عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | The Myth of Trump’s Alternative Worldview |
اسم الكاتب | John Feffer |
مصدر المادة الأصلي | The Nation |
رابط المادة | رابط المادة |
تاريخ النشر | 22 آب / أغسطس 2016 |
المترجم | وحدة الترجمة في مركز حرمون – أنس عيسى |
المحتويات
رابعًا: ترامب وإنفاق البنتاغون
بعض المؤيّدين في أثناء حضورهم مناسبة خلال الحملة الانتخابيّة للمرشّح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في ساحة النصب التذكاري للمحاربين القدامى في جاكسونفيل، فلوريدا بتاريخ 3 آب/ أغسطس 2016 (رويترز/ إريك ثاير)
مقدمة
تبنّى المرشّح الرئاسي دونالد ترامب، مواقف في سياسته الخارجيّة، مختلفة تمامًا عن منافسته، هيلاري كلينتون، لكنّها ليست بمواقف انعزاليّة -على العكس من جيب بوش وآخرين- وليست أقلّ عدوانيّة عسكريّة، بحسب الاقتصادي مارك ويسبروت، في صحيفة “ذا هيل”، أو نفضة من الواقعيّة السياسيّة، كما يصرّح الصحفي سيمون ينكينز، في صحيفة الغارديان.
مع كلّ الاحترام الواجب لتلك المصادر، فإنّهم جميعًا على خطأ. يدّعي ديتو جون بيلغر، أنّ كلينتون تشكّل الخطر الأكبر على العالم، ويحاجج جون والش، أنّ ترامب هو “المرشّح النسبي للسلام”، ويؤّكد جاستن رايموندو بأنّه إذا فاز ترامب، فإنّ ذلك سيكون بمنزلة إعلان “نهاية المجمّع الصناعي العسكري، بالتوازي مع داعي العولمة، والذين يهيمنون على دوائر السياسة الخارجيّة في واشنطن”.
إنّ حجم الهراء الذي كُتب عن رؤى ترامب العالميّة كان مذهلًا بحقّ، فمن المسلّم به أنّه ليس من السهولة بمكان الإحاطة بنظرة ترامب إلى العالم؛ فتعليقاته عن السياسة الخارجيّة غالبًا ما تتّسم بعدم الترابط وغياب الانسجام، كما أنّها تعبّر عن جهلٍ واضح. فهو لم يقم، حتّى الآن، بطرح مخطّط تفصيلي عمّا سيقوم به على مستوى العالم في حال تمّ انتخابه.
من الواضح قيام ترامب بالارتجال في لقاءاته مع الصحفيّين، كما لو أنّه يستمدّ معلومات سياسته الخارجيّة من التغطية الدولّيّة، التي تحتويها الملخّصات المحرّفة لمجلّة “ناشيونال إنكوايرير” الشعبيّة.
لكنّ، بأيّ حال، قام ترامب، خلال السنة الماضية، بالحديث بشكلٍ كافٍ للقيام بتشكيل صورةٍ واضحة المعالم، عمّا سيفعله في حال وصوله بشكلٍ مفاجئٍ، إلى منصب يمنحه قوّة غير خاضعة للرقابة، بفضل توسيع الصلاحيّات التنفيذيّة في عهدي بوش وأوباما، وربّما سيقدّم لنا الرئيس ترامب نسخة محدّثة عن قول تيدي روزفلت القديم: “تكلّم بصوت مرتفع، واحمل أغلظ عصا ممكنة”، لن تكون تلك السياسة بديلةً لإمبراطوريّة الولايات المتّحدة، بل ستكون تنفيذًا أكثر صراحةً وفجاجة لها.
أولًا: عدو عدوّي
تبنّى كلٌّ من الليبراليّين والمحافظين في الولايات المتّحدة سياسات اقتصاديّة، تركت عشرات الملايين من الناس العاملين في أوضاع صعبةٍ ومأسويّة. في الحقيقة، إنّ اليأس الحاد لتلك “الفئة المتروكة من الناس” دفع عديد أعضائها إلى إمكانيّة التغاضي عن عيوب دونالد ترامب الواضحة -كثرائه الشخصيّ، وازدرائه للفقراء “الفاشلين” وتأييده لخفض الضرائب عن الأغنياء- بهدف دعم المرشّح الجمهوري وإلحاقه بالنخبة.
تتكرّر القصّة ذاتها في حقل السياسة الخارجيّة، حيث قادت خيبة أمل أولئك في اليسار من سياسة أوباما الخارجيّة -استمرار الحروب، توسيع هجمات الطيّارات من دون طيّار، الفشل في التقليل من الأسلحة النوويّة- إلى الاقتطاع من أقوال دونالد ترامب، في محاولة يائسةٍ للبحث عن شيء، أيّ شيء، يمكنه أن يشكّل بديلًا. في الوقت نفسه، أمضى بعضٌ ممّن في اليمين السنوات الثماني السابقة في معارضة، تقريبًا، لكلّ ما اقترحه أوباما –حتّى إنّهم عارضوا السياسات التي كانوا من الممكن أن يدعموها في سياقٍ مختلف- لذلك فهم سيدعمون أيّ مرشح جمهوريّ، حتّى لو كان ذلك المرشح هو المطرب تيد نيودجينت، ضدّ خليفة أوباما المختار من قِبل الحزب الديمقراطي.
لقد أثبت ترامب، في الحقيقة، أنّه بمنزلة “الأحمق المفيد” من خلال إدلائه ببعض التصريحات -عن الناتو وعن شنّ الحروب وأولويّات الميزانيّة- والتي تثير كبار مسؤولي السياسة الخارجيّة، في كلٍّ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولكنّه وبأسلوبه، غير القابل للتقليد، يحاول ترامب، وببساطة، أن يصدم وينال الإعجاب، وأن يحوز عناوين الصحف، وأن يصدم النخبة الفكريّة، والتي طالما سخرت منه. لكن إذا تفحّصنا مواقفه بشكلٍ دقيق، عن الحرب والسلم، أو سياسة التحالفات، أو حقوق الإنسان؛ فسنجدها لا تفتح أيّ آفاق جديدة، فهو عبارة عن الخمر الأبيض القديم نفسه معبّأً في زجاجة جديدة معطوبة.
ثانيًا: ترامب والحرب
يحلو لدونالد ترامب الإشارة إلى تأييد هيلاري كلينتون الحرب على العراق، وأّنه هو لم يفعل ذلك. حسنًا؛ فمن السهل نسبيًّا أن تكون ضدّ الحرب على العراق في هذه اللحظة، والتي يعترف فيها الجّميع عمليًّا، فيما عدا ديك تشيني، أنّها كانت قرارًا فظيعًا، لكنّ ترامب يدّعي أنّه عارض تلك الحرب قبل حصولها في آذار/ مارس 2003، لكنّ التصريح العلني الوحيد المتوافر لنا يُظهر عكس ذلك؛ فعندما سأله هاوارد ستيرن، بتاريخ 11 أيلول/ سبتمبر 2002، عمّا إذا كان يفضّل غزوًا أميركيًّا للعراق، كان جوابه: “نعم، أعتقد ذلك. هل تعلم؟ كنت أتمنّى أن نقوم بذلك الأمر بالشكل الصحيح منذ المرّة الأولى.” تعني عبارة “بالشكل الصحيح” التي استخدمها أنّه كان على جورج بوش الأب، أن يتابع حربه حتّى الوصول إلى بغداد والإطاحة بصدّام حسين.
حسنًا؛ فقد نفّس ترامب عن غضبه فيما يتعلّق بغزو العراق، كما فعل العديد من الناس، لكنّه ربّما قد تعلّم من خطئه، حيث أشار العديد من الناس إلى أنّه يعدّ أنّ التدخّل في ليبيا كان خطأً، وبالفعل؛ فقد حاجج ترامب في نقاش رئاسيّ جمهوري في شباط/فبراير بأنّ العالم “كان سيكون في وضع أفضل بكثير، لو بقي القذافي في السلطة حتّى الآن.”
لكن، في الشهر الماضي، يبدو أنّه قد غيّر رأيه، فقد صرّح ترامب، من على منصّة البرنامج الحواري “”Face the Nation، عن دعمه لضربات عسكريّة جراحيّة للإطاحة بالقذافي. على الأقل، هذا يجعل ترامب الشهر الماضي منسجمًا مع ترامب عام 2011، والذي كان قد قال بأنّه يجب على القوى الخارجيّة أن “تذهب بشكلٍ عاجل إلى ليبيا، لأسباب إنسانيّة، وأن توجّه لهذا الرجل (أي القذافي) ضربة قاضية بشكلٍ سريع جدًّا، ودقيقٍ جدًّا، وفعّال جدًّا، وتنقذ حياة الناس”. هذا أيضًا يجعل ترامب الشهر الماضي متّسقًا مع ترامب هذا الأسبوع، والذي يدعم عمليّات القصف التي تمّت مؤخّرًا ضدّ أهداف الدولة الإسلاميّة في ليبيا.
إنّ نهج ترامب، على الأقل، متماسك في سورية، صحيح؟ فقد قال إنّ الولايات المتّحدة قد ارتكبت خطأً عندما عادت بشار الأسد، وأنّه كان عليها أن تركّز كلّ قوّتها العسكريّة لمواجهة الدولة الإسلاميّة. لكنّ هذا الموقف يتقاطع، نوعًا ما، مع قول باراك أوباما الأسبق في عام 2008 بأنّ الولايات المتّحدة كانت تخوض حربًا خطأً في العراق، وأنّ عليها نقل قوّاتها إلى الحرب في أفغانستان.
بعيدًا من حقيقة عدم وضوح فيما إذا كان ترامب يؤمن فعلًا بهذا الموقف، وبعد كلّ شيء، فخلال نقاش المرشحين الرئاسيّين عن الحزب الجمهوري في أيلول/ سبتمبر، انتقد ترامب الرئيس أوباما لعدم تصرّفه بشكلٍ أكثر شجاعة عند بداية الأزمة في سورية، حيث قال: “لو أنّه تجاوز الحد وتدخّل بقوّة، لو فعل شيئًا ما للأسد، لو ذهب هناك بقوّة كبيرة، لما كنّا رأينا ملايين المهجّرين الآن عبر العالم”.
صحيح أنّ ترامب انتقد دعم المحافظين الجدد، لاستخدام القوّة العسكريّة للترويج للديمقراطيّة وبناء الدول، لكنّ ذلك لا يعني أنّه قد تراجع عن استخدام القوّة العسكريّة بشكلٍ عام، فقد دافع ترامب عن استخدام القوّة العسكريّة “في حال كان هنالك مشكلة قائمة في العالم، وبإمكانك حلّها”، تلك بالأحرى طريقة مرنة، وقابلة للتأويل، لتحريك الولايات المتّحدة لقوّاتها، فقد وافق ترامب، على سبيل المثال، على أنّ إدارة الرئيس كلينتون كانت على حقّ عندما تدخّلت في البلقان، لمنع التطهير العرقي في كوسوفو.
فيما يتعلّق بالنزاعات الحاليّة، فقد وعد ترامب بأن “يقضي على الدولة الإسلاميّة في العراق والشام”، بواسطة سلاح الجو وبين 20.000 و30.000 عسكري أميركي على الأرض، كما احتفظ لنفسه بحقّ استخدام الأسلحة النوويّة ضد الخليفة المستقبلي. باقتراحه على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، بأنّه من الممكن أن يكون مجنونًا، يُعيد ترامب إعادة إحياء واحدة من أكثر إستراتيجيّات الرئاسة رعبًا على مرّ العصور، في مقاربة ريتشارد نيكسون المسمّاة “الرجل المجنون” لقصف شمال فيتنام. لقد قام ترامب بالمزايدة على نيكسون؛ فكثير من الناس يعدّه مجنونًا، من دون، حتّى، أن يضع قدمه في المكتب الرئاسي.
نعم، إنّ الجميع يكره الدولة الإسلاميّة، على الأقل فإنّ ترامب ممانعٌ لاستخدام القوّة العسكريّة في مناطق أخرى من العالم، أليس هذا صحيحًا؟ لكنّه وبهدف المحافظة على سياسته المفضّلة بقول الأشياء التي لا يمكن التنبّؤ بها، يحافظ ترامب على إمكانيّة حدوث حرب مع الصين، كما أنّه سيُبقي على وحدات الجيش الأمريكي في أفغانستان. وبالعودة إلى عام 2011، عبّر عن “مالكوم إكس” الذي في داخله بتعهّده بشنّ حربٍ على إيران، حيث قال: “على برنامج إيران النووي أن يتوقّف، بواسطة أي، أو كلّ، الطرق الممكنة”.
سيقوم ترامب بتوسيع استخدام الطيران الحربي، في نزاعات ما وراء البحار، كما قال في لقاء مع صحيفة “سيراكيوز” في شهر أبريل/نيسان، الشيء الذي يجعل من ادّعاء “سيمون ينكنز” بأنّ “ترامب سيُعيد، على الأقل، الطائرات الحربيّة إلى الأرض،” مُثيرًا للعجب! كما وعد ترامب، أيضًا، باستخدام طائرات غير حربيّة لتمشيط الحدود الأميركيّة مع كندا والمكسيك.
ليست تلك السياسة بالانعزاليّة، هي ليست أيضًا بالردع القائم على التمييز؛ ففي عالم الأعمال، يؤمن ترامب بالسيطرة كاملة الطيف على الشؤون العالميّة، وذلك كما أشار “زاك بوشام” في قناة “فوكس”، كما أنّ ترامب من المؤمنين بحماسة بالحروب الاستعماريّة، والغزو للسيطرة على حقول النفط، وخطوط النقل الخاصّة به.
لعلّ البلد الوحيد في العالم والذي استبعد ترامب، على ما يبدو، الحرب معه هو روسيا. نعم، إنّه لشيء جيّد أن يكون ترامب ضد حرب باردة جديدة، الأمر الذي قد سبق وسبّب الضرر بالعلاقات الأميركيّة الروسيّة، لكنّ ترامب هنا ليس بذي مصداقيّة، فهو كما يقول المثل كالساعة الواقفة عن العمل، التي تعطي التوقيت الصحيح مرّتين في اليوم، كما أنّ موقفه هذا ليس بالحيادي بالنظر إلى الصلات التي تربط عمله الخاص، وفريق سياسته بروسيا.
كما لم يظهر ترامب أدنى حساب لمبادئ أساسيّة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، فهو يدعم عودة التعذيب، كما أنّه ذهب بعيدًا بقوله وتحدّث عن التعذيب بواسطة الإغراق في الماء، حيث قال الشهر الماضي: “سيكون لزامًا علينا القيام بأمور صادمة وغير قابلة للتصديق”. أحد تلك الأمور الصادمة ستكون استهداف عائلات المشتبه بكونهم إرهابيّين، الأمر الذي سيحوّل قتل النساء والأطفال من فعلٍ من المفترض أن يكون غير مقصودًا، إلى سياسة رسميّة. أمّا بالنسبة إلى خططه العديدة لمنع المسلمين من دخول الولايات المتّحدة، فهي تعارض الدستور الأميركي، وإنّ تبريره لذلك المنع بالإشارة إلى الاحتجاز المخزي للأميركيّين من أصل ياباني، خلال الحرب العالميّة الثانية من جانب الرئيس فرانكين د. روزفلت، لَيشيرُ إلى احتقاره لحقوق الإنسان الأساسيّة.
ثالثًا: ترامب والتحالفات
لم يستطع ترامب إلّا كسب القليل من الأصدقاء في واشنطن، خصوصًا، مع انتقاداته للمحاربين القدامى وعائلاتهم، بالإضافة إلى “نكتته” بتشجيع الروس على نشر أيّ رسائل الكترونيّة لـ “هيلاري كلينتون” قد يكونون حصلوا عليها من بريدها الالكتروني، عن طريق اختراق حسابها، لكنّ تصريحات ترامب عن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كانت هي السبب الأهم وراء اضطراب نخبة السياسة الخارجيّة في الولايات المتّحدة؛ ففي لقاء مع صحيفة “نيويورك تايمز”، قال ترامب: “إذا لم يكن باستطاعتنا أن نحصل، و بالشكل المناسب، على التعويض عن المبالغ الباهظة لحمايتنا العسكريّة للبلدان الأخرى، و في الكثير من الحالات فإنّ تلك البلدان التي أتحدّث عنها هي بلدان غنيّة جدًّا. لذلك، إذا لم يكن بمقدورنا التوصّل إلى اتّفاق، وأنا أؤمن أنّنا سنتوصّل إليه، إذا لم نتوصّل إلى اتّفاق، عندها سأكون مستعدّ استعدادًا مطلقًا أن أقول لتلك البلدان: “شكرًا، سوف تقومون بالدفاع عن أنفسكم.”
أدخلت تلك التصريحات نخب السياسة الخارجيّة في الولايات المتّحدة وأوروبا في حالة سكتةٍ دماغيّة، وإذا ما ربطناها بتصريحات أخرى مبكّرة، حول الضغط على حلفاء الولايات المتّحدة في آسيا لتحمّل عبئهم بأنفسهم، فبإمكانك إضافة نخب السياسة الخارجيّة في اليابان وكوريا الجنوبيّة، إلى قائمة القادة الأجانب الذين على وشك الإصابة بتوقّف القلب عن العمل.
في الحقيقة، إنّ موقف ترامب ليس جذريًّا بشكلٍ خاصّ، فدائمًا ما كان يُلحّ قادة أميركا، سواء كانوا جمهوريّين أم ديمقراطيّين، على “تقاسم الأعباء” منذ عقود، فكلّ حكومة من حكومات الولايات المتّحدة كانت تحاول الضغط على طوكيو وسيول، للدفع بشكلٍ أكبر في طلّ اتفاقيّات دعم الدول المضيفة، وقد حاولت إدارتا بوش وأوباما الاعتماد على شركائهم الأوروبيّين للوفاء بالتزاماتهم، و صرف 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على جيوشهم، و لا يبدو أنّ ترامب سيصل إلى نتائج أفضل من تلك على الرغم من أسلوب تهديداته المافيويّة.
الاختلاف الوحيد الذي يميّز ترامب عن “السيناريو المعتاد”، هو اقتراحه بأنّ الولايات المتّحدة قد لا تنفّذ التزاماتها تحت نص المادّة 5 لتدافع عن بلد آخر عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حال تعرّضه لمحنة.
وهنا، أنا أشكّ في قيام ترامب بقراءة ميثاق حلف الناتو من قبل، لكن من المُفيد التذكير بأنّ المادّة 5 من الميثاق لا تحتمل أي تأويل لعدم الالتزام بها؛ ففي حالة هجوم مسلّح على أحد أعضاء حلف الناتو، فإنّ العضو الآخر مُجبرٌ على اتّخاذ خطوة كهذه “والتي يرى أنّها ضروريّة، بما فيها استخدام القوّة العسكريّة، لاستعادة و المحافظة على الأمن في منطقة شمال الأطلسي.” قد يرى الرئيس ترامب، في حالة كهذه، أنّ استعمال القوّة العسكريّة ليس ضروريًّا، وخطوة كهذه تعدّ جذريّة، نعم، ولكنّها ليست بالخطوة غير المسبوقة، وقد جرى أمرٌ مماثل عندما غزت تركيّا جزيرة قبرص في عام 1974، ودخلت في نزاعٍ مع اليونان.
أعود وأقول مرّة أخرى: أشكّ في حقيقة أنّ ترامب يؤمن، فعليًّا، بالانسحاب من حلف الناتو، لكنّه يعتقد، بالأحرى، أنّ التهديدات تعزِّر من الموقع التفاوضي؛ فاستنادًاإلى لرؤية ترامب للعالم، لا وجود لحلفاء، وإنّما لمنافسين فحسب، وعلينا أن نحصل منهم على تنازلات.
احتفل بعض المتحمّسين بترامب مقاربة مرشّحهم الصارمة لإسرائيل، فقد بارك “جوستن رايموندو”، على سبيلِ المثال، فهم ترامب للنزاع على أنّه نزاع عقاريّ، ويحتاج حلّه وساطةً أكثر إنصافًا. لكنّ ترامب، وفي خطابه أمام اللجنة الأمريكيّة الإسرائيليّة للعمل السياسي، لام وبعنف إدارة أوباما لانّها “تقوم بالضّغط على أصدقائنا، وبمكافأة أعدائنا.” ثمّ أضاف قائلًا:
“سنقوم بنقل السفارة الأميركيّة إلى العاصمة الأبديّة للشعب اليهوديّ: القدس. وسوف نرسل إشارةً واضحةً بأنّه لا يوجد هناك فرق بين أميركا وأكثر حلفائنا ثقة، أي دولة إسرائيل. على الفلسطينيّين أن يأتوا إلى الطاولة وهم يعلمون أنّ الصلة التي تربط الولايات المتّحدة بإسرائيل غير قابلة للكسر على الإطلاق وبشكلٍ كامل”.
سيقوم الرئيس ترامب، في نهاية الأمر، بتوسيع تلك التطمينات نفسها لتشمل الحلفاء الآخرين، عندما يتمّ اطّلاعه بدقّة على مدى مساهمتهم في المحافظة على سيطرة الولايات المتّحدة على العالم.
رابعًا: ترامب وإنفاق البنتاغون
يهاجم النقّاد، كـ “جان بريكمونت”، وبشدّة استعداد ترامب لتحدّي المجمّع الصناعي-الحربي في الولايات المتّحدة، حيث قال: “هو لم يستنكر فقط مليارات الدولارات التي تمّ إنفاقها في الحروب، ولم يحزن، فحسب، للجرحى والقتلى من الجنود الأميركيّين، إنّما تحدّث أيضًا عن الضحايا العراقيّين لحربٍ أعلنها رئيس جمهوريّ”.
لكنّ دونالد ترامب، رئيسًا، سيكون أفضل صديق للمجمّع الصناعي-الحربي، فقد ذكر في مناسبات عديدة عن نيّته في “إعادة بناء” جيش الولايات المتّحدة، حيث قال مرّةً: “سنقوم بجعل جيشنا كبيرًا جدًّا، وقويًّا جدًّا وعظيمًا جدًّا، سيكون جبّارًا إلى درجة أنّنا لن نضطّر أبدًا إلى استخدامه.” كما قال في مقابلةٍ أجراها مؤخّرًا مع المعلّق الصحفي المحافظ “كال توماس”: “لقد تعرّض جيشنا للتقزيم إلى أبعد حد، من منّا كان يصدّق أنّ الولايات المتّحدة ستقوم بحملة على أماكن ترك الطائرات المعطوبة، لتلتقط قطع غيار ومعدّات؟ بلدانٌ أخرى لديها أشياء جديدة تمامًا قاموا بشرائها من عندنا”.
يبدو أن حقيقة ملكية الولايات المتّحدة، مسبقًا، أكثر جيوش العالم قوّة، وفقًا لجميع المقاييس الممكنة، قد فاتت ترامب، كما فاته أيضًا حقيقة أنّ أيًّا من حلفائنا، لا يحصل أبدًا على أيّ قطعة عسكريّة لا تمتلكها مسبقًا القوّات الأميركيّة.
حسنًا؛ فقد يقوم ترامب بتقوية جيش الولايات المتّحدة عن طريق خفض الهدر، واستثمار المال بفعاليّة أكبر، لكنّ ترامب قد وعد بزيادة معدّل الإنفاق العسكري العام، وبزيادة الموارد المخصّصة لقتال الدولة الإسلاميّة، وهذا جزءٌ من كل الخطة غير المنسجمة، والتي تتضمّن خفضًا كبيرًا في الضرائب، ووعدًا بتحقيق التوازن في الميزانيّة.
خامسًا: حاكم استثنائي
لأكون واضحًا؛ فقد تبنّت هيلاري كلينتون، على نحو تقليديّ، مواقف في السياسة الخارجيّة أكثر يمينيّة من باراك أوباما. كرئيسةٍ، قد تحرف سياستها، على الأغلب، باتّجاه أكثر تشدّدًا (الصقور)، لكنّها ستبقى ضمن حدود التقليد الواقعي المُبارك من جانب النخبة الليبراليّة والمحافظة على حدّ سواء، مواقفها العالميّة ستكون متوقّعة، ورتيبةً في بعض الحالات.
ومهما كانت رئاسة كلينتون، مخيّبة لآمال روسيا والطيران الحربي وسورية على الترتيب؛ فلا يُوجد أيّ سبب، على الإطلاق، يدفع إلى الاعتقاد بأن دونالد ترامب يمثّل بديلًا؛ فهو ليس بانعزاليّ، إلّا إذا كنت ستأخذ بالحسبان عزلته المتزايد داخل حزبه، فهو ملتزم، بشكل صارم، باستخدام القوّة العسكريّة، وبزيادة الإنفاق العسكريّ، إضافةً إلى المحافظة على تحالفات الولايات المتّحدة واللجوء إلى استخدام الاستثناءات، عندما يتعلّق الأمر بالقانون الدوليّ.
في الواقع، إنّ الفارق الأعظم بين المرشحين الاثنين، هو أنّ هيلاري كلينتون ملتزمة بالاستثناءات ذاتها التي التزم بها أسلافها، أمّا دونالد ترامب، فهو ملتزمٌ بشيءٍ واحد فقط، هوالاستثناء الترامبي؛ فهو يؤمن أنّه استثنائي، وأنّه استثناء من القواعد.
الأمر المحرج حقًّا في هذا، هو أنّ بعضًا من النّاس العقلاء يصنعون من ترامب استثناء عندما يعدونه بديلًا “منعشًا” للوضع الراهن.