سهيل الغازي/ ترجمة فارس جاسم

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

نُشرت المادة باللغة التركية قبل إعلان نتائج الانتخابات في سورية، وتمت ترجمتها لأنها تستشرف النتائج لما بعد الانتخابات.

أعلن حمودة الصباغ رئيس مجلس الشعب، في 5 نيسان/ أبريل، أن الانتخابات الرئاسية السورية ستجرى في 26 أيار/ مايو، ودعا المرشحين إلى تقديم طلباتهم إلى المحكمة العليا. في أعقاب هذا التصريح، قالت أطراف من المعارضة السورية إنها لن تعترف بالانتخابات الرئاسية، واصفةً إياها بـ “الانتخابات المزيفة”. وأعلنت تركيا وبعض الدول الغربية أنها لن تعترف بنتائج تلك الانتخابات، وأنها لا يمكن أن تكون جزءًا من عملية الانتقال السياسي الذي تنصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2254. وفي 3 أيار/ مايو، أعلن رئيس البرلمان أسماء المرشحين لخوض الانتخابات.

وجوه جديدة وانتخابات جديدة لكن النظام هو نفسه

تُظهر ملامح المرشحَين الحاليين اللذين ينافسان بشار الأسد في الانتخابات أن العملية مجرد مسرحية، وأن ما يسمى بالانتخابات الرئاسية لا تختلف عن الانتخابات السابقة. حيث إن عبد الله عبد الله الذي ينافس الأسد في الانتخابات كان وزيرًا سابقًا للدولة، من حزب الوحدويين الاشتراكيين الذي تحالف مع حزب البعث ضمن الجبهة الوطنية التقدمية، أما المُرشح الآخر محمود مرعي فهو أمين عام الجبهة الديمقراطية السورية المعارضة التي تُعد إحدى منصات معارضة الداخل. كلا المرشحين متشابهان بشكل كبير مع حسن النوري وماهر حجّار اللذين ترشحا كمنافسين للأسد في انتخابات 2014.

بعد سنوات من الإنكار واللامبالاة من قِبل ما يُسمى “معارضة الداخل”، تناول المرشح مرعي في برنامجه الانتخابي موضوع المعتقلين السياسيين، وتُعد هذه المرة الأولى التي يُناقش فيها هذا الموضوع. على الرغم من ذلك، يتّضح أن النظام أعاد تطبيق الخطة ذاتها التي طبّقها في انتخابات 2014، وذلك باختياره لمرشحين لا يشكلون أي خطر عليه في المستقبل، من حيث كسب النفوذ السياسي واستقطاب دعم الرأي العام بعد الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، إن اختيار مرشحين من معارضة الداخل وأحزاب أخرى هو جزء من محاولة إضفاء الشرعية على سورية من جديد، أيضًا يمكن أن يساعد في خلق تصور لانتخابات نزيهة في نظر المجتمع الدولي. بالنسبة لروسيا هذه الانتخابات مماثلة لتلك التي أُجريت في بلدان مثل شرق أوكرانيا وأبخازيا، لأن الهدف من الانتخابات في تلك البلدان كان تضليل المجتمع الدولي، من خلال ترويج أن هذه البلدان ذات سيادة وديمقراطية.

نتائج الانتخابات في الداخل السوري

لن تُحدِث الانتخابات -وهي تُجرى في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة ناجمة عن ارتفاع تكاليف المعيشة والموجة الثالثة لوباء كوفيد 19- تغييرًا كبيرًا في سورية. فقد وصلت الأزمة الاقتصادية إلى مستوى خانق، بسبب الانخفاض المفرط لقيمة الليرة السورية في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام وأزمة الطاقة التي أغضبت المواطنين. غير أن الوضع تحسّن منذ نيسان/ أبريل، وقد يستمر ذلك بعد الانتخابات أيضًا. يبدو أن النظام يحاول أن يُظهر للمواطنين أن هذا التحسّن بداية الحل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يقوم بشار الأسد بإجراء تغييرات على المناصب الوزارية، بغية إقامة حوار مع بعض فئات المعارضة الداخلية ومنحها وزارات ثانوية.

إن المناطق الجنوبية (درعا، قنيطرة، السويداء) هي أكثر استقلالية بدرجة واحدة، قياسًا بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها النظام. وعلى الرغم من توقيع اتفاق بين النظام والمعارضة في درعا والقنيطرة في تموز/ يوليو 2018، ازداد غضب السكان المحليين في هذه المناطق، نتيجة انتهاكات النظام المستمرة فضلًا عن تدهور الوضع الأمني وظهور حالات اغتيال. حيث أعرب بعض الزعماء المحليين في محافظة درعا عن رفضهم للانتخابات الرئاسية، وكاد أن يحول ذلك دون إنشاء مراكز اقتراع. أما في محافظة السويداء، فالتوترات مع الفيلق الخامس في تصاعد مستمر، بسبب عمليات الخطف المتبادلة والاستيلاء على الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية واستمرار حزب الله في تهريب المخدرات إلى الأردن من خلال محافظة السويداء. هذه التوترات تدفع بعض المجموعات المحلية إلى رفض الانتخابات وعرقلة الأنشطة الانتخابية. إن أيّ محاولة لعرقلة الانتخابات في درعا والسويداء، من شأنها أن تعطي النظام ذريعة لشن عمليات عسكرية محدودة لاستعادة السيطرة الكاملة على جنوب سورية.

