شهدت الأسابيع القليلة الماضية جملة من التحركات ذات طابع سياسي وأمني من طهران وإليها، تركت انطباعًا بأن إيران أرادت أن تبعث برسائل إلى الجهات التي تريد أن تصلها رسائلها، منها زيارة الأسد إلى طهران الغامضة في دوافعها والمعلن من نتائجها، وكذلك زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني وطبيعة الوفد المرافق له والعراقيين الذين التقاهم من مسؤولين رسميين أو قيادات حزبية أو المرجعية الشيعية، ثم تلا هذين التحركين اجتماع رؤساء أركان الجيوش الإيرانية والعراقية والسورية في دمشق، وغاب -أو غُيِّب- عنها الجانب الروسي على الرغم من حالة التنسيق الأمني التي تجمع الأطراف الأربعة، واستدعت زيارة لوزير الدفاع الروسي إلى سورية من دون أن تُعرف بدقة الأمور التي بحثها شويغو مع الأسد أو الرسالة التي حملها إليه من بوتين.
وقد أثيرت الكثير من الأسئلة والتكهنات على خلفية تلك التحركات والرسائل التي رافقتها في محاولة من المهتمين، دولًا أو أحزابًا أو أفرادًا، لمعرفة توجهات السياسة الإيرانية في هذه المرحلة، التي تشتد فيها العقوبات الأميركية، ويتوسع جهد الولايات المتحدة لمحاصرة إيران وعزلها سياسيًا على المستوى الدولي، وقد ذهب البعض إلى الاستنتاج بأن إيران تحاول استعادة زمام المبادرة في سورية، بعد أن أحجمت حتى عن الرد على الاستهداف الإسرائيلي المؤثر لمواقع تمركزها على الأراضي السورية، وإفهام الأطراف التي تضغط عليها في عدد من الملفات، ومنها وجودها العسكري في سورية، بأنها ماضية في استراتيجيتها ولن تثنيها تلك الضغوط أو التهديد بالحرب عن خططها، وأنها مستعدة لكل الاحتمالات، ولديها النية على المواجهة العسكرية في حال فرضت عليها، والقدرة على إيذاء أعدائها من خلال تحالفاتها في المنطقة أو ميليشياتها المنتشرة في أكثر من دولة شرق المتوسط. كما أن الاستنتاج بأن إيران ربما تكون أمام مرحلة من إعادة الحسابات والتركيز على النفوذ الاقتصادي بديلًا قد يكون ممكنًا عن التموضع العسكري في سورية، الذي بات مكلفًا لها، استنتاج له ما يبرره في ظل المعطيات الدولية والإقليمية التي ترافقت مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة وانسحابها من الاتفاق النووي، وسعيها الحثيث لتحجيم الدور الإيراني، وتطمين حلفائها في المنطقة إزاء خطرها.
فعلى أي الخيارين سوف ترسو إيران في المرحلة المقبلة، أم أن الصراعات الداخلية وهيمنة الجناح المتشدد وذراعه العسكرية، الحرس الثوري الإيراني، على مراكز القرار في طهران، يدفعها إلى العمل على الخيارات المتاحة كافة، ما دامت الولايات المتحدة تقدم خيار العقوبات الاقتصادية على خيار الحرب حتى الآن، وتقطيع الوقت على أمل مجيء إدارة أميركية جديدة، قد توصل ما قطعته الإدارة الحالية من حبال الود والتفاهم الضمني، التي ربطت بين طهران وواشنطن في المرحلة الماضية؟
يمكن تحميل البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل.