مسارات ودروب جديدة، وواقع مأسوي أحاط بالمرأة السورية التي تناهشتها الأوضاع المستجدة، وأهمها غياب الرجل من حياتها، لتواجه الواقع بتبعاته كلها بمفردها: أرملة أو زوجة معتقل، أو مطلقة بلا سند، أو باحثة عن زوج في ظل شبح العنوسة المتزايد، أو حتى طفلة تتفتح مراهقتها في خضم هذا العنف كله.

وبين قانون قاصر تشريعيًا وتنفيذيًا، وبيئة اجتماعية ودينية تعمل على خفض سقف الحرية وكبحه، عاشت المرأة السورية محاولة توسيع هوامشها، غير أن النظام لم يكن معنيًا سوى بالجانب الاستعراضي منه، وكان حريصًا على إبقاء البنية كما هي، وجاءت الحرب لتحد من مشاركة المرأة اجتماعيًا وسياسيًا، ولكن في الوقت نفسه لتزيد من أعبائها ومعاناتها.

في خضم هذه الأوضاع ترصد الدراسة المتغيرات في واقع المرأة السورية في المناطق الخاضعة للنظام، بعد اندلاع الحرب، وأثر تلك المتغيرات في المصاعب التي واجهتها، ومن أهمها الانتهاكات الجسدية المباشرة التي طالتها بسبب ارتدادات الواقع الاجتماعي والاقتصادي عليها نتيجة غياب الذكور عمومًا (موتًا، اعتقالًا، هجرة، تجنيدًا، طلاقًا)، وأبرز تلك الانتهاكات هي: الاعتقال والخطف والاغتصاب والتحرش والاستغلال الوظيفي.

وترصد الدراسة أثر العنف المباشر في تلك المسارات في حياة المرأة السورية، ومآلاتها في واقع تغيرت بُناه الاجتماعية رأسًا على عقب، وتأكلت مفاتيحه الاقتصادية، وتحول العيش فيه إلى مخاطرة مجهولة النتائج بالنسبة إلى الجميع على الصعد كلها، وأهمها الاقتصادي والجسدي والنفسي.

وبالتوازي مع العنف المباشر فإن عنفًا غير مباشر لحق بالمرأة في المناطق الخاضعة للنظام، ويتمثل في قسوة المتغيرات العامة عليها في ظل صراع البقاء، وما رافق ذلك من امتهان ومساس بكرامتها وجسدها فعليًا، أو موضوعيًا من خلال الدفع بها إلى المقايضة بين الموت جوعا أو التسول، أو حتى تسليع جسدها.

وتلاحق الدراسة المتغيرات الاجتماعية والسلوكية العامة التي عصفت بالمجتمع ككل، ومفعولات هذا الوضع المستجد على طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، وعلى حظوظ المرأة وقدرتها على اختيار الشريك الملائم أو حتى على إيجاده في ظل الخلل الحاصل بين أعداد الذكور والإناث، وأثر ذلك في تدني نسب الزواج، وارتفاع نسب الطلاق، وازدياد العنوسة بالتوازي أيضًا، مع ارتفاع معدلات الزواج من القاصرات.

وإذ تتلمس الدراسة الآثار النفسية والاجتماعية والجسدية المترتبة على المرأة السورية نتيجة تعرضها لانتهاكات مباشرة أو غير مباشرة، وانعكاسات ذلك على المفهومات العامة والقيم السائدة، فإنها تحاول من خلال رسم صورة واضحة لمعاناتها إيجاد الصيغ والحلول الإسعافية والدائمة لتحقيق التوازن في حياة المرأة، لما يترتب على ذلك من نهوض بالمجتمع ومداواة جروحه والسير به نحو التعافي.