتها في أوكرانيا. نادرًا ما يحسن المخططون العسكريون صنعًا بالاستهانة بالخصم. بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، توقّع بوتين أن الاستيلاء على كييف ممكنٌ في غضون أسبوعين. في عام 2022، بعد ذلك، قلّص بوتين هذه الفترة إلى يومَين[29].
قللت القيادة العليا الروسية عدد الجنود الذين ستحتاج إليهم لمهاجمة أوكرانيا، وبالغت في تقدير عدد السكان المحليين الذين سيرحّبون بهم. إن غزو مدينة مثل كييف، التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة موزعين على 839 كيلومترًا مربعًا يقسمها نهر كبير وروافده، كان سيتطلب عددًا هائلًا من المتعاونين. وبمجرد انهيار خطة توجيه ضربة جوية سريعة في وسط العاصمة الأوكرانية وسط معارك بالأسلحة النارية مع القوات الأوكرانية سريعة الاستجابة في مطار أنتونوف شمال غرب المدينة يومي 24 و25 شباط/ فبراير شباط؛ انهارت الحملة الروسية.
وتشير الخطط العملياتية المعدّة بشكل سيّء، والخدمات اللوجستية المتهورة، والافتقار إلى التنسيق بين الأسلحة المشتركة، إلى أوجه قصور عميقة في القيادة العليا لروسيا. تعامل الغزاة مع دباباتهم بشكل سيئ، في محاولةٍ لدفعها إلى الأمام من دون دعم لوجستي مناسب أو مرافقة مشاة لإبعاد الطائرات من دون طيار الأوكرانية وفرق الكمائن. في السماء، “كان أداء الطيارين الروس المفرطين في الحذر أقلّ من قدرتهم وإمكانياتهم”، وفشلوا في ترجمة قوتهم الجوية المتفوقة إلى مكاسب على الأرض. كافحت القوات الروسية لاستخدام أنظمة الاتصالات الخاصة بها وفشلت في تعطيل وصول أعدائها إلى إشارات الأقمار الصناعية. تشير قصص الجنود الأوكرانيين الذين يستخدمون الهواتف الذكية في القتال، للاتصال بمدربيهم في المملكة المتحدة للحصول على المشورة، مثل قدرة أولئك الذين يدافعون عن أعمال الصلب آزوف ستال في ماريوبول، على البقاء على اتصال إلكتروني مع المخابرات الأوكرانية طوال الحصار الذي استمر خمسة أسابيع في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو، إلى عدم الكفاءة الروسية. على سبيل المثال، ثبت أنّ إهمال القوات الروسية للمهام الصغيرة الأساسية، مثل نفخ إطارات الشاحنات بشكل صحيح، كان مكلفًا للمجهود الحربي الروسي.
ومع استمرار الحرب، فمن غير المرجّح أن يكون الضباط والجنود الروس الجدد الذين أرسِلوا إلى أوكرانيا أفضل استعدادًا وتجهيزًا، أو أن يكون أداؤهم أفضل، من أولئك الذين يحلّون محلهم. يمكن للتهديدات النووية أن تأتي بنتائج عكسية بسهولة: إذا كانت روسيا “ستذهب للنووي”، فقد تخسر حلفاءها المتبقين، وتخطئ في قياس اتجاه الرياح وتنجرف عائدة مرة أخرى إلى الأراضي الروسية، أو تجد نفسها في حالة حرب مباشرة مع تحالف شمال الأطلسي (ناتو) القادر (حتى من دون أسلحة نووية) على إلحاق دمار هائل بالأصول العسكرية الروسية. وإضافة إلى ذلك، فإن مخزونات روسيا من الرؤوس الحربية النووية التكتيكية والمتوسطة المدى، مثل كثير من الأسلحة الروسية، هي من بقايا الاتحاد السوفيتي. لقد كانت مركونة في مواقع تخزين متناثرة منذ عقود. وسيتطلب العمل على تشغيل هذه الرؤوس الحربية بذل كثير من الجهد، مع خطر احتمال حدوث خطأ بشري[30]. هناك فرصة جيدة أن تكتشف المخابرات الغربية أيضًا هذه الأسلحة نظرًا لمواقع تخزينها المعروفة، والعدد المحدود من الوحدات القادرة (على الورق) على التعامل مع هذه الرؤوس الحربية وإطلاقها، ومسافات النقل إلى مسرح الصراع التي قد تكون مشمولة. كان الموضوع الأساسي للهجوم على أوكرانيا هو الفجوة الهائلة، بين ما يريد بوتين وقواته القيام به، من ناحية، وما يمكنهم القيام به، من ناحية أخرى. الطموح لا يعني القدرة.
جيش أوكراني متجدد
قبل بضعة أعوام فقط، كان الجيش الأوكراني نفسه يواجه تحديات هائلة. تم إطلاق برنامج إصلاح طموح في عام 2006، لكنه فشل وسط عدم الاستقرار السياسي والفساد وعدم كفاية الموارد التي استهلكها التضخم والأزمة المالية العالمية عام 2008. كان هذا الإصلاح الشامل من أعلى إلى أسفل سيّئًا أيضًا: كانت أوكرانيا تسعى جاهدة لإنشاء قوة احترافية بالكامل، تتمتع بأحدث التقنيات والقيادة والسيطرة المتقدمة في تحدٍ للقيود المؤسسية والتمويلية. هزَّ عدوان موسكو عام 2014 على شبه جزيرة القرم ودونباس السلطاتِ، وأبعدها عن هذا الحلم، إلى الدفع من أجل تغيير سريع في القوات المسلحة الأوكرانية. في عهد الرئيس بيترو بوروشينكو (2014-2019)، خضع إصلاح الصناعة البحرية والدفاعية للاقتتال الداخلي والاختلاس، لكن إنشاء قيادة قوات خاصة مستقلة تضم أربعة آلاف جندي كان ناجحًا.
أظهرت أحداث عام 2014 أن هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من الجنود للدفاع عن أوكرانيا ضدّ روسيا. ألغِيت المسودة في عام 2013، وأعيدت في عام 2014. وبشكل أكثر ابتكارًا، أصبحت القوات المسلحة الأوكرانية أيضًا جيشًا مجتمعيًا. ناشدت الحكومة التي تعاني ضائقة مالية المجتمعَ المدني، والشتات الأوكراني الكبير في جميع أنحاء العالم، والناس العاديين، للمساعدة في تمويلها والانضمام إلى صفوفها. ظهرت منظمات جديدة “لتجهيز الجيش الأوكراني وتوحيده وحمايته وتحسينه في أقرب وقت ممكن”، ولتوفير المعدات العسكرية التي تشتد الحاجة إليها، حيث شكلت تبرعاتهم (4) في المئة من ميزانية الدفاع الأوكرانية في عام 2015[31]. ومن التغييرات المهمة الأخرى التي خففت جزئيًا من نقص القوى العاملة في القوات المسلحة إنشاء كتائب المتطوعين التي ضمّت بالفعل بحلول عام 2014 أكثر من عشرة آلاف مقاتل. وبينما أثارت بعض المخاوف الانضباطية، فقد أثبتت فعاليتها في الصراع ضد الانفصاليين في شرق أوكرانيا، ومن المرجح أن تلعب دورًا دفاعيًا مهمًا لأعوام مقبلة[32].
وأخيرًا، أرسلت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، وألمانيا أيضًا (بشكل ملحوظ)، مساعدات عسكرية فتاكة تجعل قوات كييف أكثر فعالية بشكل ملموس في ساحة المعركة. وابتداءً من منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قدمت واشنطن حوالى 66 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر بأكثر من أحد عشر مرة من ميزانية الدفاع الأوكرانية لعام 2021 بأكملها [33]. كانت المساعدة عالية، من حيث الكمية والنوعية، لأنها تحتوي على عناصر متطورة مثل قاذفات الصواريخ المتعددة الدقيقة (HIMARS M142) أميركية الصنع، ومدافع هاوتزر (M777) عيار 155 ملم بريطانية وأميركية الصنع، وأنواع مختلفة من الطائرات من دون طيار، وأكثر من ذلك. بين عامي 2015 وشباط/ فبراير 2022، درّب الجنود البريطانيون في الخدمة الفعلية أكثر من (22,000) مجند أوكراني في غرب أوكرانيا، من خلال برنامج يسمى العملية المدارية. وابتداءً من أيلول/ سبتمبر 2022، انضم مدرّبون، من كندا والدنمارك وفنلندا وليتوانيا وهولندا ونيوزيلندا والسويد، إلى جنود المملكة المتحدة، لتقديم تدريب سريع لآلاف الأوكرانيين الآخرين في معسكرات في بريطانيا[34]. تُعلّم البرامج صغار الضباط وضباط الصف والجنود التفكيرَ النقدي واتخاذ قرارات مستقلة في الخطوط الأمامية دون انتظار إذن من القادة الجالسين في مقرات بعيدة.
كان الجيش الأوكراني مختلفًا تمامًا عن جيش بوتين. وقد تمكنت الدولة الأصغر حجمًا من تحويل إصلاحاتها الأخيرة ومساعداتها الغربية الضخمة إلى مزايا قتالية. دفاعًا عن أراضيها، برع المتطوعون الأوكرانيون والجنود المحترفون على حد سواء، في القيادة والشجاعة والحيلة. كان الرئيس فولوديمير زيلينسكي بمثابة وحي: الأوكرانيون محظوظون، لأن لديهم شخصية واضحة التفكير وحازمة تقودهم، وتعرف أن هذه منافسة بين الديمقراطية والاستبداد. لقد جعلت الحرب الأمة الأوكرانية (التي أنكرها القوميون الروس من نوع بوتين لفترة طويلة) أمرًا لا يمكن إنكاره، وأكدت الحقيقة الأكبر، ولكن من غير السهل نسيانها، وهي أن الحرية ليست مجّانية. كما أدت معارضة الغزو إلى تقريب الديمقراطيات الغربية من بعضها البعض، كأعضاء في حلف شمال الأطلسي، الذي يضيف فنلندا والسويد إلى صفوفه. إذا استمر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الوقوف متحدًا خلف أوكرانيا، فسيكون لدى داوود/ طالوت (أوكرانيا) فرص جيدة للغاية، ضد جالوت (روسيا).
——————————————–
*- الآراء الواردة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز ومواقفه من القضايا المطروحة
اسم المقالة الأصلي | Armies and Autocrats: Why Putin’s Military Failed |
الكاتب * | زولتان باراني، Zoltan Barany |
مكان النشر وتاريخه | مجلة الديمقراطية، JOURNAL OF DEMOCRACY، كانون الثاني/ يناير 2023 |
الرابط | https://www.journalofdemocracy.org/articles/armies-and-autocrats-why-putins-military-failed/ |
عدد الكلمات | 6482 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |
*- زولتان باراني: أستاذ كرسي فرانك سي إروين جونيور الحكومي في جامعة تكساس، أوستن، وهو مؤلف كتاب (جيوش الجزيرة العربية: السياسة العسكرية والفعالية في الخليج)، الصادر في 2021. وستنشر جامعة برينستون كتابه (الانهيار الديمقراطي وتراجع الجيش الروسي) الصادر في 2007، بغلاف ورقيّ، عام 2023.
[1] – Ruslan Pukhov, “A Proving Ground of the Future,” Russia in Global Affairs 2 (April–June 2016), https://eng.globalaffairs.ru/articles/a-proving-ground-of-the-future; Fredrik Westerlund, “The Role of the Military in Putin’s Foreign Policy,” Swedish Ministry of Defense, February 2021, 41.
[2] – Valerie Hopkins, “Russia’s Défense Ministry Shakes Up Its Leadership,” New York Times, 24 September 2022.
[3] – See Zoltan Barany, “The Politics of Russia’s Elusive Défense Reform,” Political Science Quarterly 121 (Winter 2007): 597–627; and “Super presidentialism and the Military: The Russian Variant,” Presidential Studies Quarterly 38 (March 2008): 14–38.
[4] – Ruslan Pukhov, “Serdyukov Cleans Up the Arbat,” Moscow Defense Brief 11, issue 1 (2008): 7–9, www.files.ethz.ch/isn/55475/mdb_1_2008.pdf.
[5] – For two notable cases bookending Putin’s rule, see Ian Black, “Igor Sutyagin Is Odd Man Out in Spy Swap Deal,” Guardian, 17 August 2010; andAndrew Roth, “Russian Journalist Ivan Safronov Sentenced to 22 Years in Prison,” Guardian, 5 September 2022.
[6] – Nikita Petrov, “Russian Army’s Weaknesses Exposed During War in Georgia,” RIA Novosti (Moscow), 9 September 2008.
[7] – Charles Dick, “Russian Ground Forces Posture Towards the West,” Chatham House Research Paper, April 2019, 3–4.
[8] – Gil Barndollar, “The Best or Worst of Both Worlds? Russia’s Mixed Military Manpower System,” Post-Soviet Post blog, CSIS, 23 September 2020, www.csis.org/blogs/post-soviet-post/best-or-worst-both-worlds.
[9] – Michael Kofman and Rob Lee, “Not Built for Purpose: The Russia Military’s Ill-Fated Force Design,” War on the Rocks, 2 June 2022, https://warontherocks.com/2022/06/not-built-for-purpose-the-russian-militarys-ill-fated-force-design.
[10] – Yelizaveta Mayetnaya, “Do Russian Military Officers Have a Morale Problem? Some Say Yes,” Radio Free Europe/Radio Liberty Russian Service, 16 December 2021, www.rferl.org/a/russia-military-officers-morale-problem/31612793.html.
[11] – This paragraph draws on Julian E. Barnes et al., “As Russian Losses Mount in Ukraine, Putin Gets More Involved in War Strategy,” New York Times, 23 September 2022.
[12] – Neil MacFarquhar and Cassandra Vinograd, “Russia Names a New Commander for the War in Ukraine,” New York Times, 8 October 2022.
[13] – Dan Sabbagh, “Putin Involved in War ‘At Level of Colonel or Brigadier,’ Say Western Sources,” Guardian, 16 May 2022.
[14] – See Vasily Zatsepin and Vitaly Tsymbal, “Military Economy and Military Reform in Russia,” in Alexander Abramov et al., Russian Economy in 2017: Trends and Outlooks (Moscow: Gaidar Institute, 2018), 515–25.
[15] – Mayetnaya, “Do Russian Military Officers Have a Morale Problem?”
[16] – Jason Gresh, “Professionalism and Politics in the Russian Military,” Kennan Cable, no. 67, April 2021, www.wilsoncenter.org/microsite/5/node/106204.
[17] – Anton Troianovski, “Russia’s Draft Is Drawing Criticism from Far-Flung Regions and Even Pro-War Hawks,” New York Times, 24 September 2022; and Stephen Kalin, “Crimean Tatar Minority Is in Crosshairs of Putin’s Draft,” Wall Street Journal, 4 October 2022.
[18] – “Meeting with Permanent Members of the Security Council,” 29 September 2022, http://en.kremlin.ru/events/president/news/69459.
[19] – Robyn Dixon, “As His Troops Retreat, Russian Defense Chief Comes Under Pressure at Home,” Washington Post, 6 October 2022; and Neil MacFarquhar, “‘Coffins Are Already Coming’: The Toll of Russia’s Chaotic Draft,” New York Times,16 October 2022.
[20] – See Kimberly Marten, “Russia’s Use of Semi-State Security Forces: The Case of the Wagner Group,” Post-Soviet Affairs 35, issue 3 (2019): 181–204.
[21] – Michael Kofman and Richard Connolly, “Why Russian Military Expenditure Is Much Higher than Commonly Understood (As Is China’s),” War on the Rocks, 16 December 2019, https://warontherocks.com/2019/12/why-russian-military-expenditure-is-much-higher-than-commonly-understood-as-is-chinas.
[22] – See Anna Maria Dyner, “Assessment of the Russian Armed Forces’ State Armament Programme in 2011–2020,” Polish Institute of International Affairs, 11 June 2021.
[23] – Anton Lavrov, “Russian Military Reforms from Georgia to Syria,” Center for Strategic and International Studies, November 2018, 15.
[24] – “Trends in International Arms Transfers, 2021,” SIPRI Fact Sheet, March 2022.
[25] – Katarzyna Zysk, “Defense Innovation in the 4thIndustrial Revolution in Russia,” Journal of Strategic Studies 44, issue 4 (2021): 543–71.
[26] – Karen Dawisha, Putin’s Kleptocracy: Who Owns Russia?(New York: Simon and Schuster, 2014); Transparency International, “Corruption Perceptions Index 2021,” www.transparency.org/en/cpi/2021.
[27] – Rick Newman, “Why Russia’s Military Is So Shabby,” Yahoo Finance, 1 April 2022.
[28] – See Kozyrev’s 6 March 2022 comment at https://twitter.com/andreivkozyrev/status/1500611398245634050.
[29] – Denver Nicks, “Putin Boasts of Being Able to Take Kiev in 2 Weeks,” Time, 2 September 2014; and Jake Epstein and Charles R. Davis, “Putin Thought Russia’s Military Could Capture Kyiv in 2 Days, But It Still Hasn’t in 20,” Business Insider, 15 March 2022.
[30] – Pavel K. Baev, “Putin’s Botched Mobilization and Nuclear Non-Option,” Eurasia Daily Monitor, 26 September 2022. See also David E. Sanger and William J. Broad, “Russia’s Small Nuclear Arms: A Risky Option for Putin and Ukraine Alike,” New York Times, 3 October 2022.
[31] – Deborah Sanders, “‘The War We Want; The War That We Get’: Ukraine’s Military Reform and the Conflict in the East,” Journal of Slavic Military Studies 30, issue 1 (2017): 41
[32] – See Ilmari Käihkö, “A Nation-in-the-Making, in Arms: Control of Force, Strategy, and the Ukrainian Volunteer Battalions,” Defence Studies 18, issue 2 (2018): 147–66.
[33] – Patricia Zengerle, “U.S. Republicans Aim at Ukraine Aid but Unlikely to Block it,” Reuters, 21 October 2022; and “Trends in World Military Expenditure, 2021,” SIPRI Fact Sheet, April 2022, 2.
[34] – Cristina Gallardo and Clea Caulcutt, “Ukraine’s Military Recruits Need Training. Only One of Europe’s Giants Is Pulling Its Weight,” Politico, 16 September 2022.