مقدمة:
بلاد محطمة منهارة على وشك التقسيم، تئن تحت وطأة خمسة احتلالات. مجتمع مفكك، وروابط وطنية ممزقة. شعب مفجوع بقتلاه ومآسيه، نصفه يهيم على وجهه بين لاجئ ومهجَّر، ونصفه الآخر يعيش الجوع والرعب والذل في مناطقه..
هذا هو حال سورية والسوريين الآن، بعد أكثر من نصف قرن، من حكم طغمة مستبدة مافيوية فاسدة، توسلت، لتثبيت حكمها، العنف المفرط والسجون والمخابرات والفساد والإدارة السامة للتنوع والمتاجرة بالقضايا الوطنية والقومية، وبعد هذه العشرية السوداء الأخيرة، المذبحة المستمرة، وما خلفته من أحزان وأحقاد ومآسٍ يصعب وصفها..
ولعل الدمار المجتمعي هو الأخطر والأبعد أثرًا من بين كل هذا الدمار المعمم، حيث وصلت العلاقة بين الجماعات السورية إلى مستويات تهدد فرص العيش المشترك وفرص استمرار وحدة الكيان. فثمة فائض من الغضب والحقد، وفائض من الاستقطابات الهُوَوية، وفائض من عدم الثقة وسوء النوايا… وكل ذلك إلى تصاعد مع انسداد الأفق وضعف الأمل والرجاء.
توقفت الحرب تقريبًا، وانخفض مستوى العنف إلى حدٍ بعيد، ودخلت البلاد في ما يشبه حالة الاستنقاع ريثما تتمخض صراعات اللاعبين الكبار في الملعب السوري عن سيناريو تسوية سياسية ما، تتيح للسوريين فرصة ما، بهذا المقدار أو ذاك، للمساهمة في تجاوز محنتهم ورسم ملامح مستقبلهم.
ستشكل تلك التسوية السياسية التي يُفترض بها أن تنهي النزاع في سورية وتفتح أمامها باب المستقبل، والتي يُفترض أن تُدعى إليها معظم الأطراف والجماعات السورية الفاعلة، الأرضية والقاعدة التي سيقوم عليها النظام السياسي الجديد، وسترسم حدوده وقواعده الرئيسة، وهذا هو الشكل الطبيعي والتاريخي الذي تنتهي إليه النزاعات الوطنية والحروب الأهلية، على ما يعلمنا التاريخ. ولا بد أن تتمخض تلك التسوية عن وثيقة مبادئ تُلزم السلطات التأسيسية المقبلة والمتعاقبة باحترامها وعدم المساس بها، دائمًا أو مؤقتًا، تعديلًا أو تغييرًا، في أي دستور أو تعديل دستوري مقبل. هذه المبادئ التي يُفترض أن يتواضع عليها الفرقاء السوريون للخروج من محنتهم، ويمنحونها تلك الدرجة من السمو، هي من النوع الذي يُطلق عليه: “مبادئ فوق دستورية”.
مطلوب من تلك المبادئ إذن، وبشكل أساسي، أن تعالج المسائل الخلافية الكبرى بين الجماعات السورية، وأن تعالج مخاوفها وهواجسها المختلفة بشأن حقوقها وحرياتها ومستقبلها. بما يكفي لخلق حدٍ من الطمأنينة والثقة بين السوريين، ينقلهم إلى مرحلة العمل المشترك والتفكير بالمستقبل.
لكن لمَ لا يكون الطموح أكبر من ذلك، ولا يتوقف عند حدود إنهاء الصراع، وطمأنة الجماعات السورية إلى بعضها وإلى مستقبلها وحسب؟ لماذا لا نستغل هذا الاستحقاق/ الفرصة الوحيدة، أحسن استغلال لصالح البلاد، ونضمِّنه ما أمكن من قواعد وقيم تشكل أساسًا متينًا لدستور عصري متكامل، يضمن الحقوق والحريات، ويحصن النظام السياسي من الاستبداد، ويشدُّ البلاد نحو الديمقراطية والحضارة والحداثة؟ وكم سيكون حصادنا كبيرًا آنذاك!
أما الغرض من التركيز على هذه المحطة (التسوية السياسية) وتحميلها هذا العبء الإضافي، أي عبء وضع الأسس المتينة لدستور عصري، عبر توسيع مروحة المبادئ فوق الدستورية التي ستخرج عنها، وعدم ترك تلك الأسس تحت رحمة التجاذبات المتصلة بصنع الدستور، فهو التالي:
- – هذه المحطة (اتفاق السوريين على الخروج من الأزمة) لا تتكرر أولًا، وهي تملك الشرعية اللازمة لوضع مبادئ فوق دستورية واجبة الاحترام من قبل الأجيال المقبلة، بمعنى أن هذا التوافق الوطني هو الذي يملك شرعية وضع حدود وقواعد تُقيد وتُلزم السلطات التأسيسية المقبلة في معرض وضعها أو تعديلها للدستور.
- – إن عملية صنع الدستور مخاض طويل وصعب، خاصة في المراحل الانتقالية التي تلي فترات الحروب والنزاعات، وهو خاضع للتسويات والمساومات والتوافقات بين أطراف وجماعات تقوم بينها حواجز من الريبة وعدم الثقة تدفعها للتمسك بمصالحها، والتعامل مع الآخرين كأعداء متربصين، خاصة أن صورة الواقع ومعادلات القوة لا تشي بإمكانية تطبيق قدر معقول من العدالة الانتقالية، يسمح بتهدئة النفوس وعودة العقول إلى الرؤوس والتركيز على المستقبل، ما قد يهدم جوهر تلك القواعد ويٌفقدها ترابطها وقدرتها على إحداث الفعل المأمول.
- – رفع تلك القواعد لمستوى مبادئ فوق دستورية يحميها من التعديل، ويمنحها الثبات اللازم والطويل الأمد، ومن ثم الفرصة الكافية لإحداث التغييرات المطلوبة في المجتمع والدولة.
نحن نتبنى إذن فكرة توسيع مروحة المبادئ فوق الدستورية لتكون بحق الأرضية المتينة التي نقف عليها بثبات لبناء دولتنا المقبلة. وحسبُنا أننا، بتبني هذه الباقة المتكاملة من المبادئ، نطلق النقاش الواسع حولها، ونجعل الناس أكثر استعدادًا لتفهمها وتقبلها، ونُحسِّن بذلك من فرصها في أن تكون حاضرة في تلك التسوية المأمولة كمبادئ فوق دستورية.
يمكننا القول إذن، إنه يُناط بوثيقة المبادئ فوق الدستورية المتكاملة التي نرى حاجة سورية إليها، خمسُ مهمات رئيسة:
- خلق مناخ من الثقة بين السوريين يؤهلهم للتعاون والعمل المشترك والتطلع نحو المستقبل.
- ضمان الحقوق والحريات.
- وضع أسس النظام السياسي وشكل الدولة المقبلة.
- تحصين النظام السياسي ضد الاستبداد.
- تمكين السوريين من بناء نظامهم الديمقراطي ودولتهم الحديثة.
ولتلبية تلك المهمات، يجدر بالوثيقة أن تتناول بعض محددات وأسس المسائل التالية: (الحقوق والحريات، مبادئ الديمقراطية، المواطنة والتنوع، شكل الدولة، علاقة الدين بالدولة، موقع الرئاسة، الجيش والأمن، حالات الطوارئ، فصل السلطات، استقلال القضاء، المحكمة الدستورية العليا…)، وذلك بالقدر اللازم لتلبية الغرض، وهذه نقطة جديرة بالتوضيح، فوثيقة المبادئ تتناول حالات الطوارئ -مثلًا- من الجوانب التي يمكن استغلالها للنيل من الحريات، أو لتغول السلطة التنفيذية، أو للتجديد أو التمديد للرئيس.. بحيث لا تكون حالة الطوارئ مدخلًا لهدم أي من أسس الدولة التي نطمح لبنائها. والوثيقة بالتالي غير معنية بباقي الجوانب المحيطة بحالة الطوارئ. باختصار، وظيفة الوثيقة هي توفير صمامات الأمان، بالقبض على المفاصل التي يمكن أن تكون مدخلًا للمخاطر.
لمواصلة القراءة، وعرض نص الوثيقة، والتوضيحات والشروحات حول فكرتها ومضمونها؛
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
واعتقد ان مفهوم سوريا بالخريطة التي نعرفها فكرة لاتزيد عن المئة عام ....
يجب ان اذكر حينما اعلنت سوريا على يد فصل عام ١٩١٨ كان الشمال السوري بيد تركيا
كما ارى يجب تكوين مؤتمر تاسيسي يحدد ما يريده الذين عاشوا على الارض السورية (ربما التقسيم )
وبعدها نتكلم عن الاشياء الاخرى ... مثال جنوب افريقيا غير موفق ... فقد كان هناك خريطة دولة متفق عليه