(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

إذا لم تكن الصورة التي أتت من الولايات المتحدة، خلال الأسبوع الماضي، هي الأكثر إزعاجًا؛ فمن المؤكد أنها كانت من بين أفضل الصور التي تنافس على ذلك: قوات بلباس المعركة منتشرة على درجات نصب لنكولن التذكاري. لقد كانوا هناك كجزء من رغبة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، في الرد على الاحتجاجات التي اندلعت بسبب مقتل رجل أميركي من أصل أفريقي على يد ضابط شرطة أبيض، في أثناء المواجهة و “الهيمنة”، بحسب قول الرئيس الأميركي. كان الأمر مروّعًا خصوصًا أن مقتل جورج فلويد، وكثير من الآخرين، استحضر لدى كثير من الأميركيين الخطيئة الأصلية للولايات المتحدة: العبودية، المفروضة بالعنف من خلال سلطة الدولة، عندما كانت تلك الدولة جمهورية البيض.

أبراهام لنكولن، الرجل الذي كانت تلك القوات تحمي تمثاله، لم يعد بإمكانه إعادة الاتحاد ببساطة كما كان من قبل. إذ سعى إلى تكوين الاتحاد، وفقًا لإعلان الاستقلال كدولة “مكرسة لمبدأ أن جميع الناس خُلقوا متساوين”. أُنشئت الأمة الأميركية، ويُعاد إنشاؤها باستمرار، من خلال الالتزام بهذا المبدأ. جادل لينكولن في خطابه عام 1858 بأن المهاجرين أصبحوا “حيوية الدم وجوهر لحم الرجال الذين كتبوا ذلك الإعلان”، عندما تبنوه. دعا خطاب لينكولن الأخير إلى حقوق التصويت للأميركيين الأفارقة (وهو موقف أقنع جون ويلكس بوث لاغتياله). بفضل لينكولن، وُلدت الولايات المتحدة من جديد، بعد الحرب الأهلية، كدولة جديدة لجميع الذين عاشوا هناك. حاول لنكولن من خلال إعادة الإعمار تحقيق هذه الرؤية. فقتلته المقاومة البيضاء الجنوبية ونقص إرادة الشمال، لكن أميركا عادت إليه مرارًا وتكرارًا. وهذا يبقى دليلنا ونحن نحاول تحقيق حلم تاريخنا بالعدالة.

قد يبدو فشل الرئيس المستمر في قيادة الوطن، في أعقاب وفاة فلويد، للوهلة الأولى، ليس له علاقة تُذكر بتطور آخر في الأيام الأخيرة: عرض الرئيس غير الرسمي الذي أعرب عن اهتمامه بدعوة الرئيس الروسي المستبد فلاديمير بوتين إلى مجموعة قمة السبع (G-7) في وقت لاحق من هذا العام. فكلاهما يشترك في المنبع: فشل ترامب في فهم شخصية أميركا، كدولة صاغت القيم المشتركة بدلًا من الدم المشترك، ثم فشله المقابل في تقدير النظرة الأميركية العالمية المستمدة من تلك الهوية غير العادية.

إن خطاب ترامب الذي تحفزه العنصرية -في حملته “التي تشك بالأصل/ المولد” ضد الرئيس باراك أوباما، وإقالته لقاض أميركي لأنه “مكسيكي”، ومغازلة المتعصبين البيض، وضرباته المتكررة ضد الشخصيات العامة والصحفيين غير البيض- أمرٌ كاشف لكل هذا. أنا كبير في السن بما يكفي لأتذكر لغة المتعصبين المستائين الذين كانوا يعارضون حركة الحقوق المدنية في الستينيات. يعيد خطاب ترامب لغة أولئك الذين يعتقدون أن الأمة القائمة على القيم هي خيال؛ وأن أميركا لا تزال في الصميم “جمهورية البيض”؛ وأن التحديات التي تواجهها يجب إخمادها بالقوة والهيمنة.

تكمن هذه الذهنية أيضًا في جوهر مقاربة ترامب الشخصية، تجاه السياسة الخارجية (على الرغم من ذلك، لحسن الحظ، ليست دائمًا مقاربة إدارته). إذا حاكمنا المسألة، من خلال تذلل ترامب وتملقه المستمر لبوتين، وتشي جين بينغ (الرئيس الصيني)، وكيم جونغ أون (الزعيم الكوري الشمالي)، ومحمد بن سلمان (ولي العهد السعودي)، وغيرهم؛ فإن ترامب يفضّل السلطة على المبدأ، والدكتاتوريين على القادة المنتخبين ديمقراطيًا. يبدو أن ترامب يحتقر الاتحاد الأوروبي، المؤسسة التي من خلالها وضعت أوروبا جانبًا عادةَ الحروب العادية من أجل الثروة والنظام. ولديه القليل من الصبر لبناء التوافق، حتى عندما يكون في نهاية المطاف لمصلحة الولايات المتحدة. (لماذا نضعف منظمة التجارة العالمية، من خلال تدمير إجراءات الاستئناف الخاصة بها، إذا كان بإمكاننا استخدام منظمة التجارة العالمية لتدبر أمر الإساءات الصينية لنظام التجارة الدولي؟) ترامب متردد جدًا، بخصوص حلف شمال الأطلسي، لدرجة أن إدارته سارعت في عام 2018، من خلال اختتام قمة الناتو، إلى إصدار بيان قبل وصول ترامب لتجنب إفساده، كما فعل مع بيان مجموعة السبع (G-7) في وقت سابق من ذلك العام.

مجموعة السبع هي مجموعة أساسية لأفضل دول العالم ديمقراطية، وسوق حرة في العالم. يبدو أن توسيعها لتشمل ديمقراطيات أخرى -أستراليا وكوريا الجنوبية على سبيل المثال- يبدو صحيحًا (يتحدث كثيرون عن مجموعة قائمة على الديمقراطيات العشر بدلًا عنها). إن مجموعة العشرين (G-20)، التي تضم الروس والصينيين والسعوديين، وغيرهم من القوى غير الديمقراطية، متضمنة للديمقراطيات العشر بشكل مناسب. ولكن أليس من مصلحة الولايات المتحدة إعطاء الديمقراطيات الأساسية في العالم تعبيرًا مؤسسيًا؟ لاستدعاء هدف إدارة ترامب المعلن، ألا نريد مكانًا قويًا يمكننا من خلاله تنظيم الأفكار المتشابهة معنا حول سياسة الصين طويلة الأجل؟ جلَب بيل كلينتون وجورج دبليو بوش روسيا إلى مجموعة الدول السبع، عندما كان مسارها يتقارب مع بقية المجموعة. لقد ولّى ذلك الوقت، على الأقل في يومنا هذا. يبدو أن اهتمام ترامب بدعوة بوتين الآن، عندما لم يوقف الزعيم الروسي عدوانه على أوكرانيا، وهو السبب الذي طُردت روسيا من المجموعة عام 2014، يبدو أنه يهدف إلى تفكيك مؤسسة أخرى من مؤسسات العالم الحر، محاباة لمستبد عدواني.

إن التعامل مع الدكتاتوريين، وتفهّم القوة والواقعية تجاه العالم، وما يمكن أن تحققه الولايات المتحدة في أي لحظة، أمورٌ ضرورية للسياسة الخارجية الحكيمة. لكن الإستراتيجية الأميركية الكبرى منذ عام 1945 متجذرة في رؤية أعظم: أن أميركا، كدولة قائمة على القيم، يمكن أن تعزز مصالحها على أفضل وجه، مع الحفاظ على قيمها، وأن العالَم القائم على القواعد الذي يفضل الديمقراطية مناسبٌ للعمل بشكل أفضل من بديل الإمبراطوريات المتنافسة، والصفقات الكلبية مع الدكتاتوريين ومناطق النفوذ. الواقعية ضرورية من حيث التكتيكات، ولكن يجب أن تنيرها أهداف عليا.

ليس من قبيل المصادفة أن أحد التعبيرات الأولى عن سياسة خارجية تقوم على تحقيق المصالح من خلال القيم، جاء على لسان جون هاي، وزير الخارجية (1898-1905)، الذي كان في شبابه سكرتيرًا لـ لنكولن. دعت سياسة جون هاي المعروفة بسياسة “الباب المفتوح” تجاه الصين (التي نادرًا ما تُذكر اليوم) إلى إنهاء الضغط الإمبراطوري على الصين، لمصلحة انخراط الصين المفتوح والحر مع العالم الأوسع. هناك خط بين ذلك وقيادة أميركا بعد عام 1945 التي تبدو جيدة، على الرغم من كل عيوبها وإخفاقاتها مقارنة بالمنافسة.

هناك كثيرٌ من الأميركيين الذين عرفوا ذلك، من الجمهوريين والديمقراطيين. يتشابه بيان الرئيس جورج دبليو بوش وخطاب نائب الرئيس جو بايدن، حول الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد، في نبرته المبدئية والمدروسة والمتجذرة في تعريفٍ للأمة قائم على القيم. إن أصدقاء أميركا في الخارج، الذين روّعهم ما يرونه ويسمعونه منا الآن، يريدون منا أن نستردّ عافيتنا. وعندما نعود سنكون موضع ترحيب، لأن قيادتنا مهمّة ومطلوبة.

اسم المقالة الأصليWhat Donald Trump has failed to understand about America
الكاتبدانييل فرايد، Daniel Fried
مكان النشر وتاريخهالمجلس الأطلسي، Atlantic Council، 4 حزيران/ يونيو 2020
رابط المقالةhttps://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/what-donald-trump-has-failed-to-understand-about-america /
عدد الكلمات969
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة