على الإدارة الأميركية الجديدة أن تأخذ طهران في الحسبان عند إعداد خططها
ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلن مسؤولون عراقيون أن غارة جوية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، بواسطة شحنة من الأسلحة، قتلت قائدًا في الحرس الثوري الإيراني عند دخوله سورية من العراق. وجاءت هذه الأخبار بعد أيام قليلة من اغتيال ضابط آخر رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني هو محسن فخري زاده الذي تعدّه وكالات الاستخبارات العقلَ المدبّر لبرنامج إيران النووي السرّي السابق، وقد اغتيل بالقرب من طهران. وعلى الرغم من أن إسرائيل التزمت الصمت، فإن جهاز استخباراتها مشتبه به على نطاق واسع في كلتا عمليتي القتل.
سارع المسؤولون الإيرانيون إلى تحميل المسؤولية لإسرائيل في مقتل فخري زاده، وتوعّدوا بالانتقام. لكنهم رفضوا الاعتراف بحدوث هجوم على قوات الحرس الثوري الإيراني، بالقرب من الحدود العراقية السورية، فضلًا عن الهجوم الذي قتل قائدًا كبيرًا. بعد يوم من نقل صور جنازة فخري زاده على التلفزيون الحكومي؛ سخر متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية من التقارير التي تفيد بمقتل جنرال في الحرس الثوري الإيراني في سورية، ووصفها بأنها “دعاية إعلامية”.
لدى إيران سببٌ وجيهٌ لتجنب لفت الانتباه إلى أنشطتها في سورية. لطالما قلل النظام من دورها في ذلك الصراع. في الأيام الأخيرة، ركز المحللون الأميركيون على مسألة الانتقام الإيراني الموعود لمقتل فخري زاده: أيمكن أن تعرقل آمال الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، في إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟ لكن مشاركة طهران مع دمشق لا تزال تشكل خطرًا على الاستقرار الإقليمي؛ حيث تتصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل بخصوص سورية بسرعة، وقد تضطرّ إدارة بايدن إلى التحرك هناك بعد توليه منصبه.
منذ أعوام، اعتادت إسرائيل ضرب المواقع الإيرانية دوريًا في سورية. في الأشهر الأخيرة، استهدفت إسرائيل معدات إيرانية عالية المستوى بضرباتٍ أدت إلى تصعيد التوترات بين إيران والولايات المتحدة. وأفادت وسائل الإعلام الإخبارية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى وزير خارجيته المتشدد، مايك بومبيو، تفويضًا مطلقًا لمعاقبة إيران، طالما أن الهجمات لا “تشعل الحرب العالمية الثالثة”. لم يؤكد البيت الأبيض هذه التقارير، لكن يبدو أنها تغذي قلق الحكومة الإيرانية من أن الولايات المتحدة ستواصل إعطاء الضوء الأخضر للإجراءات الإسرائيلية، أو قد تتصرف بنفسها وتستهدف المعدات والتجهيزات الإيرانية.
أشار بايدن إلى أن مواجهة الوجود الإيراني ونفوذها في سورية ستكون من أولويات إدارته. تسهم طهران في زعزعة الاستقرار الإقليمي، من خلال دعم النظام في دمشق الذي يقمع شعبه بوحشية، وبتمرير الأسلحة والإمدادات إلى حلفائها وشركائها في العراق ولبنان وسورية. حددت إدارة ترامب المشكلة تمامًا، لكنها اتبعت سياسة “الكل أو لا شيء” التي بالغت في تقدير ميزة ونفوذ واشنطن على طهران، وقد أدت هذه المقاربة إلى ترسيخ وتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في سورية. لتحويل الموجة إلى الاتجاه الآخر، سيحتاج فريق سياسة بايدن الخارجية إلى العمل مع شركاء في المنطقة وفي أوروبا، وإدراك أن إيران ستحتفظ بالتأكيد بدرجة من النفوذ في سورية. النفوذ الأميركي في سورية محدود، لكنه يضم القوة الجوية، والوجود في المنطقة الشمالية الشرقية للبلاد، والسيطرة على حقول النفط في تلك المناطق. كما يشمل أيضًا احتمال تخفيف العقوبات، وهو ما تحتاج إليه كل من إيران وسورية بشدة.
إيران وسورية
منذ الثورة الإسلامية عام 1979، كانت علاقات إيران مع جيرانها العرب متوترة، في أحسن الأحوال. إبّان الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988، انحازت جميع الدول العربية في المنطقة إلى جانب صدام حسين، إلا سورية، فقد كانت استثناءً لافتًا للانتباه، إذ إنها دعمت إيرانَ. طوال العقدين التاليين، ظل حافظ الأسد وابنه الذي خلفه بشار الأصدقاء المخلصين الوحيدين للجمهورية الإسلامية في المنطقة.
عندما بدأت الاضطرابات في الظهور في سورية عام 2011، مدّت إيران يدها لنظام الأسد من أجل سحق الاحتجاجات. ما عدّته طهران في البداية نجدةً سريعةً، سرعان ما أصبح تدخلًا عسكريًا شاملاً شمل، في أوجه، أعضاء من الحرس الثوري الإيراني، وكذلك من القوات العسكرية التقليدية. كما قامت إيران بتعبئة حلفائها وشركائها من غير الدول تدريجيًا لدعم الأسد. من المعلومات المتاحة للجمهور، يصعب تقدير العدد الحقيقي للقوات الإيرانية والمدعومة من إيران التي لا تزال تعمل في سورية. غادرت كثير من القوات الإيرانية البلاد، عندما عزز الأسد قبضته، لكن عددًا من القادة والاستخبارات ظلوا لتأمين مصالح إيران والإشراف على العمليات المستمرة.
ترى طهران أن سورية جزء مهم من “محور المقاومة”، وطريق مهم لنقل الأسلحة والإمدادات الأخرى إلى حزب الله اللبناني. قد لا تفضل حكومة ما بعد الأسد النفوذَ الإيراني، وقد تكون أكثر سنيّة من حيث التكوين، ومن ثم تتماشى مع خصوم إيران الإقليميين، مثل المملكة العربية السعودية. مع وجود عدد قليل من الحلفاء في المنطقة، ترى إيران أن وجود حكومة صديقة في سورية أمرٌ حيوي لبقائها وقوتها.
استخدام كل القنوات
على مدى الأعوام الأربعة الماضية، اتبعت إدارة ترامب سياسة غير متماسكة في سورية، أضرت بصدقية الولايات المتحدة، وخدمت مصلحة إيران. صرّحت الولايات المتحدة مرات عدة بانسحابات وتخفيضات، متراجعة عن التزاماتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية، شريكها في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه القرارات وغيرها في سورية كذبت خطاب ترامب المتشدد، وأشارت إلى أن مواجهة إيران هناك لم تكن حقًا أولوية للرئيس.
ستحتاج إدارة بايدن المقبلة إلى الإقرار بأن خياراتها لمواجهة النفوذ الإيراني في سورية محدودة، لكن لا يزال بإمكانها اتخاذ بعض الخطوات الفورية. على سبيل المثال، تواجه “قوات سوريا الديمقراطية” حاليًا أمرًا من واشنطن بالوقف والكفّ بخصوص التحدث إلى النظام السوري. يجب على الإدارة الجديدة إزالة هذا الحاجز والسماح بمشاركة أكبر لقوات سوريا الديمقراطية، مع روسيا كوسيط. إذا كان هناك لاعب إقليمي واحد يعارض بشدة النفوذ الإيراني في سورية، فهو قوات سوريا الديمقراطية؛ حيث إن الميليشيات المدعومة من إيران تضايق قوات سوريا الديمقراطية بلا هوادة على طول نهر الفرات، وتضايق السكانَ في مدينتي دير الزور والقامشلي. يمكن لقوات سوريا الديمقراطية، ولا سيّما إذا تفاوضت مع روسيا، أن تساعد في إخراج الميليشيات المرتبطة بإيران من المناطق التي تعمل الولايات المتحدة وغيرها على تحقيق الاستقرار فيها.
تتمثل السياسة الأميركية الحالية في رفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد الوحشي. لكن كثيرًا من الدول العربية تسعى بالفعل إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية -مع أو من دون مساهمة أميركية أو مشاركتها. في الآونة الأخيرة، أعادت عُمان تعيين سفيرها في دمشق، وفي وقت سابق من هذا العام، أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها. يمكن أن تحاول الولايات المتحدة التأثير في هذه المناقشات، من خلال إشراك دول الخليج، بأن تُرسل إشارةً بأنها ستتسامح مع قنواتهم الخلفية مع النظام السوري.
لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على قناة دبلوماسية مع روسيا، بشأن سورية. مع الاعتراف بنفوذ روسيا المحدود وإرادتها في التعامل مع إيران، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع روسيا، حيث تتوافق المصالح. تسعى كل من موسكو وطهران لإعلان انتصار الأسد والاستفادة منه. ويجب على الولايات المتحدة الاستفادة من الفجوة المتزايدة بين روسيا وإيران. يمكن للولايات المتحدة الضغط على روسيا للمساعدة في إخراج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، من المناطق الواقعة على طول وادي نهر الفرات ومن المناطق القريبة من إسرائيل. في المقابل، يمكن أن تعرض التنازل لموسكو عن مناطق ليست مهمة للولايات المتحدة، ولكن تعدها روسيا مهمة لأهدافها المتمثلة في إعادة سيطرة نظام الأسد على كل سورية، مثل القاعدة الأميركية في التنف.
يجب على الولايات المتحدة أيضًا أن تعمل مع أنقرة وموسكو لإبعاد طهران. أحد الاحتمالات هو إقامة مناقشات ثلاثية، بشأن الخلايا الإرهابية في إدلب، آخر معقل للمعارضة السورية، ويبدو أنها موطن لبعض أعضاء (داعش) والقاعدة، إضافة إلى الجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى. لن تكون المهمة بسيطة؛ حيث إن العلاقات الأميركية التركية في حالة سيئة، وتختلف موسكو وأنقرة بشكل أساسي حول الجماعات التي يجب تصنيفها على أنها إرهابية، وقد أظهر رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي أنه مستعد لإثارة الصراع من أوروبا الشرقية إلى شمال أفريقيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن تعزيز موقف الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، بينما تعمل على استئصال الخلايا الإرهابية وإعادة ترسيخ نفسها كلاعب حاسم في الجهود الدبلوماسية السورية المستقبلية.
يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل عن كثب مع إسرائيل، لضمان أن تتمتع إسرائيل بحرية القضاء على التهديدات بالقرب من حدودها مع سورية، وأن لها مصلحة في أي مفاوضات تتعلق بإيران والجهات التابعة لها. قد تكون الولايات المتحدة قادرة على استخدام المحادثات التي أجرتها بشكل منفصل مع إسرائيل وروسيا، كنقطة انطلاق لمفاوضات ثلاثية، حيث يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل تحميل روسيا مسؤولية الوعود التي تقطعها. قد تكون المناقشات الثلاثية مفيدة أيضًا في تبادل المعلومات الاستخبارية، حول حركات الأسلحة الإيرانية والتهديدات المحتملة لإسرائيل.
سترث إدارة بايدن ملفًا معقدًا حول الشرق الأوسط، لأسباب ليس أقلها التوترات بين إيران وإسرائيل، ومن ضمنها سورية. إن السياسة الأميركية الحالية للتعامل مع دور إيران في سورية تبالغ في تقدير تأثير الولايات المتحدة وقدرتها على دحر نفوذ إيران. يجب أن تقبل الإدارة الأميركية الجديدة بأن إيران لن تغادر سورية بالكامل، في الوقت الحالي، ولن تفقد نفوذها هناك بالكامل. لكن اتباع سياسة أميركية واقعية تدريجية في سورية سيساعد الولايات المتحدة في خفض التوترات وتخفيف خسائرها.
اسم المقالة الأصلي | Iran Is in Syria to Stay |
الكاتب | إليزابيت دينت وآريانا طباطبائي،Elizabeth Dent and Ariane M. Tabatabai |
مكان النشر وتاريخه | شؤون خارجية،FP، 14 كانون الأول/ ديسمبر 2020 |
رابط المقالة | http://fam.ag/3hist1v |
عدد الكلمات | 1378 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |