(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

صحيفة ملليت- 23 أيار/ مايو 2020

الكاتب: تونجا بنجين

روى العميد المتقاعد وعضو الهيئة التدريسية في جامعة أيدين- إسطنبول، د. نعيم بابور أوغلو، المخططات والألاعيب الأميركية المتسارعة في كل من ليبيا، وفي شرق الفرات وإدلب في الغرب من سورية. تزامنًا مع تفشي وباء كورونا المستجد في هذه الأيام.

وقد شهدنا، وما زلنا نشهد، وجود أميركتين اثنتين تختلفان عن بعضهما في زمن فيروس كورونا كلّ الاختلاف: الأولى أميركا اليائسة والعاجزة عن مجابهة الفيروس الذي تسبب في وفاة ما لا يقل عن 100 ألف من مواطنيها، مع عجز نظامها الصحي عن مواجهة أي حرب بيولوجية أو وباء كهذا؛ والأخرى أميركا التي تغيّر من مواقعها، لكن من دون أن تتخذ أي خطوة إلى الوراء، أو أن تحيد عن الهدف الرئيس في السياسات التي تتبعها في سبيل تحقيق مصالحها الوطنية خارج قارتها وجغرافيتها، الأمر الذي يؤدي إلى استمرارها في سفك مزيد من دماء الأبرياء… فمثلًا، يقوم تنظيم PKK/ YPG الإرهابي بتنفيذ هجمات في عفرين، وفي منطقة عملية نبع السلام، ويتخذ إجراءات ضد السكان المدنيين هناك، بأسلحة قدمتها له الولايات المتحدة، إضافة إلى أن الولايات المتحدة ترغب -من خلال استخدام جبهة النصرة وداعش وهيئة تحرير الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية في إدلب- في إنهاك القوات المسلحة التركية، وإضعاف نفوذ روسيا في المنطقة. وتتلقى طبعًا الإجابات اللازمة على الفور. وينطبق الشيء نفسه على ليبيا أيضًا؛ فبالرغم من ظهورها هناك بمظهر المساند المناصر للحكومة الوطنية الشرعية التي تدعمها تركيا، فإنها على الجانب الآخر تجري مباحثات، وتلتقي بالمشير حفتر الذي يسعى للإطاحة بتلك الحكومة. وبعبارة أخرى: على الرغم من الدخول في زمن كابوس فيروس كورونا الذي هز الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الحديث هذه الأيام عن نظام عالمي جديد يركز أكثر على الإنسان؛ فإن رياح الاعتدال لم تهبّ على إدارة ترامب إطلاقًا، بل على العكس من ذلك، نجد أن إدارة ترامب تبنّت مواقف أكثر صرامة وأكثر عزمًا وإصرارًا… والأبعد من ذلك أن ألاعيبها القذرة اكتسبت، مع كوفيد- 19، زخمًا جديدًا، وتحوّل الوباء إلى فرصة، بالتعاون مع عميلتها إسرائيل طبعًا، كما في كل مرة. وفي سياق ذلك، يقدم العميد المتقاعد وعضو الهيئة التدريسية في جامعة أيدين-إسطنبول د. نعيم بابور أوغلو، إيضاحات حول المخططات والألاعيب الأميركية التي تتسارع في كلّ من ليبيا، وفي شرق الفرات وإدلب، في ظل تفشي وباء كورونا المستجد في هذه الأيام:

“خطَت الولايات المتحدة أخيرًا خطوة خطرة للغاية في سورية، من شأنها التأثير على وجود تركيا وتهديد بقائها.  فقد دعت أعداء الأمس: المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) المقرب من حكومة بارزاني في إقليم كردستان العراق، وتنظيم PYD/ PKKالإرهابي، إلى الجلوس على طاولة واحدة، وقامت بتأمين المصالحة بينهما، حيث اتفق هؤلاء على القضايا السياسية التي تتعلق بسورية. أي تم التوصل إلى اتفاق وتفاهم بين كيان غير إرهابي، وبين منظمة إرهابية انفصالية هي تنظيم PKK / YPG الإرهابي. فهؤلاء اليوم يتّحدون ويندمجون، وهنا تكمن الخطورة؛ لأن ثمة 60 ألف عنصر من عناصر تنظيم PYD/ PKK الإرهابي موجودون في منطقة شرق الفرات وفي منبج، وعند دمج هؤلاء بـ ENKS هناك؛ تبدأ الحلقة الأولى من حلقات سلسلة الاندماج والتكامل المستقبلية، بين شمال سورية وشمال العراق. كما أن الاستفتاء الذي جرى في عام 2017 موجود في جعبة حكومة إقليم كردستان العراق أصلًا. لذلك، فإن الاتفاق بين ENKS وبين PYD/ PKK، بشأن المستقبل السياسي لسورية، يعني الجلوس إلى الطاولة، ثم إنه يعني خطوة من الخطوات نحو التكامل والاندماج رويدًا رويدًا…”.

هل يمكن أن نقول عن هذه إنها مساعٍ لإضفاء الشرعية على PYD/ YPG؟

“قطعًا، ستتغير التسمية عند اندماجها، فعلى سبيل المثال، لن يكون هناك ENKS، كما لن يكون هناك PYD/ PKK أيضًا. سيكون ثمة اسم يشير إلى تمثيل الأكراد الموجودين هناك. اتحاد الهيئات الكردية السورية بدلًا من ENKS، مثلًا! قولوا ما تشاؤون. وفي كل الأحوال، فإن شيئًا من هذا القبيل سيحدث. فتركيا ينتظرها خطر كهذا”.

هل يعني هذا ظهور  PKK/ YPG على الساحة باسم جديد تمامًا؟

“نعم، هذا وارد. ويمكن بعد اندماجهما أن يظهر اسم جديد مؤلف من مجموع كليهما. فكما كانت هناك (قوات سوريا الديمقراطية) SDG التي ضمت العرب، فهذه المرة ستكون هناك حالة كـ “الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري”، مثلًا. وهذا أمرٌ خطير جدًا، وهو خطوة تهدد وحدة تركيا الجغرافية تهديدًا جديًا. لأن الحلقة الأخرى هي تقسيم سورية وتقسيم العراق وإقامة دويلة بتوحيد شمالهما هناك. لذلك، يجب على تركيا أن تنتهج سلوكًا استباقيًا، وأن تحول دون تحقيق ذلك؛ لأن اتحاد تنظيم إرهابي كـ PKK/ PYD الذي يهدد أمن وسلامة الوحدة الجغرافية لتركيا، مع كيان غير إرهابي أعلن تمثيله للكرد هناك، يعني ازدياد قوة التنظيم الإرهابي وتعاظم شوكته؛ لأن التنظيمات الإرهابية لا تتخلى عن أهدافها وعن أيديولوجيتها، في أي وقت من الأوقات. وهذا ما يمكن أن يخلق مشكلة بالنسبة إلى بقاء تركيا ووجودها. ثم ماذا يمكن أن يحدث؟! يواصلون دعم PKK وتقويته في شمال العراق، ليلجأ PKK والتنظيمات الإرهابية الأخرى إلى رفع وتيرة أعمال العنف من أجل زعزعة استقرار تركيا”.

مخطط لأفغانستان مصغرة في إدلب

حسنًا! ماذا عن إدلب، حيث عاد ما يقرب من 300 ألف مدني إلى منازلهم في الشهرين الماضيين، في أعقاب وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ بالاتفاق المبرم في موسكو في 5 آذار/ مارس، وقد قام الجنود الأتراك والروس بمهمة الدوريات المشتركة على الطريق الدولي M-4؟ ما الذي يحدث هناك، وما هي الألاعيب التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها هناك؟! يواصل بابور أوغلو:

“إن هدف الولايات المتحدة هو تحويل إدلب إلى أفغانستان صغيرة. ومن أجل ذلك؛ اتجهت بعض تشكيلات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الموجودة في جنوب سورية نحو إدلب. وكان قائدهم قد قُتل هناك، كما نعلم. بالإضافة إلى وجود عناصر التنظيمات القاعدية، كجبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام. وهؤلاء أيضًا يزدادون قوة بدعم من الولايات المتحدة. وقد خطَت الولايات المتحدة خطوة أخرى في هذا الشأن، وقامت بنقل بعض عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الموجودين في سورية وفي سجون منطقة شرق الفرات، إلى إدلب والعراق؛ ذلك بأنها تنوي استخدام هؤلاء الإرهابيين الذين تقدم لهم الأسلحة والذخيرة وإمدادات الطعام والشراب والدعم التقني والاستخباراتي في منطقة جغرافية كإدلب، ضدّ أي دولةٍ تريد، وفي المكان والزمان الذي تشاء. أي إنها تريد استخدام التنظيمات الإرهابية الراديكالية “كمفتاح إنكليزي” [متعدد الاستخدامات]، هذا ما تفعله الولايات المتحدة في إدلب الآن. لذلك نجد أن مبعوثها الخاص إلى سورية جيفري يكرر قوله: “نحن ندعم تركيا في إدلب”، لكنه لا يأتي على ذكر أي شيء في ما يتعلق بشرق الفرات”.

استمرار الدوريات التركية الروسية المشتركة في إدلب من جهة؟

“هي مستمرة، طالما كان ثمة تطور إيجابي في هذا الاتجاه، ولكن لم يتم إنشاء المنطقة الآمنة بعمق 6 كم، في جنوب وشمال الطريق الدولي M-4، المنصوص عليها في اتفاقية الـ 5 من آذار/ مارس، بعدُ. مَن الموجود هناك؟ هناك العناصر الراديكالية، كهيئة تحرير الشام، وحراس الدين، والحزب الإسلامي التركستاني والتنظيمات الإرهابية الأجنبية القادمة من خارج سورية، ولم تغادر المنطقة. لذلك، فهم يحرّضون سكان المنطقة المحليين -بين الحين والآخر- من أجل تنظيم التظاهرات والاحتجاجات لمنع وعرقلة هذه الدوريات من القيام بمهامها”.

هل أميركا تُحرّك هيئة تحرير الشام أيضًا؟

“بالتأكيد، فلا الولايات المتحدة، ولا إسرائيل أيضًا ترغبان في أن تكون روسيا قوية في سورية. الولايات المتحدة تريد سورية ضعيفة، ممزقة، ومنقسمة. الآن هي تخطو خطوة أخرى، بإنشاء قوة أمنية نفطية مكونة من قبائل عربية، بغرض حماية أحواض النفط في الحسكة ودير الزور شرقي الفرات. أي أن الولايات المتحدة علاوة على الـ 50-60 ألف عنصر من عناصر تنظيم PKK/ PYD الإرهابي، ستحفظ بقوة ثانية تتكون من القبائل العربية. ولكن ضدّ من؟ ضد سورية، أو ضد الدول الأخرى في المنطقة، هذه هي القضية…”.

الولايات المتحدة تلعب في ليبيا بوجهين

توقعات بابور أوغلو حول التطورات في ليبيا هي كالتالي:

من غير الممكن فصل ليبيا عن سورية، هما كالأرجوحة التي تظهر ميزان القوى. فحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، في وضع تحرز فيه تفوقًا على قوات حفتر في ليبيا الآن، وقد سبّب ذلك إزعاجًا وقلقًا لداعمي حفتر، وبالأخص روسيا وسورية ومصر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة. لذلك يسعى هؤلاء إلى إفساد هذا الوضع وعرقلته، سواء على صعيد الأمم المتحدة أو في المفاوضات التي تجري بينهم. والولايات المتحدة لم تتخذ موقفًا حاسمًا في ليبيا في الوقت الحالي، ولكن إذا وضعت ثقلها لاتخاذ قرار في الأمم المتحدة، في اتجاه انسحاب جميع العناصر الأجنبية من هناك غدًا أو بعد غد، فما هو الوضع الذي سيؤول إليه الموقف التركي هناك؟ يجب التفكير في ذلك في حينه”.

ألم تذهب تركيا إلى هناك بناءً على طلب من الحكومة الشرعية؟

“نعم، فحكومة السراج استدعتها رسميًا، ولكن يمكن أن يضيفوه هو أيضًا. فليس ثمة شيء يستحيل على الولايات المتحدة فعله. لا أقول ستفعل، بل يمكن أن تفعل. لذا، يجب على تركيا اتخاذ خطوات دبلوماسية لمنع تحقيق ذلك، ومن المحتمل أنها تقوم ببعض المبادرات، لأن فرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، هي الدول التي تأثرت سلبًا بهذه التطورات”.

ولكن ألا يأتي الموقف التركي المناهض لروسيا في ليبيا في اتجاه مصالح الولايات المتحدة الأميركية؟

“لم تتضح ألوان الولايات المتحدة لناحية مصالحها الوطنية بعد. حيث إنها تلتقي بالسراج تارة، وبحفتر تارة أخرى. أي إنها لم تتخذ قرارها بدعم من بالضبط، ولربما تكون قد قررت، ولكنها تحتفظ بذلك سرًا في نفسها”.

(ناتو) يساند السرّاج

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في تصريح له قال: إننا نؤيد الإدارة الرسمية في ليبيا، أي السراج. لكنه أضاف أن هناك حظرًا على الأسلحة، ويجب على الجميع الالتزام به. أي إنه يريد أن يقول: يجب على كل الدول عدم إرسال السلاح إلى هنا. وهذا يعني أن على تركيا ألا ترسل السلاح أيضًا. من سيكون أقوى حينها؟! حفتر… أي إخفاق السراج في إحراز القوة وفرض السيطرة والتفوق…”.

باختصار؛ في الوقت الذي تُبدي فيه تركيا، مثلها مثل بقية دول العالم، صراعًا لا هوادة فيه ضد جائحة فيروس كورونا، فهي يقظة كالمعتاد تجاه التطورات والمخططات التي تستهدف النيل من سلامة وجودها وبقائها.

اسم المادةABD’nin Suriye ve Libya oyunları
الكاتبTUNCA BENGİN- تونجا بنجين
المصدر وتاريخ النشرصحيفة مللييت التركية- 23.05.2020
رابط المادةhttps://www.milliyet.com.tr/yazarlar/tunca-bengin/abdnin-suriye-ve-libya-oyunlari-6218451
المترجمعلي كمخ- قسم الترجمة
عدد الكلمات1155- 1530