بخلاف دساتير العالم المتمدن كلها التي توجب على رئيس الدولة أن يسهر على سيادة القانون، وتؤكد سيادة الشعب، وتراعي الفصل بين السلطات، وتحمي الدولة وتمكنها التقدم والنهوض والتنمية؛ فصّل حافظ الأسد دستور 1973 على مقاس نظامه الذي حكم به سورية، ومهّد بموجبه الحكم للوارث (الابن).
وجاء الدستور المعدل لعام 2012 بالتراتبية ذاتها، من حيث حجم الصلاحيات الممنوحة للرئيس الوارث بشار الأسد الذي خلفه في السلطة، عبر آليات أقلّ ما يمكن القول عنها إنها لم تكن دستورية؛ بل منحه الدستور الجديد صلاحيات مطلقة؛ من حيث السيطرة على السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وبموجبها شكّل الرئيس دولة عميقة، أدواتها المنفِّذة أجهزة استخبارات مرتبطة به، وهي ذات صلاحيات مطلقة ابتلعت الدولة لمصلحة السلطة، في حين بقيت السلطات الدستورية الثلاث محض هياكل دولة شكلية ظاهريًا. ويتنافى ذلك مع نظرية مونتسيكيو (الفصل بين السلطات) التي تجعل من موقع الرئاسة محض رمز للدولة، يمثلها خارجيًا، وتتحدد مهماته بدستور[1].
الهدف من الدراسة
تهدف هذه الورقة إلى إجراء مقارنة بين الدستور التونسي الجديد لعام 2014، والدستور السوري لعام 2012 وتقديم رؤيا لدستور سوري يراعي مبدأ فصل السلطات الثلاث لدرء السلطة الشمولية والاستبداد. وتكمن أهمية هذه الدراسة بأنها تسعى إلى للاستفادة من التجربة التونسية لوضع رؤية وأسس لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية. ويجب أن تراعى في الدستور السوري الجديد -الذي سيكون ثمرة الثورة- أيضًا مبدأ فصل السلطات بغية الوصول إلى مصاف دول عصرية حديثة في صناعة دساتير تحد من صلاحيات رئيس الدولة.
لقد اكتسب موضوع الدراسات الدستورية الحديثة وصلاحيات الرئاسة اهتمامًا متميزًا بعد مرحلة الربيع العربي، وغدا موضوع جدل حقوقي وفكري سياسي، لعل ذلك ازداد أكثر مع صدور الدستور التونسي الجديد لعام 2014، أثارت تلك المقارنات لدى المعنيين بالشأن السوري مزيدًا من الاهتمام للتشابه بين النموذجين.
ألغى الدستور التونسي لعام 2014، دستور تونس القديم لعام 1959 الذي كان يُشابه -من حيث الصلاحيات المطلقة لرئاسة الجمهورية التونسية- الدستور السوري (1973 -2012) بدرجة كبيرة، إذ كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات مطلقة يجمع السلطات كلها بيده (حكم فردي دكتاتوري مطلق).
تأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تسعى للاستفادة من التجربة التونسية في وضع رؤية وأُسُس لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في الدولة السورية المستقبلية دستوريًا.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل