حالة السوريين في تركيا

أمل أكتشال وإيفريم غورموش/ ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

المحتوى

ملخص

مقدمة

العمل الميداني والمنهجية

الاقتصاد السياسي المتغير للنزوح

قدرة رجال الأعمال السوريين على تنظيم أنفسهم كمجموعة مصالح: “الشتات الخجول”

نحو تكوين هوية هجينة

الخلاصة

ملخص

بسبب الصراع المكثف، توجّه قدر كبير من رؤوس الأموال السورية إلى تركيا، منذ عام 2011. وبالاعتماد على العمل الميداني الذي تم إجراؤه في خمس مدن تركية كبرى، تستضيف أكبر عدد من رجال الأعمال السوريين؛ تكشف هذه الورقة أولًا تقاربَ مصالح الدولة المضيفة وأصحاب رؤوس الأموال النازحين، فضلًا عن تزايد إضفاء الطابع العابر للحدود على الممارسات الاقتصادية السورية، ثم تقيّم قدرة أو استعداد رجال الأعمال السوريين لتنظيم أنفسهم كمجموعة مصالح مترابطة في تركيا، وللمساعدة في عملية حل الصراع في سورية. وأخيرًا، تتناول الورقة احتمال وجود هوية هجينة في طور التكوين، داخل شتات رجال الأعمال السوري في تركيا. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن شتات رجال الأعمال السوري في تركيا يطوّر نفسه إلى مجتمع أعمال عابر للحدود الوطنية، ويطور ممارسات اجتماعية واقتصادية هجينة. ومع ذلك، فإننا ننعت هذا المجتمع المزدهر بأنه “خجول”؛ لأن القضايا المتعلقة بالسياسة الداخلية والسورية يتم تجنبها بعناية، للحفاظ على الاستقرار والوحدة في داخله، وهذا يعوق مجتمع رجال الأعمال السوري عن تشكيل نفسه كمجموعة مصالح في تركيا، تركز على حلّ الصراع وإعادة الإعمار، بعد انتهاء الصراع في سورية.

مقدمة

كان للصراع السوري تأثير عميق في مجتمع الأعمال (البزنس) في سورية، وفقًا للمركز السوري لأبحاث السياسات، حيث انخفض كل من الاستثمار العام والخاص إلى (9,2) في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. أدت الحرب المستمرة منذ مدة طويلة إلى إغلاق وإفلاس واسعي النطاق، وشهدت كثير من الشركات انخفاضًا حادًا في الإنتاج، بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. في عام 2013، تراوحت خسائر أرباح ستة من البنوك السورية الخاصة (من أصل 14 بنكًا)، بين 40 و95 في المئة. ومن ناحية أخرى، تكيفت بعض الشركات مع الوضع المتأزم، ونقلوا مؤسساتهم داخل سورية، من مناطق الصراع، إلى “المناطق الآمنة” في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين على البحر المتوسط، ​​بتشجيع من النظام. ووفقًا لغرف الصناعة السورية، انتقل موقع 109 مصانع في سورية في عامي 2013 و2014، ومع ذلك، تأثر الاستثمار الخاص في المناطق التي يسيطر عليها النظام تأثّرًا شديدًا بسياسة تحرير الأسعار الحكومية التي زادت التكلفة الاقتصادية، وتدهور الطلب الفعال، وتسبب ذلك في انخفاض وتقلب سعر الصرف الأجنبي.

تأثر مجتمع الأعمال السوري بظهور اقتصاد الحرب، وظهرت مجموعة جديدة من رجال الأعمال الذين استغلوا فرص الحرب، من خلال الانخراط في أنشطة وسيطة للنظام السوري، للالتفاف على العقوبات أو لتهريب الأسلحة والبضائع والأشخاص، وأدى ظهور فاعلين اقتصاديين جدد في اقتصاد الحرب المزدهر إلى مزيد من التصدع في مجتمع الأعمال، وخفي موقف طبقة رجال الأعمال في سياق ما بعد الصراع في سورية، لذلك قرر آلاف رجال الأعمال السوريون ترك “النظام أو المقربين منه”، والانتقال إلى دول الجوار (أبرزها تركيا والأردن ولبنان والإمارات العربية المتحدة ومصر)، ويرجع ذلك أساسًا إلى مخاوف أمنية وسياسية واقتصادية. ويشكل هروب رؤوس الأموال أحدَ أهمّ أبعاد الحرب السورية، لما له من تأثير كبير في المسار الحالي للصراع وعملية ما بعد الصراع في سورية.

نظرًا لبساطة التشريعات التجارية التركية المطبقة على رجال الأعمال السوريين والعلاقات التجارية الموجودة مسبقًا؛ أصبحت تركيا مركزًا تجاريًا لرجال الأعمال السوريين في الشتات، وتضاعف عدد الشركات التي تم تأسيسها برأسمال سوري مشترك بنحو 40 ضعفًا، منذ عام 2011، وتجاوزت التجارة مع المدن الحدودية لسورية، مثل غازي عنتاب ومرسين وهاتاي، مستويات عام 2010، وزادت عائدات التصدير في هذه المدن بشكل كبير، لأن كثيرًا من الشركات السورية التي تتخذ من تركيا مقرًا لها، لها نظراء في سورية. من بين 363 شركة أجنبية تم إنشاؤها في تركيا، في كانون الثاني/ يناير 2014، كانت 96 شركة مملوكة لسوريين (اتحاد الغرف وتبادل السلع في تركيا -TOBB 2015). وأفاد المنتدى الاقتصادي السوري في غازي عنتاب أن السوريين “منذ عام 2011، استثمروا ما يقرب من (334) مليون دولار أميركي في (6033) شركة رسمية جديدة”، وهم يشغلون المركز الأول في قائمة المؤسسين الأجانب للشركات الجديدة، منذ عام 2013 (اتحاد الغرف والتبادلات السلعية لتركيا- TOBB 2017). وفي عام 2017، أنشأ السوريون أكثر من 2000 شركة جديدة في تركيا، برأسمال 90 مليون دولار أميركي، بحسب (اتحاد الغرف والتبادلات السلعية لتركيا- TOBB 2017). ووفقًا للتقرير الأخير الذي نشرته مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، أنشأ السوريون 7243 شركة في الأعوام السبعة الماضية في تركيا. في النصف الأول من عام 2018، أسس السوريون (778) شركة.

يوفر تدفق رأس المال السوري إلى تركيا لمحات عن فهم سياسات استقبال اللاجئين السوريين في تركيا وإدارة شؤونهم. يسلط بيلانجيه وسارك أوغلو الضوء على التقارب بين السوق والدولة، في تشكيل سياسة تركيا تجاه اللاجئين السوريين. ويجادلان بأن “الشروط والأحكام القانونية لنظام الحماية المؤقتة للدولة التركية، وتساهل الدولة المحدد تجاه استخدام عمالة اللاجئين في القطاع غير الرسمي، والآثار التأديبية لأنظمة الدولة، شكلت أساس العلاقة بين رأس المال والدولة، في إدارة شؤون اللاجئين السوريين وخلق بيئة مواتية للشركات التركية، ولأصحاب رؤوس الأموال، للاستفادة من اللاجئين السوريين. نظرًا لارتفاع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا (العدد المسجل ابتداءً من حزيران/ يونيو 2020 هو 3,585,198)، وبفضل القوة العاملة المتزايدة، تمكنت تركيا من جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي، وبخاصة إلى المناطق الحدودية. وعلى الرغم من هذه الزيادة في تدفقات رأس المال إلى المدن الحدودية التركية، فقد تم الإبلاغ عن ضياع فرص أكبر متعلقة بجذب الاستثمارات السورية في تركيا. وفقًا لغرفة التجارة في غازي عنتاب، “تم تحويل حوالي 25 مليار دولار إلى أوروبا عبر بنوك قبرص اليونانية”، ويعمل رواد الأعمال السوريون على خلق فرص عمل في تركيا. وفقًا لتقرير أعده أوجاك ورامان، “في المتوسط، يوظفون (9,4) شخصًا، ويقولون إن معظم موظفيهم كانوا يعملون سابقًا في القطاع غير الرسمي”. وصرّحت 55 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، بأنها تخطط لتوظيف موظفين جدد خلال العام المقبل (8,2 في المتوسط).

معظم الأبحاث حول النزوح السوري لم تسهم بقدر كبير في فهمنا لنشاط أعمال المغتربين في البلدان المضيفة. ولكننا بعد بحث بروباكر، سنستخدم مصطلح الشتات بوصفه “فئة من الممارسات التي تُستخدم لتقديم المطالبات، ولإيضاح المشاريع، وصياغة التوقعات، وحشد الطاقات، والتماس الولاءات”. ومع تزايد اعتماد الاقتصاد التركي على التدفقات الأجنبية باستمرار، رأت الدولة التركية في رأس المال السوري النازح وسيلةً لتلبية الحاجة المتزايدة بسرعة للتدفقات الأجنبية لتمويل الاقتصاد، ووضع ترتيبات قانونية ومؤسسية لحوكمة اللاجئين السوريين لصالح أصحاب رأس المال؛ فتمتعت تركيا بكمية كبيرة من التدفقات النقدية من خلال الشركات السورية، وكذلك من خلال شراكات المستثمرين. ومع ذلك، في الوقت نفسه، سعى الشتات التجاري السوري إلى تقليل اعتماده على السوق التركية والظروف السياسية، من خلال توسيع فرصهم العابرة للحدود الوطنية، والحفاظ على الأعمال التجارية ضمن مجالات متعددة تمتد عبر الحدود، ومن ثم فإن زيادة إضفاء الطابع العابر للحدود الوطنية على الأنشطة الاقتصادية لرجال الأعمال السوريين في تركيا، وانتشار المجالات والممارسات والفرص الاقتصادية العابرة للحدود، يحددان الرأسمال السوري في تركيا بوصفه رأسمالًا “سائلًا” مستعدًا للهروب في حالة حدوث أزمات كبرى. من خلال الكشف عن هذا البعد من أعمال المغتربين (الشتات) في البلدان المضيفة، نهدف إلى توسيع النقاش حول مجتمعات الأعمال في الشتات، والإسهام في الأدبيات حول رواد الأعمال المغتربين في سياق الصراع الذي طال أمده. وكانت هناك أيضًا دراسات ذات صلة بالدور الذي تلعبه ريادة الأعمال في الشتات في تنمية بلدانهم الأصلية. على سبيل المثال، حلّل كريسوستوم ونيو لاند وتاناكا وكذلك مينتو -كوي مساهمتهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد الأم، ودرس إيلو تأثير شبكات المغتربين على الأعمال التجارية الدولية في البلد الأم، واقترح تصنيفًا لريادة الأعمال في الشتات، ودرس برينكرهوف الدور الإيجابي للمغتربين لتعزيز الإصلاحات المؤسسية في بلدانهم الأصلية، ومع ذلك، ما يزال هناك كثير من الدراسات تبحث في السؤال: كيف يمكن لرجال الأعمال المغتربين المساعدة في عملية حل الصراع المستمرّ في بلدانهم الأصلية؟

الهدف الثاني من ورقتنا هو تقييم قدرة أو رغبة رجال الأعمال السوريين في تنظيم أنفسهم كمجموعة مصالح في تركيا، بهدف المساعدة في عملية حل الصراع وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع في سورية من خلال التحويلات المالية، والعمل الخيري، والمشاركة في مفاوضات السلام. على هذا النحو، نود توسيع المعرفة الحالية حول الطرق التي يمكن لأصحاب المشاريع المغتربين من خلالها المساعدة في حل الصراع المستمر في بلدانهم الأصلية. أخيرًا، هناك قدر محدود من البحث، حول رجال الأعمال السوريين يصورهم في الغالب على أنهم كيان محدد ثابت، ويركز على تأثيرهم في اقتصاد البلدان المضيفة. تميل مجموعة الأبحاث هذه إلى التركيز على الهوية العرقية للمهاجرين من رجال الأعمال السوريين، وتفترض قدرًا كبيرًا من الاندماج العرقي والثقافي والممارسات الثابتة بينهم في سياق معين. يكشف دليلنا التجريبي أنه بينما يتطور الشتات التجاري السوري في تركيا، إلى مجتمع الأعمال العابر للحدود الوطنية، فإنه يشكل أيضًا ممارسات تجارية هجينة جديدة في البلد المضيف. لذلك، تسعى ورقتنا إلى الإسهام أيضًا في الأدبيات المزدهرة حول السياقات المكانية والزمانية المتعددة في تحليل النشاط التجاري للشتات الذي تتشكل فيه الممارسات الهجينة في البلدان المضيفة أيضًا.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل