المحتويات
أولًا: جنيف أخرى تستدعي جولة جديدة
ثانيًا: تضارب أجندات الدول المتدخلة يمنع الحل
ثالثًا: حلّ سياسي أم تسوية سياسية؟
رابعًا: المعارضة السورية واستحقاقات اللحظة الراهنة
مقدمة
“لا تبالغوا في التفاؤل، ولا تتوقعوا معجزات”، كلمات قالها ستيفان دي مستورا عشيّة انطلاق جولة جديدة من جولات جنيف؛ بحثًا عن حلّ سياسي للمأساة السورية المزمنة، ولسان حال المعنيين الآخرين، لم يكن أقلّ تشاؤمًا، ما عدا الجانب الروسي، ومع ذلك؛ تتقاطر الوفود إلى جنيف، وتتوالد المنصّات والمجموعات، والتغطيات الإعلامية؛ تعلو السقوف والشروط من جانب الوفود، أو المتحدثين باسمها، لكنها سرعان ما تتبخّر، يُكثر المندوب الأممي من التهديدات والتحذيرات التي لا تسمح بها ولايته، بينما يلفّ الصمت مواقف دول متدخلة في الملف السوري. أما في الميدان، فإن المعارك التي يشنّها النظام وحلفاؤه تشتدّ وتيرتها في محاولة من النظام لتوسيع رقعة سيطرته على الأرض، على الرغم من تأكيد الجميع سريان وقف إطلاق النار الذي لم يحترمه النظام منذ سريانه، ولم يحترم الروس تعهداتهم بصفتهم ضامني الاتفاق ، وترتفع عقيرة النظام السوري بمعزوفة محاربته الإرهاب الذي يطاله في أحد مفاصله، وللمصادفة، مع كل جولة من جولات جنيف، ويطالب المعارضة بإدانة التفجيرين اللذين استهدفا فرعين أمنيين في حمص، ويُصِرّ على فرض محاربة الإرهاب بندًا أوّل، وربما بندًا وحيدًا، على جدول أعمال جنيف الذي لم يُحدّد بعد مرور أسبوع على انطلاق هذه الجولة.
يبدو أن الجميع لا يرى في هذه الجولة الجديدة، كما في المفاوضات، أفقًا لحدوث أي اختراق ذي معنى، هذا إن لم يكونوا على يقين من فشلها كسابقاتها، وهم في حال انتظار وتقطيع وقت، ما دامت الإدارة الأميركية الجديدة لم تُعلن سياستها تجاه الملفّ السوري، وبقيّة الملفّات في المنطقة، كي تتمكن هذه الأطراف من إعادة ترتيب أوراقها ومواقفها في ضوء الموقف الأميركي المُرتقب، إذ ستبني عليه -بالضرورة- تحالفات جديدة واصطفافات جديدة، وربّما صراعات من نوع جديد. وبناءً عليه؛ فإن جميع التصريحات والمواقف المعلنة لجميع الأطراف، لا يؤخذ بها، ولا تُعبّر -بالضرورة- عن حقيقة مواقفها وحدود التنازلات التي يُمكن أن تقدّمها.
أولًا: جنيف أخرى تستدعي جولة جديدة
وجّه المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، الدعوات إلى وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وإلى وفد النظام، لبدء جولة جديدة من مفاوضات جنيف في 23 شباط/ فبراير 2017، كذلك وجّه، بضغط روسي مُعلن، الدعوة إلى منصّتي القاهرة وموسكو؛ للمشاركة في هذه الجولة، وطالب بتوحيد وفود المعارضة في وفد واحد، مهدّدًا بعقد الجلسة بمن حضر، وحذّر من أن فشل هذه الجولة “سيفتح باب الجحيم في سورية”، وقال: إن النظام سيُحيل إدلب إلى حلب أخرى.
لم تُحرز تحذيرات دي مستورا وتهديداته نتائج تذكر، وهي تتنافى ومهماته، بوصفه وسيطًا أمميًّا، لكنها جاءت استجابةً منه لضغوط روسيا التي تحاول استثمار نصرها العسكري في حلب؛ لتسويق رؤيتها لحلٍّ في سورية، ما زالت بعيدة عنه، على الرغم من عقدها جولتين فاشلتين من مؤتمر أستانا الذي أريد له -كذلك- أن يكون بديلًا من مسار جنيف، وتبديلًا لمرجعيات الحلّ، مثلما حدّدته قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بدءًا بجنيف 1 عام 2012.
