الكاتب: ناتالي ناوغايردي
Natalie Nougayrede
المصدر: الغارديان البريطانية
تاريخ النشر: 11 حزيران/ يونيو 2016
الرابط:
http://www.theguardian.com/commentisfree/2016/jun/11/europe-syria-peril-burning-act
في الوقت الذي تحبس فيه أوروبا أنفاسها، ترقبًا لنتائج استفتاء المملكة المتحدة، لا تزال الأزمة التي يمكن القول إنها ألحقت الأذى الأكبر بالقارة قائمة، ألا وهي الحرب في سورية؛ إذ لا تزال سورية تحترق على أعتاب أوروبا، وقد حان الوقت للاعتراف بأن جهود السلام، التي تبذلها الولايات المتحدة وروسيا، قد فشلت فشلًا ذريعًا. وبينما بات الجميع يتساءل عمّا إذا كانت هناك أيّ فرصة لتغيير هذا الوضع، بعد تسلّم الرئيس الأمريكي الجديد منصبه مطلع عام 2017؛ فإنّ هذا السؤال -هو بالضبط- ما يجب أن يستعدّ له الأوروبيون في الوقت الراهن.
أيًّا كان من يعتقد أنّ الحرب قد أودت بسورية، عليه أن يراجع نفسه مرة أخرى؛ إذ عاودت روسيا وقوات النظام السوري شنّ ضربات جوية -على نطاق واسع- على حلب المحاصَرة، وبعض هذه الضربات تم باستخدام البراميل المتفجرة، كما تم تدمير المزيد من المستشفيات، وقُتل المزيد من الأطفال، وهناك صور توثق كل ذلك على الإنترنت، ولكنها لا تحظى بالاهتمام؛ إذن، علينا -فعليًّا- مواجهة حقيقة أننا أُصِبنا بتبلّد المشاعر تجاه معاناة السوريين.
إننا نتخلى عن سورية في أحلك اللحظات، وستسألنا الأجيال العربية والمسلمة، حاضرًا ومستقبلاً، عن تخاذل الأوروبيين عن نجدة أمةٍ، تتعرض للذبح، على يد جيش الدكتاتور وحلفائه. وبخلاف الولايات المتحدة، فإنّ مصير أوروبا مرتبط بالأحداث في دول الجوار العربية؛ ففي مقابل كل لاجئ سوري وصل إلى أوروبا، وتلقّى معاملة حسنة، كم من لاجئ تم رفضه، أو لا يزال عالقًا في سورية، وسيغذّي العداء للغرب الذي فضّل إقامة الأسلاك الشائكة، وتقييد اللاجئين!
وبينما نحن منشغلون بالإرهاب، وحصص اللاجئين، وقلقون إزاء الآثار الجانبية للأعداد الفائضة من اللاجئين؛ فقد توقفنا عن التفكير في أساس المشكلة. إنّ جذر هذه المشكلة لا يكمن في الرقّة، عاصمة “خلافة” الدولة الإسلامية، كما تطلق على نفسها، وإنما يكمن في القصر الرئاسي بدمشق.
إنّ معظم الناس في أوروبا ينظرون إلى المشكلة، في سورية، على أنها مشكلة مكافحة إرهاب فحسب، وتقوم حكوماتهم بتعزيز هذه الفكرة لديهم؛ فإرسال الطائرات الحربية، بالنسبة لهذه الحكومات، أبسط من مواجهة الكارثة السورية المعقدة، والتي تُعدّ أسوأ كارثة إنسانية في عصرنا الحالي. لقد تم تصعيد الحرب على الدولة الإسلامية مؤخرًا، وأصبحت المجموعات الجهادية، في سورية والعراق، في موقف دفاعي إلى حدّ ما، كما يبدو أن القوات العربية والكردية، المدعومة من الغرب، قد استعادت السيطرة على مزيد من الأراضي. كل هذا جزء من الصورة الكاملة، وهو ما يفضّل السياسيون، في الغرب، تسليط الضوء عليه.
أما الجزء الآخر من الصورة؛ فهو الذي كان وراء تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين، من سورية إلى أوروبا، عام 2015، ألا وهو “الحرب الأهلية” التي بدأت عام 2011، عندما أمر الرئيس بشار الأسد قوات الأمن أن تفتح النار على المتظاهرين السلميين، الذين كانوا يطالبون بثورة ديمقراطية على غرار تونس، كما قام الأسد، المدعوم -دومًا- من روسيا وإيران، بإطلاق سراح الميليشيات الإسلامية من سجونه، وجعل العالم يرى الوضع في سورية على الشكل التالي: الأسد أو الجهاديين السنّة.
لقد نما التطرف في صفوف المعارضة السورية المسلحة، وهي ظاهرة شجعها -بلا شك- بعض الرعاة في الخليج، ولكن ذلك لا يعني أن يتم التخلّي عن المعارضة السورية؛ إذ لو اقتصر الأمر على حفنة من المتطرفين الإسلاميين؛ لما كان هناك محادثات، تضم “لجنة المفاوضات السورية العليا” المعارضة للأسد، والمعترف بها دوليًّا، وفي الوقت الذي استمرت فيه هذه المفاوضات؛ لوقف الحرب الأهلية، والتزمت بها روسيا، حتى بعد تدخلها العسكري في أيلول/ سبتمبر 2015؛ فإنّ الحرب لم تضع أوزارها.
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو؛ فلنعد بالذاكرة إلى كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين صوّت مجلس الأمن -بالإجماع- على قرارٍ، يقضي بإنهاء الحرب الأهلية، وتعيين حكومة جديدة في سورية، وكان هذا الاتفاق بمنزلة خطوة كبيرة نحو السلام، وقال جون كيري يومها: “يرسل هذا المجلس رسالة واضحة إلى جميع الأطراف، مفادها أن الوقت قد حان لوقف القتل في سورية”. وهكذا، كُلفت مجموعة الدول السبعة عشر الدولية لدعم سورية، بالقيام بعملية، تؤدي إلى التغيير السياسي في سورية، ودعت هذه المجموعة إلى “حكم نزيه، وشامل، وغير طائفي” خلال ستة أشهر، إضافة إلى “إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفقًا للدستور الجديد”، وذلك في غضون ثمانية عشر شهرًا.
في الوقت الراهن، يبدو أن كل ما تستطيع الأمم المتحدة فعله، أن تنتظر سماح نظام الأسد، بإيصالها المساعدات إلى المناطق، والمدن، التي تحاصرها قواته، وفي وقت سابق من هذا الشهر، وكإهانة جديدة للأمم المتحدة؛ سمح نظام الأسد -فقط- بدخول شامبو مضاد للقمل، وبعض الناموسيات واللقاحات، إلى داريا المحاصرة منذ عام 2012. وقد تصدر عناوين الأخبار وصول بعض المواد الغذائية هذا الأسبوع أخيرًا، وهو أمر بدا وكأنه إنجاز عظيم، في وقت لا يزال فيه أكثر من 600.000 من السوريين تحت الحصار.
لقد دارت العديد من الأحاديث حول اضمحلال القوة الأميركية المفترضة، ولا يختلف إثنان على أنه لا حل في سورية، من دون تعاون من جانب روسيا، وعلى الرغم من إعلانها الانسحاب في آذار/ مارس؛ قامت روسيا بترسيخ دورها في الصراع، معتمدة -في ذلك- على يقينها بأن إدارة أوباما لا تريد التدخل، ما أمكنها ذلك.
كما قامت روسيا بإنشاء منطقة حظر طيران، تتوافق مع مصالحها، ومصالح نظام الأسد؛ لحمايته، وليس لحماية المدنيين؛ وذلك عن طريق نشر الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها. ومن المؤكد، والواضح، بعد شهور من الجمود الدبلوماسي، أنّ الأمر الوحيد الذي قدمته روسيا إلى سورية، هو المزيد من الهجمات على المدنيين؛ كما حدث في حلب؛ حيث تركزت كل الهجمات في الأسابيع الأخيرة، بدلاً من معاقل الدولة الإسلامية شرقيّ البلاد.
إن القوة الأوروبية تتضاءل أمام جبروت الولايات المتحدة، لكنها قوة لا يستهان بها إن وحّدت جهدها.، ولدى أوروبا ما على المحك أكثر بكثير مما لدى أميركا، وذلك بسبب الطرق التي تأثرت بها سياساتها، وأمنها الداخلي، بشكل مباشر من جرّاء الحرب في سورية؛ لذا يجب على الأوروبيين أن يسلّموا بهذه الحقيقة في أولوياتهم، قبل فوات الأوان، وبما أن روسيا جارة أوروبا؛ فعلى الأخيرة أن تجد في نفسها الشجاعة؛ لممارسة الضغط على بوتين، الذي لن تثنيه ابتسامات الأوروبيين، وإنما وضع بلاده الاقتصادي الصعب في الوقت الراهن، هو ما سيجبره على إعادة حساباته.
لعلّه من الملائم فرض عقوبات أوروبية جديدة على روسيا، مع التركيز على الموقف الروسي من الحرب في سورية، وبطبيعة الحال، ليس هناك حلول سهلة، ولكنْ طالما أن الولايات المتحدة وروسيا، هما الوحيدتان على طاولة المفاوضات؛ فإن المصالح الأوروبية ستتضرر، فضلًا عن معاناة المدنيين السوريين.