مقدمة

أثبت النظام السوري، في غير مرّةٍ، أنه غير مؤهل ليكون شريكًا وطنيًا في إنفاذ حلٍّ سياسيٍّ ينقذ سورية وشعبها من المآل المدمّر الذي أوصلهما إليه. تكمن علّة ذلك في جوهر بنية النظام وسلوكه منذ لحظة تأسيسه عام 1970 وحتى الآن، كنظامٍ غير سياسي، يقوم على الاستبداد والإقصاء والتمييز والعنف المنفلت الذي مارسه بأشكاله المختلفة عبر مساره الطويل، ليس في الداخل السوري فحسب، وإنما على صعيد الإقليم وفي المجال العربي والدوليّ أيضًا.

هذه المقدمة لا بدّ منها كتمهيدٍ لقراءة مسار العملية السياسية المتعثرة التي جرى استئنافها تحت مسمّى (جنيف 3) في شهر آذار/ مارس الفائت، للوصول إلى حلّ سياسي للمسألة السورية المعقّدة، والتعرف إلى التداعيات السلبية التي أوصل النظام إليها هذه العملية، والتي تنذر بانفجار يهدّد ما تبقى من البشر والحجر، وتتطاير حممه لتطال المنطقة بأسرها.

سبق الجولة الأولى من جنيف 3 ـ كما هو معروف ـ القرار الخاص بـ “وقف العمليات العدائية” الذي صدر في أواخر شهر شباط/ فبراير المنصرم، ونقل البلاد إلى حالة من الهدوء النسبيّ لم تشهدها منذ زمنٍ طويلٍ، وأضفى على سير التفاوض في هذه الجولة مناخًا ملائمًا أتاح له أن يمرّ بهدوء وسلاسة، على الرغم من محاولات وفد النظام تسميم الأجواء وتمييع العملية التفاوضية لتخريبها. ومع هذا تمخضت هذه الجولة، في حصيلتها، عن الإعلان الصريح الذي صدر عن الموفد الخاص للأمم المتحدة بأن موضوع “الانتقال السياسي” سيكون مدخل الجولة التالية وعنوانها الرئيس.

التأمت الجولة التالية في أجواء مختلفة وشديدة السلبية، فالأمم المتحدة لم تتمكن من إحراز تقدّم لجهة تنفيذ البنود الإنسانية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2254، تلك البنود التي لا يخضع تنفيذها إلى تفاوض مسبق (فك الحصار عن المناطق المحاصرة، إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى هذه المناطق التي أنهكها الحصار بحرية تامة، والإفراج عن المعتقلين)، إضافة إلى الصلف والمكابرة التي وسمت أداء وفد النظام مقابل جدّية نسبية في أداء المعارضة. ترافق هذا كله مع قيام النظام بخروقاتٍ خطرة ومتكررة هدّدت بانهيار وقف إطلاق النار، ما دفع الهيئة العامة للتفاوض في 19 نيسان/ أبريل لطلب تأجيل المباحثات إلى حين إعادة وضع العمليّة برمّتها على سكّتها الصحيحة، الأمر الذي اعترض عليه المبعوث الأممي وعَدّه “اسـتعراضًا سياسيًا”.

بعد يوم واحد من إعلان الهيئة العليا للمفاوضات تأجيل مشاركتها في مباحثات جنيف 3، عاودت قوات النظام والقوات الروسية قصفها للمناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، لتعود وتيرة القتل إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، وكان القصف عشوائيًا ومتعمدًا وموجّهًا ضد مدنيين عزّل، وفي جميع الحالات لم يجرِ التأكد من وجود هدف عسكري قبل أو في أثناء الهجوم.

لا يأبه النظام السوري لانهيار اتفاق “وقف الأعمال العدائية”. فقد عمل منذ اليوم الأول لانطلاق جنيف 3 على طيّ “العملية السياسية” بالمراهنة على خلط الأوراق وإفشالها بواسطة ألاعيبه المعهودة، كما أفشلها في جنيف 2 بعد أن أعلن قبيل انعقاده، على لسان وزير خارجيته، عن نيته إضاعة الوقت عبر إغراق المعارضة بالتفاصيل، واتّخذ النظام هذا القرار كنهج عمل طالما أنه لم يجد رادعًا، وبات واضحًا أنه لا يملك خيارًا سياسيًّا لإنقاذ سورية وشعبها ولا يرى سوى خيار الحسم العسكريّ، وهذا يعني، من وجهة نظره، الإجهاز النهائيّ على الثورة التي لا يرى فيها سوى إرهابيين حملوا السلاح في مواجهته، والعودة بالسوريين إلى بيت الطاعة. ولإفشال العملية السياسية المرتبطة بمؤتمر جنيف عمل بجميع الوسائل على انهيار وقف إطلاق النار، الذي كان هشًا بالأصل، والإجهاز على قرار اتفاق “وقف الأعمال العدائية”، ومحاولة تنفيذ وعيده باقتحام مدينة حلب، كما هدّد رئيس مجلس وزرائه، وائل الحلقي، عشيّة التئام الجولة الثانية من جنيف 3.

إحراق حلب

تُعدُّ مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية والعاصمة الاقتصادية للبلاد، وهي مُقسّمة منذ تموز/ يوليو 2012 إلى أحياءٍ شرقية تُسيطر عليها فصائل المعارضة، وغربية تُسيطر عليها قوات النظام، ويوجد فيها بين ثلاثمئة وأربعمئة ألف نسمة، وقُصفت على مدى أسبوعين بُعيد تعليق مؤتمر جنيف بكثافة، وطال القصف البيوت والأسواق والمستشفيات ومحطة المياه الرئيسية، وسقط نحو 286 ضحية جميعهم من المدنيين، بينهم 95 طفلًا وامرأةً، إضافة إلى مئات الجرحى.

ارتكبت قوات النظام خلال شهر نيسان/ إبريل الفائت ستّ مجازر في هذه المدينة، وارتكبت القوات الروسيّة ستّ مجازر أخرى، عدا عن المجازر التي ارتُكبت في ريفيّ دمشق ودير الزور وإدلب وحمص والرقة، وبلغ عدد ضحايا المجازر التي ارتكبتها قوات النظام 202 بينهم 45 طفلًا و20 امرأة، بينما بلغ عدد ضحايا المجازر التي ارتكبتها القوات الروسية 60 قتيلًا بينهم 21 طفلًا وتسع نساء.

لم يقتصر التصعيد العسكري على مدينة حلب فقط، وإنما تعدّاها إلى ريفها وريف إدلب أيضًا، ففي الخامس من أيار/ مايو الحالي، تعرّض مخيّم الكمّونة للنازحين قرب بلدة سرمدا في ريف إدلب لقصفٍ جويّ أودى بحياة 28 مدنيًّا وجرح 30 آخرين، علمًا بأن معظم القاطنين في هذا المخيّم هم نازحون من إدلب، انضمّ إليهم نازحون من حلب، على إثر الهجمة الأخيرة التي تعرّضت لها المدينة، ما يوحي بوجود سياسة لملاحقة النازحين لإبادتهم، وهذه جريمة من جرائم الحرب الموصوفة. كذلك استهدف القصف في الثامن من الشهر الحالي مركز الدفاع المدني في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، ومشفى بيّوني في بلدة كفرناها في ريف حلب الغربيّ أيضًا. واستهدفت غارتان جويّتان بالصواريخ الفراغيّة بلدتيّ سراقب وخان السبل في ريف إدلب الشرقيّ.

مواقف وردّات أفعال

ليس مستغربًا أن يكون خيار النظام في سورية اقتحام مدينة حلب وإعادة بسط سيطرته عليها، خاصة بوجود دعمٍ عسكري إيراني وروسي مباشر وغير محدود، فضلًا عن جيشٍ من الميليشيات الطائفية المرتزقة من إيران والعراق وأفغانستان ولبنان وغيرها، وقد أفصح عن خياره هذا في رسالته الأخيرة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي أعلن فيها عن نيّته تحقيق “الانتصار النهائي” في حلب، الأمر الذي استدعى ردًّا سريعًا من واشنطن حين دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر في 5 أيار/ مايو روسيا إلى “التعامل بشكلٍ عاجلٍ مع هذا التصريح غير المقبول على الإطلاق”، لأنه “محاولة من الأسد للدفع بأجندته الخاصّة، ولزامًا على روسيا أن تُمارس نفوذها على هذا النظام للحفاظ على وقف الأعمال القتاليّة”.

يتطلّع النظام من وراء هذا الخيار إلى إفشال العملية السياسية التي ما زالت تؤرّقه، إضافة إلى أن حلب تُكمل له معالم ما يُطلق عليه اسم “سورية المفيدة”، وبالسيطرة على حلب سيتمكّن، في ظلّ استمرار الداعمين الروسي والإيراني، من فرض خطوط تماسّ واضحة، للتفاوض من موقع مختلف عندما يحين أوان مثل هذا التفاوض. لكن، وفي ضوء ضعف احتمال تمكّن النظام من اقتحام حلب، فقد يتّجه إلى محاولة فرض الحصار عليها، لإجبار المعارضة بعد ذلك على توقيع اتفاق انسحابٍ منها، كما جرى في مدينة حمص منذ نحو عامين.

من ناحيتها، تقف إيران إلى جانب النظام في هذا الخيار، إن لم تكن بالأساس شريكة في صنعه، إذ يبدو أنها كانت تخطّط أيضًا لمعركة حلب، فقد أرسلت قواتٍ خاصّةً من الجيش الإيراني للمشاركة في هذه المعركة، ولا يغيّر من هذه الحقيقة قول قائد الجيش الإيراني في 20 نيسان/ إبريل الماضي “إن القوات التي تمّ نشرها في سورية، في أول عملية من نوعها خارج البلاد منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، تتكون من متطوعين يعملون تحت إمرة الحرس الثوري، والجيش النظامي لم يتدخل بشكل مباشر”. إذ يأتي هذا الكلام بعد خسائر كبيرة ومتتالية للقوات الإيرانية على جبهة حلب وصفها الإعلام الإيراني بـ “الكارثة”، وهو تعديل لإعلان الجمهورية الإسلامية في وقت سابق أنها “أرسلت قوات خاصة من اللواء 65 في الجيش إلى سورية كمستشارين”، مؤكّدة في إعلانها أنها تستخدم جيشها النظامي إلى جانب قوات الحرس الثوري في مساعدة قوات النظام، خاصة على جبهة حلب.

من المفيد الإشارة هنا إلى أن سيطرة (جيش الفتح) وفصائل أخرى على بلدة خان طومان ومعمل البرغل وتلة الدبابات الإستراتيجية، القريبة من الطريق الدولي حلب ـ دمشق والتي تُعدّ بوابة حلب من الجنوب، يجعل خطّة النظام بخصوص حصار مدينة حلب أمرًا صعبًا جدًّا.

على الجانب السياسي، عزّزت إيران تأكيدها الانخراط الكامل في الحرب على حلب في الرسالة التي نقلها المستشار الأعلى لخامنئي للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، والتي تزامنت مع وصول ما ادّعت أنهم “مستشارين عسكريين إيرانيين جدد”، إذ أكّد الأسد في استقباله ولايتي في الثامن من أيّار/ مايو الحالي “الطمأنينة التي يشكلها الحضور الإيراني في الأوقات الحسّاسة” في حين رأى ولايتي أن “الأسد تمكّن خلال السنوات السابقة من إدارة أمور البلاد بحكمةٍ وشجاعةٍ ووعيٍ.. وأنه سيقود هذا البلد إلى برّ الأمان والنجاة في نهاية المطاف”.

على التوزاي، ظهر تباين بدرجة أو أخرى بين موقف روسيا وموقف كل من النظام وإيران، تجلّى بأمرين: الأول الموقف من معركة حلب، والثاني الموقف من مؤتمر جنيف 3. ففي حين يريد النظام وإيران من وراء فتح معركة حلب القضاء على المعارضة وإعادة بسط السيطرة على المدينة بأسرها، وإفشال جنيف 3 والقضاء على العمليّة السياسيّة برمّتها وتفعيل الخيار العسكري، ومن ثم، فرض الحل المخبّأ في جعبة الأسد؛ تريد روسيا ممارسة مزيدٍ من الضغوط على المعارضة لإعادتها إلى طاولة التفاوض، لكن مع خفض سقف تطلّعاتها، والعمل على إعادة بثّ الحياة في جنيف 3، والوصول من خلاله إلى فرض حل سياسي متّفق عليه مع الولايات المتحدة يضمن لها مصالحها، ولا يختلف في جوهره عن الحل الذي يرتئيه النظام، فضلًا عن رغبة روسيا في إحراج تركيا وإرباكها عبر إغراقها بأفواجٍ جديدةٍ من النازحين الجدد المتوجّهين نحو حدودها المغلقة.

تبدو روسيا في عجلة من أمرها للوصول إلى مثل هذا الحل في الأشهر المتبقية من عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما والإدارة الأميركية الحالية، لأنها ليست على يقين من كونها تستطيع العمل مع الإدارة المقبلة، أكان على رأسها هيلاري كلينتون (الديمقراطية) أو دونالد ترامب (الجمهوري)، بالكيفي نفسهاّة التي تعمل بها مع أوباما وإدارته الراهنة.

بالمقابل، فإنه لا يبدو أن الولايات المتحدة في عجلة من أمرها لإنفاذ حلٍّ للأزمة السورية، فهي ما زالت تدير اللعبة من الخلف، وتحصد في أغلب الأحيان نتائج لعب الآخرين، ومن الواضح أنها لم تقف ضدّ معركة حلب، على الرغم من التداعيات التي رافقتها وأحاطت بها، لا بل برّرت، بصورةٍ أو بأخرى، وعبر العديد من تصريحات مسؤوليها، القصف العنيف الذي كانت تتعرّض له، خاصة تلك التصريحات التي أشارت إلى التداخل القائم على الأرض بين (جبهة النصرة) وفصائل المعارضة الأخرى، وعلى مدى الأسبوعين اللذين استغرقتهما المعركة، لم تُدن أو تشجب القصف بل دانت شدّته فحسب، واكتفت بأن دعت روسيا إلى الضغط من أجل لجم نظام الأسد.

توحي المواقف الروسية والأميركية بوجود تنسيقٍ وتوافقٍ بينهما على ممارسة المزيد من الضغوط على المعارضة السورية، وعلى ضبط التحرك السياسي والدبلوماسي في الإقليم وفي أوروبا لإبقائه تحت سقف توافقاتهما، وفي الوقت نفسه تظهر تناقضات في التصريحات توحي بأن التوافق بين البلدين العظميين هو على الحدود الدنيا فحسب، وهي الحدود التي لا تسمح بسقوط النظام ولا بانتصاره، كما لا تسمح بانتصار المعارضة ولا بانهيارها، وإن صحّت هذه التناقضات فإن هذا يعني أن حلّ الأزمة السورية ما زال مؤجلًا لحين توفّر التوافق الروسي الأميركي الكامل على سلّة من الملفات الدولية العالقة بينهما.

أمّا دول (أصدقاء الشعب السوري) الأوروبية والعربية فيبدو أنها الأقل تأثيرًا في هذا المسار، إذ انكفأ الدور الأوروبي، الفرنسي والألماني على وجه الخصوص، منذ إغراقهما بقضيتي الإرهاب واللاجئين، واقتصر على بعض التحركات السياسية والدبلوماسية. ففي لقاء برلين في 3 أيار/ مايو الذي جمع وزيري الخارجية الألماني والفرنسي مع الموفد الخاص للأمم المتحدة، أعرب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات عن امتعاضه من المقترحات التي حملها الموفد الخاص وأعلن رفض المعارضة لها، وفي لقاء باريس في 9 أيار/ مايو الذي جمع وزراء خارجية (أصدقاء سورية) طرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري البيان المشترك الأميركي الروسي لضبط تحرك هذه المجموعة، وفي نهايته جرى الإعلان عن الاتفاق على دعوة المجموعة الدولية لدعم سورية إلى الانعقاد في فيينا في 17 أيار/ مايو الحالي.

ليست تركيا أفضل حالًا، فقد انكفأ دورها أيضًا بعد أن جرى إنهاكها بعدة قضايا، كملفّ النازحين، وملف اللاجئين، مرورًا بملفي (داعش) و(الكانتون) الكردي الذي يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يُعدُّ امتدادًا سوريًا لحزب العمال الكردستاني التركي لإقامته على حدودها الجنوبية، والأهم، تأثير الأزمة السورية على السياسة الداخلية التركية، فثمة تقارير تتحدث عن عدم رضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الاتفاق الذي توصل إليه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو مع الاتحاد الأوربي بخصوص اللاجئين السوريين، وعن تباين أيضًا بين الاثنين في التعامل مع المسألة الكردية، وهي إحدى المسائل الكامنة وراء استقالة أوغلو من رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

استحقاقات

يمكن الإيجاز بأن القضية الشائكة الكبرى الآن في الأزمة السورية تتحدّد في أهم تجلياتها بقصور فعالية القوى السياسية السورية المعارضة وعجزها عن صوغ حلولٍ تتوافق مع تطلعات الشعب الثائر، هذا القصور، والضعف البنيوي لهذه القوى، جعل من الخارج الجهة الأكثر تأثيرًا في مسار الحلول والتسويات، وفي الكثير من الأحيان بات الخارج هو الطرف المُقرر.

يمكن لمعركة حلب أن تكون مقبرةً لمؤتمر لجنيف الثالث وللعملية السياسية، ويمكن أن تكون محطة لاستئناف مساره من جديد، ويبدو من مجمل التطورات أن الميل والقرار يصبان في جهة استئناف هذا المسار، وغالبًا سوف ينجلي هذا الأمر في اجتماع “مجموعة الدعم الدولية” الذي سيلتئم في فيينا في السابع عشر من هذا الشهر، لكن، لا ينبغي التعويل كثيرًا على تفاهمٍ أميركي ـ روسي في المنظور القريب يُطلق مفاوضاتٍ جادة تفضي إلى انتقالٍ سياسيٍّ ذي معنى.

في هذا السياق تبرز عقدة السقف الزمني الناظم لبرنامج أعمال مؤتمر جنيف الثالث والمُحدَّد بقرارات أممية والذي ينبغي على جميع الأطراف احترامه، فقد منح القرار 2254 مدة ستة أشهر لتشكيل “هيئة حكم ذات مصداقية وغير طائفية وشاملة”، وصوغ دستور جديد يُعتمد في غضون 18 شهرًا، وهذا يعني أن مهلة شهرين كحد أقصى تفصلنا عن الموعد المُفترض لتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، وعلى المعارضة السورية التمسك بهذه المواعيد لإحراج النظام السوري وحلفائه.

كذلك من الواضح أنه كلما تقدم الوقت ستزداد الضغوط الدولية على الهيئة العامة للمفاوضات بغية خفض سقف مطالبها، وفي الغالب ستتنوع الضغوط وتتوسع، وهذا يتطلب من الهيئة أن تكون لديها استراتيجية جادة وبرنامج متكامل لمواجهة هذه الأمور كلها، وقد يكون في مقدمة المطلوب:

ـ التفاهم بين مكونات الهيئة على الحفاظ على بنيتها بالاستناد إلى برنامج سياسي واضح ومتوافق عليه، يلبي الحدّ الأدنى من تطلعات الثورة السورية والمصالح الوطنية.

ـ تمسك الهيئة العليا للمفاوضات بربط التفاوض بوقف هجمات النظام، مع الضغط من أجل وقف إطلاق النار ليشمل كل سورية.

ـ وضع الملفّ الإنساني فوق الطاولة باستمرار، والإلحاح على إثارته في وسائل الإعلام وفي العلاقات مع الدول ومع الأمم المتّحدة.

ـ التمسّك ببيان جنيف 1 كمرجعية للمفاوضات، والإصرار على مبدأ الانتقال السياسي وفق الهيئة الحاكمة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة من دون الأسد.

ـ الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الدول العربية والإقليمية والدولية وعلى حوار مفتوح معها.

اضغط هنا لتحميل الملف