دراسة حالة محدثة عن سياسات التدمير الحضري في منطقة دمشق

ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

في هذا المقال، أجادل بأن إبادة المدن/ الحواضر لا ينبغي أن يُنظَر إليها على أنها مقولة وصفية وثابتة لصراعات ما بعد الحرب الباردة، أو أنها خليط من أفكار مجردة من التحضر (النقد لـ كاوارد Coward). على العكس من ذلك، أجادل بأن مفهوم كاوارد عن إبادة المدن يمكن أن يصبح أداة منهجية ونظرية، لدراسة الأسباب السياسية الكامنة وراء الاتجاهات الجديدة في حروب الإبادة. وبالنسبة إلى مفهوم كاوارد عن إبادة المدن (تدمير البيئة العمرانية لخلق مجتمع متجانس جديد) أرى أن هناك إمكانية في أن نضيف إليه أربعة جوانب جديدة، لتحقيق فهم أفضل للمنطق السياسي والعواقب الكامنة وراء إبادة المدن: الأول أن إبادة المدن يمكن أن تتخذ صيغة الاحتلال أو التدمير، ويمكن أن تؤدي إما إلى إعادة بناء استراتيجي وقطاعي، وإمّا إلى الفراغ، أي التخلي الكامل عن التهجير السياسي والتهجير القسري أو عن أحدهما. والثاني أن التجانس المطلوب والمرغوب فيه يبحث عن ديموغرافية ملائمة تتماشى مع المصالح السياسية، وعلى ذلك؛ ينبغي أن تؤخذ عملية إعادة الإعمار في الحسبان، كجزء من عملية إبادة المدن. والثالث أن تعقّد المناطق الحضرية وتفسيرها أصبح عاملًا مهمًا لازدهار سياسة التأمل في إبادة المدن، والتفكير فيها كخيار من أجل تحويل المكان إلى فضاءات ناعمة ومسطحة/ مستوية. والرابع، على الرغم من منطق المدينة المتمثل في المقاومة والتخريب لتدمير المدن في سورية، يجب النظر إلى المنطق المستوحى من إبادة المدن على أنه تهديد حقيقي ووشيك، لأن الأنماط السياسية التي كُشف عنها تُظهر معيارًا جديدًا يمكن أن يصبح المبادئ التوجيهية الجديدة للحرب الحديثة. من أجل توضيح كل من هذه الجوانب الجديدة، سنقوم بدراسة محدثة للحالة في منطقة دمشق، سورية.

مقدمة

التقرير الأخير الصادر عن مشروع مرصد الحصار (Siege Watch) الذي يغطي الفترة الممتدة من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إلى كانون الثاني/  يناير 2018، هو إنذار صارخ للعالم بأسره: هناك قولٌ إن الأمم المتحدة تلعب دورًا غير محايد، وتتعرّض لمضايقات من قبل إدارة الأسد، وتسلط الأمم المتحدة الضوء على مسائل عدة، منها زيادة عدد المناطق المحاصرة الجديدة، ومراقبة مناطق خفض التصعيد، وتصعيد الصراعات في جميع أنحاء سورية، والأكثر إثارة للقلق، من بين تلك المناطق، حالة منطقة دمشق، “مع تصاعد العنف في شباط/ فبراير […] فإن حجم الكارثة الإنسانية في الغوطة الشرقية قد تجاوز ما حدث في شرق حلب”.

يصف مشروع رصد الحصار السياسات الحضرية للدمار الحضري التي لوحظت حديثًا في الغوطة الشرقية بأنها سياسات “الاستسلام أو الموت”. وفي الأسطر التالية، نريد أن نجادل بأن هذه السياسة تمثل اتجاهات جديدة في إبادة الحواضر، وهو مفهوم مفيد بالفعل، وقد جرّبه مارتن كاوارد.

إن إبادة الحواضر هي عملية لها منطقها الخاص. وهي تتشكل من تدمير أو احتلال البيئة العمرانية (الحضرية) لإنشاء مجتمعات جديدة متجانسة، بعد إجراء هذا التدمير أو التهجير. تحدث إبادة الحواضر، عندما يكون التدمير الإرادي للبيئة الحضرية غير متناسب مع أبعاد الصراع، ويصبح “شكلًا غير شرعي من الحرب”. وتكون مصطلحات مثل “الضرر الجانبي/ الفرعي”، أو “الضرر الوحشي/ المفرط”، غير كافية لوصف الأحداث الجارية في سورية، لأنها تصور فعل التدمير على أنه فعل شرير أو خارج عن الأطر المعتادة، رافضة التساؤل عن وجود “معيار خاص بهم” يتبعه الفاعلون. وأخيرًا، مع الإشارة إلى أن البيئة العمرانية هي مجاز/ رمز، فهي غير كافية أيضًا. ليس هدفنا أن نشير إلى ما هي البيئة الحضرية أو ما تمثله، ولكن ما “يكشف عنه تدميرها أو تلفها”.

وإضافة إلى ذلك، يبدو أن مصطلح إبادة المدن (urbicide) غنيٌ وخصبٌ، لأنه في الوقت نفسه، يطرح ضرورة تجاوز وجهة نظرنا المتمركزة حول الإنسان (anthropocentric) في الصراعات: “تميل المركزية الإنسانية للسياسة الليبرالية إلى تجاهل تدمير البيئة الحضرية، مع تجاهل حقيقة أنها تؤثر في البشر، من خلال جعلهم مشردين، وحرمانهم من الشعور بمعنى الثقافة: إذا لم تكن هناك عواقب مباشرة على الأفراد البشريين، فلن تنشأ مشكلة سياسية حينذاك”.

ومع ذلك، ستُستخدَم إبادة المدن/ الحواضر، على أنها أكثر من مقولة وصفية وثابتة لصراعات ما بعد الحرب الباردة، كأداة منهجية ونظرية لدراسة الأسباب الكامنة وراء حملة “الاستسلام أو الموت” في منطقة دمشق. وللقيام بذلك، نجادل في الأسطر التالية بأن هناك ضرورة لتوسيع دلالة المفهوم، بإضافة وشحذ أربعة جوانب أصبحت اتجاهًا في صراعات متقاربة، مثل جنين ونابلس (فلسطين) ونهر البارد (لبنان) والحرب الأهلية السورية، في المرحلة الحالية من الصراع في منطقة دمشق:

الأول يمكن أن تتخذ إبادة الحواضر أشكالًا أخرى غير التدمير؛ والثاني أن التجانس المطلوب والمرغوب فيه يبحث عن ديموغرافية ملائمة تتماشى مع المصالح السياسية؛ والثالث أن تعقيد المناطق الحضرية وتشكيلها أصبح عاملًا مهمًا أدّى إلى ازدهار سياسة التأمل والتفكير في إبادة الحواضر، كخيار من أجل تحويل المكان إلى مساحات ناعمة ومستوية. والشكل الأخير، على الرغم من منطق المدينة في المقاومة والتخريب، بما يخص إبادة المدن/ الحواضر في سورية، يجب أن يُنظَر إلى المنطق الذي كشفت عنه إبادة الحواضر باعتباره تهديدًا حقيقيًا ووشيكًا، لأن الأنماط السياسية التي كُشف عنها تُظهر معيارًا جديدًا يحمل في طياته خطر أن يكون دليلًا جديدًا للحرب الحديثة.

يمكنكم قراءة الدراسة كاملة بالضغط على علامة التحميل