المحتويات
ثانيًا: خريطة الطريق الأميركية للتصعيد مع إيران
خامسًا: التداعيات على المسألة السورية
أولًا: مقدمة
وضعت الاستراتيجية التي أعلنها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في 21 أيار/ مايو 2018، الولايات المتحدة على مسار مواجهة مع إيران، إذ حدّد اثني عشر شرطًا للتوصل إلى إطار جديد شامل للعلاقة معها، مُهدّدًا إياها بـ “أقوى عقوبات في التاريخ” إن لم تُبدّل سياساتها. وهو يعني الانتقال من سياسة “الاحتواء” التي اعتمدها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلى سياسة “الردع” في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يضع إيران أمام خيارات صعبة: المواجهة، أو التعاطي الإيجابي مع الإرادة الأميركية، أو اللجوء إلى المراوغة لتأجيل الاستحقاقات، كما ستقوّض الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران جهد أوروبا لإنقاذ الاتفاق النووي.
ثانيًا: خريطة الطريق الأميركية للتصعيد مع إيران
تتضمن الشروط الأميركية المطلوبة من إيران ملفات عديدة، ارتبطت باسمها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهي:
1 – الكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل السابقة لبرنامجها النووي.
2 – إيقاف نشاط تخصيب اليورانيوم، وعدم إنتاج البلوتونيوم، وإغلاق مفاعل المياه الثقيلة “آراك”.
3 – السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول، غير المشروط، إلى جميع المواقع النووية.
4 – إنهاء نشر الصواريخ “الباليستية “القادرة على حمل رؤوس نووية.
5 – إطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة المعتقلين في إيران.
6 – إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، بما فيها “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
7 – احترام سيادة الحكومة العراقية، والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية.
8 – إيقاف دعم الميليشيات الحوثية، والعمل على تسوية سياسية في اليمن.
9 – سحب جميع القوات الإيرانية من سورية.
10 – إنهاء دعم “طالبان” والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة، وعدم تقديم مأوى لقادة “القاعدة”.
11 – إنهاء دعم “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” للإرهابيين عبر العالم.
12 – إيقاف تهديد إيران لجيرانها، بما يشمل تهديدها بتدمير “إسرائيل”، والصواريخ التي تستهدف السعودية والإمارات، فضلًا عن تهديدها الملاحة الدولية، وهجماتها “السيبرانية” المُخرّبة.
أعلن بومبيو استعداد الإدارة الأميركية للتفاوض مع إيران على “اتفاق جديد” أوسع بكثير ولكن أكثر صرامة من أجل “تغيير سلوكها”. وأضاف “مقابل القيام بتغييرات كبيرة فإن أميركا مستعدة لرفع العقوبات وإعادة العلاقات الديبلوماسية والتجارية مع إيران ودعم اقتصادها”، وشدّد على أن ذلك لن يحدث إلا بعد “تطورات ملموسة يمكن التحقق منها”، وختم “في نهاية الأمر، على الشعب الإيراني اختيار قادته”.
كما أعلن عن ثلاثة مستويات للتعامل مع إيران: أولها، ممارسة ضغط مالي عن طريق فرض “العقوبات الأقسى في التاريخ”. وثانيها، التعاون مع حلفاء أميركا لمنع إيران من التصرف وكأنها تملك “كرت بلانش” في المنطقة. وثالثها، الدفاع عن الشعب الإيراني ومساندة التظاهرات ضد البطالة وسوء الإدارة.
الرسالة التي حملتها خريطة الطريق الأميركية بالنسبة إلى الشرق الأوسط، تُطالب إيران بانسحاب استراتيجي من المنطقة، بعد أن أقامت حضورها على “النظرية الاستباقية” من خلال “الحروب بالوكالة”، كما تنطوي الرسالة على دعوة أميركية إلى “تغيير النظام الإيراني”.
يمكن أن تخفف من وطأة خريطة الطريق الأميركية معوّقات عديدة، من أهمها عدم انضمام القوى الدولية الأخرى الموقعّة على الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 إلى المسعى الأميركي. إضافة إلى اعتماد إيران على الصبر وتحمل تداعيات العقوبات.
ثالثًا: التداعيات الدولية
يُمثّل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران معضلة كبيرة لكل الأطراف الدولية الأخرى الموقّعة عليه، أي روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ويمكن لهذه الأطراف الاستمرار فيه. ولكن –من الناحية العملية– بات الاتفاق في حكم المنتهي لعدة اعتبارات: أولها، أن أميركا وإيران هما الطرفان الأساسيان فيه، أما الدول الخمس الأخرى فهي في منزلة الضامن للاتفاق. وثانيها، أن إعادة العقوبات الأميركية ضد إيران ينشئ حالة من عدم اليقين حول الاقتصاد الإيراني، يجعل من الصعوبة على أي شركة أجنبية المجازفة بالاستثمار في السوق الإيرانية.
لم يعد خافيًا الانقسام في المواقف الأميركية والأوروبية حيال ملفات كثيرة، بعضها آني مثل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني وتداعياته، وبعضها قديم، يخصّ الجوانب التجارية التي برزت في الفترة الأخيرة، وهذه الانقسامات تُنذر بحرب تجارية بين أميركا وأوروبا، خاصة بعد أن أعلنت أميركا في 31 أيار/ مايو 2018، أنها ستُنفّذ قرارها بفرض رسوم على الفولاذ والألمنيوم الأوروبيين، بما ينطوي على مسّ للسيادة الأوروبية، وهذا ما أشار إليه الخبير الفرنسي باسكال بونيفاس (مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس) إذ رأى في “رغبة ترامب في منع كل الموقعين الآخرين على الاتفاق النووي الإيراني، وأي بلد آخر، من الاستمرار في نسج علاقات تجارية مع إيران، مساسًا كبيرًا بسيادتها”.
لخّصت فريدريكا موغوريني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الموقف بالقول: إن الاتفاق النووي “من أهم الإنجازات الديبلوماسية التي تحققت”، على الرغم من أن الرئيس ترامب اعتبره “كارثيًا”، فالمشكلة بالنسبة إلى الأوروبيين ليست في خروج أميركا من الاتفاق فحسب، وإنما في العقوبات التي أقرتها على الشركات التي تتعامل مع إيران، والتي ستبدأ أميركا في تطبيقها بدءًا من شهر آب/ أغسطس المقبل.
وهكذا، يسعى الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق، فهل يستطيع الثلاثي –فرنسا وألمانيا وبريطانيا– أن يصمد أمام الإرادة الأميركية، والحفاظ على مصالحه التجارية مع إيران ما دامت ملتزمة تعهداتها؟ وإذا استطاع اتخاذ تدابير، من بينها السماح للبنك الأوروبي بالاستثمار مباشرة في إيران وتنسيق خطوط الائتمان المقوّمة باليورو، فهل يستطيع الصمود أمام هيمنة الدولار، ووجود نشاط للشركات الأوروبية في أميركا؟
من المؤكد أن شركات وبنوك أوروبية عديدة سوف تمتنع عن توقيع عقود مع إيران، بل إن بعضها أعلن انسحابه من السوق الإيرانية (شركة توتال الفرنسية)، بعد أن راحت الدول الأوروبية، غداة توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، تتسابق على توقيع العقود وكسب المزيد من الحصص في هذه السوق.
كذلك، فإن الموقف الأوروبي الموحد، الذي ظهر في مؤتمر صوفيا مؤخرًا، يخفي تباينات في المواقف والمصالح، إذ إن أغلب دول أوروبا الشرقية والوسطى تعتبر أنها أقرب إلى أميركا منها إلى أوروبا، فمثلًا وزير خارجية بولندا، جاسيك تشابوتوفيتش، أعلن معارضة بلاده أي تحرك أوروبي “يُضعف العقوبات الأميركية المفروضة على طهران”.
حاول مسؤولون من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا في فيينا في 25 أيار/ مايو بلورة استراتيجية مع عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، لإنقاذ الاتفاق والالتفاف على العقوبات الأميركية، حيث سعى عراقجي وراء ضمانات من الأوروبيين لاستمرار الاتفاق، وتعهدت هذه الأطراف أنها ستواصل شراء النفط الإيراني.
من جهة أخرى، يأمل الأوروبيون أن يؤدي التصعيد الأميركي ضد إيران إلى دفعها للقبول بـ “اتفاق نووي جديد”، بشروط أكثر انسجامًا مع المطالب الأمنية للمنطقة والعالم، ما يعكس الرغبة الأوروبية في عدم زيادة الخلاف مع أميركا، خاصة بعد تصريحات الوزير بومبيو الذي أشار إلى أن واشنطن لا تزال راغبة في العمل مع شركائها الأوروبيين لـ “التوصل إلى اتفاق جديد لمواجهة سلوك إيران المؤذي”، إضافة إلى أن حجم التبادل التجاري الأوروبي مع أميركا يفوق حجم التبادل مع إيران (450 مليار دولار مقابل 15 مليار دولار).
أما روسيا، فقد حذر الرئيس بوتين من مأزق بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران، وبعد إعلان “خريطة الطريق” الأميركية، وأعلن أن بلاده “لن تُشارك في فرض عقوبات أحادية على إيران”، واعتبر أن إيران “قدّمت تنازلات واسعة وتنفذ التزاماتها”، وأضاف إنه ليس مقبولًا “مراجعة الاتفاقات مع كل انتخابات أميركية كل أربع سنوات، لأن هذا يؤدي إلى عالم خالٍ من الثقة”.
وهكذا، تتطابق مواقف روسيا المعلنة مع مواقف أوروبا في شأن ضرورة “التمسك بالاتفاق النووي”، على أمل تشكيل تحالف جديد، يفتح أبواب الحوار مجددًا مع أوروبا حول ملفات أوكرانيا وسورية والعقوبات وتوسّع الحلف الأطلسي شرقًا. وقد عكست القمتان، الروسية – الألمانية والروسية – الفرنسية، توجّهًا أوروبيًا لاستئناف التعاون مع روسيا، والمضي قدمًا نحو المصالح المتبادلة. وقد تكون خيبة الروس والأوروبيين من سياسة الإدارة الأميركية فرصة لروسيا لإعادة تشكيل المحاور الدولية.
في الواقع، لن يُساعد إيران أن تكون روسيا حليفتها الرئيسة في سياساتها الإقليمية، لأنها على استعداد لعقد صفقة مع الأميركيين والأوروبيين لقاء إيقاف العقوبات المفروضة عليها، والمساومة على ملفي القرم وأوكرانيا.
أما الصين، فهي تواجه وضعًا دقيقًا، على خلفية اعتماد شركات صينية عديدة على مكوّنات أميركية في صناعتها. وهي تعتمد على استراتيجية براغماتية، وقد استشرفت الموقف الأميركي فبدأت بتخفيض وارداتها من النفط الإيراني.
رابعًا: التداعيات الإقليمية
ثمة تطوران إقليميان ملفتان: أولهما، انكسار الهيبة الإيرانية، بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية في سورية. وثانيهما، ما تمخضت عنه الانتخابات العراقية، التي استنهضت وطنية عراقية جامعة، مما أثار لدى النظام الإيراني أقصى الحذر.
بالنسبة إلى تركيا، تركها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وخريطة الطريق اللاحقة، أمام خيارين: إما المضي وراء إيران وتجاهل سياساتها المرتبطة بملفات التمدّد العرقي والمذهبي، أو الالتحاق –مجددًا– بما يطرحه الحليف الاستراتيجي الأميركي عن مخاطر السياسات الإيرانية. فعلى الرغم من تعارض المصالح مع إيران في أكثر من ملف ثنائي وإقليمي، خاصة في سورية والعراق، يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “نرفض هذا القرار الأميركي الذي ينتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”، وفي خلفية هذا الموقف تأتي الشركات التركية في المرتبة الثانية بين الشركات التي ستتأثر بالعقوبات الأميركية.
أما “إسرائيل”، فهي تتشدّد في إبقاء منطقة الحدود الإسرائيلية – السورية خالية من أي وجود لميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وقال رئيس الوزراء نتنياهو في الكنيست، يوم 28 أيار/ مايو 2018، عشية زيارته إلى أوروبا لعرض الأمور التي تعتبر ضرورية بالنسبة إلى أمن “إسرائيل”: “نؤمن أن لا مكان لأي وجود عسكري إيراني في أي جزء من الأراضي السورية.. هذا يعكس ليس موقفنا فحسب بل يمكنني أن أقول بكل ثقة إن هذا الموقف يعكس أيضًا مواقف أطراف أخرى في الشرق الأوسط وخارجه”.
من جهته، ينقسم العالم العربي إلى محورين متصارعين: الدول الواقعة تحت النفوذ الإيراني (سورية، العراق، لبنان، اليمن)، وهذه تُدرك أنها ستكون ساحة مواجهة أميركية – إيرانية. والدول المتحمسة للاستراتيجية الأميركية، التي تحدثت دولة الإمارات العربية المتحدة باسمها على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي اعتبر أن المنطقة “لطالما عانت من الخطاب والفعل الإيراني الذي لا يحترم السيادة والشأن الداخلي”، وأن بلاده “ستواصل العمل مع الحلفاء لمواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، وعرقلة تمويلها للإرهاب، والتعامل مع نشر إيران للصواريخ وغيرها من أنظمة الأسلحة المتقدمة التي تهدد السلام والاستقرار”، ويبدو أن لدى الدول الخليجية فرصة كبيرة في رفع إنتاجها من النفط والغاز، واستهداف الأسواق التي كانت تعتمد على الصادرات الإيرانية.
أما ما تبقى من الدول العربية فعمّ الصمت فيها، فلا هي قادرة على مواجهة موجبات خريطة الطريق الأميركية، ولا هي مستعدة للسير بما تريده أميركا، نظرًا إلى حساسيات داخلية قد تفجر استقرارها الهش.
خامسًا: التداعيات على المسألة السورية
في خريطة الطريق الأميركية، أدرج بومبيو خروج إيران من سورية شرطًا من الشروط المطلوب منها تنفيذها، انطلاقًا من أنّ الخطوة الأولى لمواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني لا بدَّ أن تبدأ من سورية بوصفها الساحة التي تشهد وجودًا عسكريًا إيرانيًا مباشرًا.
يبدو أنّ الحسابات الإيرانية آخذة في التداعي، خاصة أنّ روسيا، الفاعل الرئيس في سورية، لا تتوقف عند حدود المطالبة بخروج الإيرانيين وأذرعهم العسكرية فحسب، بل إنها –بعد زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربع إلى موسكو ومحادثاته مع الرئيس بوتين– باتت تقف موقف المتفرج من الغارات الإسرائيلية المتتالية على المواقع والمخازن الإيرانية في مناطق عديدة من سورية، ما يشير إلى خطة، توافقت روسيا وأميركا على تطبيقها، في إطار تقسيم عمل متفق عليه بين الطرفين، بهدف الانتقال إلى حل سياسي في سورية، ما فتئت سلطة آل الأسد المدعومة من إيران تعرقله.
وإذا كانت الإدارة الأميركية جادة في إجبار إيران وأذرعها المذهبية على الانسحاب من سورية، فهذا يعني أنّ القوات الأميركية ستبقى في سورية على المدى المنظور، لأنّ خروجها يعني أنّ إيران ستملأ ذلك الفراغ. إذ لا يمكن أن يكون هناك استراتيجية أميركية لمواجهة إيران وسلوكها العدائي في المنطقة مع استثناء سورية، التي تعتبر واحدة من أهم ساحات النفوذ الإيراني اليوم، ربما تستخدمها –في المستقبل– للوصول إلى ساحات جديدة في دول أخرى.
وإذا كانت سلطة آل الأسد تستطيع، حتى اليوم، التلاعب بأوراق إيران لحساب روسيا، خاصة بعد الرسالة التي حملها الأسد معه من لقائه مع بوتين في سوتشي مؤخرًا، فإنها لن تستطيع سدّ ثغرات خروج إيران وأذرعها من سورية، إلا بالخضوع لتسوية سياسية تعمل لها القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المسألة السورية، تحت رعاية توافق أميركي – روسي.
إنّ تداعي الحسابات الإيرانية في سورية، والحراك الدولي الأميركي – الروسي – الفرنسي المدعوم إقليميًا، قد يفتح أفقًا لإيقاف المقتلة السورية والشروع في تسوية سياسية، لا تتناسب نتائجها المباشرة مع حجم تضحيات الشعب السوري، ولكنها تنطوي على إمكانية الانتقال السياسي والتخلص من سلطة الاستبداد.
سادسًا: الخيارات الإيرانية
ما أعلنه وزير الخارجية بومبيو في خريطة الطريق الأميركية ينذر بنهاية أحلام التوسعية الإيرانية، بعد حقبة “سماح” أميركية منذ احتلال العراق عام 2003، مرورًا بالاتفاق النووي عام 2015.
بعد إعلان بومبيو أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانًا مطوّلًا، رفعت فيه سقف الرد، إذ وصفت بنود الإعلان بـ “السخيفة والمهينة للإيرانيين”، ورفضت اتهامات وتهديدات الوزير الأميركي التي طرحها في “الاستراتيجية الجديدة”، معتبرة أنها “تطرح أكاذيب” موجّهة ضد دولة في الأمم المتحدة. كما ورد في البيان أن إيران ستحتفظ بـ “حق الرد “، وأن واشنطن ستكون “مسؤولة عن عواقب أي خطوة غير قانونية سترتكبها إزاء طهران”.
يبدو أن العقوبات التي ستفرض على إيران، والمطالب الاثني عشر الأميركية، ستضع إيران أمام ساعة الحقيقة وستفرض عليها خيارات صعبة، حيث من المستبعد الخيار العسكري مع أميركا، لما ينطوي عليه من تعريض النظام الإيراني للانهيار. أما خيار التهديد بتوسيع نشاطها النووي فقد يعود عليها بمزيد من العقوبات، والدفع بالدول الضامنة للانسحاب من الاتفاق النووي، ويبقى الخيار الأكثر احتمالًا هو التفاوض على “اتفاق جديد” مع المساومة على مناطق النفوذ، وهذا هو الخيار الذي يمكن أن تسعى له الدول الضامنة، خاصة الدول الأوروبية التي عارضت الانسحاب الأميركي من الاتفاق واعتبرته متسرّعًا.
لكن يبدو أن المستوى الداخلي الإيراني سيشهد صراعات بين أجنحة النظام، وقد يتعرض الرئيس روحاني لضغوط للاستقالة، أو سحب ثقة خامنئي، بهدف معالجة إخفاقات الوعود التي طرحها في حملته الانتخابية. وقد يسعى التيار الأصولي لإقناع المرشد الأعلى بالانسحاب من الاتفاق النووي، وكذلك معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، واستئناف النشاط في المفاعلات النووية، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم.
ربما تحاول إيران، كما هو الحال قبل الاتفاق النووي في عام 2015، الالتفاف على العقوبات الأميركية وإيجاد منافذ بديلة، من خلال تجارة المقايضة المكلفة، وهو ما سينعكس سلبًا على المواطنين الإيرانيين الذين سيجدِّدون تحركاتهم الشعبية المطالبة بالتغيير والتخلص من نظام الولي الفقيه.
سابعًا: خاتمة
لا يتوقف أثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني على العقوبات الاقتصادية فحسب، بل ينطوي على انعكاسات جيواستراتيجية خطيرة، حيث لا يكتفي بتمزيق الاتفاقات الدولية المتعددة الأطراف، بل يفتح على خلط أوراق عميق في العلاقات الدولية.
إن استراتيجية “الحصار الاستراتيجي” الأميركية قد تدفع إيران إلى اعتماد استراتيجية المواجهة وتحمل تبعات العقوبات التي قد لا تكون سهلة، لأن الشركاء المحتملين، من أوروبا إلى روسيا فالصين وتركيا، سيكونون أمام معادلة صعبة، نظرًا إلى أن إبقاء التعامل مع إيران على حاله، سيعني جعلهم في مواجهة الأميركيين وعقوباتهم.
ويبقى التساؤل مشروعًا بحكم تجارب الإدارات الأميركية، هل هناك احتمال أن تكتفي إدارة ترامب بإعادة هيكلة الاتفاق النووي وترويض سلوك إيران النووي، وتغض الطرف عن النفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان؟!