جلّ ما أمكن دي امستورا كان إقناع الوفود بقبوله -هو- حضور الوفود -معًا- جلسةَ الافتتاح التي اقتصرت على مداخلته، وبعد مرور أسبوع، منذ انطلاق الجولة التي ضاعت بحثًا في الأمور الإجرائية، وجدول أعمال سير المفاوضات، وزّع على الوفدين وثيقة، تُبيّن اقتراحاته لسير المفاوضات وآلياتها. لم يردّ النظام على وثيقة دي مستورا، لكنه ناقش رؤيته في جلسة مغلقة جمعتهما، فُهِم منها أن النظام يتهرّب من بحث الانتقال السياسي، ويُصرّ على بحث بند الإرهاب، كما يُعلن -عادة- في كل مناسبة؛ في حين أن وفد هيئة التفاوض قدّم إجابته عن وثيقة دي مستورا؛ مصرًّا على بحث الانتقال السياسي، وقدّم مطالعة طويلة للمأساة الإنسانية، وممارسات النظام وجرائمه التي ارتُكبت خلال أيام جنيف، وطالب بالبحث المتتابع للبنود، على أن تبدأ بالانتقال السياسي، لكنه عبّر -من خلال تصريحاته لوسائل الإعلام- عن بعض المرونة، باحتمال قبول البحث المتزامن لبنود التفاوض، وطالب بمفاوضات مباشرة مع وفد النظام.
انتهت هذه الجولة؛ حتى قبل موعدها المحدد، بالدعوة إلى جولة جديدة في 20 آذار/ مارس الجاري، دون أي إنجاز يُذكر؛ فلم ترقَ إلى مستوى المفاوضات، بل كانت محادثات لكل طرف على انفراد مع الموفد الأممي، وكل طرف يقول إن الأجواء كانت إيجابية، كما يراها؛ ففي حين قال رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، إنّ الموفد الأممي وافق على إدراج بند الإرهاب على جدول الأعمال، نقلت وكالة (إيتار تاس) الروسية أن دي مستورا رفض إدراج بند الإرهاب، وأنه يُصرّ على بحث بند الحوكمة، بوصفه بندًا أساسيًّا، كما ينصّ القرار 2254 لعام 2015، على أن يُبحث موضوع الإرهاب في مؤتمر أستانا جديد، أعلن الروس أنه سيُعقد في 14 آذار/ مارس 2017؛ ما يتوافق مع تصريح رئيس وفد المعارضة بأن الانتقال السياسي بات موضوعًا ثابتًا في المفاوضات. ويبدو أن صفقةً حدثت في اللحظات الأخيرة، وافق الروس بموجبها على بحث مسألة الانتقال السياسي في الجولة المقبلة، مقابل إدراج مكافحة الإرهاب بندًا في جدول الأعمال.
كان لافتًا حضور نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غوتيلف، في جنيف، واجتماعه إلى أطراف التفاوض كافة، وإلى الموفد الأممي. وخلال اجتماعه مع وفد الهيئة سمع انتقادًا لانحياز روسيا إلى جانب النظام، وتجاهلها مأساة الشعب السوري، واحتجاجًا على الفيتو الروسي السابع في مجلس الأمن الدولي، في الأول من آذار/ مارس على مشروع القرار الذي تقدّمت به كلّ من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية؛ لمعاقبة المسؤولين عن هجمات قوات النظام بالأسلحة الكيماوية، إضافة إلى أنه فشل في تحصيل موافقة على مشاركة وفد عن “حزب الاتحاد الديمقراطي” في المفاوضات التي تسعى موسكو لإشراكه فيها.
ثانيًا: تضارب أجندات الدول المتدخلة يمنع الحل
منذ أن دُوّلت القضية السورية؛ بفعل النظام واستدعائه التدخل الخارجي، في صوره المختلفة، بعد أن فشل في قمع ثورة السوريين، بدءًا من الميليشيات الطائفية التي تُسيّرها إيران، وبالحضور المباشر للحرس الثوري الإيراني، ومن ثمّ؛ باستدعاء التدخل الروسي منذ 30 سبتمبر/ أيلول 2015، فإن الشعب السوري يدفع من دماء أبنائه وعمرانه فاتورة الصّراعات الدولية على النفوذ في سورية، وفي بقيّة الملفّات المرتبطة بها؛ فروسيا التي تدخلت بطيرانها وأساطيلها، واستخدمت من القوّة العارية ما لا يتطلّبه مستوى الصراع عسكريًا، بغية فرض نفسها طرفًا فاعلًا، ودفع الغرب من أجل فتح باب مساومتها على الملفّات العالقة معه، قتلت ودمّرت وهجّرت وارتكبت ما يرقى -بحسب كثير من تقارير الأمم المتحدة- إلى مستوى جرائم حرب؛ ما زاد من مأزقها بعد تورّطها في هذا الصراع الذي عجزت -حتى الآن- عن تحقيق أي من الأهداف التي سوّغت فيها تدخّلها، إلّا إنقاذ النظام من الانهيار الشامل الذي أوشك عليه صيف عام 2015. إن هذا الإنجاز الذي يعدّه النظام مهمًا، لم يرقَ إلى مستوى الإنجاز الاستراتيجي الذي يُحوَّل في مجرى الصراع المستمر، فضلًا عن أن المعارضة التي تعرّضت -من دون شك- إلى ضربات موجعة، أبرزها في حلب، لم تستسلم، إضافة إلى أن الدول المتدخّلة لم تُسلّم لروسيا بانتصارها، وليس أدلّ على ذلك من فشل مؤتمري أستانا اللذين رعتهما، ولم يتمخّض عنهما غير الإعلان عن تثبيت وقف إطلاق النار الذي توصّلت إليه، بالاتفاق مع كلّ من إيران وتركيا، في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2016، ولم يلتزمه النظام، ولا الميليشيات الإيرانية، ولم يحترمه الروس أنفسهم؛ فما زال طيرانهم يساند قوات النظام كلما تعثرت في جبهة من الجبهات.
استغلّت روسيا نهج الإدارة الأميركية السابقة في الملفّ السوري، وسياستها في القيادة والتحكم بإيقاع الصراع من الخلف؛ لكن مع مجيء إدارة أميركية جديدة، لم تُعرف توجّهاتها تجاه سورية والمنطقة بعد، ولا سياستها تجاه روسيا نفسها، يبدو الارتباك والحذر الروسيّان سمة مواقفها، وتصريحات مسؤوليها، العسكريين منهم أو السياسيين، وتأخذ هذه التصريحات -عمومًا- صورة إيحاءات ورسائل، تحمل رغبة في التعاون البناء بين الدولتين في حلّ الأزمات الساخنة؛ لكنها لا تخلو من تحذيرات من مغبّة السير الأميركي في طريق المواجهة مع روسيا، في إطار الاستراتيجيات الدولية، وما تحمله من بوادر الصراع، وبخاصة أن الرئيس الجديد ما زال يُوزّع تصريحاته، ودعواته إلى استعادة مكانة أميركا الدولية التي أهدرتها الإدارة السابقة؛ إذ كانت سياساتها الخارجية كارثية على أميركا، كما قال في خطابه الأوّل أمام الكونغرس الأميركي.
لا يبدو حتى الآن، في ما بدر من مسؤولي الإدارة الأميركية، ما يسمح باستنتاج أن العلاقات الروسية- الأميركية مقبلة على مرحلة من الانفراج والتعاون، بل -ربما- العكس هو الأكثر توقعًا، فقد قال وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو في بروكسل: “لسنا في وضع مؤاتٍ للتعاون في المجال العسكري (يقصد مع الروس)، لكنّ قادتنا السياسيين سيبادرون إلى محاولة التوصّل إلى أرضية مشتركة، وطريقة لإحراز تقدم”. من جانب آخر، حذَّر وزير الدفاع الروسي واشنطن “من محاولة التفاوض مع موسكو من موقع قوة”، وذلك في معرض ردّه على ماتيس الذي قال في أحد تعليقاته: “إن واشنطن حريصة على أن تكون لدبلوماسيتها اليد العليا في أيّ مباحثة مع روسيا”. وفي السياق ذاته، يبدو مهمًّا الوقوف عند تصريح وزير الخارجية الأميركي، تيلرسون، إذ قال فيه: “إن التعاون مع روسيا مرتبط بموقفها من المعارضة السورية، وأن تتوقف عن وصف فصائل المعارضة جميعها بالإرهاب”.
والعلاقات الروسية الإيرانية، هي الأخرى، لا تبدو على مستوى التحالف الذي تدّعيه الدولتان، ذلك أن اختلاف رؤيتيهما للحلّ في سورية، واختلاف استراتيجية كل منهما حيالها، ظهر إلى العلن، وبخاصة بعد التوافقات التركية- الروسية، واشتداد الحملة الأميركية المعادية لإيران، ووصفها بأنها الراعي الأول للإرهاب في المنطقة. وفي حين يدعو علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، إلى “تحالف استراتيجي وثيق بين روسيا وإيران، في إيجاد حل سياسي وسط للنزاع في سورية”، ردًّا على نيّة أميركا إقامة تحالفٍ معادٍ لإيران في المنطقة، فإن قاسم سليماني، وفي زيارة سريّة إلى موسكو؛ وفقًا لما نقلته وكالة فوكس نيوز الأميركية عن مصادر استخباراتية، “أبلغ روسيا بأن علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع المملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول العربية، تثير غضب الجانب الإيراني”، كذلك تناول موقع “غازيتا” الروسي العلاقة الإيرانية- الروسية، عشية انطلاق جولة جنيف4، في مقالة أكد فيها أنه سيتعين على روسيا القيام في القريب العاجل بخيار غير بسيط؛ فالإدارة الأميركية الجديدة تقول -بوضوح- إنها لن تقيم حوارًا مع أولئك الذين يتعاونون مع إيران، وتتابع الصحيفة، إن التحالف الثلاثي الإيراني- الروسي- التركي بشأن سورية تحالف متناقض؛ لأن كلًّا من الدول الثلاث تتوخى أهدافًا متناقضة “تنفي حتى تحالف اللحظة”، وجميع ما يستند إليه الحلف الثلاثي في سورية هو -في الحقيقة- “تفاهمات غير معلنة”، لكن قبل هذا وذاك؛ فإن الميليشيات التي تُحرّكها إيران لم تلتزم مطلقًا وقف إطلاق النار، لكن السؤال الملحّ هو: إلى أي مدى تكون فيه إيران مستعدة للذهاب في تناقضها المخفيّ مع موسكو في سورية، إذا صعَّدت الإدارة الأميركية من حملتها ضد طهران؟ عند هذه العتبة، يُرجّح تراجع طهران أمام موسكو؛ لأنها لا تتحمل أن تبقى من دون غطاء استراتيجي في أي صورة من صور المواجهة مع الولايات المتحدة، ويبدو أن طهران قد بدأت الاستعداد لمثل هذه المرحلة، من خلال إعادة تموضع حزب الله اللبناني في سورية، بل وانسحابه إلى الحدود اللبنانية في القلمون؛ ساعيًا لعقد توافقات مع قوى المعارضة، بعيدًا من النظام، والأمر ذاته يحاوله في جبهات اللاذقية.
إن العلاقات التركية- الروسية، والتركية- الإيرانية، ليست في وضع يسمح بتقريب وجهات نظر الأطراف الثلاثة التي رعت وقف إطلاق النار، ومؤتمري أستانا، خصوصًا أن تركيا وضعت قدميها، بوصفها قوةً عسكرية، على الأرض السورية بعد سيطرتها على مدينة الباب الاستراتيجية، وتسعى للمشاركة بفاعلية في معركة تحرير الرقة التي تستعجلها الإدارة الأميركية؛ ما أزعج إيران، ووافقت عليه موسكو على مضض، وقد تكون المنطقة الآمنة على الحدود التركية التي كثيرًا ما طالبت بها أنقرة، ووافقت عليها الإدارة الأميركية الجديدة من حيث المبدأ، وتكفّلت دول الخليج بتحمل نفقاتها، مادة جديدة للخلاف التركي- الروسي؛ فروسيا لا ترغب في فتح باب المناطق الآمنة في سورية؛ لأنه يعرقل خططها في استعجال الحلّ الذي تريده، على الرغم من تصريحاتها بأنها لن تمانع في إقامة منطقة آمنة، إن كان ذلك بالتنسيق مع النظام السوري، وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، بلغة مباشرة حين قال: “لا يوجد تفاهم مشترك بين روسيا وتركيا حول مقترح المناطق الآمنة في سورية، وما زال ثمّة نقاش بين الجانبين حول هذا الموضوع، لكن، وفي المقابل، فإنّ تفاهمًا مشتركًا موجودٌ بين بلاده والإدارة الأميركية الجديدة حول هذه الفكرة”.
والدول الأوروبية الرئيسة، بريطانيا فرنسا وألمانيا، التي لم تصحُ -بعد- من صدمة وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ومن تصريحاته التي أقلقتها، حول مستقبل التحالف الأوروبي- الأميركي وحلف الأطلسي، هي -أيضًا- في تناقض مع توجّهات روسيا في سورية، وتحاول الدفاع عن مصالحها ونفوذها، لكنها تفتقد القدرة، وتنتظر رسوّ السياسة الأميركية الجديدة؛ كي تعيد حساباتها من جديد، لكنها تنشط على الصعيد السياسي، وتحاول الضغط على الروس في المحافل الدولية، وفي الإعلام الدولي، وعرقلة خططهم.
أما الدول الخليجية المتدخّلة في الصراع السوري، فقد غاب صوتها نهائيًا في هذه المرحلة؛ ويتحاشى المسؤولون الخليجيون أيّ تصريح تجاه روسيا، فهل حصلوا على تأكيدات أميركية توافق توجّهاتهم في مواجهة المشروعات التوسعية الإيرانية، ولا يجدون، من ثمّ، من داع لاستفزاز الروس في هذه المرحلة، في الوقت الذي تتعزّز فيه العلاقات التركية- الخليجية؟
لجميع ما سبق، فإن الحلّ السياسي المنتظر لا يبدو قريبًا، ولن تحرز مباحثات جنيف تقدّمًا ما دامت تموضعات الدول الفاعلة على ما هي عليها من تناقض في أجنداتها إلى هذه الدرجة. لكن المتغيّر الوحيد الذي يُمكن أن يُعدِّل في هذه اللوحة يتعلّق -حصرًا- بتغيّر مواقف الدول الفاعلة بالدرجة الأولى، تحديدًا الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، فهل هذا محتمل الحصول قريبًا؟
هناك بعض المؤشرات تدلّ على هذا التغيّر، فالقضية السورية باتت عبئًا ثقيلًا على العالم، وخطرًا متمدّدًا على أمنه، فضلًا عن توجّهات الإدارة الأميركية الجديدة لتحجيم إيران التي تذكي الصراع في سورية، وفي المنطقة، وليس من شكّ في أن إجبارها على سحب ميليشياتها من سورية سيسهّل الحلّ؛ كذلك يُمكِن تركيا أن تلعب دورًا مؤثرًا في تغيير المعادلات القائمة على الأرض، إذا ما حصلت على ضوء أخضر ودعم أميركيين، في ظلّ التقارب الذي تشهده علاقتها بالولايات المتحدة. أما روسيا، فالمؤكد أنها لا تريد التورّط أكثر من ذلك، وهي تستعجل حلًّا تقطف منه ثمارًا، بعد جميع ما أهدرته من إمكانات سياسية وأخلاقية وعسكرية، فهل ستوفّر لها التوازنات الدولية ذلك؟
بداهة، إن الحل السياسي للصراع في سورية، وعليها، يتطلّب توافقًا دوليًا، وتغييرًا في الاصطفافات السياسية القائمة للقوى الفاعلة فيه، وإذا لم يحصل ذلك، فإن الصراع العسكري سيبقى دائرًا، وستزداد حدّته، وتتوسّع رقعته أيضًا.
ثالثًا: حلّ سياسي أم تسوية سياسية؟
تُكثر الدول المعنية بالصراع السوري من الحديث عن حلّ سياسي لهذا الصراع، بعدما مُنع الحل العسكري بقرار أميركي في عهد إدارة أوباما، لكنّ جميع القائلين بالحل السياسي يقصدون ويعملون، كل من موقعه، على إنضاج تسوية سياسية. هذا اللبس المتداول والمقصود، لا يعود إلى خلل مفهومي كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، بل يعود -في الدرجة الأولى- إلى نظرة القائلين به الظالمة إلى الثورة السورية، وتجاهلهم المتعمّد أنها ثورة شعب من أجل الحرية والكرامة في مواجهة نظام استبدادي ظالم؛ فبعض الدول صنّفها حربًا أهلية، وبعضها الآخر قال بطائفيّتها، وهناك من عدّها تنازعًا غير مشروع على “سلطة منتخبة ديمقراطيًّا”، ولا يجوز، من ثمّ، تغييرها إلا عبر الانتخابات.
لم تعدم هذه التقييمات صدًى داخليًا في أوساط فئات أو كيانات أو أحزاب وأفراد، تجمعهم مصالح مع النظام، تتعلق بقضية السلطة، أو بالمنافعـ أو بالأيديولوجيا، أو حتى بالخوف المُتوهّم من التغيير. هذا جانب من الموضوع، لكن في جانب آخر، فإنه يعكس مصالح وأجندات دولية في سورية؛ ففي حين تقول المعارضة التمثيلية بما طالب به الشعب السوري، وهو تغيير النظام بجميع مرتكزاته ورموزه، تساوقًا مع شعار إسقاط النظام، فإن النظام وإيران اللذين اختارا الحل الأمني وسيلة لمواجهة الثورة، وما زالا عاجزين عنه حتى الآن، يُقرّان صراحة بـ “تسوية سياسية” إذا اضطرتهما المتغيّرات الدولية إلى قبول مبدأ التغيير؛ وسقف هذه “التسوية” تحدّده الرؤية الإيرانية بنقاطها الأربع التي تُختصر بتأليف النظام حكومة، يُشرك فيها بعضًا من المعارضين الذين يرضى بهم، وببعض الإصلاحات الشكلية الأخرى.
والنظام -في جوهره- عصيّ على التغيير، وعاجز عنه؛ بحكم بنيته وتاريخه ووظيفته التي نشأ فيها، إضافة إلى أنه لا يقبل طوعًا بالاستحقاق البديهي المتمثل بالعدالة الانتقالية والمحاسبة، التي لا بدّ أن تُجرّم مسؤوليه الذين تورطوا عميقًا في الدم السوري، وتطردهم خارج مجال السيطرة والتحكم؛ وهو ما زال، حتى الآن، يتمتّع بحماية ودعم سياسي وعسكري من أطراف دولية كثيرة ذات قدرة على التأثير في القضية السورية، منها من يُعلن موقفه هذا بصورة مباشر، أو يعمل عليه مداورة؛ أما إيران صاحبة المشروع التوسّعي المذهبي في المنطقة، والمتدخّلة بقوّة في الملف السوري، فإنها ترى في النظام القائم، ولأسباب كثيرة، عماد مشروعها هذا، وهي حريصة على استمراره، على الرغم من التكلفة الباهظة لموقفها هذا؛ لأنها تعرف تمامًا بأنّ في سورية مكسرًا لمشروعها، وتدرك أيضًا أنّ تغيير النظام، الذي باتت تتحكم في كثير من مفاصلة الحيوية، بداية لهزيمة شاملة لهذا المشروع برمّته.
