ملخص
ممّا لا شكّ فيه أن الحروب من أكبر الكوارث التي تحصد أرواح البشر، حيث إن آثارها تتجاوز حدود الموت بكثير، خاصة حالات الفقدان؛ لأن الأثر النفسي الناتج عن الموت يخفّ مع مرور الزمن، أما الفقدان فله ألم نفسي ومادي يتجدد كل يوم، وهذا الألم يصيب المفقود وعائلته في وقت واحد.
أضحت الحرب السورية أشدّ إيلامًا وأعمق أثرًا، بسبب الأعداد الهائلة من المهجّرين من منطقة إلى أخرى، ضمن حدود سورية وخارجها، ويضاف إلى ذلك الأعداد الكبيرة من المغيّبين قسرًا في المعتقلات التي أصبحت مكانًا شبه مؤكد للموت.
بناءً على تلك المعطيات، أصبح تخفيف المعاناة الناتجة عن الفقدان واجبًا دوليًا وإنسانيًا، سواء عبر القوانين الوطنية، من خلال البحث الجاد عن المفقودين، أو عبر إصدار الحكم باعتبار المفقود ميّتًا، بعد مرور مدة زمنية محددة، وذلك استنادًا إلى إجراءات قانونية سليمة مواكبة للتطور التكنولوجي. من جانب آخر، يجب العمل على تطبيق قنوات الاتصال بين الأطراف المتنازعة، وتوسيع عمليات البحث وإنشاء الهيئات المتخصصة بهدف تحديد مصير المفقودين.
مقدمة
حماية الإنسان وصيانة حقوقه هي الغاية الأساسية للتشريعين المحلي والدولي، وبرز ذلك من خلال المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وإعلان أوروبا لحقوق الإنسان، إلى جانب النصوص التي اعتمدتها الدساتير الوطنية. وحقوق الإنسان لا تباع ولا تشترى ولا يمكن انتزاعها، لكن الحروب تعرقل تطبيق القوانين الرامية إلى حماية تلك الحقوق بدرجات متفاوتة[1].
مشكلة المفقودين من الإشكاليات التي تأخذ اهتمامًا كبيرًا في تطبيق قواعد حقوق الإنسان، لارتباطها بمعاناة البشر، أفرادًا وجماعات، إضافة إلى مساسها بالحقوق الأساسية للإنسان المرتبطة بالحياة وسلامة الجسد والاتصال بالأهل[2].
نطاق البحث
البحث يشمل حالة الفقدان الناشئة عن الحرب السورية، بمعناها الواسع، ومنها حالات الفقدان المباشرة ضمن الأراضي السورية، وتلك الواقعة خارج الأراضي السورية، والناتجة عن المغادرة إلى بلاد اللجوء كنتيجة من نتائج الحرب. ولا يشمل البحث موضوع حالات الفقدان الناتجة عن الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية. وموضوع المفقودين واسعٌ، وهو يشمل التدابير الضرورية لتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن الفقدان، إلى جانب المسؤولية المترتبة على المتسببين في ذلك، لكن تركيز البحث سيقتصر على الإجراءات الكفيلة بتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن حالة الفقدان؛ لأن موضوع المساءلة القانونية يحتاج إلى بحث مستقلّ تُعرَض فيه الأفكار وتُناقش فيه الخطوات والسبل.
في موضوع الأحكام المتعلقة باعتبار المفقود ميتًا، يعتمد الباحث التطبيقات القضائية الموجودة في مناطق سيطرة النظام، المستندة إلى الأحكام الواردة في قانون الأحوال الشخصية، لعدم وجود تطبيقات مخالفة لذلك في المحاكم المنتشرة في مناطق سيطرة أطراف النزاع الأخرى[3].
أهمية البحث
بحسب معلومات الباحث، فإن كثيرًا من النقاط المطروحة في هذا البحث لم تُناقَش من قبل في بحث آخر، ولا سيما مسألة التحديد الدقيق لمفهوم المفقود، والإجراءات القانونية المتعلقة بإصدار حكم اعتبار المفقود ميتًا، التي تعتبر من المسائل المهمة في إيصال بعض الحقوق إلى أسر المفقودين، أما بقية النقاط فإن الباحث يعرضها من وجهة نظر شخصية، معتمدًا على المستجدات اليومية في الحرب السورية. إلى جانب ذلك، تبرز أهمية البحث في إظهار المعاناة الإنسانية الناجمة عن حالة الفقدان المتمثلة بفقدان الاتصال بالأسرة، إضافة إلى المعاناة التي تعيشها الأسر بالقلق على حياة المفقود، مع الألم الناتج عن بقاء الزوجة وحيدة، في ظل ظروف الحرب الصعبة، خاصة أن حقوق الإنسان أضحت ذات صفة عالمية، تتيح للمنظمات الدولية حق المساهمة في الدفاع عن تلك الحقوق في وجه المعتدين. ويضاف إلى ذلك توضيح الإجراءات المقررة للكشف عن المفقودين قانونًا، وضرورة التعاون الداخلي والدولي لحل مشكلة المفقودين في ظل الحرب السورية.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
[1] بشار رشيد، “حماية الإنسان بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، مجلد 15، عدد 1، (2022)، ص 1379.
[2] رشيد، مرجع سابق، ص 1378؛ جان بكتيه، “القانون الدولي الإنساني: تطوره ومبادئه”، في عمر مكي، كتاب القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة، (اللجنة الدولية للصليب الاحمر، د ت ن)، ص 28.
[3] لم يعثر الباحث على أحكام باعتبار المفقود ميتًا في المحاكم المنتشرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكل الأحكام الصادرة تتعلق بحالة تعيين وكيل عن الغائب أو دعاوي التفريق بين الزوجين لعلة الغياب. من جهة أخرى، يبدو أن الفكر القضائي الموجود في المحاكم على اختلاف أنواعها يعتمد الأحكام الواردة في قانون الأحوال الشخصية، وهذا القانون يتضمن الحالات المعتمدة في أغلب القوانين العالمية، ولكن مع اختلاف في الإجراءات والمدد اللازمة لإصدار أحكام اعتبار المفقود ميتًا.
لاشك أن الارتباط بين القانون والسياسة وثيق لكنهما ليسا شيئا واحدا، ونسعى من خلال الابحاث لاظهار سلطة القانون وضرورة تطويره وابراز ثغراته التي تعتبر محط انظار السياسيين وغبرهم.
الاراء سواء في موضوع التوصيف القانوني للنزاع المسلح السوري او لجهة تحديد مفهوم المفقودين ضرورية لبناء اسس سليمة لحل مشكلة المفقود بما يتفق مع قواعد القانون الدولي التي وضحنا قصورها ، واستندت التوصيات على هذه الاراء حتى لا يكون البحث في واد والتوصيات في واد اخر، اضافة الى ذلك خصوصية البحث تلعب دورا في تحديد محتواه.
اكرر شكري لك ولكل من يتنقدنا ويصوب عملنا.