الفهرس
العودة إلى الاستحكامات العسكرية
اتخذت مجموعة العمل الدولية، في اجتماع فيينا، جملة قرارات وتوصيات في الشأن السوري، يصعب تنفيذها؛ ما يوحي بوجود نيات تماطل في الحل السياسي؛ مقابل توسّع رقعة الصراع المسلّح.
مقدمة
لم تنتظر المعارضة السورية طويلًا بعد انتهاء اجتماع “المجموعة الدولية لدعم سورية”، الذي عُقد في فيينا في السابع عشر من أيار/ مايو الجاري؛ لتصفه باجتماع “عاجز” و”عابث”؛ ذلك لأنه لم يتمخّض إلا عن قرارات (توصيات)، تتعلق بالملف الإنساني والإغاثي والهدنة، ولم يتوصل إلى نتائج ذات شأن في ملف الانتقال السياسي، كما لم ينجح في تحديد موعدٍ لاستئناف المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام في إطار مؤتمر جنيف الثالث.
غير أنّ المجتمعين في فيينا (بحضور 17 طرفًا بين منظمة ودولة) توصّلوا -عمليًّا- إلى قرارين أساسيين: يتعلّق أولهما بالهدنة التي انهارت -بشكلٍ واسعٍ- في مختلف أنحاء سورية؛ نتيجة خرق النظام لها أكثر من ألفي مرة، منذ أن دخلت حيّز التنفيذ في 27 شباط/ فبراير الماضي، وينصّ القرار على معاقبة أي طرف يُكرّر انتهاكها، وحرمانه من الحماية التي يوفرها قرار وقف إطلاق النار؛ ويتعلّق الثاني بالشأن الإغاثي، وإصرار النظام على عدم فكِّ الحصار عن العديد من المدن السورية الآهلة بالسكان، ويقترح هذا القرار إلقاء المساعدات الإنسانية على المناطق التي يحاصرها النظام جوًّا؛ ذلك في حال تعذّر إيصالها بالطرق المعتادة في حلول حزيران/ يونيو المقبل. لكنّ المجتمعين أخفقوا في تحديد موعدٍ جديدٍ، لمواصلة مفاوضات مؤتمر جنيف المتعثر، بين أطراف الصراع في سورية.
الأمر الوحيد الذي يمكن عدّه نقطة إيجابية، في البيان الختامي للاجتماع، هو إعادته الاعتبار إلى بيان جنيف لعام 2012؛ إذ جدّد التأكيد على أن آب/ أغسطس المقبل، هو موعد لبدء المرحلة الانتقالية في سورية، و”هدف” كي تصل الأطراف المعنية إلى “اتفاق إطار لانتقال سياسيّ حقيقيّ، يتضمن تشكيل هيئة حاكمة انتقالية شاملة، وذات صدقية، وغير طائفية، بصلاحيات تنفيذية كاملة”، وبالتالي؛ الضغط على الأطراف الإقليمية والسورية؛ لدفعها للتفكير في هذا الاتجاه، مع وضع مواعيد وإجراءات أخرى لتحقيق ذلك، تشمل العمل على الاستجابة لاقتراح المبعوث الأممي (ستيفان دي مستورا) القاضي بتوفير الأرضية الملائمة لاستئناف المفاوضات، في نهاية الشهر (الماضي)، وذلك بعد تحقيق تقدّم في ملفيّ الهدنة والمساعدات.
أشارت التسريبات، من مجريات عمل المؤتمر، إلى وجود فجوة بين الأجندتين: الأميركية والروسية، وبين أجندتيهما والأجندات الأوربية والإقليمية، بل وبين أجندات إيران وروسيا والنظام السوري، وإلى اعتراض الأوربيين والأتراك والسعوديين على السياسة الأميركية التي تحاول إقصاءهم. إنّ هذه “الفجوات” فسّرت -جزئيًّا- سبب اختلاف المجتمعين على الأسس، واتفاقهم على الحد الأدنى فحسب، وبآليات غير مقنعة لتحقيقه.
لقد كانت تلك الآليات غير المقنعة محطّ انتقاد من المعارضة السورية؛ فما قرار إلقاء المساعدات الغذائيّة جوًّا، سوى ردّ أميركيّ رخو على رفض النظام السوري فكّ الحصار عن نحو مليون مدنيّ ، و اعتراف مخجل بعجز المجتمع الدولي عن إقناع، أو إجبار، النظام على إدخال المواد الغذائية للمحاصرين. أما قرار معاقبة من يخرق الهدنة، فهو قرار غير جدّيّ، وعموميّ، ولا يستند إلى آلياتٍ لمراقبة الهدنة، ولا إلى ضوابط لتثبيت التهمة على من ينتهكها، ويستلزم جيشًا من المراقبين، وأدواتٍ لوجستيّةً عالية الفعاليّة، كما أنه يسهّل للروس والنظام اتّهام المعارضة بكلِّ خرقٍ للهدنة، حتى لو تم الخرق بسلاح الطيران الذي لا تملكه المعارضة، والأخطر أنه يعيد أمر التقويم واتّخاذ قرار العقوبات بحقّ منتهكي الهدنة، إلى المجموعة الدولية، وليس إلى مجلس الأمن ، وهذا يعني تهميش دور الأمم المتحدة”.
قال بعض أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، الممثِّلة للمعارضة السورية المشاركة في مفاوضات جنيف: إن الاجتماع هو “الأسوأ على الإطلاق”؛ لأنه -في رأيهم- محاولة لفرض أجندة مبنيّة على تفاهم روسي- أميركي، لا تعكس في حقيقة الأمر سوى الأجندة الروسية، ورغبات النظام السوري، وتُرضي إيران في الوقت نفسه، ولا تضع مصلحة السوريين في عين الاعتبار؛ فتسمح لكل الأطراف أن تواصل مشاريعها في سورية، وما جرى على الأرض، خلال الأيام التالية للمؤتمر، أكّد رجاحة هذا الرأي.
العودة إلى الاستحكامات العسكرية
بعد اجتماع فيينا، استمرّ النظام السوري ينتهك الهدنة من دون وجود رقيب أو حسيب، فواصل التصعيد العسكري في أكثر من منطقة، من جنوب سورية إلى شمالها، خارقًا الهدنة بشكلٍ علنيٍّ وكثيفٍ؛ ما يوحي بأنه مطمئنٌّ، ومتيقّن من أن عقوبةً، من أيّ نوعٍ كانت، لن تطاله.
كذلك واصلت إيران حشدها العسكري، ولا سيّما حول مدينة حلب؛ فثبّتت مواقع اللواء 65 المعروف باسم (وحدة القبعات الخضراء) في ريف حلب، وعزّزت حشدها بآلاف المقاتلين من الميليشيات الموالية والتابعة لها: اللبنانية (حزب الله)، والعراقية (حركة النجباء وعصائب أهل الحق)، والأفغانية (لواء فاطميون)، والباكستانية (لواء زينبيون)، وغيرها. وأعرب أكثر من مسؤول عسكري إيراني عن رغبتهم في الانتقام؛ لخسارتهم في معارك خان طومان، وعن سعيهم لإعادة الاعتبار إلى قواتهم وقدراتهم، كما أعلن حزب الله اللبناني أنه لن يخرج من سورية، بأي حال، في المرحلة الحاليّة، وسيواصل القتال إلى جانب النظام.
ومن جانبهم شرع الأتراك والأميركيون، وبدعمٍ عربيٍّ، في التحضير لتأسيس “جيش الشمال”، ويُفترَض أن يضمّ فصائل المعارضة المسلحة في شمال سورية، استعدادًا لمواجهة النظام وإيران في حلب شماليّ سورية، من جهة، ولطرد “تنظيم الدولة الإسلامية” من الشريط الحدودي -قرب تركيا- من جهة ثانية، وطمأنة الأتراك من جهة ثالثة.
كذلك جرت مناورات عسكرية تركية- سعودية في تركيا، وهي خطوة تمت -على الأغلب- من دون تنسيق مع أميركا وفق مراقبين، تحضيرًا لواقع مختلف في شمال سورية، وهو ما أكّده تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال: إن سورية في الوقت الراهن “بحاجة إلى تغيير الموازين على الأرض”، وشدّد على أن قصر التعامل على التداعيات وحدها، لن يُنهي الحالة السورية أبدًا.
وفي الوقت نفسه، أعلن وزير الدفاع الروسي (سيرغي شويغو) أن روسيا ستعود لاستخدام سلاح الطيران بكثافة في سورية، ابتداءً من أواخر أيار/ مايو، وستجدِّد قصف قوات المعارضة السورية التي ترى أنها لا تلتزم الهدنة، تزامن ذلك مع رفض الأميركيين تنسيق العمليات الحربية -في الرقة- مع الروس، وعزمهم على العمل منفردين.
أما أحدث الخطوات، فهي ما قامت بها ما تسمّى بـ “قوات سورية الديمقراطية”، التي يُشكّل الأكراد أساس قوامها ، ويتزعمها -عمليًّا- حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي أعلن فدرالية شماليّ سورية، من طرف واحد، و تتهمه المعارضة السورية بأن له مآرب انفصالية برهنت عليها أفعاله؛ فقد بدأت قواته، في 24 أيار/ مايو، بتكليفٍ أميركي، هجومًا بريًّا؛ للسيطرة على الرقة التي يتّخذها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمةً ومعقلًا له، وآزرت قوات “التحالف الدولي” الأكراد في عمليتهم العسكرية، بمشاركة مستشارين أميركيين في العمليات البرية، وبمساندة طيران التحالف الهجوم، بقصف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.
كل تلك الحشود العسكرية، والتحركات المتسارعة؛ أتت كنتيجةٍ غير مباشرة لاجتماع فيينا، إذ بدأ الجميع يسعى لتعزيز قوته على الأرض، وتوسيع مناطق نفوذه، والذريعة -دائمًا- محاربة الإرهاب، وإخراج تنظيم الدولة الإسلامية وأشباهه، لكن الهدف الحقيقي غير المعلن، لجميع الأطراف تقريبًا، هو التموضع وتثبيت قوتها على الأرض؛ من أجل إتمام إعادة رسم خطوط التماس بين القوى المتصارعة، ووضع خريطة القوى للمرحلة المقبلة.
المعارضة تحدِّد خياراتها
لقد كشفت تلك التحركات العسكرية الموجَّهة عن وجود توجّهات لتقسيم شمال سورية إلى قسمين: الأول يشمل مناطق شرق نهر الفرات، بيد الأكراد الذين فتحوا خطوطًا مع أكثر القوى الفاعلة في الساحة السورية، بدءًا من التنسيق مع النظام السوري، خلال السنوات الأربع الماضية، مرورًا بمدّ خيوط غير مُعلنة مع الإيرانيين، وصولًا إلى التحالف العلني مع روسيا ومع الولايات المتحدة، والقسم الثاني يقع غرب نهر الفرات بيد المعارضة السورية، المدعومة من تركيا خصوصًا، وإضافة إلى هذا التقسيم النظريّ، يجري العمل على تثبيت قوة إيران العسكرية، من الحدود اللبنانية غربًا إلى وسط سورية تقريبًا، وصولًا إلى أطراف حلب والرقة، وكذلك تثبيت قوة النظام في مدينة حلب عبر تكثيف قصفها، بالاشتراك مع حليفه الروسي، وتدمير أكبر مساحة منها وتشريد سكانها.
في ظل هذه التركيبة، تبدو المعارضة السورية المسلّحة هي الطرف الأكثر تعرّضًا للمخاطر، فكتائبها متفرقة، وأيديولوجياتها مختلفة، وتنقصها الأسلحة الفعالة والقوية، ولا تتردّد روسيا في استهدافها؛ بحجّة تداخلها مع جبهة النصرة، ومع ذلك تحاول التماسك والتشبث بالمكان؛ فعلى الرغم من أنها تخسر بعض مناطقها، لكنها سرعان ما تستغلّ فرص توقف القصف الجويّ لتستعيدها، وما زالت تأمل في أنْ يتمكّن أصدقاؤها من فرض منطقة آمنة، في شمال سورية خصوصًا، لتعمل انطلاقًا منها، وأنْ يتقدموا في مسألة تزويدها بالأسلحة النوعية، على الأخص المضادة للطيران؛ لتستطيع الصمود في وجه روسيا وإيران والنظام السوري من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة من جهة أخرى.
أما المعارضة السياسية، فقد عكفت، منذ توقّف مفاوضات جنيف، على تقويم الموقف في ضوء الاستعصاء السياسي؛ فقد أعربت عن تشاؤمها من إمكانية العودة إلى الجولة الثالثة من مفاوضات مؤتمر جنيف، طالما أنها لم تلمس أيّ إرادة دولية فاعلة، تساعد في التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ واقعيٍّ مقبولٍ في سورية. ولم يُنفّذ أصحاب اجتماع فيينا أيًّا من وعودهم، سواء على مستوى الإغاثة والمساعدات أم على مستوى فرض الهدنة ومراقبتها، أم في ملفّ المعتقلين، فضلًا عن مسألة الانخراط في الحلّ السياسيّ التفاوضيّ.
موقف المعارضة هذا، بدأ يختلّ على أرض الواقع؛ فقد اجتمعت الهيئة العليا للمفاوضات قبل نهاية أيار/ مايو بأيام؛ لتدرس الوضع السياسيّ والعسكريّ الميدانيّ، ولتتخذ قرارًا واضحًا ونهائيًّا في شأن العودة إلى طاولة المفاوضات، وتداول المجتمعون قضية استبدال الشخصيات الرئيسة في الوفد التفاوضيّ، فقدّم كبير المفاوضين، محمد علّوش، استقالته من الوفد؛ بسبب “فشل مباحثات السلام -التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف- في تحقيق تسوية سلميّة، وتخفيف الضغوط على السوريين الذين يعيشون في مناطق تحت الحصار.”، بحسب تصريحه، كما بحثوا استبدال رئيس الوفد، العميد أسعد الزعبي، وقرّروا التواصل مع منصّتيّ موسكو والقاهرة؛ لتقريب وجهات النظر، وربما لضمّ شخصيات منها إلى وفد الهيئة المفاوض، بعد أن كانوا قد رفضوا -سابقًا- ضمّها؛ لقرب أطروحاتها من أطروحات النظام، وهناك قناعة -على نطاقٍ واسعٍ بأن الضغوط الروسية هي التي تُحرّك هذا الملف؛ إذ كثيرًا ما طالبت موسكو باستبعاد علّوش –تحديدًا- لعدّه ممثلًا لجيش الإسلام الذي سعت لإدراجه في لوائح الإرهاب، ولم تنجح، وكثيرًا ما طالبت -بالمقابل- بضمّ شخصيّاتٍ مُقرّبة منها، تحديدًا زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، ورئيس حزب الإرادة الشعبية قدري جميل، إلى الوفد المفاوض.
ومع ذلك، لا يمكن إلقاء كثيرٍ من اللوم على المعارضة السورية، في هذه المرحلة؛ فعلاوةً على خروج القرار السوري من أيادي السوريين، وضعف قدرتهم على التأثير فيه، إلا جزئيًّا، لا بدّ من الأخذ في الحسبان الضغوط التي مورست على المعارضة (على الرغم من إنكارها)، بعد أن قرّرت تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف، سواء من الولايات المتحدة أم من بعض الدول الأوربية؛ لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات، وطرح مطالبها من دون أن تغادر.
لكن في الوقت نفسه، تقع على عاتق الهيئة العليا للمفاوضات مسؤولية كبيرة، كحاملة لمطالب الثورة السورية؛ فهي مطالبة بأن تكون مرنة وصلبة آنٍ واحد، لا تتنازل عن حقوق ومطالب أساسيّة، وأن تعمل على تحقيق حالة من التوازن بين القوى ذات التأثير في القضية السورية، من دون أن يعني ذلك استسلامها لإملاءات تلك القوى.
استراتيجيات متصارعة ونفق مظلم
لا شكّ في أن صراع الاستراتيجيات الدولية لا يقتصر على سورية وحدها؛ فعلى المستوى الدولي تريد روسيا تحصيل مكاسب من الأميركيين، كثمنٍ لإيجاد حلٍّ مرضٍ للقضية السورية، ومن الواضح -أيضًا- أن الولايات المتحدة ترفض، حتى الآن، منح الروس امتيازات استثنائية في ملفات دولية بالغة الحساسية.
إنّ صراع الاستراتيجيات الدولية هذا، وانسداد مخارجه، يقود إلى استنتاجات متعدّدة، من أهمها احتمال أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة تمرير الوقت، وتأجيل الحلّ السياسيّ، وتوسيع رقعة الصراع المسلّح، وزيادة حدّته وعنفه، بانتظار مطلع العام المقبل، حين تبدأ ملامح الإدارة الأميركية المقبلة بالتبلور، وخلال تلك الفترة، وحتى بدايات العام المقبل في الغالب، ستكون كلمة الفصل للقوة العسكرية؛ لتغيير التوازنات الحالية، في محاولة لتأسيس واقع ميدانيّ جديد.
لا تملك المعارضة السورية، في هذه الحالة، الكثير من أوراق القوة، سوى مواصلة دعم الفصائل المسلّحة، والعمل -دبلوماسيًّا وإعلاميًّا- في مواجهة أدوات سياسية وإعلامية كبيرة للنظام وحلفائه، خاصة أن ساحة مناوراتها وخياراتها آخذة في التقلّص والنقصان، ولم يبقَ لديها إلا ورقة وحيدة، في ظلّ المعطيات الحالية، تتمثل في صمود الفصائل المسلّحة، بدعمٍ من بعض الحلفاء، ما يفتح لها بابًا للمساومة، والتمسّك بمطالب وشروط الحلّ السياسيّ.
في ظل هذه الرهانات، يُفتح الباب أمام أربعة احتمالات، من المفترض أن تكون قد درستها المعارضة، واستعدّت لمواجهتها بآليّات واستراتيجيّات واضحة.
أول هذه الاحتمالات، أن يقوم الروس -بالفعل- باختراق وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وتدجينه بقوى سياسيّة، أو شخصيّات مُهادنة، أو مُقرّبة من النظام، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على مطالب الثورة بتحقيق عملية انتقال سياسيّ على طريق التغيير.
ثاني هذه الاحتمالات أن تستمرّ الهيئة برفضها استئناف المفاوضات؛ ليفشل جنيف 3؛ لغياب أحد طرفيّ التفاوض، ما يعني انهيار مشروع الحلّ السياسيّ، أو تأجيله، إلى حين تبدّل المعطيات والأحوال.
ثالث هذه الاحتمالات انطلاق سيناريو الحلّ الفدراليّ، أو ربما التقسيميّ، الذي تعمل عليه بعض القوى الدولية، وبعض القوى المحلية كحزب الاتحاد الديمقراطيّ الكرديّ، المدعوم روسيًّا وأميركيًّا، والذي يبذل جهدًا حثيثًا في هذا الاتجاه.
أما الاحتمال الأخير، فهو ذاك الذي يَفترض أن تتحرك الدول الكبرى، بجدّية ومسؤوليّة؛ لمنع فشل المفاوضات، فتضغط على النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين؛ لاحترام الهدنة، وتسريع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين، والانخراط الجدّي في العمليّة السياسيّة المُزمعة، ووضع حدٍّ لميليشيات الموت اللبنانيّة والعراقيّة والأفغانيّة وإنْ موقّتًا، ريثما يتبيّن ما يمكن أن تُثمر عنه هذه المفاوضات.
ولكي تتفادى الدول الكبرى تحوّل سورية إلى ساحة جاذبة للإرهاب، من جميع أنحاء العالم، وبؤرة لتصدير الإرهابيين واللاجئين، عليها التحرك فورًا؛ لتكريس الاحتمال الأخير، واستخدام نفوذها؛ لتنفيذ القرارات ذات الصلة، من بيان جنيف إلى بيانات فيينا، مرورًا بالقرارات الدولية 2118 و2254، والعمل على تشكيل هيئة حكم انتقاليّة، ذات صلاحيّات كاملة، تُشارك فيها المعارضة والنظام، شريطة ألّا تضم رأس النظام، أو أيًّا من رموزه الذين تلوّثت أيديهم بدماء السوريين، وأن تُلزم، وبالقوّة، جميع الأطراف بقبول هذا الحلّ، ومن دون ذلك، فإنّ الساحة السورية ستشهد تطورات خطرة، أقلّها سيادة الفوضى، وانتشار الإرهاب، وتعميم العنف.