بخصوص نتائج الانتخابات خارج سورية، فإنّ منح السوريين الذين يعيشون في دول اللجوء إمكانية التصويت في الانتخابات سيُعطي الأحزاب الأوروبية المناهضة للاجئين، التي يرتبط العديد منها بعلاقات وثيقة مع روسيا، فرصةً لفرض خطاب “تطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف به على أنه نقطة عودة آمنة للسوريين”. ونظرًا لما يجري في الدنمارك، نرى أن هذه العملية قد بدأت في بعض الدول.

بالإضافة إلى ذلك، ستستخدم روسيا هذه الانتخابات لاتخاذ المزيد من الخطوات في مجلس الأمن، في إطار خطتها لإعادة إضفاء الشرعية على النظام السوري أمام المجتمع الدولي. أولى هذه الخطوات ستظهر في التصويت أثناء مناقشة مجلس الأمن لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية التي ستنتهي صلاحيتها في 10 تموز/ يوليو. حيث من المتوقع أن تفرض روسيا المزيد من القيود على دخول مساعدات الأمم المتحدة من معبر “باب الهوى” الحدودي في إدلب، وستطالب بفتح المعابر التي تربط إدلب بريف حلب الشمالي. تُعدّ نقاط العبور هذه ذات أهمية اقتصادية كبيرة للنظام، لأنها ستسمح بدخول البضائع التجارية إلى مناطق سيطرة النظام من أجل التصدير، وسيُسهم ذلك في زيادة احتياطي النظام من النقد الأجنبي.

آثار الانتخابات على العلاقات السورية التركية

كان لإعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب انسحاب القوات الأميركية من سورية وبدء تركيا لعملية “نبع السلام”، دور في تسريع المفاوضات بين الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية/ قوات سوريا الديمقراطية التي يديرها حزب PYD والنظام السوري الذي ترعاه روسيا. لكن وصول بايدن إلى البيت الأبيض، واحتمالية تغيير السياسة الأميركية بشأن الانسحاب من سورية على المدى القريب، أعاق المفاوضات والتنسيق بين الجانبين. إن احتمال إعادة استئناف العلاقات بين الحكومة التركية ونظام الأسد لا يزال ضعيفًا حتى بعد الانتخابات، على الرغم من توقعات روسيا بأن يكون هناك تطور في هذا الشأن. تعدّ تركيا قوات PYD/SDG في سورية أكبر تهديد لأمنها القومي، وتدرك أن النظام السوري ليس حليفًا قويًا في هذا الصدد. لأن النظام -كما أظهرت أزمة القمح والنفط بين النظام وPYD- لا يملك أي نفوذ أو سلطة على حزب PYD، يمكّنه من استخدامها للتفاوض مع تركيا. من ناحية أخرى، يدرك النظام أنه لا يستطيع تقديم أي مساعدة أو دعم على الأرض، في سبيل إبعاد SDG عن الحدود التركية، بسبب ضعف قوته العسكرية ودعم الولايات المتحدة لـ SDG، والاشتباكات الأخيرة في حي طيّ في القامشلي تؤكد ذلك. تدرك تركيا أنها ستدخل بعد الانتخابات الرئاسية السورية في عملية تفاوض صعبة حول قضايا عدة، مثل طريق M4 المرتبط بروسيا وإدلب وتسيير دوريات مشتركة وإعادة فتح المعابر التجارية مع مناطق سيطرة النظام. ومع ذلك، إن موقف النظام السوري الضعيف لن يسمح للأسد بأن يكون له رأي في المفاوضات في المستقبل.

آثار الانتخابات على العالم العربي

على الرغم من أن الانتخابات لا تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين الدول الغربية وسورية، فإنها يمكن أن تؤدي إلى تغيير جذري في العلاقات داخل جامعة الدول العربية. وكان وزير الخارجية الروسي قد أدلى بتصريحات بشأن عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، خلال زيارته للمنطقة في آذار/ مارس. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، في أوائل أيار/ مايو، قام رئيس الاستخبارات السعودي بزيارة دمشق، والتقى بنظيره السوري علي مملوك، وهذا يُعدّ أول اتصال دبلوماسي بين البلدين منذ عام 2011. وتزامنت هذه الخطوة مع عودة إيران إلى المفاوضات حول الاتفاق النووي، والمحادثات السعودية الإيرانية تحت رعاية العراق. على الرغم من نفي المملكة العربية السعودية لهذه المحادثات رسميًا، فإنها تبدو منفتحة على إعادة العلاقات مع النظام في مستوى منخفض. حيث ترى المملكة في إعادة العلاقات مع نظام الأسد فرصة للتنافس مع النفوذ الإيراني داخل سورية. انطلاقًا من هذه الغاية، يمكن للمملكة أن تقيم العلاقات بشأن مسائل غير مهمة نسبيًا، مثل الحج وبدء رحلات جوية مباشرة وإعادة فتح القنصليات دون تعيين سفراء والحفاظ على العلاقات الدبلوماسية عند أدنى حد. ومع ذلك تدرك المملكة العربية السعودية أن النظام لن يتخلّى عن إيران، لذلك تحافظ على المستوى الضعيف في محاولاتها لامتلاك النفوذ على الأرض. ولا تزال الأزمة اللبنانية مهمة بالنسبة إلى المملكة، ويمكن أن تسهم إعادة العلاقات مع النظام في التوصل إلى حلّ في لبنان. لكن المملكة تعلم بأنها لا تملك بطاقة ضغط يمكن استخدامها ضد الأسد لإجباره على التوصل إلى حل في لبنان. أما في ما يتعلق بالدعم المالي، فمن المرجح أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد تقديم أي دعم مالي مباشر للنظام. من جهة أخرى، لا يزال السماح للشركات السعودية بالمشاركة في الاقتصاد السوري ورقة رابحة قوية في يد المملكة، وقد أُكد ذلك من خلال الأنباء التي تفيد بأن رجال الأعمال السعوديين يستثمرون في سورية.

ويعتبر النظام أن إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في المحاولات الروسية لإعادة إضفاء الشرعية على النظام. إن عودة سورية إلى طاولة المفاوضات الإقليمية حول لبنان تُظهر أن إيران وروسيا ليستا وحدهما، إذ إن النظام لا يزال يملك أوراقًا مهمة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك سيستفيد الاقتصاد السوري الذي يعتمد على صادرات المنتجات الغذائية إلى دول الخليج؛ حيث إن صادراتها في الوقت الحالي مرهونة بقرارات الأردن بشأن معبر نصيب الحدودي، وبالتالي فإن أي اتفاق مع المملكة العربية السعودية يمكن أن يحل هذه المشكلة ويزيد من استمرارية الصادرات وحجمها.

إن إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسورية قد تدفع دولًا أخرى إلى تطبيع العلاقات مع النظام. وكانت العلاقات بين سورية والدول العربية قد مرّت بالعديد من المراحل منذ 2011، مثل محاولات حل النزاع والدعم الكامل للمعارضة والانسحاب التدريجي من الصراع. في أواخر 2018، أعلنت الإمارات العربية والبحرين إعادة فتح سفارتيهما في دمشق وتعيين سفراء لهم، ويُعدّ تعيين سفير للدولة علامة على الاعتراف الكامل بالنظام. وقد بدأت المبادرة الدبلوماسية التي قامت بها الإمارات العربية المتحدة بهدف إعادة العلاقات مع النظام، بإعادة فتح السفارة، واستمرت بمكالمة هاتفية بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وبشار الأسد، في آذار/مارس 2020. وقال زايد إنه ناقش مع بشار الأسد التطورات بشأن وباء كوفيد-19، وأكّد دعم الإمارات للشعب السوري. وهناك أيضًا دول عربية أخرى اتّبعت خطوات التطبيع مع النظام. على سبيل المثال قام وزير الخارجية السوري فيصل مقداد بزيارة إلى سلطنة عمان، في آذار/ مارس الماضي، كما قام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بزيارة سورية في كانون الأول/ ديسمبر 2018. إن كل خطوة ستتخذها المملكة العربية السعودية نحو التطبيع مع النظام ستدفع الدول التي تعدّ النظام حليفًا لها ضد تركيا، وخاصة مصر، إلى زيادة تطبيع علاقاتها مع سورية.

أما بالنسبة إلى جامعة الدول العربية، فينبغي الحصول على غالبية الأصوات لإعادة عضوية سورية التي ما زالت معلّقة منذ 2012. في الوقت الحالي، يبدو أن قطَر هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تعترض على ذلك. لكن حتى الآن لم تُتخذ أي خطوة مؤسسية يمكن أن تسهم في إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية. حيث أكّد الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه لم يتم إجراء أي تغيير للسماح بعودة سورية للجامعة العربية. ومع ذلك، إن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ستؤدي إلى مكاسب اقتصادية، يمكن جنيها من الاستثمارات المشتركة للمؤسسات التابعة للجامعة ومن المشاريع التنموية الجديدة التي سيتم إطلاقها، فضلًا عن مشاركة النظام في عملية صياغة القرارات في القضايا العربية.

العنوان الأصليSuriye’de Cumhurbaşkanlığı Seçimleri ve Bu Seçimlerin Olası Sonuçları
الكاتبسهيل الغازي
الرابطhttps://bit.ly/34rwvij
تاريخ النشر والمصدر25/05/2021 – مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)
عدد الكلمات1630
الترجمةقسم الترجمة – فارس جاسم