(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
منذ عام 2011، يمرّ نشاط جماعة “الإخوان المسلمون” في سورية بتحوّل على المستويين السياسي والعسكري. تستكشف هذه الورقة عناصر هذا التحوّل، وتوضح آلية توسّع هيكل الفرص السياسية لجماعة الإخوان في سورية، وتطوّر هيكلها التنظيمي الداخلي من ناحية، وتطوره ضمن البنية الأوسع للمعارضة السورية، من ناحية أخرى، وتعرض مقاربة التأطير التي اعتمدتها جماعة الإخوان في سورية لتعبئة الناس والجماعات. ساعدت جهود جماعة “الإخوان المسلمون” في سورية، في سياق إضفاء الطابع المؤسسي على المعارضة في المنفى وتعبئة طيف أوسع من المجتمع السوري يشتمل على الطبقات الوسطى والفقيرة، في توسيع قواعدهم الشعبية. وعلى الجبهة العسكرية، أعاق غياب الخبرة والموارد اللازمة لدى الجماعة تقدّمها في ميدان المعركة. ومع ذلك، واصلت الجماعة التحقق من إستراتيجياتها في المشاركة على أساس تطبيق تحليل الفرص والتهديدات التي ساعدت في توسيع نطاق عملياتها، كحركة سياسية وعسكرية واجتماعية تمهّد الطريق لدور ثابت محتمل للجماعة، في مرحلة ما بعد الصراع.
تقدّم هذه الورقة تحليلًا ثنائي الأبعاد للأنشطة السياسية والعسكرية لجماعة “الإخوان المسلمون” في سورية، وتتفحص إستراتيجيات تطورها بين عامي 2011 و2018.
ركزت الدراسات السابقة التي بحثت في الجماعة على الأحداث بين أعوام 1970-1982، مقدمة تحليلين رئيسين: الأول هو فشل النظام في التعرّف إلى قوة الجماعة المتنامية في السرّ؛ والثاني هو دور المظالم غير المحققة في مذبحة 1982 في تأجيج انتفاضة جديدة خلال الربيع العربي. دراسات قليلة درست الديناميكيات الداخلية لنضال الجماعة ضدّ كل من نظام البعث العلماني، وهيمنة “الإسلام الرسمي”. ومع ذلك، تظل هذه الدراسات نسبية، عند معالجة دور الجماعة ما بعد 2011 ضمن ديناميات المعارضة الداخلية، وتأثيرها في تكوين المعارضة السورية وتطورها.
لمعالجة هذه الأسئلة، تُراجَع المطبوعات ومقاطع الفيديو والخطب المتاحة، للكشف عن التحول في الأجندة السياسية للجماعة، وخاصة ما يتعلق بخطابها قبل وبعد 2011 في سورية. يضع التحليل هذا التغيير في الخطاب ضمن سياق ديناميكيات الصراع الأخير الذي أسهم في تطوير الإستراتيجية السياسية والعسكرية للجماعة، التي تضمنت التعاون مع الدول الإقليمية والقومية والحلفاء من غير الدول. من خلال القيام بذلك، تقدم هذه الورقة رؤى حول العوامل التي أرست الأرضية لدور ثابت محتمل لـلجماعة، في مرحلة ما بعد الصراع.
يجمع التحليل بين هيكل الفرصة [في علم الاجتماع هي العوامل الخارجية التي تحد أو تمكّن الجهات الجماعية (الحركات الاجتماعية) من شرح تطوراتها الاجتماعية] ومقاربة التأطير [التركيز على جوهر القضايا المطروحة بدلًا من التركيز على موضوع معين] ونظريات الحركة الاجتماعية [هي دراسة متعددة التخصصات في العلوم الاجتماعية تسعى عمومًا لتوضيح سبب حدوث التعبئة الاجتماعية، والأشكال التي تظهر فيها، فضلًا عن النتائج الاجتماعية والثقافية والسياسية المحتملة] لفهم الجوانب المتعددة لحركة “الإخوان المسلمون” في سورية.
المكونات الديناميكية الرئيسة لهيكل الفرصة السياسية هي الانفتاح أو الانغلاق النسبي للنظام السياسي الممأسس، واستقرار مجموعة واسعة من تحالفات النخبة أو غيابها التي عادة ما تحرك النظام السياسي، ووجود أو عدم وجود حلفاء النخبة، وقدرة الدولة والميل إلى القمع. وضحت هذه العوامل التي تم تحديدها ذات مرة العامل الكامن وراء توسيع فرصة الإخوان في سورية، وفرصة مجموعات المعارضة الأخرى في الميدان نفسه، وكذلك للجماعات الخصم أو المنافسة بعد 2011.
من ناحية، تتتبع مقاربة التأطير للعمل الجماعي الأطرَ التي اعتمدتها الجماعة في الكلام أو النص، لاستخراج دليل تجريبي على تكتيكاتهم المختلفة لتعبئة الناس والمجتمعات. خلق الخطاب العاطفي المقترن بإعادة تكوين الهوية الدينية الجماعية موجةً من “الظلم المتصوَّر” بين جيل الشباب الذين أُخبروا بقصص قمع النظام للأغلبية السنية، فولّد ذلك حوافز تضامن للعمل الجماعي، بحيث يبدو أنها تسمح بتوسيع وجود الجماعة وشعبيتها.
ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى استخدام الجماعة للعنف على أنه تكتيكي، ويستجيب للفرصة المتولدة من الحاجة إلى قوة مسلحة لحماية المدنيين من القمع العنيف والقتل العشوائي الذي تمارسه الدولة. تشير نظرية الحركة الاجتماعية إلى أن الخلاف العنيف، بدلًا من أن يكون طريقة متبناة للاحتجاج، هو أكثر ارتباطًا بالسياق في حالة غياب الديمقراطية والبيئة القمعية وغياب البدائل الأخرى. على هذا النحو، فإن هيمنة حزب البعث على جميع الأحزاب السياسية في سورية، ومنها جماعة “الإخوان المسلمون”، أثارت قرارًا واعيًا محتملًا من قبل بعض المؤيدين الإسلاميين للعنف، من داخل حركة اللاعنف المؤسسة بشكل عام. وبالمثل، كان الاشتراك العسكري للجماعة في الصراع الحالي -مع الإشارة إلى أنه كان خلال ديناميكيات الحرب الأهلية جزءًا من العسكرة- مجردَ أثر جانبي للعنف الذي تغذيه التدخلات الدولية والإقليمية.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل