ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
لم تصنع أطراف الشرق الأوسط المشاركة في “اتفاقات أبراهام”: البحرين والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، السلامَ نتيجة التوقيع على تلك الاتفاقات؛ فالإمارات العربية الصغيرة تقيم منذ مدة طويلة علاقات من وراء الكواليس، مع إسرائيل والشركات الإسرائيلية، وقد اعترفت شركة موانئ دبي المملوكة للدولة بأنها تعاملت مع شركات إسرائيلية منذ عام 2006. هذا إضافة إلى أنهم لم يكونوا بالأساس في حالة حرب مع الإسرائيليين.
ولكونهم أعضاء في جامعة الدول العربية، فقد لاحظوا علنًا أن في عودة مصر، وهي عضو في جامعة الدول العربية (بعد طردها سنوات من عام 1979) مع وجود معاهدة سلام لها مع إسرائيل، وكذلك الأردن، تجاوزًا لبعض بنود الحظر الذي تفرضه تلك الجامعة، من حيث وجود علاقات دبلوماسية مع تل أبيب (حيث ستكون سفاراتهم)؛ ووجدوا أن التقيّد بالحظر ليس شاملًا بأي حال من الأحوال أو شرطًا للعضوية.
ليست الاتفاقات في الواقع سوى اتفاق بين ثلاث دول “مدججة بالسلاح” في الشرق الأوسط، تتميز بنسخة من مجتمع التمييز العنصري، مجتمع (جيم كرو).
تحتلّ إسرائيل عسكريًا أراضي فلسطينية، وتتحكم في مصير خمسة ملايين فلسطيني مشردين، وفي حياة فلسطينيين أقلّ حقوقًا في الضفة الغربية وقطاع غزة. إن حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، عازمة على إبقائهم مشردين وبلا دولة إلى الأبد، وكل يوم تتعدى على أراضيهم وممتلكاتهم وحقوقهم الإنسانية.
الإمارات بلد صغير، يبلغ عدد سكانه حوالي مليون مواطن، إضافة إلى ثمانية ملايين عامل زائر من دون حقوق سياسية. تدير إمارة أبو ظبي (وهي الإمارة الأولى التي يتولاها وليّ العهد محمد بن زايد آل نهيان) إماراتها السبعة الغنية بالنفط، وقد طوّر بن زايد طموحات الهيمنة الإقليمية؛ إذ سعّر نيران حرب وحشية ومدمرة في اليمن، حيث أدت حملاته وحملات السعودية وحلفائه الآخرين إلى تهجير ملايين اليمنيين الفقراء، ودفعت معظم البلاد إلى حالة انعدم فيها الأمن الغذائي، وأوصلتها إلى حافة المجاعة. اتهمت الأمم المتحدة الإمارات بارتكاب جرائم حرب في اليمن. ولدى الإمارات العربية المتحدة أيضًا طموحات أوسع في جميع أنحاء مناطق بحر العرب والبحر الأحمر، في إريتريا، وفي مناطق بعيدة مثل ليبيا.
كتبتُ الشهر الماضي، عن تقرير ماتيو لي من وكالة الأسوشييتد برس، إذ تطرّق ترامب إلى بيع طائرات مقاتلة من طراز إف -35 المتطورة إلى الإمارات العربية المتحدة. وقال ترامب: “لديهم المال، ويرغبون في طلب عدد قليل من طائرات إف -35. إنها أعظم طائرة مقاتلة في العالم، كما تعلم، يمكنها التخفي والتخفي تمامًا. … يرغبون في شراء طائرات إف -35، وسنرى ما سيحدث. إنه طلبٌ قيد المراجعة، لكنهم حققوا تقدمًا كبيرًا في السلام في الشرق الأوسط. . . تم بيع طائرة واحدة من طراز F-35، بسعر 100 مليون دولار تقريبًا”. وترجم موقع (بي بي سي) للمراقبة تقريرًا من صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يزعم أن مسؤولًا إماراتيًا رفيعًا قال لمراسلها: إن “الطائرة جزء من الصفقة”. وهذا يعني أن صفقة الأسلحة كانت جزءًا من الاتفاق بين البلدين، وأن الولايات المتحدة ستبيع أبو ظبي طائرات إف -35 لهدف محدد علنًا. وهذا يعني أن الإمارات العربية المتحدة لم تُبرم المعاهدةَ مع إسرائيل لإحلال السلام في الشرق الأوسط، بل لضمان تسليحها حتى المدى الذي تبغيه (حد التخمة).
على الرغم من كل الحديث عن التحالف ضد إيران، فإن أطماع الإمارات هي بهدف التوسع العسكري، غربًا وجنوبًا. وهي تمتلك بالفعل مظلة أمنية أميركية ضد إيران.
بالمناسبة، لم يأت محمد بن زايد للتوقيع، ربما لأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يريد استجوابه، حول دوره المشتبه به في التدخل في الحملة الانتخابية لصالح ترامب في عام 2016، وعن زيارته السريّة لبرج ترامب، في كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام، عندما كان أوباما كان لا يزال رئيسًا.

البحرين أيضًا بلد صغير، بضع جُزر، يبلغ عدد سكانها حوالي 1,5 مليون. ثلثا سكانها تقريبًا من الشيعة. أي إن المملكة السنية في البحرين تحكم الأغلبية الشيعية التي يتم التمييز ضدها بشكل منهجي، وهي محرومة من حقوق الإنسان الأساسية. سحقت الحكومة الحركةَ الديمقراطية لعام 2011 بلا رحمة، وأرسلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحدات عسكرية صغيرة للمساعدة. تم حلّ حزب الوفاق، الأداة الرئيسية للأغلبية السياسية الشيعية، وحُكم على زعيمه بالسجن المؤبد لارتكابه جرائم فكرية.

تعذّبُ البحرين السجناء السياسيين، وقد تدربت على ذلك شرطتها السرية، على يد إيان هندرسون، المسؤول الاستعماري البريطاني سيئ السمعة، والمعروف باسم “جزار البحرين”، الذي اكتسب خبرة كبيرة لقمع حركة ماو ماو في كينيا، ثم أُرسل إلى البحرين، حيث بقي بعد الاستقلال لنقل معرفة الإمبراطورية المتخصصة والرائعة بالتشريح العاطب.
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم، في تقريرها العالمي 2020: “ازداد سجل البحرين الحقوقي سوءًا في 2019، حيث نفذت الحكومة عمليات إعدام، ودانت منتقدين بتهمة التعبير السلمي، وهددت ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
أعدمت الحكومة ثلاثة أشخاص في تموز/ يوليو، بينهم سجينان أدينا في محاكمة جماعية شابتها انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية ومزاعم بالتعذيب. وفي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، أيدت محكمة النقض حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات على المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب، بسبب نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي. ورفضت المحاكم بعد ذلك الالتماسات التي قدّمها محامي رجب للمطالبة بقضاء عقوبة غير مقيدة للحرية. أيدت محكمة النقض الحكم بالسجن المؤبد ضد الشيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق، أكبر جمعية سياسية معارضة في البحرين التي تم حلّها، في 28 كانون الثاني/ يناير، بتهم تجسس مشكوك فيها. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن السلطات البحرينية أسكتت أو نفت أو سجنت أي شخص انتقد الحكومة”. ومما زاد الطين بلة، أن حلفاء البحرين يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويقومون بأعمالهم كالمعتاد، بدلًا من الضغط على البحرين للإفراج عن نبيل رجب وآخرين سُجنوا بسبب انتقاداتهم العلنية”.
عادة، في الشؤون الدبلوماسية، تخشى بعض الدول الاقتراب من إسرائيل، خوفًا من تلوّثها بسياسات التمييز العنصري التي تمارسها تجاه الفلسطينيين، لكن بعد هذه الاتفاقات، من المؤكد أن سمعة إسرائيل هي التي ستتلوث نتيجة التقرّب من هذه الأنظمة القاسية.
اسم المقالة الأصلية | Abraham Accords: The War Pact Among Jim Crow States of the Middle East |
الكاتب | جوان كول، JUAN COLE |
مكان النشر وتاريخه | INFORMED COMMENT، 16 أيلول/ سبتمبر 2020 |
رابط المقالة | https://bit.ly/2RLT8b2 |
عدد الكلمات | 923 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |