أنهى مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في 29 كانون الثاني/ يناير 2021، تنفيذ دورة في مجال “تصميم البحث الاجتماعي الميداني”، أجراها المركز عبر الفيديو، بسبب الإجراءات الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.

 استمرّت الدورة التدريبية خمسة أيام، بإشراف طلال المصطفى، الدكتور في علم الاجتماع، والباحث في قسم الدراسات في مركز حرمون. وتضمنت الدورة التي حضرها 18 متدربًا، مجموعةً من الموضوعات التي ترتبط بالخطوات العلمية للبحث العلمي بشكل عام، وللبحث الاجتماعي الميداني بشكل خاص. وبدأت الدورة اليوم الأول بالتدريب على التعرّف إلى مفهوم البحث العلمي بشكل عام، والبحث الاجتماعي الميداني بشكل خاص، الذي قد ينفذ في العديد من التخصصات العلمية (السياسية، الاقتصادية، التربوية والاجتماعية) ومن تطبيقاته المسوحاتُ الاجتماعية الشاملة التي تجريها المؤسسات الوطنية بتخصصاتها المختلفة، وأيضًا المسوحات بالعيّنة التي تجريها مراكز الأبحاث والدراسات، وكذلك استطلاعات الرأي العام السياسية بكل أنواعها، وبحوث التسويق ودراسة الأسواق، وقد ركزت الدورة على الخطوات المنهجية في البحث الاجتماعي الميداني.

وفي اليوم الثاني من الدورة، بدأ التدريب على كيفية تصميم مشكلة الدراسة، من خلال التعرّف إلى مفهوم المشكلة ومصادر الحصول على المشكلة، ومن ثم تحديد المشكلة، ومعايير تقويم صحة صياغة مشكلة الدراسة، بينما كان التدريب في اليوم الثالث على كيفية صياغة أهمية الدراسة وأهدافها النظرية والتطبيقية، أي المعرفية والمجتمعية، وكذلك التدريب على كيفية الاستفادة من الدراسات السابقة للدراسة التي بصدد البحث فيها ومنهجية عرضها في الدراسة.

وركّز التدريب في اليوم الرابع على كيفية تحديد المفاهيم العلمية الموضوعية والإجرائية للدراسة، وكيفية تحويل هذه المفاهيم إلى متغيرات مستقلة وتابعة، وضبطها إجرائيًا من خلال علاقتها بمشكلة الدراسة، وكذلك التدريب على صياغة فرضيات الدراسة أو التساؤلات التي من المفترض اختبار صحتها في الميدان، من خلال الأدوات المنهجية الميدانية وأهمّها الاستبانات.

وخُصص آخر يوم من الدورة للتدريب على المناهج العلمية المتعددة، وعلى طرق اختيار المنهج المناسب تبعًا لطبيعة البحث ومجال تخصصه، إضافة إلى معايير اختيار العيّنة من المجتمع الأصلي للدراسة، كذلك التدريب على الأدوات البحثية الميدانية، والتركيز على كيفية تصميم الاستبانة وصياغة الأسئلة المناسبة لموضوع الدراسة، والتعرّف إلى أنواع الاستبانات المتعددة.

ورافق جميع هذه التدريبات نماذج تطبيقية على كل خطوة منهجية، مع بعض الأمثلة البحثية من المدرب والمتدربين، حيث كان لدى معظم المتدربين موضوعات بحثية بدؤوا العمل فيها، وينوون أن يُنجزوها في المستقبل، وتم التدريب على كيفية صياغة الخطوات المنهجية عليها.

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو 1111-3-768x1024.jpg

بخصوص الدورة، قال المدرب طلال المصطفى: “ما لفت انتباهي أن العناوين البحثية التي طرحها المتدربون كانت متنوعة وحيوية، بالنسبة إلى البحث العلمي، وكذلك بالنسبة إلى المجتمع السوري، ومن أهمها: العنف القائم على النوع الاجتماعي، دور المرأة في حل النزاعات الاجتماعية، دور الوجهاء في السلم الأهلي، الضغوط النفسية على النازحين في مخيمات الشمال السوري، دور القضاء العشائري في دور الزور، العوامل الدافعة لانخراط شباب الرقة في التنظيمات المسلحة، إجراءات الحجر الصحي الناتجة عن وباء كورونا والتعليم”.

وأضاف أن المتدربين تلقّوا وعودًا بمتابعة أعمالهم، وبالإشراف على إنجاز بحوثهم في المستقبل، وذلك في حال تحقيقها معايير البحث العلمي، ومن الممكن نشرها على موقع مركز حرمون، من باب التشجيع للباحثين الشباب الجدد. وتابع: “ما لفت انتباهي، كمدرب، عملية التفاعل الجيدة من عدد كبير من المتدربين في أثناء التدريب، والأسئلة الدقيقة والمناقشات العميقة، حتى إنني كنت أنسى أننا نتفاعل على Online، وكأننا في قاعة تعليمية، وكذلك عناوين الأبحاث المقترحة من قبل المتدربين التي عكست مشكلات البيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها في سورية”.

وختم المصطفى بقوله: “أعتقد أن هناك أهمية مركبة لهذه الدورة، من التدريب على الجانب العلمي لكيفية إنجاز البحث العلمي، إلى التفاعل والتعارف الذي حصل بين المتدربين من مدن سورية متعددة، وإمكانية التعاون مع هؤلاء المتدربين في كل أنحاء سورية، في أبحاث ميدانية شاملة في المستقبل، وخاصة بعد الحد من إجراءات الحجر الصحي الناتجة عن انتشار كورونا، إذ صار لدينا (داتا) لمجموعة من المتدربين القادرين على أن يكونوا أعضاء في أي فريق بحثي ميداني في المستقبل”.

وحول المشاركة في الدورة التدريبية، قال سعد الربيع، وهو أحد المتدربين: “على الرغم من قصر مدة الدورة التدريبية، فقد كانت غنية من الناحية العلمية، والصيغ الأكاديمية المعززة للمنهجية البحثية. ومن الملحوظ المستوى العلمي العالي للمتدربين، وهذا يدل على اهتمام كثير من الأكاديميين بالحصول على منافذ علمية يمكن من خلالها صقل وممارسة المهارات البحثية”.

وأضاف: “على المستوى الشخصي، كانت الدورة قيمة علمية مضافة بالنسبة إليّ، وعلى الرغم من كون الدورة نظرية، فإن المُدرب استطاع تقديم العديد من الأمثلة التطبيقية، والاستفادة من النماذج البحثية التي قدمها بعض المتدربين، وهذا أسلوب أكاديمي ممتاز اتّبعه المُدرّب، واقترح إقامة دورات تدريبية أطول تتيح للمُدرّب والمتدرّب اتباع أسلوب تطبيقي عملي”.

وعبّرت ناهدة أحمد بطحيش حلبي عن أهمية المشاركة في هذا النوع من الدورات التدريبية، وقالت: “كان من المهم بالنسبة إلي الحصول على أفكار لمواضيع جديدة في البحث الاجتماعي، لم يتسنَّ لنا أن نعيشها في الجولان، وكنا نعرف عنها معلومات بسيطة فقط، مثل الصلح بين العشائر، ومواضيع اللاجئين السوريين”.

طلال المصطفى: باحث في وحدة الأبحاث الاجتماعية، في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، دكتوراه في علم الاجتماع، أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة دمشق سابقًا، وله العديد من الكتب والدراسات المحكمة في المجلات السورية والعربية.

مركز حرمون للدراسات المعاصرة: هو مؤسسة بحثية ثقافية تُعنى بإنتاج الدراسات والبحوث المتعلقة بالمنطقة العربية، خصوصًا الواقع السوري، وتهتمّ بالتنمية الاجتماعية والثقافية، والتطوير الإعلامي وتعزيز أداء المجتمع المدني، واستنهاض وتمكين الطاقات البشرية السورية، ونشر الوعي الديمقراطي، وتعميم قيم الحوار واحترام حقوق الإنسان.