تلقي هذه الدراسة الضوء على طبيعة العملية التعليمية ومسارها خلال مرحلة حكم البعث الطويل في سورية، وتحدد السمات العامة لآليات الكبح فيها، ولانزياح مساراتها الداخلية باتجاه الارتهان الأيديولوجي، وخضوعها للشرط العام، لجهة غياب استقلال المؤسسات بصورة عامة، ومنها المدارس والجامعات، ومن ثم تحولها إلى ثكنات مصغرة، خاضعة قسريًا لشَرطيّ (التسييس والعسكرة)، وأثر هذا الانزياح في مخرجات العملية التعليمية.

وتبين الدراسة أثر الحمولات النظرية والعقائدية القادمة في عملية التعليم من خارجها، وما تسبب تلك الحمولات من تضارب أو تفكك في جدلية الاتساق الداخلي للمنظومة الفكرية فيها، ومدى سطوتها على المنظومة الذهنية للمتعلم، وأخيرًا، أثر هذه الحمولات في الأهداف المتوخاة من عملية التعليم وأهمها هدف التنمية المستدامة.

تهدف هذه الدراسة من خلال تعيين الواقع التعليمي الراهن في سورية، وأهدافه المستجدة، وتحديد الفاقد التعليمي من جراء الحرب السورية، وخسارات البنية التحتية، من مدارس وجامعات ومن نزيف للكادر البشري المنضوي في العملية التعليمية (مدرسين وطلاب)؛ إلى رسم صورة واضحة لحجم المخاطر المترتبة على المجتمع السوري، من جراء انهيار العملية التعليمية، وأثر تلك الحالة المتردية في مستقبل السوريين أفرادًا، وفي المستقبل السوري الجمعي.

وتناقش الدراسة انعكاس حروب المناهج المتعددة في الهوية الجامعة للسوريين، في ظل غياب الناظم العام للعملية التعليمية، وتبعيتها لقوى الأمر الواقع فيها بعيدًا من أي تخطيط أو تكامل، وضرورة العمل على توجيه المناهج الحديثة وتكاملها لتكون قادرة على خلق أجيال ذات تفكير تفاعلي حر.

وفي النهاية تؤكد الدراسة أن الاستثمار في رأس المال البشري عبر عملية التعليم الحديثة هو الضمانة الأعلى للمجتمعات وللأفراد في آن معًا، وهو صمام الأمان الأكثر موثوقية لبناء مجتمعات ذات أسس متينة، وأن عملية إعادة الإعمار أو البناء في المجتمع السوري المهدم حاليًا، سيكون مفتاحها الرئيس هو التعليم.