الروس من جانبهم، وبالاستفادة من سياسة الإدارة الأميركية السابقة التي كانت تحاذر التدخل الفاعل في ملفّات المنطقة الملتهبة، يبحثون عن مواقع تأثير تُعيدهم إلى دائرة الفعل الدولي، وتفسح لهم المجال للتفاوض مع الغرب من موقع أفضل، وقد وجدوا في نظام الأسد الذي كان على وشك الانهيار، موقعًا ملائمًا لتوجهاتهم، ومسوّغًا بغطاء الشرعية التي يقولون بامتلاكه إيّاها، فضلًا عن كونهم معادين -بحكم ثقافتهم- لفكرة الحرية والتغيير، بدءًا من بلادهم، لذلك؛ قدّموا للنظام من أسباب الحماية السياسية والدعم العسكري ما يفوق قدرتهم على تحمّل تبعاته الاقتصادية والسياسية والأخلاقية، وعرقلوا تنفيذ القرارات الدولية التي شاركوا في وضعها، وتهرّبوا من الاستحقاقات التي تقتضيها في إنهاء مأساة الشعب السوري، ليس أدل على ذلك من استخدامهم الفيتو للمرة السابعة؛ لحماية النظام من المحاسبة الأممية.
لقد لخّص وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في اليوم السابع من جولة جنيف4، الرؤية الروسية للحلّ، بقوله: “نعمل للتوصّل إلى تسوية سياسية تنتج عنها حكومة مصالحة، أو حكومة وحدة، تعمل على إعادة الوفاق في سورية”. وقد لا يُزعج الروس فشل جنيف؛ ليقولوا للعالم: إن الأطراف السورية فشلت في التوصل إلى حلّ، ولا مخرج للأزمة إلا بمجلس عسكري مشترك، يضبط البلد، نعمل على إنضاجه في جولات أستانا، تلك التي أرادوها بديلًا من جنيف ومرجعيّاته التي لا توافقهم.
الدول الغربية المعنية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة، قد لا تكون مهتمة مباشرة بحماية أشخاص النظام، لكنها تريد تغييرًا مضبوطًا يلائم مصالحها، ويحافظ على الجزء النافع لها في بنية النظام، لذلك؛ تشارك الآخرين فكرتهم في أنّ هذه المرحلة تحتمل تسوية سياسية، بذريعة عدم توافر البديل المقبول.
قد تكون القرارات التي صدرت عن جنيف1 أكثر القرارات الدولية قربًا من الحل السياسيّ. فقد تضمّنت إقرارًا بتأليف هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهو ما يؤسس بصورة صحيحة للحل السياسي المنشود؛ إلا أن إغفال التطرق إلى مصير الأسد سمح لتلك الدول بأن تتهرّب وتناور على المصطلحات، وتعقد المؤتمرات من فيينا إلى أستانا، وتستصدر قرارات أممية، في محاولة للالتفاف على مرجعية جنيف1، ولإضعاف المعارضة وتيئيسها، ودفعها إلى القبول بالتسويات المعروضة، وفقًا للاصطفافات الدولية القائمة.
تُعقد التسويات -عادة- لحلّ النزاعات بين الدول المتصارعة، وغالبًا ما تتوخى حلولًا وسطيّة، يقبل بها طرفا الصراع، بحسب موازين القوى القائمة بينهما. لكن؛ عندما تُفرض تسوية في صراع داخلي، من نوع الصراع الدائر في سورية، فإن أيّ تسوية من هذا النوع ستكون ظالمة، كونها تنتقص من عدالة القضية، ومن المطالب التي خرج الشعب من أجلها، وتعمل لتغييب العدالة الانتقالية، وتسمح لمن تورط في ارتكاب جرائم بحق الشعب بالتهرب من المحاسبة والمساءلة، إضافة إلى أنها قد تُتيح للنظام إمكانية إعادة إنتاج نفسه، خصوصًا في ظلّ استمرار تماسك أجهزته الأمنية.
إن التسويات -عمليًا- هي تثبيت لواقع الانقسام المجتمعي، ومحاصصة طائفية أو جهوية أو إثنية؛ لأنها ستقوم بين كيانات ما قبل وطنية، وسوف تغيب معها مفهومات الشأن العام، والأغلبية والأقلية السياسيّتان، ومفهوم الشعب والمواطنة والمساواة أمام القانون، وهذه المفهومات هي جوهر الحلّ السياسيّ الذي ينبني -في الضرورة- على علاقات سياسية بين مواطنين أحرار، يؤسّسها دستور متوافَق عليه، تُعدّه جمعية تأسيسية منتخبة.
أما التسوية السياسية التي يجري العمل لفرضها، ووقف الصراع الدائر في سورية، سوف تقطع الطريق على حلّ سياسي حقيقي، يلبّي طموحات الشعب السوري، وتضحياته الهائلة في سبيل الأهداف المتوخّاة من وراء هذا الحلّ؛ وفي هذه الحال، وبعد أن يخفت صوت الرصاص، سيجد الشعب نفسه، على الأرجح، على موعد مع ثورة أخرى، ربّما بأساليب جديدة؛ حتى يتمكن من إعادة بناء كيانه الوطني الديمقراطي.
رابعًا: المعارضة السورية واستحقاقات اللحظة الراهنة
لا يمكن وصف واقع المعارضة السورية، بشقّيها السياسي والعسكري، عند هذه المحطّة من الصراع، بالمقبول، لا بل إنها تمرّ بمرحلة سيئة، وتكاد تفقد القدرة على المبادرة؛ لهول الضغوط التي تتعرّض لها، ولمحاولات إضعافها وتشتيتها، فضلًا عن التناقضات والخلافات التي تتناهبها من داخلها. إن مجال الضغط الأساسي هو الميدان، إذ تتعرّض لهجمات عنيفة من النظام والميليشيات الحليفة له، بغطاء جوي روسي كثيف، قبل وقف إطلاق النار وبعده، دون أن تتلقّى الدعم الكافي، فضلًا عن النوعي؛ ما أدّى إلى خسارتها كثيرًا من مواقعها. وتتمثل الضغوط السياسية -كذلك- بتفريخ منصّات المعارضة المفبركة التي تطالب بإشراكها في المفاوضات، وضمّها -بما تطرحه- إلى هيئة التفاوض، دون أن تمتلك تمثيلًا يُعتدّ به؛ كل ذلك من أجل إرباك وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وإرغامه على خفض سقف مطالبه، أو عزله وتحميله مسؤولية الفشل؛ وهناك ضغوط سياسية تُمارس بقصد التيئيس، عندما يغض المجتمع الدولي الطرف عن جرائم النظام الفظيعة، وانتهاكه حقوق الإنسان، وهي سابقة خطرة في العلاقات الدولية، يجري تمريرها بذريعة الفيتو الروسي المتكرر؛ لتعطيل مجلس الأمن الدولي، ثم هناك ضغوط الداعمين، ومحاولة كل طرف توجيه المعارضة والتحكّم فيها، وفقًا لمصالحه وسياساته.
ولمناسبة جنيف4، هناك من يقول: “إن المعارضة لم تستطع أن تراكم خبرةً في جولاتها التفاوضية الثلاث؛ لأنها غيّرت طواقمها التفاوضية في كل جولة؛ ما أفقدها الصدقية في نظر المجتمع الدولي، في حين بقي وفد النظام ثابتًا؛ إضافة إلى أنها لم تُطوّر خطابها، إذ بقيت عند جنيف1 ورؤيتها المقدّمة إلى مجموعة أصدقاء سورية في لندن الصيف الماضي، وعند مطالبتها بإسقاط النظام، وتقبل -لاحقًا- ما كانت ترفضه سابقًا”.
هذه المطالعة الناقدة التي توحي بالموضوعية، تلقي الضوء على نمط من الضغوط التي تواجه المعارضة، ويتجاهل أصحابها أن المفاوضات لم تحصل -عمليًا- حتى الآن، وأن النظام -أيضًا- لم يغيَّر في مواقفه، والأهمّ أنهم يتجاهلون أنها ثورة على النظام، لا يجوز التراجع عن ثوابتها وأهدافها، وإلا كفّت عن أن تكون ثورة.
ثمّة نقد كثير يُمكن، ويجب، توجيهه للمعارضة، لكن قبل هذا الحقّ ومعه، وتوخيًا للموضوعية، وحتى لا يكون النقد مطيّة للتنصل من المسؤولية، أو تبرئةً للذمم، من المفيد الإقرار بأننا أمام ثورة لا تندرج ضمن أنماط الثورات الكلاسيكية، إنها انفجار اجتماعي هائل في وجه الظلم والتهميش والاستبداد، لم تقده حركة أو حزب؛ كي يضبط إيقاعها وفقًا لكل مرحلة من تطوراتها، وليس هناك مفوضون للتصرف باسمها إلا بمقدار التزامهم بأهدافها.
لقد تكشّف هذا الصراع عن بعدين، لم يسبق لثورة أن واجهت مثيلًا لهما: أولهما؛ أنها ثورة قامت في مواجهة نظام محميّ دوليًا لصفته الوظيفية الموكولة إليه، وثانيهما؛ عمق الانقسام المجتمعي القائم، ورسوخ العلاقات ما قبل الوطنية التي زادها الاستبداد رسوخًا، وكانت تخفيه الشعارات القومية الواهية.
كذلك تكشّف انقسامًا سياسيًا حول القضية الوطنية بين النخب السورية، بغضّ النظر عن الأهداف والبرامج المرفوعة، فليس القائلون بالديمقراطية أو الوحدة أو العدالة الاجتماعية أو حقوق الإنسان، جميعهم مخلصون لمقولاتهم، فثمّة من هم أسرى الانحيازات الأيديولوجية أو الطائفية، أو حتى الحزبية العصبوية، على حساب انحيازهم المُفترض للقضية الوطنية الجامعة.
نعم! كان مطلوبًا من المعارضة، بعد أن تبيّن حجم التعقيد الذي أحاط بالقضية السورية، أداءً أفضل، وآليات عمل أكثر جدوى على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية كافة، خاصة عند هذه اللحظة المفصلية من مسيرة الثورة؛ لأن القضية لم تعد تحتمل التجريب. فالمطلوب من قوى الثورة العسكرية أن تتوحّد حول مشروع سوري جامع، وأن تضع عملها العسكري في خدمة السياسي، وسوف يكون خطأً قاتلًا إذا انطلت على الفصائل العسكرية، أو بعضها، الخطة الروسية بتسويق محاصصة ما على السلطة مع النظام، من ضمن مجلس عسكري مشترك، بديلًا من هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في القرارات الدولية.
لقد آن للأفراد، أو الأحزاب المنخرطة في الهيئات التمثيلية للمعارضة السياسية، الخروج من ذواتها وحزبيتها الضيقة، بما يقتضيه الواجب الوطني، وتضحيات الشعب السوري، ومن الخطأ أن تُعير المعارضة وشوشات المنصّات، أو من يدّعي المعارضة اهتمامًا، أو تتهيّب الضغوط الممارسة عليها من الأصدقاء، أو الأعداء؛ لأن الطرفين يحتاجان إليها بمقدار حاجتها إلى أصدقائها، وإلى دعمهم. إضافة إلى أنه من الضروري للمعارضة أن تطوّر وتوسّع خطابها الإعلامي، وتوصله إلى الرأي العام العالمي، ويمكنها الاعتماد على طاقات السوريين المهجرين في دول الشتات، في حال عُمِل في تفعيلها، فكسب الرأي العام العالمي إلى جانب القضية السورية العادلة لا يقلّ أهمية عن كسب الدول الفاعلة، ومن هنا تأتي أهمية التواصل مع المجتمع الدولي والتفاعل البنّاء مع متغيّراته.
خاتمة
حاول دي مستورا في اليوم الثامن من هذه الجولة التي لم يُتفاوض فيها، أن يوحي بأن إنجازًا قد تحقّق، بعد جلسات عدّة مع وفدي التفاوض، وهو موافقة الطرفين على جدول أعمال للجلسة المقبلة، في 20 آذار/ مارس الجاري، مُحدّدًا بثلاثة بنود، هي: الحوكمة والدستور والانتخابات. إضافة إلى أن متابعة تصريحات الطرفين، بعد ذلك، توحي -هي الأخرى- بأن إنجازات قد تحقّقت، ففي حين صرح وفد النظام بأن جدول المفاوضات يضم أربعة بنود، مُضيفًا من عنده بند الإرهاب، صرّح وفد الهيئة بأن النظام وافق بضغط روسي على بحث الانتقال السياسي، وتشكيل هيئة حكم انتقالي، وأنّ الدستور تَعُدّه هيئة منتخبة. لكن وزير الخارجية الروسي صرح من جانبه بـ “أن وفد الهيئة أفسد المفاوضات، وأن الهيئة غير مؤهلة للتفاوض مع النظام”. هذا كله يُدلّل على أن اللعب على المصطلحات ما زال سيد الموقف لدى الأطراف كافّة، وليس هناك أيّ إنجاز فعلي قد تحقق، وما زال البحث يدور حول الأمور الإجرائية. وبذلك؛ تنضم جنيف4 إلى سابقاتها من المؤتمرات الفاشلة، فطاولة المساومات الدولية لم تُفرد بعد، وعلى السوريين أن يتابعوا ثورتهم، وأن يكونوا مستعدين لمزيد من التضحيات؛ لأن النظام ماضٍ في حلوله العسكرية، ما دام هناك من يُقدّم له إمكانات الاستمرار التي افتقدها منذ سنوات.