مقدمة

 المشروع الصهيوني هو استعمار استيطاني إحلالي، جوهره احتلال أراض الغير، وتطهيرها من سكانها الأصليين، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، وتدمير المشهد (الحيز المكاني والسكاني)، وتشييد المستعمرات (المستوطنات) على أنقاضه، وتوطين المستوطنين اليهود فيها، وذلك على غرار ما يحدث في فلسطين والجولان المحتلتين.

باشرت إسرائيل بالتخطيط لاحتلال الجولان بعد انتهاء حرب 1948 وإعلان قيام الدولة العبرية على 78% من أرض فلسطين التاريخية، فكانت تبادر إلى خرق اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في 20 تموز/ يوليو 1949 بين سورية وإسرائيل، وتهاجم المناطق المنزوعة السلاح. وقد تكللت هذه الاعتداءات المتتالية بعدوان حزيران 1967 الذي أفضى إلى هزيمة العرب، واحتلال إسرائيل 1260 كيلومترًا مربعًا من أراض الجولان، إضافة إلى احتلالها شبه جزيرة سيناء المصرية، وباقي فلسطين.

شكلت هزيمة 1967 ضربة موجعة لحزب البعث وللقيادتين العسكرية والسياسية في سورية، ولحافظ الأسد على وجه الخصوص، بصفته وزيرًا للدفاع وقت الحرب. وقد تهرّب الأسد من تحمّل مسؤولية الهزيمة، بل استثمر هذا الحدث لتقوية نفوذه بأن استغل حالة الفوضى والتخبط التي أحدثتها الهزيمة، لإقصاء كل المناوئين له، وتمكّن من التفرد بالسلطة عام 1970، وأرسى دعائم نظامه القائم على الاستبداد المطلق. وقد وظّف النظام الجولان المحتل كورقة لتعزيز أركانه، إذ أبقى على حالة الطوارئ في سورية، وحافَظ على حالة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل، كي يحتفظ بجيش كبير، إضافة إلى أربعة أجهزة أمنية، لكلٍّ منها عشرات الفروع التي تتدخل في شؤون الدولة وشؤون المواطنين، وقد دأبت على قمع السوريين وإخضاعهم، بدعوى حالة الحرب مع إسرائيل.

انتهجت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، خلال حرب 1967 وبعدها، سياسة تطهير عرقي ممنهجة وواسعة النطاق، استهدفت معظم سكان الجولان السوريين، وهجّرت قسراً أكثر من 95%  من سكانه السوريين، ومنعتهم من العودة إلى بلداتهم وقراهم ومزارعهم، وقامت لاحقًا بتهديمها، وشيّدت على أنقاضها 35 مستوطنة غير شرعية، ووطّنت فيها مستوطنين يهود. وبقيت في الجولان المحتل خمس قرى سورية منتشرة على سفوح جبل الشيخ في أقصى شمالي الجولان، ويعيش فيها اليوم نحو 28.000 سوري.

استرجعت سورية على أثر حرب تشرين/ أكتوبر 1973 نحو 60 كم2 من الجولان المحتل، وذلك بموجب اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع إسرائيل، في 31 أيار/ مايو 1974. وما زال الجولان خاضعًا للاحتلال منذ 55 عامًا، على الرغم من جولات التفاوض -السرّية والعلنية- بين الحكومتين السورية والإسرائيلية، لتحقيق تسوية سياسية تُفضي إلى انسحاب إسرائيل من الجولان. ولم يحقق “مؤتمر مدريد” الذي عُقد في العاصمة الإسبانية عام 1991، وما تبعه من مفاوضات، مباشرة وغير مباشرة، خلال السنوات اللاحقة، تسوية سياسية بين سورية وإسرائيل، وذلك لإصرار إسرائيل على رفض الانسحاب من الجولان إلى ما وراء حدود الرابع من حزيران 1967.

توقفت المفاوضات بين نظام بشار الأسد وإسرائيل منذ آذار/ مارس 2011، على إثر انشغاله في قمع ثورة السوريين والنزاع المسلح المستمر من أجل الحفاظ على كرسي السلطة. وقد استغلت سلطة الاحتلال النزاع المستعصي في سورية لإبقاء سيطرتها على الجولان، من خلال التوسّع الاستيطاني والاستثمار في المشاريع الاقتصادية، وبالمقابل الضغط على المجتمع الدولي، للاعتراف بتبعية الجولان لإسرائيل، بدعوى أن سورية دولة فاشلة ومقسمة.

انقضت خمس وخمسون عامًا على احتلال الجولان، وليست هنالك أية بوادر تشير إلى إمكانية استئناف المفاوضات بين نظام الأسد وإسرائيل، للوصول إلى تسوية سياسية تنهي الاحتلال، ولا سيما بعد أن أضحت سورية بلدًا ضعيفًا ومقسّمًا بالأمر الواقع، وبات النظام ضعيفًا، ومسألة بقائه في السلطة مرهونة بإرادة أطراف خارجية، وتحديدًا إسرائيل، بوصفها أكثر دولة معنية ببقائه. ولم يكن تحرير الجولان ضمن حسابات نظام عائلة الأسد، إذ تقتصر الدعوات إلى التحرير على الشعارات الفارغة، التي يستخدمها ذريعةً لقمع السوريين وإخضاعهم، في الوقت الذي كان وما زال جلّ اهتمامه يتركز على إرساء حكمه واستمراريته وتوريثه سورية، وتبعات تقسيم البلد الفعلي، ممّا يصعب التنبؤ بمصير الجولان ومستقبله، فيما يواصل نظام الأسد استغلال واقع احتلال الجولان كورقة يشهرها في وجه معارضي نظامه، ويقمعهم، ويرتكب بحقهم أشد أنواع الجرائم المتمثلة بالقتل خارج نطاق القضاء، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، ويتهمهم بالعمالة لأطراف خارجية، وبممارسة الإرهاب، والقيام بممارسات ونشر أخبار “توهن عزيمة ونفسية الأمة”، في حين أن “سورية في حالة حرب مع إسرائيل”.

تستعرض الدراسة الرواية الإسرائيلية بشأن دوافع احتلال للجولان، وتتوخى إبراز التناقضات التي تنطوي عليها رواية المحتل، في ما يتعلق بدوافع الاحتلال. وتستهدف الكشف عن تداعيات الاحتلال الإسرائيلي على الجولان ومواطنيه السوريين بعد 55 عامًا على الاحتلال، وسياسات إسرائيل المتمثلة بتعزيز سيطرتها على الجولان منذ 2011، وإطالة أمد الاحتلال إلى أقصى حد ممكن، على ضوء استمرار النزاع المسلح في سورية، وتقسيمها بالأمر الواقع.

تتكوّن الدراسة من قسمَين، ومقدّمة وخلاصة. القسم الأول عبارة عن خلفية عامة عن الجولان، وهو يلقي الضوء على أطماع الحركة الصهيونية وإسرائيل في الجولان، بسبب وفرة مياهه وخصوبة أراضيه وموقعه الجغرافي والاستراتيجي المميز، ويستعرض القسم الثاني سياسات الاحتلال تجاه الجولان ومواطنيه السوريين، المتمثلة بالتطهير العرقي في الجولان لسكان الجولان السوريين، وتهديم القرى والمزارع التي كانوا يسكنونها، والاستيلاء على الأرض، وتشييد المستعمرات غير الشرعية لتوطين المستوطنين اليهود فيها، وسياسات التمييز الممنهجة ضد السكان السوريين المتبقين في الجولان.

يمكن قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل: