ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

صباح يوم 21 آذار/ مارس، ضربت قذائف المدفعية مشفى الأتارب الجراحي، في شمال غرب سورية. وأدى الهجوم على المشفى (الذي تدعمُه الجمعية الطبية السورية الأميركية: سامز)، إلى مقتل ستة مرضى وإصابة سبعة عشر آخرين، منهم أشخاص من الطاقم الطبي. وسبق أن قُدِمت إحداثيات المشفى منذ وقت طويل إلى الأمم المتحدة، وسلّمتها بدورها إلى روسيا، لضمان سلامة المشفى من الهجوم. ويبدو أن القذائف صدرت عن قوات تابعة لعميل موسكو: بشار الأسد. وإذا ما فعلوا ذلك، فإن فعلتهم هذه لن تشكل جريمة حرب -وهذا فعل روتيني عند الأسد والكرملين- بل اختبارًا لإدارة جو بايدن، وهي الجريمة التي لا يجب أن تنال تقويمًا سيئًا، وألا تمرّ مرور الكرام.

سيزعم البعض في الإدارة الأميركية الجديدة أنهم لن يدخلوا امتحانات بخصوص سورية، وأن ما يحدث في الجمهورية العربية السورية المدمّرة -ما لم يتعلق الأمر بعودة دولة العراق والشام الإسلامية: داعش- ذو أهمية هامشية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وسيزعمون أن اختبارات السياسة الخارجية الحقيقية ستُدار في الهند والمحيط الهادئ، ونصف الكرة الغربي، وأوروبا. وسيشعرون بالارتياح الكامل لأقوال وزارة الخارجية في 22 آذار/ مارس، التي ردت فيها على التذمّر بخصوص سورية: “إن المدنيين، ومن ضمنهم الأفراد الطبيون المدنيون والمرافق الطبية، لا ينبغي لهم أبدًا أن يكونوا هدفًا للعمل العسكري. ويجب أن يتوقف هذا العنف. ونكرر دعوتنا إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني”.

والواقع أنه لا توجد إدارة منذ تولي الرئيس فرانكلين روزفلت مقاليد الحكم، لديها كثير من القضايا على طاولتها -محليًا وخارجيًا- أكثر من إدارة الرئيس بايدن. سيكون من المفهوم أن يفضّل الرئيس ومستشاروه الرئيسون إبقاء سورية غير قريبة منهم. هذا أمرٌ مفهوم، ولكنه خطير؛ حيث إن استمرار وجود أسرة الأسد وحاشيته في سورية، المدعومة من إيران وروسيا، يمكنه أن يفرض تحديات على الأمن القومي الأميركي، وأمن الحلفاء والشركاء الذين تأمل الإدارة الجديدة في إعادة بناء العلاقات معهم. إن الرغبة والدعاء في أن تكون عمليات القتل الجماعي للمدنيين في سورية قضية سورية بحتة، وتكون بلا عواقب، لن تفعل لإدارة بايدن أكثر مما فعلته لإدارة باراك أوباما.

إن السياسة الخارجية، بعد كل شيء، تتلخص في حماية الأميركيين في الداخل والخارج. وإذا بقيت عائلة الأسد وحاشيته على الساحة، فإن الثقب الأسود السياسي في سورية سوف يتعمق. وسوف يقهر الناس خوفًا من الجوع والمرض وعنف النظام. وستصبح سورية محطة لإرهابيين إسلاميين من أصول إيرانية وتنظيم القاعدة وداعش. وسيكون ذلك تهديدًا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة وخارجها، بل أسوأ مما كان عليه خلال العقد الماضي. ولن يكون الأميركيون محصنين ضد ما يحدث لسورية. ما يحدث هناك لا يبقَى هناك؛ لم يبقَ من قبلُ، ولن يبقى في المستقبل.

في سورية، إيران هي الرابح الأكبر. إنها تسعى إلى جعل البلد مثل لبنان: بلد بلا دولة، وغير خاضع للحكم حيث يمكن لوكلائها -وعلى الأخص جماعة حزب الله المسلحة- العمل بشكل آمن ودولي، كغاسلي الأموال، ومهربي المخدرات، وكقتلة، وإرهابيين.

المتطرفون الإسلاميون الآخرون هم الفائزون المحتملون. مع انتشار المجاعة والمرض، سيقدمون أنفسهم كبديل للأسد وإيران. يأمل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الشمال الشرقي إعادة تأسيس “الخلافة” من خلال التمرد. ويأمل بجدية أن تنهي الولايات المتحدة وجودها العسكري هناك.

إذا ثبت أن النظام هو من نفّذ الهجوم الأخير على المشفى، فسيكون من المعقول افتراض أن الأسد قد انتظر شهرين ليرى أستسلكُ إدارة بايدن طريق المشاركة الدبلوماسية، على النحو الذي أوصى به مركز كارتر، أم لا. وحين لا يرى أي دليل على الخضوع الاستباقي، قد يتخذ الآن الخطوة المنطقية التالية: استئناف عمليات القتل الجماعي للمدنيين، ليؤكد لنفسه ولحاشيته أن كلام وزارة الخارجية سيكون الحد الأقصى لرد الولايات المتحدة. إذا كان هذا هو ما يحدث، فهل يمكن أن تكون الهجمات الكيمياوية على المدنيين -ومن ضمنها الهجمات بغاز السارين- في غياهب النسيان؟

مثل سابقاتها، لن تتبنى إدارة بايدن سياسة تغيير النظام بالعنف. ولا ينبغي لها، على الرغم من اليقين أن انزلاق سورية إلى الثقب الأسود لفشل الدولة والفوضى -وهي الحالة التي يرحب بها المتطرفون الإسلاميون والإرهابيون من الشيعة والسنّة- لن يتسارع إلا مع عائلة الأسد وحاشيته. الغزو والاحتلال ببساطة يتجاوزان حدود السياسة.

لكن الضربات الجوية العسكرية التي تُلزم الأسد بدفع ثمنٍ، مقابل تهديد السلام الإقليمي والدولي باستهداف المدنيين العزل، يجب أن تكون إلزامية. هذا ما أوصى به واحد وخمسون دبلوماسيًا أميركيًا شجاعًا في عام 2015. ألمْ نتعلمْ أي شيء على الإطلاق من عدم اتباع نصيحتهم؟!

الرئيس بايدن على حق. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل عميله السوري، “قاتل”. يجب إخبار بوتين أن التحقيق في جرائم الحرب الروسية في سورية، الذي أوصت به مجموعة دراسة سورية المكلفة من الكونغرس في عام 2019، سيبدأ. ويجب تحذيره من أن عمليات القتل الجماعي للمدنيين من قبل عميله السوري سيتم الرد عليها عسكريًا، في الأوقات والأماكن التي تختارها أميركا. في الواقع، ينبغي أن تبدأ مشاورات إدارة بايدن مع الكونغرس، بشأن التهديد الذي يشكله الأسد على السلام، بسرعة.

وبغض النظر عما قد ترغب إدارة بايدن في التفكير فيه أو الإقرار به، فقد تكون مستعدة لامتحان أولي يديره الأسد (معلّم الكثير من الدروس القاسية للرؤساء الأميركيين). لن يكون الفشل في الاختبار خاليًا من العواقب. الأسدُ وحلفاؤه، العازمون على هزيمة الولايات المتحدة وتهديد الأمن الأميركي، حريصون على ذلك.

اسم المقال الأصليAssad is testing Biden. The US president must not fail.
الكاتب*فريدريك هوف، Frederic Hof
مكان النشر وتاريخهالمجلس الأطلسي، Atlantic Council، 24 آذار/ مارس 2021
رابط المقالhttp://bit.ly/3clolwz
عدد الكلمات817
ترجمةوحدة الترجمة/ أحمد عيشة

فريديريك هوف: زميل سابق متميز، مدير سابق لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية.