ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
قبل أربعة أعوام، اختار دونالد ترامب (الرئيس المنتخب) ريكس تيلرسون (الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل) وزيرًا للخارجية، بعد مقابلته مرة واحدة فقط. وبسبب معارضة مؤسسة واشنطن الحاكمة، اختار الرئيس الوحيد في التاريخ الأميركي (الذي تولّى منصبه من دون خبرة سابقة في الحكم أو في الجيش) شخصًا ليس لديه خبرة سابقة في الحكم أو في الشؤون العسكرية، ليكون رئيس الدبلوماسية في البلاد. لكن الأمور لم تكن له كما أراد.
يوم الثلاثاء، يعتزم جو بايدن الرئيس المنتخب ترشيح أنتوني بلينكن لمنصب وزير الخارجية، في إحدى الفعاليات. وسيُعين أيضًا جيك سوليفان، مستشارًا للأمن القومي، وليندا توماس غرينفيلد، سفيرة لدى الأمم المتحدة. الثلاثة هم تلاميذ سابقين في إدارة أوباما. وفوق ذلك، هم -من الناحية الأسلوبية والتجريبية- على النقيض من الأشخاص الذين عيّنهم ترامب لتلك الأدوار.
بعد العمل مع الرئيس بيل كلينتون، أصبح بلينكن مدير فريق عمل بايدن، في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عندما كان رئيسها، ثم مستشاره للأمن القومي عندما أصبح نائب الرئيس. بعد ذلك، أصبح بلينكن نائب مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، والشخصية الثانية في وزارة الخارجية، بعد جون كيري.
يستعدّ بلينكن (58 عامًا) للحصول على المنصب الأعلى، على الأقلّ جزئيًا، لأن بايدن لا يملك الجرأة لخوض معركة تأكيدية صعبة لتثبيت سوزان رايس وزيرةً للخارجية. يقول ثلاثة أشخاص مقربون من دائرة بايدن إنه بدا غير مهتم ومستعد لمعركة شاملة مع مجلس الشيوخ، الأمر الذي وقف ضد تعيينها، على الرغم من وجود مخاوف أخرى، من ضمنها أنها فكرت علانية في الترشح ضد السناتور سوزان كولينز (جمهورية، ولاية ماين)، وهي من المعتدلين الذين ربما كانت بحاجة إلى أصواتهم. كما أن بايدن حذّر بشأن تبديد رأس المال السياسي المحدود، ويبدو أنه يخشى أن يعوق الجمهوريون في مجلس الشيوخ رايس، بعد استخدام العملية لإعادة التقاضي في ما يخص مأزق بنغازي [الهجوم الذي وقع عام 2012، وقُتل فيه أربعة أميركيين، وسبب خلافات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس].
في المقابل، تلقى ترامب تحذيرًا من أن تثبيت تيلرسون سيكون صعبًا. قامت إكسون بأعمال واسعة النطاق في روسيا، وحصل تيلرسون على وسام الصداقة الخاص من فلاديمير بوتين عام 2013، لكن ترامب كان يستمتع بالمعارك مع الكونغرس لإثبات هيمنته في العلاقة، وكان على ما يرام للضغط على المشرعين المتمردين. ولم تُزعج جلسة التثبيت المثيرة للجدل الرئيس القادم.
بعد أن حصل تيلرسون على المنصب، لم ينسجم قط مع ترامب. والأسوأ من ذلك أن الرئيس قام، مرارًا وتكرارًا، بتقويض وزير خارجيته الأول. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بينما كان تيلرسون يزور بكين ويحاول إقامة حوار مع كوريا الشمالية، غرّد ترامب بأن تيلرسون كان “يضيع وقته”.
وجدت الحكومات الأجنبية في كثير من الأحيان أنها تستطيع تجاوز وزارة الخارجية، من خلال التواصل مع ترامب مباشرة أو جاريد كوشنر، صهره. إن التصور السائد بين الحلفاء والخصوم على حد سواء أن ترامب كان لا يبالي بتيلرسون بل لم يكن يصغي له. في آذار/ مارس 2018، أقال ترامب تيلرسون بتغريدة على (تويتر)، بينما كان وزير الخارجية في أفريقيا يحاول إزالة الضرر الناجم عن تعليقات الرئيس المهينة حول “الدول القذرة”.
لن يشكَّ أحد في أن بلينكن سيتحدث باسم بايدن، عندما يسافر حول العالم. إذ كان هذا الأمر عنصرًا رئيسًا في نجاح شاغلي الوظيفة السابقين، مثل جيمس بيكر في عهد الرئيس جورج بوش (الأب)، أو كوندي رايس في عهد الرئيس جورج دبليو بوش (الابن). كان بلينكن في كثير من الأحيان إلى جانب بايدن، خلال حملة هذا العام، وساعد في بناء مؤسسته بعد مغادرته البيت الأبيض.
كان سوليفان أيضًا عنصرًا أساسيًا إلى جانب بايدن خلال الحملة، حيث أخذ زمام المبادرة في صياغة خططه “إعادة البناء بشكل أفضل” للتعافي من أزمات الصحة العامة والاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا (كوفيد -19). وكان المواطن من ولاية مينيسوتا (البالغ من العمر 43 عامًا) قد شغل منصب مستشار للأمن القومي لـ بايدن في مكتب نائب الرئيس. وتولى هذا المنصب بعد أن شغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية في عهد هيلاري كلينتون. كان سوليفان (وهو حاصل على منحة رودس للدراسة في جامعة أكسفورد) أحدَ كبار مستشاري السياسة لحملة كلينتون لعام 2016، ودرّس بعد ذلك في جامعة (ييل) ما تعلّمه (كتب غريغ جافي ملفًا شخصيًا ممتازًا لجيك سوليفان قبل ثلاثة أعوام).
وكما أن بلينيكن هو عكس تيلرسون تمامًا، من نواحٍ عديدة، فإن سوليفان مختلفٌ قدر الإمكان عن مستشار الأمن القومي الأول لترامب مايكل فلين، الذي أجبره أوباما على الخروج من وكالة استخبارات الدفاع، وبقي 24 يومًا فقط في البيت الأبيض في عهد ترامب. اعترف فلين لاحقًا بأنه مذنب، لأنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بخصوص محادثاته مع الروس خلال الفترة الانتقالية، لكنه حاول التراجع عن اعترافاته السابقة، وقد ناورت إدارة ترامب لإبقاء فلين بعيدًا عن المأزق.
قبل أربع أعوام، اختار ترامب نيكي هيلي، حاكمة ولاية ساوث كارولينا آنذاك، لتكون سفيرة لدى الأمم المتحدة. تتمتع هيلي بشخصية ملهمة باعتبارها ابنة لمهاجرين من السيخ، لكنها لم تكن تمتلك خبرة في السياسة الخارجية. لقد استخدمت وظيفة الأمم المتحدة لتعزيز ملفها الوطني، واستخدمت الأعوام التي انقضت منذ مغادرتها نيويورك لإرساء الأساس لخوض انتخابات الرئاسة المحتملة في 2024.
بينما قام ترامب بتشويه سمعة الموظفين الحكوميين، كجزء مما يشير إليه بازدراء باسم “الدولة العميقة”، وبتهميش الخبراء بشكل روتيني داخل الحكومة، اختار بايدن موظفًا محترفًا في السلك الدبلوماسي، ليكون ممثلًا للبلاد في الأمم المتحدة. ترقّت ليندا توماس غرينفيلد، لتصبح مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية في ولاية أوباما الثانية، بعد أعوام قليلة من قيامها بمهمة السفير في ليبيريا، في فترة رئاسة جورج دبليو بوش (الابن). وكانت في رواندا إبّان الإبادة الجماعية عام 1994، حيث وجدت نفسها تحت تهديد السلاح، وتمكّنت من إقناع المسلّح بألا يقتلها. تربّت ونشأت في الجنوب المنفصل عنصريًا، والتحقَت بجامعة ولاية لويزيانا، في الوقت الذي كان فيه ديفيد ديوك (الذي سيدير لاحقًا منظمة كو كلوكس كلان) هناك، وقد تحدثت ضمن سلسلة (Ted Talk) مدة 10 دقائق، حول هذه التجارب، العام الماضي.
حتى الآن، كان كلّ ما يفعله بايدن منذ فوزه في الانتخابات متوقعًا، ويمكن التنبؤ به. منذ إعلان فوزه، لم يقل أو يفعل أي شيء مفاجئ للمراقبين السياسيين. وهذه هي الطريقة التي يريدها تمامًا: يسعى بايدن إلى توقع أنه سيُحكم السيطرة على دفّة الدولة، بعد أربع أعوام من التقلب تحت قيادة ترامب، التي تميزت بتحركات محيرة لطاقم الحكم، وعمليات تسريح غير منتظمة، وعملية متشنجة في صنع السياسات.
من الناحية الموضوعية، يأمل بايدن أيضًا التراجع عن أكبر قدر ممكن من سياسة ترامب الخارجية. لقد وعد بالانضمام إلى اتفاقية باريس بخصوص تغيّر المناخ، والتراجع عن خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، والانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتعهّد بتدعيم التحالفات العالمية، بدءًا من حلف شمال الأطلسي، لاتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه روسيا، وإعادة التأكيد على حقوق الإنسان كأولوية عليا في السياسة الخارجية.
بينما وُصف بلينكن بأنه يمتلك وجهة نظر وسطية عن العالم، فقد دعم أيضًا المواقف التدخلية. لقد ابتعد ذات مرة عن بايدن، ودعم العمل العسكري في ليبيا على سبيل المثال. وإبّان إدارة أوباما، دافع عن عمل أميركي في سورية (تقرير آني لينسكي ومات فيزر وجون هدسون). وأشيرَ إلى أن بلينكن شارك في تأسيس شركة إستراتيجية سياسية، مع ميشيل فلورنوي، التي هي مرشحة رئيسة لشغل منصب وزير دفاع في إدارة بايدن، وقد تكون أول امرأة تقود البنتاغون.
تشكلت نظرة بلينكن للعالم بشكل لا يُمحى من قبل زوج والدته، صموئيل بيسار، الذي نجا من أوشفيتز وداخاو [معسكرات اعتقال نازية]، حيث قال بيسار لصحيفة واشنطن بوست عام 2013: “عندما أتفكر اليوم في الغازات السامة في سورية، فإني أتذكر حتمًا الغاز الذي قضى على عائلتي بأكملها”.
في أيار/ مايو، أثناء ظهوره في برنامج “مواجهة مع الأمة Face the Nation”، على قناة CBS، أعرب بلينكن عن أسفه لـ “فشل” إدارة أوباما في سورية، وقال إن ترامب خلق “وضعًا مروعًا” أسوأ من قبل، من خلال قراره بسحب القوات الأميركية من البلاد، حيث قال إنه أهدر المزايا الممكنة. وقال بلينكن: “على الإدارة الأخيرة أن تعترف بأننا فشلنا، ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح. وفشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخليًا في سورية، وبالطبع في الخارج كلاجئين. وهو شيء سيبقى معي طوال حياتي. إنه أمرٌ أشعر به بقوة”.
كان بلينكن مناصرًا رئيسًا في أثناء إدارة أوباما، للسماح لمزيد من اللاجئين بدخول الولايات المتحدة. وعندما غادر وزارة الخارجية عام 2017، كان لدى الحكومة غطاء وسعة لـ (110) آلاف من اللاجئين الجدد الذين سيسمح لهم بالاستقرار هنا كل عام. خفض ترامب هذا العدد إلى (15000). وكمرشح هذا العام، وعد بايدن بزيادة عدد اللاجئين والترحيب بهم.
لقد طرح بلينكن قضية السماح بدخول المزيد من اللاجئين أمام كلّ من يهتم. في عام 2016، ظهر في برنامج الأطفال “شارع سيسيم Sesame Street”، ليتحدث مع غروفر (الدمية الزرقاء) حول هذا الموضوع: “غروفر، هل يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة مغادرة منزلك؟ … مع الأسف، يتعين على اللاجئين ترك كل شيء وراءهم: المجتمعات والمدارس والأصدقاء، حتى الأشياء المفضلة لديهم، وعلى الرغم من أنهم يأتون من أماكن مختلفة، فإنهم مثلي ومثلك تمامًا. … لدينا جميعًا ما نتعلمه ونكسبه من بعضنا البعض”.
اسم المقالة الأصلي | The Daily 202: Picking Blinken for State previews how differently Biden will govern than Trump |
الكاتب | جيمس هوهمان، James Hohmann |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوست، The Washington Post، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 |
رابط المقالة | https://wapo.st/33JIGqX |
عدد الكلمات | 1390 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |