عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Human Rights and Human Rights Education: Beyond the Conventional Approach |
اسم الكاتب | فؤاد الدراويش: حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة توليدو في فلسفة التربية والتعليم. زميل باحث في مركز اللاعنف والتعليم الديمقراطي في كلية جوديث هيرب للتعليم في جامعة توليدو. |
مصدر المادة الأصلي | In Factis Pax / Volume 7 Number 1 (2013): 38-58 |
رابط المادة | http://www.infactispax.org/volume7dot1/aldara.pdf |
تاريخ النشر | 2013 |
المترجم | أحمد محمد بكر موسى |
المحتويات
المشكلة: مفهوم وحيد للتربية على حقوق الإنسان
نحو نموذج علائقي للتربية على حقوق الإنسان
تراث حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة
نحو مفهوم علائقي للتربية على حقوق الإنسان
ملخص
هذا البحث هو محاولة لتخطي الانقسام المتأصل في جدل عالمية/ نسبية حقوق الإنسان. تدافع هذه الدراسة عن تصور ثالث لحقوق الإنسان، يبنى على محاولة تسوية الانقسام الذي يكوّن السجال بين العالميين والنسبيين الثقافيين. فعلى الرغم من الاعتراف بالحاجة إلى وعي عالمي بحقوق الإنسان، يجب علينا في الوقت نفسه التحاور مع الثقافات لتبني مجموعة قوانين حقوق الإنسان. وينتقد الكاتب المقاربة التقليدية للتربية على حقوق الإنسان لاستعمال تصور وحيد لحقوق الإنسان بوصفه ممثلًا للتصورات الأخرى جميعها. ويرى أن هذا التوجه قد أدى إلى تفاقم المشكلات التي تواجه حقوق الإنسان والتربية عليها. ويشرح ثلاثًا من تلك المشكلات: ثنائية الجحيم والنعيم، نموذج المرور في اتجاه واحد، والنموذج الإلغائي. ثم يتحدث الكاتب عن العلائقية وهي إطار أبستمولوجي لمفهوم المعرفة مقترن بالسياق الاجتماعي. فطبقًا لكارل مانهايم لا يمكن صوغ المعرفة بطريقة إطلاقية، بل تصاغ المعرفة في ما يتعلق بمنظور وضع معين. وتفترض العلائقية وجود مجالات فكرية من غير الممكن فيها تصور حقيقة مطلقة باستقلال عن قيم الذات، ووضعها، ومن غير الممكن أيضًا أن تكون مقطوعة العلاقة بالسياق الاجتماعي، وبهذا المعنى، ينبغي أن تكون معرفة حقوق الإنسان متسقة مع قيم الذات ووضعها.
ثم يتحدث الكاتب عن العلاقة بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لها في الثقافات الأخرى. ويؤكد أن أخذ هذه المعادلات في الحسبان في ما يتعلق بنشر حقوق الإنسان، يوسع مصادر التربية على حقوق الإنسان. ويقسم الكاتب البحث بالطريقة الآتية: أولًا؛ يعرف العلائقية، ويضعها في سياق علم اجتماع معرفة حقوق الإنسان، وتظهر المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان تجليًا للمقاربة العلائقية. ثانيًا؛ يعرف حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان، ويناقش الأسس التاريخية والاجتماعية للمفهومين كليهما. ثالثًا؛ يربط الخطوتين الأوليتين للتربية على حقوق الإنسان بتوضيح عواقب الفشل في ربط معرفة حقوق الإنسان بسياق معين، بسبب الاستخدام المفرط لتصور واحد لحقوق الإنسان بوصفه ممثلًا للجميع. وأخيرًا يشرح كيف تخلق المقاربة العلائقية بيداغوجيا نقدية من أجل التربية على حقوق الإنسان.
شهدت العقود الثلاثة الماضية صراعًا فكريًا بين مدرستين فكريتين على طرفي نقيض في ما يتعلق بحقوق الإنسان؛ المدرسة الفكرية الأولى تتعلق بعالمية حقوق الإنسان، وتُبنى الثانية على النسبية الثقافية. فالعالميون ملتزمون بفكرة مفادها أنه في حين نشأ خطاب حقوق الإنسان في الغرب، فإن مجموعة مشتركة من معايير حقوق الإنسان يمكن، وينبغي، تطبيقها في الثقافات. وبالنسبة إلى النسبيين الثقافيين، لا يوجد مذهب أخلاقي عالمي، ما دام يُنظر إلى الأخلاق بوصفها ظاهرة تاريخية واجتماعية نسبية. ويترتب على المقاربة النسبية، أن حقوق الإنسان صالحة بالنسبة إلى الثقافات التي أسست خطاب الحقوق فحسب. ويؤكد النسبيون أن قيم حقوق الإنسان على خلاف مع المعتقدات التقليدية في الثقافات.
وهذا البحث هو محاولة لتخطي الانقسام المتأصل في جدل العالمي/ النسبي. ومن الضروري الاعتراف بطبيعة الانقسامات في الوجود (عالمي مقابل نسبي، غربي مقابل غير غربي) للتحرك بعيدًا عن هذا الجدل. وهذه الدراسة هي محاولة لترجمة منظور إلى آخر واكتشاف قاسم مشترك للاختلاف في وجهات النظر.
أدافع في هذه الدراسة عن تصور ثالث لحقوق الإنسان يبنى على محاولة تسوية الانقسام الذي يكوّن السجال بين العالميين والنسبيين الثقافيين. وعلى الرغم من الاعتراف بالحاجة إلى وعي عالمي بحقوق الإنسان، يجب علينا في الوقت نفسه الأخذ في الحسبان، التحاور مع الثقافات لتبني مجموعة قوانين حقوق الإنسان، بتمثيل الثقافات المحلية في وضع المفهومات. ولهذه المقاربة إمكان غرس حقوق الإنسان في الثقافات، إذ تفض النزاع الفكري بين مدرستين فكريتين متشددتين بشأن حقوق الإنسان. ويجد الإطار النظري الذي أستعمله في هذه الدراسة جذوره في أعمال النعيم An-Naim([1])، بيل Bell ([2])، تايلور Taylor([3])، وهيلي Healy ([4]). فقد صاغ هؤلاء الفلاسفة المزاعم الرئيسة لحجتي. ومع ذلك، فإنني أتجرأ على توسيع الإطار النظري الذي وضعه هؤلاء الفلاسفة بالإسهاب في أفكار مانهايم Mannheim في علم اجتماع المعرفة، وربط تلك الأفكار بحقوق الإنسان والتربية عليها([5]). وسوف أدلل على أن هذا الربط يعد استراتيجية غير تقليدية لتجاوز الانقسامات، ولتقديم مقاربة جديدة، تستطيع التغلب على بعض المشكلات التي تواجه حقوق الإنسان والتربية عليها. وسأثبت صحة حجتي بأربع خطوات رئيسات. أولًا؛ أعرف العلائقية، وأضعها في سياق علم اجتماع معرفة حقوق الإنسان، وتظهر المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان تجليًا للمقاربة العلائقية. ثانيًا؛ أعرّف حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لها، وأناقش الأسس التاريخية والاجتماعية للمفهومين كليهما. ثالثًا؛ أربط الخطوتين الأوليتين للتربية على حقوق الإنسان بتوضيح عواقب الفشل في ربط معرفة حقوق الإنسان بسياق معين، بسبب الاستخدام المفرط لتصور واحد لحقوق الإنسان بوصفة ممثلًا للجميع. وأخيرًا أشرح كيف يمكن للمقاربة العلائقية خلق بيداغوجيا نقدية من أجل التربية على حقوق الإنسان.
المشكلة: مفهوم وحيد للتربية على حقوق الإنسان
تستند المقاربة التقليدية للتربية على حقوق الإنسان إلى استعمال تصور وحيد لحقوق الإنسان بوصفه ممثلًا للتصورات الأخرى جميعها. وقد أدى هذا التوجه إلى تفاقم المشكلات التي تواجه حقوق الإنسان والتربية عليها.
فقد أظهرت التنشئة على أسس تراثية أنها تنشئة أصولية لا تقوم على حقوق الإنسان وقواعد التربية الحديثة.
ويقول أوكافور Okafor وشيدراك Shedrack إن التربية على حقوق الإنسان قد أنتجت ثلاث نتائج أصولية سلبية: ثنائية الجحيم والنعيم، نموذج المرور في اتجاه واحد، والنموذج الإلغائي، وكل منها يعد تحديًا للتربية على حقوق الإنسان([6]). وبين أوكافور وشيدراك أن خطاب حقوق الإنسان السائد اندرج في تقسيم ثنائي؛ «قسم جحيمي والآخر نعيمي … الذين يستعملون هذه الثنائية يرون العالم قسمين أحدهما يحترم حقوق الإنسان، والآخر ينتهكها»([7]). وهكذا يُعبَر عن أوضاع وحالات المواقع الجغرافية من ناحية النعيم والجحيم. وطبقًا للروايات التي يستخدمها خطاب حقوق الإنسان، فإن المجتمع الغربي يُصوّرُ نعيمًا، في حين إن دول العالم الثالث تصور جحيمًا، إذ تمثل أشد انتهاكات حقوق الإنسان ([8]).
وثنائية النعيم والجحيم هي نتيجة لتأسيس معرفة حقوق الإنسان على تراث البنية الغربية لحقوق الإنسان. ويظن الناس في الحيز النعيمي، أي البلدان الغربية، أن أي مجتمع لا يلبي المتطلبات الناتجة عن معرفة حقوق الإنسان، يصير جحيميًا بصفة تلقائية، ويُعبَّر عن المتطلبات والأحكام حول الحيز الجحيمي في شكل سرد لانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان. وطبقًا لهذا السرد، فإن هذه الانتهاكات تقع في المجتمعات غير الغربية فحسب. وإضافة إلى السرد الشفهي، يوجد أيضًا سرد نصي، يبنى على تصنيف النعيم والجحيم نفسه. ومن المهم ملاحظة أن السرد النصي يكون السرد الشفهي في هذا الخطاب. يقول أوكافور وشيدراك: «غالبًا ما تُصور مجموعة المعاهدات والصكوك الدولية نعيمية ومعصومة، تقدم صورة خاصة للحياة الجيدة بوصفها مسلمة، ولاينبغي أن تكون محل اعتراض، وهي مثل الإنجيل، مجموعة حقائق نهائية»([9]).
وقد أسهمت المعاهدات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في تكوين المفهوم الغربي لحقوق الإنسان. وتضمنت تلك المعاهدات والصكوك صورة لما ينبغي تحقيقه في ما يتعلق بحقوق الإنسان. ونتيجة لذلك فإن المجتمع غير الغربي يفهم الحقوق التزامًا بتحقيق الحياة الجيدة، التي ينبغي ألا تكون موضع معارضة. ويجعل هذا التصور حقوق الإنسان مجموعة من الحقائق النهائية، التي تدعمها البلدان والثقافات جميعها. وقد أُلغيت تمامًا السياقات والمحتويات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان لإعطاء فرصة للنعيمي لكي يهيمن على الجحيمي.
وبطريقة تطبيق التصنيفات الثنائية، وُصفت النصوص الرئيسات التي تعطي معنى تجريبيًا لحقوق الإنسان _المتمثلة في البوذية، الكنفوشيوسية، الطاوية، التقاليد الأفريقية، المسيحية، اليهودية، والإسلام (إلخ)_ بأنها غير قابلة للتطبيق. ونتيجة لذلك يبدو أن متعلمي حقوق الإنسان يقرون أن انتهاكات حقوق الإنسان تحدث في الحيز الجهنمي فحسب. وأقر المركز القومي للتربية على حقوق الإنسان في الولايات المتحدة بوجود هذه الثنائية ونتيجتها: «لا توجد حركة حقوق إنسان عالمية في الولايات المتحدة. فبالنسبة إلى غالبية الأميركيين، تحدث انتهاكات حقوق الإنسان في ما وراء البحار» ([10]).
إن استعمال تصور واحد لحقوق الإنسان، لخدمة التربية على حقوق الإنسان في الثقافات، هو مشارك رئيس في ثنائية النعيم والجحيم. فقد يظن متعلم حقوق الإنسان أن هذا المفهوم قد تجذر في بلد أو ثقافة ما ما دامت هذه الثقافة قد حافظت على حقوق الإنسان واعترفت بها. وهكذا ينظر المتعلم إلى هذه الثقافة أو البلد بوصفه حارسًا لحقوق الإنسان، ما يساعد في ارتباط هذه الثقافة بالحيز النعيمي في خيال المتعلمين. واعترض أكوافور وشيدراك على هذه الثنائية لكونها: «تسهم في انعزال عدد المخاطبين بتجربة التربية على حقوق الإنسان الدولية عن رسالة حقوق الإنسان، ومن ثمّ الانتقاص من محاولة إيجاد قدر من الشرعية([11]) الثقافية الجماعية لمشروع حقوق الإنسان. ففي كثير من الأحيان يحجب عمل هذه الثنائية الرسالة الحقيقية للتربية على حقوق الإنسان الدولية»([12]).
توجد فجوة بين التطبيق العملي والنظرية، وقد أدى هذا إلى عجز التربية على حقوق الإنسان عن غرس أي نتائج تعليمية أكثر من المحتوى المعرفي([13]). ويؤدي التضاد الثنائي دورًا في تفاقم المشكلات التي تواجه التربية على حقوق الإنسان، فهو يساعد في فكرة الإطلاقية، وهي سمة لثنائية النعيم والجحيم. وهذه الثنائية «تحول بين تلاقح تفكير حقوق الإنسان وأفكاره في الغرب/ العالم الثالث»([14]). ولهذا السبب، فإن التربية على حقوق الإنسان، التي من المفترض أن تغرس التفاهم الإنساني العالمي، انحرفت إلى تقسم العالم إلى (الهمجي) و(المتحضر) في سياق استعماري قديم.
في ظل هذه الأوضاع، فإن نموذج التربية على حقوق الإنسان الحالي هو «وضع فلسفي غير ملائم لأي مشروع حقوق إنسان يأمل في كسب شرعية واسعة بين جماهير العالم الثالث المتشككين تاريخيًا»([15]). كيف يمكن للتربية على حقوق الإنسان كسب شرعية ثقافية جماعية، في وقت يُعاد وصف الثقافة التي تطبق بواسطتها حقوق الإنسان بجحيم؟ فبدلًا من ذلك، ينبغي تأسيس الوضع الفلسفي لأي مشروع حقوق إنسان على الكرامة المتساوية للمشاركين والمستقبلين للتربية على حقوق الإنسان جميعهم. وتسهل هذه الخطوة التفاهم والحوار في الثقافات في ما يتعلق بحقوق الإنسان ومعادلاتها.
النتيجة الأصولية الثانية التي نتجت من التطبيقات الحالية للتربية على حقوق الإنسان، هي ما يسميه أوكافور وشيدراك «نموذج المرور في اتجاه واحد». ونموذج المرور في اتجاه واحد هو نتيجة للاعتماد على تراث واحد في ما يتعلق بتصور حقوق الإنسان، التصور الغربي بصفة رئيسة. وتتدفق حركة السير تحديدًا من المصدر النعيمي لرواية حقوق الإنسان، سواء الشفهية أم النصية. وقد استخدمت التربية على حقوق الإنسان هذا النموذج، الذي يتجلى في التصور الغربي لحقوق الإنسان. ومن ثمّ يصبح من المصلحة نقل معرفة حقوق الإنسان من النعيم إلى الجحيم. وتُنقل بإضفاء شرعية على نموذج المرور في اتجاه واحد، المترسخ في صلاحية نص حقوق الإنسان، الذي صمم في الحيز النعيمي. هذا التصميم من المفترض أن يؤدي الأثر نفسه في الأرض الجحيمية. لذلك فإن هذا النموذج يتدفق حصريًا من الاستفادة من تراث واحد في ما يتعلق بتصور حقوق الإنسان. وقد أعمى هذا النموذج متعلمي حقوق الإنسان عن الاعتراف بالانتهاكات في نصف الكرة الأرضية النعيمي.
يسهم تأسيس حقوق الإنسان العالمية على مفهوم عرقي وحيد للحقوق في ترسيخ نموذج المرور في اتجاه واحد. ومشكلة نموذج المرور في اتجاه واحد هي أنه نموذج مفكك، لأنه «لا يوجد نعيم حقوق إنسان معصوم، ولا يوجد جحيم حقوق إنسان عرضة للخطأ حتمًا، وبدلًا من ذلك ينبغي أن يكون هناك مرور في الاتجاهين في مسائل حقوق الإنسان، أي حوارات حقيقية»([16]). وتستطيع المقاربة العلائقية تجاوز المشكلات التي نتجت من استعمال نموذج المرور في اتجاه واحد. وهذه خطوة واقعية أكثر باتجاه إجماع عالمي على حقوق الإنسان. وهذا الإجماع لا يمكن أن يتحقق بالحوار مع النفس وحده «يُبشر فيه بوجهة النظر الغربية بلا نقد من دون الاستفادة من وجهات النظر الأخرى بشأن حقوق الإنسان والتربية عليها»([17]). ولن يتحقق الإجماع إلا بحوار حقيقي يقوم على المساواة والاحترام، بين شعوب القسمين، وهذا الحوار هو نموذج ملائم سوف نتبناه، وهو نموذج شامل ومساعد للتربية على حقوق الإنسان. ويتعجب أوكافور وشيدراك: كيف يمكن لشعب أن يشعر بنوع من الإحساس (بالملكية) لحركة حقوق الإنسان إذا لم يكن لهذا الشعب مشاركة في ما يتعلق بصحة الأسس الفلسفية الرئيسة لمجموعة قوانين حقوق الإنسان، أو في ما يتعلق بأهمية أولويات الحركة بالنسبة إلى تجربتهم المعيشة الخاصة؟([18])
إذا كان لحقوق الإنسان أن تتحقق ويعترف بها عالميًا بالتربية عليها، فمن المهم الأخذ بالحسبان المشاركات المتعلقة بقوانين حقوق الإنسان ومفهومه من خلفيات ثقافية متنوعة. ويمكن للتعددية في ما يتعلق بمشاركات حقوق الإنسان أن تدشن شعورًا بالملكية بين حقوق الإنسان ومعادلاتها والسكان الذين بواسطتهم تُطبَّق الحقوق. وإضافة إلى الملكية، يستطيع الحوار، حول ما تملك كل ثقافة من تصورات، المشاركة في توسيع روح حقوق الإنسان وجسده([19]). وهذه الفكرة تعد سببًا آخر في تدارس التصورات المتنوعة في ما يتعلق بالتربية على حقوق الإنسان.
وتتمثل النتيجة الأصولية الثالثة في النموذج الإلغائي. فنتيجة الاعتماد على تصور وحيد في ما يتعلق بالتربية على حقوق الإنسان، يسعى المربون وبعض العلماء في هذا المجال «لإلغاء الممارسات المحلية التي تتعارض مع أوامر قانون حقوق الإنسان الدولي»([20]). وأعاق إلغاء التقاليد الثقافية التي تتعارض مع مفهوم حقوق الإنسان انتشارها في تلك الثقافات ذاتها. ويرجع ذلك إلى الشكوك التي نشرتها حركة الإلغاء في ذهن السكان في الثقافات المستهدفة. ونتيجة ذلك، فشلت الجهود في اكتساب شرعية ثقافية جماعية في ما يتعلق بالتصور الغربي لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يُنظر إلى الثقافة بوصفها عقبة تعوق التربية على حقوق الإنسان، وتعوق التمتع بها. ومتابعة لهذا المنطق: «خلقت التحركات الإلغائية انطباعًا بأن حقوق المرأة غير موجودة في العرف ولا في الممارسات المحلية، إذًا يكمن الحل في استبدال العرف والممارسات المحلية ببدائل يوفرها التشريع الوطني أو نظام حقوق الإنسان الدولي»([21]). ويُنظر إلى حقوق الإنسان في هذا النموذج بوصفها مناقضة تمامًا للثقافة وللممارسات الثقافية. ومن ثمَّ طبقا لهذا النموذج لابد لحقوق الإنسان أن تكون منزوعة السياق، إذ ينظر العلماء والمربون إلى «التقاليد والثقافة المحلية بطريقة لا تاريخية([22]) ولا سياقية، بل أحادية، ثابتة، متحجرة وبصفة عامة عاجزة عن التحول حتى بوساطة السكان المحليين أنفسهم»([23]). وفي الواقع يحافظ هذا المنطق على الانقسام الذي شرحناه سابقًا. وهو أيضا يهمش الفاعلية البشرية في مختلف الثقافات، وهذا النموذج الإلغائي إثني وحتمي.
وهكذا يجب على الممارسين والعلماء إعادة التفكير في محتوى التربية على حقوق الإنسان في الثقافات لتجاوز تلك الأصولية والمشكلات التي تواجه هذا الفرع المعرفي. وعليه فمن المهم لأي تربية على حقوق الإنسان أن تبدأ بتوصية عقد الشعوب للتربية على حقوق الإنسان الذي يستلزم أن يكون «طموح التربية على حقوق الإنسان هو إشراك الأفراد والمجتمعات بطريقة حوارية، ويستلزم هذا الطموح أكثر من معرفة محتوى وآليات صكوك حقوق الإنسان الدولية، ذلك المحتوى الذي هو محور تعليم حقوق الإنسان التقليدي جدًا»([24]). ولتحقيق هذه الطموحات ينبغي على الممارسين في هذا المجال «فهم الإشارات وتعبئتها، والصور، والأدوات، واللغات المشروعة ثقافيًا التي تجعل رسالة التربية على حقوق الإنسان رنانة أكثر، ومشوقة أكثر، ومقبولة أكثر بين السكان المستهدفين»([25]). ومن ثمَّ تصبح التربية على حقوق الإنسان أكثر واقعية من خلال السعي لإضفاء شرعية ثقافية جماعية تأسيسية في صورة مدخلات وحوار.
ويستطيع إضفاء شرعية ثقافية لحقوق الإنسان توفير بيئة مواتية للتعلم تنمي نشر تعلم ما هو أكثر من المحتوى المعرفي. وقد أعاق الطلاق بين الطريقة الحالية للتربية على حقوق الإنسان والثقافة المستهدفة التطبيق الناجح للتربية على حقوق الإنسان، إذ يناضل كل مجتمع من أجل تجسيد أفضل لمبادئ حقوق الإنسان. ويعتمد تجسيد مبادئ حقوق الإنسان على ثقافة ومجتمع منخرطين في العملية التربوية، لا بوصفهم شريكين وداعمين لهذه العملية فحسب، بل معلمين وموجهين للتربية أيضًا. وهذا يرجع إلى حقيقة أن: «كل فلسفة أخلاقية تقدم صراحة أو ضمنًا تحليلًا جزئيًا على الأقل للعلاقة بين الفاعل وعقله، دوافعه، نواياه، وأعماله، وبذلك تفترض مسبقًا بعض المزاعم التي تتجسد أو على الأقل يمكن أن تتجسد فيها هذه المفهومات في العالم الواقعي»([26]).
لقد فشل جهد برامج التربية على حقوق الإنسان في الاستفادة من مسوغات الفاعل، دوافعه، ونواياه، وافترضت هذه البرامج أن التراث الغربي لحقوق الإنسان هو الذي شكل التربية على حقوق الإنسان. ومن ثمَّ سبب هذا الاتجاه بعض المشاكل في التربية على حقوق الإنسان. تتعلق إحدى هذه المشاكل بتجريدية العملية التربوية، إذ تستمد هذه العملية بيداغوجيتها ومنهجها التعليمي من التراث الغربي للحقوق. ولما كانت التربية على حقوق الإنسان تبنى على بعض المعايير الاجتماعية الثقافية. وتعطي هذه المعايير تمثيلًا لمفهومات حقوق الإنسان. فإن جهود المقاربة العلائقية تتجلى في البحث عن تجسيد لجوهر أخلاق حقوق الإنسان، تجسيدًا يستفيد من دوافع الفاعل ومسوغاته وأعماله.
التربية على حقوق الإنسان الراهنة موجهة إلى نشر معرفة محتوى حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أهمية معرفة المحتوى، إلا أنها حصيلة ممكنة واحدة للعملية التربوية. ويبين تيبيتس Tibbitts أن التربية على حقوق الإنسان ينبغي أن تسعى لغرس «الحصائل الممكنة للمتعلم جميعها: المحتوى، والتفكير النقدي، والقيم، والعمل الاجتماعي»([27]). ولم تؤثر التربية الحالية في حقوق الإنسان في الثقافات بقوة في المتعلمين في ما وراء معرفة المحتوى. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن التصور الغربي للحقوق قد كون مصدر المنهج التعليمي والبيداغوجيا للتربية على حقوق الإنسان. وهكذا انكب المتعلمون والمربون على التربية مستخدمين ما أطلق عليه فريري Freire (النموذج المصرفي)، ذلك النموذج الذي يعدّ المصرف هو الطالب، والعملة هي التراث الغربي، والمعلم هو المصرفي([28]). وهذا النموذج مرفوض لأنه يعامل الطلاب والمتعلمين بوصفهم أوعية تملأ بالمعلومات فحسب. ويُحرم المتعلمون في هذا النموذج من وعيهم النقدي. ويصور هذا النموذج المعرفة موضوعًا جامدًا، بدلًا من كونها عملية مستمرة من السؤال والتأمل.
يتميز خطاب الحقوق الراهن بـ «التربية حول حقوق الإنسان»([29]). والتربية في هذا النموذج هي أداة لنقل المعرفة حول التصور الغربي لحقوق الإنسان، ونشرها. والمربون والعلماء المنخرطين في هذا النموذج معظمهم مهتمون بالحاجة الملحة لنشر معرفة حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن هؤلاء المربين والعلماء مدفوعون باهتمام حقيقي بنشر معرفة حقوق الإنسان عالميًا، إلا أن الجهد لتحقيق هذا الهدف لم يتجاوز الاعتماد على الاتفاقات المتعلقة بالتربية على حقوق الإنسان. ويكوّن هذا الاعتماد توجه التربية على حقوق الإنسان في النموذج الراهن.
نحو نموذج علائقي للتربية على حقوق الإنسان
العلائقية هي إطار أبستمولوجي لمفهوم المعرفة مقترن بالسياق الاجتماعي. فوفقًا لكارل مانهايم لا يمكن صوغ المعرفة صيغة مطلقة ونهائية، بل تصاغ المعرفة في ما يتعلق بمنظور معين. فالعلائقية تعرف بـ: «نظرية حديثة للمعرفة، تؤخذ في الحسبان العلائقي بوصفها متميزة عن الطابع النسبي المجرد للمعرفة التاريخية كلها، ويجب أن تبدأ بافتراض وجود مجالات فكرية من غير الممكن فيها تصور حقيقة مطلقة باستقلال عن قيم ووضع الذات ومن غير الممكن أن تكون مقطوعة العلاقة بالسياق الاجتماعي»([30]) وبهذا المعنى، ينبغي أن تكون معرفة حقوق الإنسان متسقة مع قيم الذات ووضعها. ومع ذلك -وكما حذر مانهايم- ينبغي التمييز بين العلائقية والنسبية الثقافية. ففي حين تنكر النسبية الثقافية صلاحية أي معايير في العالم، تربط العلائقية المعايير بمجتمع، والعكس بالعكس.
تبين المقاربة العلائقية أن عناصر المعنى جميعها في وضع معين تشير إلى بعضها، وتستمد أهميتها من العلاقة البينية المتبادلة في إطار فكري معين. وبعبارة أخرى، ترتبط عناصر المعنى لمعرفة حقوق الإنسان وتترابط في سياق معين ضمن إطار فكري. وهذا يتطلب نظرًا دقيقًا للسياق إلى ما يتعلق بمعرفة حقوق الإنسان، وكذلك النظر إلى الإطار الفكري الذي تُبث بوساطته معرفة الحقوق. فمعرفة حقوق الإنسان علائقية ويمكن صوغها والتربية عليها بوساطة الرجوع إلى وضع المتعلم من حيث البيئة الاجتماعية والثقافية.
إن وضع المفهومات في سياق معين وإعطاء معنى تجريبي لحقوق الإنسان هو شرط مسبق لغرس هذه الحقوق. ومن ثَمَّ فإن تطوير إطار نظري للتربية على حقوق الإنسان، في بحثنا هذا، موجه نحو وضع مفهومات حقوق الإنسان في سياق معين من خلال معنى تجريبي. وتقترح هذه الرؤية فكرة المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان طريقةً لوضع معرفة حقوق الإنسان في سياق معين. والمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان هي مفهومات يمكن مقارنتها بلغة حقوق الإنسان. ويُشار إلى هذه المفهومات في الأدبيات باسم «المعادلات المشابهة لحقوق الإنسان»26([31])، و«المعادلات الوظيفية لحقوق الإنسان»([32])، ومع ذلك، أعتقد أن الإشارة إلى تلك المفهومات بالمعادلات المماثلة يجسد المعنى بدقة أكثر.
والمشكلة التي أسعى لمعالجتها مهمة في مجال حقوق الإنسان، وذلك لأن أحد الأسباب الرئيسات الكامنات وراء انتهاكات حقوق الإنسان ـ كما يقول النعيم ـ هو غياب الشرعية الثقافية والسياقية لمعايير حقوق الإنسان([33]). ومن هنا يقر هذا البحث بأهمية إضفاء شرعية في الثقافات بطريق توفير إطار نظري لإضفاء الشرعية والمأسسة لحقوق الإنسان. وتعد هذه الدراسة مهمة، إذ أكد علماء مثل بولس Pollis وشواب Schwab أهمية إعادة التفكير في تصور حقوق الإنسان مرارًا. وتعرف إعادة التصور لحقوق الإنسان بـ: “محاولة… استخلاص أي عالميات ممكنة من الفلسفات والأيديولوجيات الكثيرة وقيمها المختلفة»([34]). وبناءًا على الحاجة إلى إعادة التفكير في حقوق الإنسان، يتفحص هذا البحث، في الثقافات، القيم المتداخلة في التراث التي تشهد على العالمية العلائقية لمفهومات حقوق الإنسان في الثقافات، ويربط هذه النتائج بحقوق الإنسان والتربية عليها.
ومن الضروري في هذه المقاربة الاعتراف بالتراث كله –في ما يتعلق بوضع مفهومات حقوق الإنسان- بطريقة يمكنها تجاوز الانقسامات المتأصلة في جدل العالمي/ النسبي. ومن ثَمَّ يُبنى هذا الجدل على المقاربة العلائقية لحقوق الإنسان. وتعد هذه المقاربة علائقية لأنها تأخذ في حسبانها أهمية الاعتراف بوضع مفهومات حقوق الإنسان من وجهة نظر النظام الأخلاقي الذي ينبثق منه معنى الحقوق. وتأخذ هذه المقاربة في حسبانها المساواة الحوارية للثقافات المختلفة في التراث، في ما يتعلق بحقوق الإنسان.
تراث حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة
عرف دونللي Donnelly حقوق الإنسان بأنها الحقوق التي يمتلكها الإنسان لكونه إنسانًا([35]). ويعرف دونللي حقوق الإنسان وفقًا لمفهومين: الصواب والاستحقاق. «بالمعنى الأول؛ الصواب، فإننا نقول عن شيء ما صوابًا، وبهذا المعنى نقول إن هذا التصرف صواب. وبالمعنى الثاني، الاستحقاق، نقول إن شخصًا ما يمتلك حقًا»([36]). وبالمعنى الأول يُحكم بالصواب من حيث توافقه مع التقاليد الأخلاقية والسياسية القائمة، والمعنى الثاني هو مطلب، ويتطلب الاعتراف بالاستحقاق. ويعرف مفهوم الحقوق بوصفها استحقاقات بـ «الحقوق هي سندات ملكية تؤسس مطالب ذات قوة خاصة: أن يكون لك الحق في س يعني أن تكون مخولًا بصفة خاصة في امتلاك س والتمتع به. وهكذا يحكم الحق العلاقة بين مالك الحق وحامل الالتزام، أن تمتلك حقًا يعني أن تكون مخولًا للضغط من أجل مطالبات بالحق»([37]). فالحقوق بوصفها استحقاقات تعني مطالب مسوغة للتمتع بمنافع اجتماعية رئيسة من أجل حياة إنسانية كريمة. ونشأت بنية مفهومات حقوق الإنسان من الديمقراطيات الغربية؛ أي الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا ([38])(Bouandel, 1997) ([39])Donnelly، ([40])Healy، شيونج) Hsiung [41](، Pollis & Schwab([42])، Renteln([43]). وأيد دونللي هذه الحقيقة بقوله: «حقوق الإنسان تمثل مجموعة محددة من الممارسات الاجتماعية، ارتبطت بمفهوم خاص للكرامة الإنسانية، ونشأ هذا المفهوم بداية في الغرب الحديث استجابة للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي أنتجتها الدول الحديثة واقتصادات السوق الرأسمالي الحديث»([44]).
ومفهوم حقوق الإنسان بوصفه صوابًا هو مفهوم عالمي، لأنه يوجد في الثقافات معظمها حول العالم، في حين إن مفهوم الحقوق بوصفها استحقاقات هو تصور غربي للحقوق. وهذا التصور هو نتاج سياقات علائقية أخلاقية، ثقافية، اجتماعية، وتاريخية معينة. فحقوق الإنسان بوصفها استحقاقات، أو مطالب تجاه مجتمع، هي بنية غربية تميز الأفراد وتعترف بمطالبهم تجاه الآخرين، أو تجاه المجتمع. لكن حقوق الإنسان بوصفها صوابًا توجد في التراث معظمه في العالم. وهذه هي نقطة الانطلاق التي تفرق بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان.
جسدت الثقافات المختلفة اهتماماتها الأخلاقية، وعبرت عنها في إطار مشابه ـوظيفيًاـ لخطاب حقوق الإنسان. ولقد عرفت ثقافات العالم معظمها صورة ما من صور حقوق الإنسان. ويوضح ذلك فينيسFinnis: «تُظهر المجتمعات البشرية جميعها احترامًا لقيمة الحياة البشرية، ولا يُسمح في أي منها بقتل إنسان لآخر من دون مسوغ واضح، وفي المجتمعات كلها حظر ما لـ (زنا المحارم)، ومعارضة للإباحية المطلقة والاغتصاب، وتأييد لاستقرار العلاقات الجنسية وديمومتها. وتبدي المجتمعات كلها اهتمامًا بالحقيقة، وتأييدًا لقيم التعاون، ولتقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية، وللالتزام بين الأفراد، وللعدالة ضمن المجموعات. وعرفت المجتمعات جميعها الصداقة. وجميعها تملك مفهومًا للملكية والمعاملة بالمثل، وتبدي جميعها اهتماًما بقوى مؤثرة ينبغي احترامها بوصفها فوق بشرية([45]) ([46]).
تثمن الثقافات في العالم الحياة البشرية، وتحترمها، وتنظم العلاقة بين الأفراد في الفئات المجتمعية المختلفة. وأشير هنا إلى صور مفهومات حقوق الإنسان بوصفها صوابًا، في المجتمعات غير الغربية، معادلات مماثلة لحقوق الإنسان، وذلك لأن المماثلات تؤدي وظيفة خطاب حقوق الإنسان الغربي نفسها. فالمماثلات تتعلق بالحقوق بمعنى الصواب الأخلاقي، «ما يكون صوابًا»([47]). وتؤسس هذه المماثلات الأصل المتداخل بين تصور حقوق الإنسان في الثقافات الغربية وتصور حقوق الإنسان في الثقافات غير الغربية.
من المهم ملاحظة أنني عندما أقارن المماثلات في الثقافات غير الغربية بخطاب حقوق الإنسان في الثقافات الغربية مستعملًا مصطلح «معادل»، فإنني لا أقصد تمييز التصور الغربي لحقوق الإنسان، وجعله قالبًا يُقارن به، أو يؤسس عليه خطاب حقوق الإنسان. ولا أقصد أن التصور الغربي مخول لتبوء مركز الخطاب. ومقارنتي بين الثقافات لا تهدف إلى تفضيل أحدها ونبذ الأخرى، ولكن هدف المقارنة هو تسليط الضوء على بعض التشابهات والاختلافات، التي توضح الثقافات كلها، وتعطي كل ثقافة فرصة مساواة حوارية من حيث الجلال والقابلية للنقد.
لا تمثل المعادلات المتماثلة لحقوق الإنسان مجموعة من معادلات الحقوق اللامتغيرة في الثقافات، بل تتغير فيها. وتوجد المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان إما في النظام الأخلاقي، أو في النظام التشريعي. ومثل ما هو واضح في تعريف دونللي، فإن التركيز في تصور الحقوق في الثقافات الغربية يكون على الحقوق بوصفها مطالب من أجل استحقاقات. ومفهوم الاستحقاق يشير إلى الحقوق الشخصية؛ بوصفه مطلب فرد تجاه المجتمع بالاعتراف باستحقاقه حقًا. إن التركيز في هذا السياق يكون على الأفراد الذين هم أصحاب الحقوق. وهكذا، فإن إعطاء حق الفرد هو أولوية المفهوم الغربي. أما بالنسبة إلى المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان، فإن الأولوية تكون للمحافظة على الانسجام الاجتماعي لمجموعة. وسبب التشديد على انسجام المجموعة هو اختلاف ضمان الحقوق بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان.
ويوضح دونللي (1989) الحقوق بوصفها استحقاقات بالآتي: «أ) له الحق في (س) في ما يخص (ب) … فيكون (أ) هو صاحب الحق، (س) موضوع الحق، (ب) هو حامل الالتزام. وهذا يحدد العلاقات التي تنشأ نتيجة لهذا الحق. فيكون (أ) مستحقًا (س) في مواجهة (ب). و(ب) يتحمل التزامات تجاه (أ) بخصوص الحق (س)»([48]).
وتُفهم الحقوق بهذا المعنى طلبًا جازمًا بالاعتراف بحق (أ) في (س) تجاه (ب). وتميز هذه الدينامية ضمان الحقوق في التصور الغربي لحقوق الإنسان. وعند المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان ضمان حقوق مختلف، يتجلى في واجبات الفرد تجاه الأفراد الآخرين وتجاه المجتمع كله. وهكذا فإن أداء واجب ـله طبيعة معينةـ يؤدي إلى إيتاء حق. وعلى الرغم من أنه ليس من الحتم تصور ضمان الحقوق على هذا النحو، إلا أنه من المنطقي القول؛ إذا أدى شخصان مثلًا واجبيهما في ما يتعلق بالحياة الشخصية لكل منهما، عندئذ يؤتَى كل منهما الحق نفسه من دون مطالبات بالاعتراف، لأن تبادلية الالتزام بحق هي إيتاء حق.
ولتوضيح الفكرة أكثر، فإنني أستعمل نموذج دونللي: إذا كان على (أ) واجب نحو (ب) بخصوص (س)، ثم على (ب) واجب نحو (أ) بخصوص (س)، فكل من (أ) و(ب) يكون مستحقًا (س) وفقًا لطبيعة واجباتهم الإلزامية التبادلية تجاه بعضهما وتجاه الأفراد الآخرين في المجتمع. وتميز هذه الدينامية ضمان الحق في المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان. وتطبق المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان من خلال أداء الواجبات التي تعتمد على أخلاق مجموعات معينة.
ويقدم دونللي (1982) أربع طرائق يمكن أن تتلازم فيها الحقوق والواجبات:
1 – حق (أ) على (ب) يتضمن واجب (ب) تجاه (أ).
2 – واجب (ب) تجاه (أ) يتضمن حق (أ) على (ب).
3 – حق (أ) على (ب) يتضمن واجب (أ) تجاه (ب).
4 – واجب (أ) تجاه (ب) يتضمن حق (أ) على (ب)([49]).
وهنا تكون 1 و2 هي مميزات مطالب الحقوق في المفهوم الغربي لحقوق الإنسان الذي يتطلب استحقاقات مع قوة خاصة للتمتع بحقوق معينة. وتكون1، 2، و3 هي مميزات المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان التي تتطلب أداء واجب على حامل الحق والواجب. وهنا ينظر إلى الحقوق والواجبات من بين أمور أخرى بوصفها عناصر رئيسات للاعتراف بالحقوق، مع اختلاف طفيف في ضمان الحقوق.
ويوجد اختلاف بين الثقافات الغربية للحقوق والثقافات المماثلة في التصور. ويمكن عزو الاختلاف بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة إلى حقيقة نشوء كل ثقافة من نظام اجتماعي سياسي مختلف. ويقول شيونج «لا ينفصل معنى حقوق الإنسان في الغرب عن الإرث العدائي الذي ابتكرت هذه الحقوق منه»([50]). ويفسر شيونج الإرث العدائي في الغرب بالإشارة إلى التاريخ الطويل للصراع بين الطبقات. وقد كان الصراع الطبقي مؤثرًا في تشكيل تصور حقوق الإنسان. ووفقًا لشيونج فهذا يفسر المحتوى الفرداني المترسخ في تصور حقوق الإنسان الغربي.
وبمثل ما يقول شوينج، تأثر التصور غير الغربي لحقوق الإنسان بتفاعل الإرث التوافقي، الذي يعطي اهتمامًا للانسجام الاجتماعي أكثر من مفهوم الحرية الفردية. ويجعل هذا الاختلاف في التصور الرغبة في الحرية في الغرب مغايرة لتلك التي في الثقافات الأخرى. ففي الثقافات غير الغربية «لم يوجد إرث من علاقات عدائية تدفع الناس إلى كشف انتهاكات حقوقهم، ولا تجربة عدائية مماثلة تمكنهم من تقدير المفهوم الغربي لحقوق الإنسان»([51]) وهذا لا يعني أنه لا يوجد مجال للحرية أو للحقوق في التراث غير الغربي. على العكس، فالفكرة التي نطرحها هي توضيح الاختلاف في التوجهات والتراث بين تصور حقوق الإنسان في الغرب وتصور المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان في التراث غير الغربي. وستكون مناقشة الاختلافات في تصورات حقوق الإنسان وآثارها على التربية هي موضوع القسم الآتي.
نحو مفهوم علائقي للتربية على حقوق الإنسان
يركز النموذج الحالي للتربية على حقوق الإنسان على «التربية حول حقوق الإنسان»([52])، بينما يركز النموذج العلائقي على «التربية من أجل إعمال حقوق الإنسان ومعادلاتها». ففي حين يركز النموذج العلائقي على نشر معرفة الحقوق باستخدام المعرفة الثقافية، يضع النموذج الحالي الاهتمام على نشر معرفة الحقوق باستخدام التصور الغربي لحقوق الإنسان.
يمكن لتطبيق المقاربة العلائقية المساعدة في تحقيق أهداف التربية على حقوق الإنسان. تُعَلَّمُ حقوق الإنسان في هذه المقاربة ضمن تراث الشخص، وكذلك من خلال التراث العام. فالأبستمولوجيا العلائقية تمنح معرفة حول الحقوق تذهب إلى ما وراء معرفة المحتوى. ويمكن تطبيق المعرفة الناتجة في المجتمعات والثقافات، بطريقة تعزز المواقف والسلوكات اللازمة لاحترام حقوق الأفراد كلهم في العالم. إضافة إلى تجاوز جدل العالمي/ النسبي، يمكن للأبستمولوجيا العلائقية أيضًا القضاء على بعض الرواسب الأصولية، والقضايا اللاتربوية التي سبق وصفها.
يعرف مينتجس Meintjes التمكين بالآتي: «عملية يزيد من خلالها الناس و/أو الجماعات التحكم في حياتهم وإجادة اتخاذ القرارات التي تؤثر فيها»([53]). فإذا زاد تحكم الناس والجماعة في حياتهم ـ كمطلوب قبلي للتمكين ـ حينئذ تستفيد التربية على حقوق الإنسان من المعرفة الموجودة في الجماعة، وتستخدم هذه المعرفة من أجل تمكين الأفراد والجماعات في وقت واحد. وبهذا المعنى تكون التربية هي الرابط بين الثقافة وحقوق الإنسان. ويسهل هذا الرابط العملية التربوية، ويمثل تجسيدًا لمبادئ حقوق الإنسان. وينهل هذا الرابط من عقول الأفراد ودوافعهم ونواياهم وأعمالهم، ويغرس نتائج التعلم الممكنة جميعها. وفي النتيجة تصبح التربية من أجل حقوق الإنسان موجهة في الأصل نحو التمكين. وعلاوة على ذلك، تظهر بيداغوجيا نقدية من خلال تطبيق المقاربة العلائقية للتربية على حقوق الإنسان. وتتميز هذه البيداغوجيا بكونها ذات طبيعة تأملية وجدلية. وسأشرح تلك الخصائص في المناقشة الآتية.
بيداغوجيا تأملية
من المهم في مستهل هذا القسم الإسهاب في الحديث عن معنى كلمة (بيداغوجيا). يوضح دانيلز Daniels أن مصطلح بيداغوجيا ينبغي تفسيره بالإحالة على «صور الممارسة الاجتماعية التي تكون التقدم المعرفي، الفعالي، والأخلاقي للأفراد وتصوغه»([54]). وترتبط البيداغوجيا بالنظرية الاجتماعية الثقافية، في ما يتعلق بالتربية وعلم النفس التربوي. إذ يكون التركيز على التنظير وتوفير الأدوات المنهجية لفحص العمليات التي تؤثر فيها العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية في معرفة الإنسان ووظيفته في داخل مجتمع.
وتشدد النظرية الاجتماعية الثقافية على السياقات الاجتماعية، والثقافية، والتاريخية التي يُربى فيها المتعلمون. فللسياقين الاجتماعي والثقافي تأثير عميق في التفكير والتعلم. ويمكن أيضًا استعمال السياق الاجتماعي الثقافي بوصفه ممارسة تعليمية فاعلة. وتؤكد هذه النظرية أنه خلال التفاعلات الاجتماعية في المجتمع، يواجه المتعلمون طرقًا معينة للتفكير، وتعدّ هذه الطرائق سمة مميزة لأنماط اجتماعية وثقافية معينة للفكر. وفي هذه النظرية تحتاج التفاعلات الاجتماعية إلى وساطة إذا أُريد لها التأثير في النمو المعرفي. وتشير الوساطة إلى _من بين أمور أخرى_ وسائط ثقافية للمعنى، تتضمن «اللغة؛ ونظمًا متنوعة للحساب؛ فنونًا تذكيرية؛ الرموز الجبرية؛ أعمالًا فنية؛ الكتابة؛ المخططات، الرسوم البيانية، الخرائط والرسوم الميكانيكية؛ وأنواع العلامات الاتفاقية جميعها»([55]). وهذه الأدوات والعلامات هي الوسائل التي يجري فيها التوسط بين الذات والموضوع. ومن ثَمَّ، تساعد عملية التوسط على خلق فهم مشترك مع الآخرين في مجتمع معين. وفي هذا السياق، يصبح الوسطاء وسائل توجيه العمليات العقلية، ويجوانب مهمة لثقافة المتعلمين.
ووفقًا لدانيلز، تمد الثقافة المتعلمين بالأدوات النفسية المهمة للنمو المعرفي. وعلى سبيل المثال، في قضيتنا هذه، فالذات هي متعلم حقوق الإنسان، والموضوع هو معرفة حقوق الإنسان، وتشير الأدوات إلى الأبستمولوجيا العلائقية، كما وردت في المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان، ومن ثمَّ فالأدوات هي الوسيط للمعنى والمفهوم وهي جزء من بيداغوجيا التربية على حقوق الإنسان.
يفرق برونر Bruner بين نظريتين في ما يتعلق بالتربية، ولهاتين النظريتين أهمية محورية، نظرًا إلى ارتباطهما بالتربية على حقوق الإنسان وبالمقاربة التي أعرضها([56]). تفترض النظرية الأولى أن العقل يمكن تصوره جهاز ًا حاسوبيًّا، ويسميها برونر نظرية (الحوسبة). وترتبط الحوسبة بالنموذج المصرفي للتربية الذي بينه فريري([57]). ويهمش النموذج المصرفي للتربية والحوسبة فاعلية المتعلم بوصفه كائنًا بشريًّا، نظرًا إلى أن المعلومات تلقن للمتعلم. ويفترض في المتعلم هنا أنه يعالج المعلومات كالحاسب. وتشمل المعالجة مدخلًا ومخرجًا متوقعًا.
وعرف برونر المقاربة النظرية الثانية بـ (الثقافوية). تلك النظرية التي «تفترض أن العقل يتشكل ويدرك بوساطة استعمال ثقافة الإنسان»([58])، وتركز هذه المقاربة على طبيعة العقل، نظرًا إلى ارتباط هذه الطبيعة «بتطوير نمط حياة يتمثل فيه الواقع بوساطة رمزية مشتركة بين أعضاء مجتمع ثقافي، ويتسق في هذا المجتمع ويتأسس نمط حياة تقني اجتماعي من حيث هذه الرمزية»([59]). وتمثل الرموز الثقافية نظامًا مشتركًا للتواصل في المجتمع. ويكون هذا النظام ثقافة محافظًا عليها، تُوسع، وتُصان، وتُنقل إلى الأجيال المقبلة، وتسهم هذه الأجيال في المحافظة على الهوية الثقافية ونمط الحياة واستمراريتهما([60]).
وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان، تتجلى العلاقة بين الحوسبة والثقافة والأبستمولجيا في بناء المعرفة. ولتوضيح أكثر، فإن استعمال التراث بوصفه ممثلًا للثقافات كلها في العملية التربوية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، هو تجسيد للنموذج المصرفي وللحوسبة في آن معًا، نظرًا إلى وضع التركيز الأساس على تغذية المتعلم بمعرفة حقوق إنسان لاسياقية تناقض واقع المتعلم. وتُنقل المعرفة اللاسياقية في (نماذج عالمية) معقدة، يشير إليها الحوسبيون شبه مازحين بـ «نظريات كل شيء»([61])،([62]) وهكذا، تكون الاستفادة من التصور الغربي لمعرفة حقوق الإنسان بوصفها معرفة عالمية بشأن الحقوق مغالطة فلسفية مثلما هي مغالطة تربوية. وفي هذا السيناريو، تهمش معرفة حقوق الإنسان المتعلم، والثقافة، والرمزية الثقافية الذين يُعدون جوهريين في غرس معرفة حقوق الإنسان ونشرها.
وعلى عكس الحوسبة، تشدد الثقافية على الرمزية، التي تستعمل المعنى المقترن بالسياق من سياقات ثقافية ملائمة، لإيصال معنى حول المعلومات، وفي حالنا هذه، معرفة حقوق الإنسان، والسعي لبناء معنى يكاد يكون غير ممكن من دون رمزية، نظرًا إلى عجز أحد عن بناء معنى من دون مساعدة النظام الرمزي للثقافة. فالثقافة توفر الأدوات اللازمة لتنظيم عالمنا وفهمه بطرائق قابلة للنقل، ومن دون هذه الأدوات، سواء أكانت رمزية أم مادية، لا يكون الإنسان قردًا عاريًا فحسب، وإنما فكرة مجردة فارغة.([63])
تغرس التربية على حقوق الإنسان، المدعومة بالرمزية الثقافية، المعتقدات، المهارات، والمشاعر التي تتوافق مع طريقة الثقافة في تفسير العالم الطبيعي والاجتماعي. ويعرض ترويج حقوق الإنسان ـ المرتكز على الأبستمولوجيا العلائقية – التربية على حقوق الإنسان بطريقة تتوافق مع طريقة الثقافة في تفسير العالم. وهذا التقدم مرهون باستعمال الرموز الثقافية التي تسهم في صنع المعنى في سياق علائقي. وفي ما يتعلق بالتربية على حقوق الإنسان، فإن وضع المعنى في سياق معين يساعد الثقافة على التأقلم مع التغيير، والعكس صحيح «فعندما تضيق التربية نطاق استقصائها التفسيري، فإنها تقلل قدرة الثقافة على الـتأقلم مع التغيير»([64]).
تشتمل البيداغوجيا على «رؤية (نظرية، ومجموعة معتقدات) حول المجتمع، والطبيعة البشرية، والمعرفة والإنتاج، في ما يتعلق بالغايات التربوية، مع شروط وقواعد متعلقة بالوسائل العملية والدنيوية لتحقيق هذه الغايات»57. وباعتماد هذا التعريف للبيداغوجيا بالنسبة إلى التربية على حقوق الإنسان فإن البيداغوجيا تعني النظر في كيفية تأثير المؤسسات الاجتماعية، والتاريخية، والثقافية في عملية التعليم والتعلم.
وبالمقاربة/ البيداغوجيا العلائقية/ الوسطية وحدها يمكن إدراك عالمية وتعميمات حقيقية للحقوق. ويؤكد النعيم: «إنها ليست مسألة اختيار بين الوساطة الثقافية والمقاربات الأخرى لعالمية حقوق الإنسان. فلا يوجد بديل لمقاربة الوساطة الثقافية إذا أريد لعالمية حقوق إنسان حقيقية ودائمة التحقق»([65]). ويؤكد الهدف البيداغوجي في هذا السياق أهمية الوساطة الثقافية، والرموز، والمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان، ويوجه هذه العملية نحو تربية حقوق إنسان عالمية، تغرس شعورًا حقيقيًّا بالاهتمام برفاه الإنسانية. وهذه المقاربة «تتطلب احترامًا لواقعية الإطارات المتوسطة للمعنى، وهذه هي الوسيلة الضرورية لفهم صور حياة أخرى، أي، إنتاج أوصاف حياة يمكن إتاحتها لأولئك الذين لم يشاركوا مباشرة في هذه الصور»([66]). وفي هذا السياق، فإن مقاربة الوساطة الثقافية تتطلب الاحترام والاعتراف بالمعادلات المماثلة لحقوق الإنسان بوصفها نقطة انطلاق للتربية حول حقوق الإنسان في بعض الثقافات.
وينبغي تشجيع التربية على حقوق الإنسان لاستنتاج تجربة عالمية مشتركة، استنادًا إلى خصوصية التجارب الثقافية الفريدة كلها. ويعني هذا الاستنتاج الأخذ في الحسبان الأدوات الثقافية، والعلامات، والرموز، والأشكال، واللغة، والقصص الشعبية، والنصوص، وغيرها، أو أي جزء من الثقافة المعنية التي ينبغي أن تكون جزءًا من سرد بديل فرعي لحقوق الإنسان والتربية عليها.
بيداغوجيا جدلية
من المهم جوهريًا في التربية على حقوق الإنسان الكف عن استعمال النموذج المصرفي بوصفه بيداغوجيا للتربية. فمشكلة هذه البيداغوجيا تكمن في عجزها عن تبديل الواقع الاجتماعي المناقض لحقوق الإنسان. ويقول ريردون Reardon: «تشدد الممارسات التربوية الحالية معظمها على نقل المعرفة بدلًا من تطوير القدرات على إنتاجها وتقبلها، لذلك تظل هذه الممارسات آليات لبيداغوجيا وسياسات الوضع الراهن»([67]). فاستعمال طريقة واحدة للتفكير، في ما يتعلق بحقوق الإنسان، لا يغرس معرفة أكثر من محتوى المعرفة. وبذلك فالتركيز في المقاربة المصرفية ينصب على نقل المعرفة. في حين ينبغي أن يركز المسعى الصحيح على تطوير قدرات المتعلمين.
وتستند طبيعة المقاربة الجدلية إلى حقيقة أن التربية من أجل حقوق الإنسان تتكشف من الداخل. فيفكر المتعلم في السياق من خلال التعلم والتجريب النشط للمعنى السياقي لحقوق الإنسان أو معادلاتها. وبهذه الطريقة، تصبح التربية تمكينًا للمتعلمين، بوصفها تتيح «للناس دخول العملية التاريخية كونهم ذوات مسؤولات»([68]). وبوصفهم ذوات مسؤولات، ينخرط المتعلمون في بحث عن توكيد الذات في صورة من صور المشاركة تهدف إلى تغيير الواقع الموضوعي الملموس المتناقض مع حفظ الكرامة الإنسانية والاعتراف بها.
وتبنى الجدلية على فكرة التفاعل بين التجربتين الذاتية والموضوعية. ومن خلال الدمج بين هاتين التجربتين تظهر بيداغوجيا جدلية. وهكذا «فالجانب الذاتي يوجد في ما يتعلق بالجانب الموضوعي فحسب (الواقع الملموس الذي هو موضوع التحليل). فينضم الذاتي إلى الموضوعي في وحدة جدلية تنتج معرفة بالتضامن مع الفعل، والعكس بالعكس»([69]). وفي تأسيس التربية على حقوق الإنسان على أبستمولوجيا علائقية، يكون الجانب الذاتي لمعرفة حقوق الإنسان مرتبطًا بواقع ملموس لتحليل المعرفة. ومن ثم، تظهر البيداغوجيا الجدلية في اكتساب متعلمي حقوق الإنسان معرفة موضوعية من التراث. والتفكير في المعرفة الموضوعية هو الجانب الذاتي لاكتساب المعرفة. ويفصل فيريري: «لتفسر للجماهير تصرفهم الخاص يعني توضيح هذا التصرف وتسليط الضوء عليه، سواء في ما يخص علاقته بالحقائق الموضوعية التي دفعت إليه، أم ما يتعلق بمقاصده. وكلما زاد الناس كشف الواقع الصعب الذي هو موضوع تصرفهم التحولي، زادت أهمية دخولهم هذا الواقع»([70]) ، وعلى المنوال نفسه، فإن التربية على حقوق الإنسان المؤسسة على أبستمولوجيا علائقية، كما في حالة المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان، تقدم معرفة حقوق الإنسان في ما يتعلق بالحقائق الموضوعية التي تعزز الاعتراف بحقوق الإنسان أو معادلاتها. وهكذا، لا تُفهم الأبستمولجيا توضيحًا لأهمية الاعتراف بأهمية حقوق الإنسان في حد ذاتها للمتعلمين، وإنما تُفهم حوارًا بين المتعلمين حول أفعالهم ومعرفة الحقوق أو معادلاتها.
وبالنسبة إلى متعلمي حقوق الإنسان، فإن الحوار يكون نقديًا ومحرِّرًا، وذلك بافتراض قيامه على التفكير النقدي الذي يؤدي في النهاية إلى الالتزام([71]) في شكل فعل. والالتزام بهذا المعنى، يصبح تطبيقًا عمليًا، ذلك التطبيق الذي هو هدف التفكير النقدي([72]). ولإنجاز هذا التطبيق العملي، من الضروري الثقة بالمتعلم وقدرته على التفكير. «ومن يفتقر إلى هذه الثقة سوف يعجز عن مبادرة الحوار، والتفكير، والتواصل، وسوف ينحط إلى استعمال الشعارات، والمونولوجات، والتعليمات»([73])، ويعني استعمال مفهوم فريري للتطبيق العملي في حقوق الإنسان أن معرفة حقوق الإنسان مشروطة بالتاريخ والثقافة. فالتاريخ والثقافة يوفران الديمومة والاستمرارية مصادر للتطبيق العملي.
والبيداغوجيا الجدلية ضرورية لتحرر الإنسان من الظلم، وهي حافز ضروري للاعتراف بحقوق الإنسان. وهكذا «ينبغي أن يصوغ المقهورون التربية على حقوق الإنسان، لا أن تصاغ لهم، في نضالهم المستمر من أجل استعادة إنسانيتهم. وتجعل هذه البيداغوجيا القهر وأسبابه موضوعات للتفكير من جانب المقهورين، وسيجلب هذا التفكير انخراطهم الضروري في النضال من أجل تحررهم»([74]) ، وبالنسبة إلى فريري، من المهم في المقام الأول لتحرر البشر في سياق معين تأسيس بيداغوجيا تستلهم أوضاع معيشتهم، بدلًا من امتلاك مجموعة من المبادئ أو المفهومات المستقرة وصفةً علاجية لتحررهم. ويرجع ذلك إلى الاستنتاج المنطقي أن تقرير وصفات غير موضوعة في سياقها المناسب لتحضر البشر تحرمهم من عملية التفكير. وهذه العملية هي جزء لا يتجزأ من التربية، وكذلك من التحرر.
ويفترض استنتاج التربية على حقوق الإنسان في الثقافات الشرعية، لأنه يقدم لمفهومات حقوق الإنسان شرعية تمثيلية من ذخيرة المعرفة الثقافية حول حقوق الإنسان. وهكذا يستطيع متعلمو حقوق الإنسان إدراك الكفاءة المتاحة للمفهومات المختلفة والتعلم من الاختلافات لإثراء فهمهم الخاص. ولهذه المقاربة للتربية على حقوق الإنسان آثار براغماتية على العملية التربوية، لأنها توفر وسائل ملائمة للسياق (المعادلات المماثلة لحقوق الإنسان) لخدمة الغاية الأوسع، التي هي هدف التربية على حقوق الإنسان.
وتنجم عن هذه المقاربة نتيجتان لهما تأثير في التربية محليًا وعالميًا. في مستوى محلي، يقوّم المرء كفاءة فهم حقوق الإنسان مع الآخرين ضمن الثقافة نفسها. وهذا يوفر بيئة مواتية تغذي نشر حقوق الإنسان بالتواصل. وفي مستوى عالمي، يستطيع المرء فهم المنظورات الأخرى حول حقوق الإنسان، بمقارنة فهمه الخاص بالتفسيرات الثقافية الأخرى للمسألة نفسها.
وتكون وجهات النظر الإثنية حول حقوق الإنسان عنصرًا مهمًا في التربية عليها. ويؤكد هابرماس: (في الخطاب الأخلاقي، يتوسع المنظور الإثني لجماعة معينة إلى منظور شامل أو إلى مجتمع متواصل بلا حدود، ويضع أعضاء هذا المجتمع أنفسهم في وضع، الرؤية الكونية، وفهم الذات لكل الأفراد، ويمارسون معًا نموذج تبني الدور([75])،([76]) ويعدد هابرماس أربع مزايا لمقاربة عابرة للحدود، وهي يمكن أن تكون مزايا المقاربة العلائقية أيضًا؛ أولًا توسع هذه المقاربة فهم المرء، ثانيًا تهيئ “مجتمع تواصل لامحدود.” تواصل يقوم على الفهم المشترك في الثقافة الواحدة وبين الثقافات، ثالثًا تسد هذه المقاربة الفجوات بين الثقافات والشعوب، وتبني جسورًا تقوم على الشعور بعواطف الآخرين، رابعًا العملية الكلية تعد مثالية من أجل (تبني الدور). وفي هذه المقاربة، توسع كل ثقافة أو تراث فهمها، ومن ثمَّ، تتبنى الدور الذي يعد ضروريًا للتربية من أجل حقوق الإنسان.
ملاحظات ختامية
العلائقية هي الادعاء بأن حقوق الإنسان يجب أن تكون متسقة مع قيم ووضع الذات وذلك بالنظر إلى السياق الذي توجد فيه هذه الذات، ولكن مع غياب التقيد بهذا السياق. وهكذا، فلا توجد حقيقة مطلقة مستقلة عن قيم الذات ووضعها ولا غير مرتبطة ببيئة الذات([77]). وتعني هذه الفكرة أن المعرفة يجب أن تدرس بالنسبة إلى الذات (المتعلم) والموضوع (حقوق الإنسان)، آخذين في الحسبان العلاقات البينية المتبادلة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه التبادلية تتكشف من تجربة تاريخية وثقافية محددة السياق، نظرًا إلى أن التاريخ والثقافة يشكلان المعرفة في تجليات أبستمولوجية متنوعة.
ونتيجة لذلك، يسلط الفهم السليم لحقوق الإنسان العالمية الضوء على العلاقة بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لها في الثقافات الأخرى. وبذلك، توسع التربية على حقوق الإنسان مصادرها، بدلًا من الاعتماد على تراث ثقافة واحدة. فاستكشاف أكثر من تراث ثقافة واحدة مفيد للمتعلم، لأنه يوسع أفقه. ويصل الفهم في هذا السياق إلى أعلى مستوى من الصحة، إذ يعد الفهم هنا وجودًا في العالم بدلًا من التعلم حول تصور محض لا يتوافق مع الواقع الاجتماعي.
تظهر من خلال هذا البحث الحاجة إلى دراسات أخرى تستطيع توسيع الفهم الجمعي للعلائقية في ما يتعلق بتقاليد العدالة. وتبرز بعض الأسئلة، مثل: هل العدالة مفهوم عالمي؟ هل العدالة مفهوم نسبي ثقافيًا؟ فمن المعقول القول إن العدالة مفهوم علائقي، لأنها تتوقف على الثقافة والنظام الأخلاقي لجماعة معينة. إضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ العدالة له أصول وإجراءات قانونية تختلف في الثقافات. وهكذا تستطيع الأبستمولوجيا ترسيخ فهمنا للعدالة وأهدافها. وكشرط مسبق من الضروري عدم الوقوع فريسة لانقسام العالمية والنسبية الثقافية.
وتقود ثنائية العالمية والنسبية الثقافية إلى قصر نظر كبير في ما يتعلق بإمكان نشر حقوق الإنسان عالميًا. وقد عرض هذا البحث تصورًا بديلًا لحقوق الإنسان بطريق استكشاف الأسس الاجتماعية لمعرفة حقوق الإنسان، التي أسندناها إلى العلائقية. وتوضح المقاربة العلائقية الاختلاف بين حقوق الإنسان والمعادلات المماثلة لها، ما يتطلب مراعاة سياق معرفة حقوق الإنسان. ومن الممكن لهذه المقاربة المساعدة في تسويغ حقوق الإنسان ومأسستها، إذا جُعلت وسيلة لتحقيق هذه الغاية.
Bibliography
An-Na’im, Abdullahi. “The cultural mediation of human rights. “In The East Asian challenge for human rights. Edited by Joanne Bauer, Daniel Bell, 147-168. Cambridge: Cambridge University Press, 1999.
Bell, Daniel. “The East Asian Challenges to Human Rights: Reflection on an East West Dialogue.” Human Rights Quarterly, 18, no.3 (1996): 641-667.
Bouandel, Yousef. Human Rights and Comparative Politics. Aldershot: Dartmouth Publishing Company, 1997.
Bruner, Jerome. The Culture of Education. Massachusetts: Harvard University Press, 1996.
Daniels, Harry. Vygotsky and pedagogy. New York: Routledge Falmer, 2001.
Donnelly, Jack. Universal Human Rights in Theory and Practice. Ithaca and London: Cornell University Press, 1989.
“How Rights and Duties Are Correlative?” Value Inquiry 16, no 22 (1982): 287-294.
Freire, Paul. Pedagogy of the oppressed. New York: Continuum, 2005.
Finnis, John. Natural Law and Natural Rights. Oxford: Clarendon Press, 1980.
Habermas, Jürgen. Justification and Application. Massachusetts: MIT Press, 1994.Healy, Paul. “Human rights and Intercultural Relations: A Hermeneutical- Dialogical Approach.”
Philosophy and Social Criticism 32, no.4 (2206): 513-541.
Hsiung, James. “Human Rights in an East Asian Perspective.” In Human rights in East Asia. Edited by James Hsiung, 1-30. New York: Paragon House Publishers, 1985.
MacIntyre, Alasdair. After Virtue: A Study in Moral Theory. Indiana: University of Notre Dame Press, 1981.
Mannheim, Karl. Ideology and Utopia. New York: Harcourt & Brace Company, 1940.
Meintjes, Garth. “Human rights education as empowerment: Reflections on pedagogy.” In Human Rights Education for the Twenty First Century. Edited by George
Andreopoulus, Richard Claude, 64-79. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1997.
Okafor, Obiora., Agbakwa, Shedrack.”Re-imagining International Human Rights Education in Our Time: Beyond Three Constitutive Orthodoxies.” Leiden Journal of International Law 14, no.3 (2001): 563-590.
Pollis, Adamantia., Schwab, Peter. “Human Rights: A Western Construct with Limited Applicability.” In Human rights: Cultural and ideological perspectives. Edited by Adamantia Pollis, Peter Schwab,1-18. New York: Praeger Publishers, 1972.
Reardon, Betty. [Human Rights Learning: Pedagogies and Politics of Peace]. Keynote Address, the University of Puerto Rico, April 2009.
Renteln, Allison. International Human Rights: Universalism Versus Relativism. Newbury Park: Sage Publications, 1990.
Taylor, Charles. “The Politics of Recognition.” In Multiculturalism. Edited by Charles Taylor, and Amy Gutmann, 25-75. Princeton University Press, New Jersey, 1994.
Tibbitts, Felisa. “Understanding What We Do: Emerging Models for Human Rights Education.” International Review of Education 48, no. 3-4 (2002): 159-170
([1]) Abdullahi An-Na’im, “The cultural mediation of human rights,” in The East Asian challenge for human rights, ed Joanne Bauer & Daniel Bell (Cambridge: Cambridge University Press, 1999).
([2]) 2. Daniel Bell, “The East Asian Challenges to Human Rights: Reflection on an East West Dialogue,” Human Rights Quarterly, 18, no.3 (1996): 641-667.
([3]) . See Charles Taylor, “The Politics of Recognition,” in Multiculturalism, eds. Charles Taylor, and Amy Gutmann (Princeton University Press, New Jersey, 1994).
([4]) Paul Healy, “Human rights and Intercultural Relations: A Hermeneutical- Dialogical Approach,” Philosophy and Social Criticism 32, no.4 (2206): 513-541.
([5]) See Karl Mannheim, Ideology and Utopia (New York: Harcourt & Brace Company, 1940).
([6]) Obiora Okafor, Shedrack Agbakwa, “Re-imagining International Human Rights Education in Our Time: Beyond Three Constitutive Orthodoxies,” Leiden Journal of International Law 14, no.3 (2001): 563-590.
([11]) أو القبول الثقافي، أو التوافق مع ثقافة المتعلمين. {المترجم}
([13]) يقصد الكاتب أن تربية حقوق الإنسان المعاصرة تعجز عن تحقيق نتائج أكثر من تعليم محتوى مواثيق حقوق الإنسان، وأنها غير قادرة على تحقيق التفكير النقدي عند المتعلمين، وسيشرح الكاتب ذلك لاحقًا {المترجم}.
([19]) روح حقوق الإنسان هي فلسفتها، وجسد حقوق الإنسان هو نصوص حقوق الإنسان المتجسدة في مواثيق حقوق الإنسان، وللمزيد من التفاصيل حول روح حقوق الإنسان وجسدها، انظر كتابي: الأبعاد الاعتقادية لحقوق الإنسان، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2014. {المترجم}
([22]) وردت في النص الأصلي كلمة historically ولما لم يتسق المعنى، فقد راسلت الكاتب فأفاد بأنه خطأ طباعي، وأن الكلمة الصواب هي ahistorically {المترجم}
([26]) Alasdair MacIntyre, After Virtue: A Study in Moral Theory, (Indiana: University of Notre Dame Press, 1981) 22
([27]) Felisa Tibbitts, “Understanding What We Do: Emerging Models for Human Rights Education,” International Review of Education 48, no. 3-4 (2002): 159-171, 164
([28]) See Paul Freire, Pedagogy of the oppressed. (New York: Continuum, 2005. (
([29]) يشير الكاتب هنا إلى إعلان الأمم المتحدة للتربية والتدريب في مجال حقوق الإنسان 2011؛ الذي استعمل في الفقرة الثانية من المادة الثانية عبارات: Education about human rights بمعنى تعليم قواعد حقوق الإنسان وآليات حمايتها، Education through human rights بمعنى التعليم والتعلم على نحو يحترم حقوق المعلمين والمتعلمين على حد سواء، Education for human rights، بمعنى أن تكون التربية وسيلة لتمكين الأفراد التمتع بحقوقهم وممارستها واحترام حقوق الآخرين. {المترجم}
([30]) Mannheim, Ideology and Utopia) emphasis added (70-71
([31]) See Allison Renteln, International Human Rights: Universalism Versus Relativism (Newbury Park: Sage Publications, 1990).
([32]) See Bell, “The East Asian Challenges to Human Rights”, (emphasis added).
([33]) An-Na’im, “The cultural mediation of human rights,” (emphasis added)
([34]) Adamantia Pollis, Peter Schwab. “Human Rights: A Western Construct with Limited Applicability,” in ed. Adamantia Pollis, Peter Schwab (New York: Praeger Publishers, 1972), 11.
([35]) Jack Donnely, Universal Human Rights in Theory and Practice (Ithaca and London: Cornell University Press, 1989)
([38]) Yousef Bouandel, Human Rights and Comparative Politics. (Aldershot: Dartmouth Publishing Company, 1977)
([39]) Donnely, Universal Human Rights in Theory and Practice, (emphasis added)
([40]) Healy, “Human rights and Intercultural Relations: A Hermeneutical- Dialogical Approach,” (emphasis added)
([41]) James Hsiung, “Human rights in an East Asian Perspective,” in Human Rights in East Asia, ed. James Hsiung (New York: Paragon House Publishers, 1985)
([42]) Pollis Schwab. “Human Rights: A Western Construct with Limited Applicability,” (emphasis added)
([43]) Renteln, International Human Rights: Universalism Versus Relativism, (emphasis added)
([44]) Donnely, Universal Human Rights in Theory and Practice, (emphasis added), 50
([45]) توقف الكاتب عند هذا الحد من الاقتباس ولتوضيح المعنى للقارئ عدت إلى مصدر الاقتباس فوجدت جون فينس يستكمل القول بأن المجتمعات جميعها تعرف الدين. {المترجم}
([46]) John Finnis, Natural Law and Natural Rights. (Oxford: Clarendon Press, 1980), 83-84.
([47]) See Jack Donnelly, “How Rights and Duties Are Correlative?” Value Inquiry 16 (1982)
([48]) Donnely, Universal Human Rights in Theory and Practice, (emphasis added), 10
([49]) Donnelly, “How Rights and Duties Are Correlative?”, (emphasis added), 288
([50]) Hsiung, “Human rights in an East Asian Perspective,” (emphasis added), 5
([53]) Garth Meintjes, “Human rights education as empowerment: Reflections on pedagogy,” in Human Rights Education for the Twenty First Century, ed. George Andreopoulus, Richard Claude (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1997)
([54]) Harry Daniels, Vygotsky and pedagogy, (New York: Routledge Falmer, 2001), 1
([56]) See Jerome Bruner, The Culture of Education, (Massachusetts: Harvard University Press, 1996)
([57]) See Freire, Pedagogy of the oppressed, (emphasis added)
([58]) Bruner, The Culture of Education, (emphasis added), 2
([61]) نظريات كل شيء “Theories of Everything” في البداية كان المصطلح يستخدم لوصف بعض النظريات العامة بطريقة ساخرة على أنها نظريات لكل شيء لعموميتها الواسعة، مع مرور الوقت ترسخ استخدام المصطلح في الفيزياء للإشارة إلى النظريات التي تحاول تفسير كل شيء في الكون في نظرية واحدة. {المترجم}.
([64]) Daniels, Vygotsky and pedagogy, (emphasis added), 4
([65]) An-Na’im, “The cultural mediation of human rights,” (emphasis added), 186.
([66]) See Anthony Giddens, New Rules of Sociological Method, (Stanford: Stanford University Press, 1993), 152
([67]) See Betty Reardon, [Human Rights Learning: Pedagogies and Politics of Peace] (Keynote Address, the University of Puerto Rico, April 2009), 2.
([68]) Freire, Pedagogy of the oppressed, (emphasis added), 36
([71]) يعني الالتزام الانخراط في المجتمع وقضاياه وأن يكون للمثقفين دور اجتماعي لا دورًا معرفيًا فحسب، وهو مصطلح صاغه يساريو القرن العشرين من أمثال ليننين وغرامشي.{المترجم}
([75]) يستعمل علماء النفس مصطلح تبني الدور role taking لتوضيح طريقة فهم الآخرين ب تقمص وجهات نظرهم وأفكارهم. {المترجم}
([76]) Jürgen Habermas, Justification and Application, (Massachusetts: MIT Press, 1994), 162