عرفت سورية على مر تاريخها المعاصر، في أقل تقدير، سمات معتدلة لأنماط التدين وأشكاله فيها، على اختلاف البيئات المكونة للتنظيم الاجتماعي السوري.

ترافقت أنماط التدين المعتدل تلك مع أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية السورية، وأفرزت من ضمن مخرجاتها نمطًا للشخصية السورية التي اتسمت عمومًا بالمرونة وبمناخ يسير في العلاقة بين شكل التدين الشخصي والحياة العامة.

أدّت عقود القمع الطويلة إبان حكم البعث والتفرد بالسلطة من آل الأسد إلى نكوص مجتمعي نحو أشكال وأنماط مختلفة من علاقة الدين بالحياة الشخصية والعامة، عززتها خطط التنمية الفاشلة وغياب المؤسسات والفساد الذي استشرى في مفاصل الحياة السورية عمومًا من الهرم الأعلى في السلطة إلى القواعد الدنيا في العلاقات الاجتماعية.

مع انتفاضة آذار/ مارس 2011، وجد السوريون أنفسهم يحاولون إعادة تعريف ذواتهم بناء على تاريخهم الطويل في التسامح والاعتدال، وهو ما قوبل بمنهجية عنف وقمع وطائفية أثرت في تبني خطابات دينية متشددة مضادة لما تمارسه السلطة وفروعها الأمنية والعسكرية والإعلامية.

أُخرج السوريون من ديارهم وهُجِّروا من قبل قوات الأسد وميليشياته نحو دول الجوار، واستقبلت تركيا العدد الأكبر منهم، فتشكلت تنظيمات اجتماعية سورية في داخل الولايات التركية المختلفة، حملت معها أنماط تدينها وفلسفتها في العلاقة مع الحياة العامة بناء على تصوراتها الدينية تلك، مع كل التأثيرات التي مارستها آلة القمع للنظام السوري.

يحكم أي تنظيم اجتماعي أنساق عدة تعطيه ملامحه العامة، من أهمها النسق الثقافي الديني. وفي تركيا بات هذا المتغير “النسق” يؤدي دوره الرئيس في تحديد بوصلة السوري في علاقته بالحياة العامة، وهو ينظر إلى التجربة التركية التي زاوجت بين مرونة الأنماط الدينية واعتدالها والحياة العامة بتفاصيلها كلها.

هدفت هذه الدراسة إلى البحث في علاقة الاتجاهات العامة المتعددة للتدين لدى الشباب السوري “مدينة إسطنبول” وعلاقته بالحياة اليومية الخاصة والاجتماعية والعامة، بعيدًا من تأثير آلية قمع النظام وعنفه وطائفيته المباشرة، ضمن خطة تهدف إلى تحليل تأثيرات البيئة التركية الحاضنة في السلوك الحياتي للشباب السوري هنا. وطمحت الدراسة إلى استشراف “المزاج الشبابي السوري العام” في مدينة إسطنبول من خلال العلاقة بين البعد الديني “بوصفه نمط حياة” وقضايا الحياة العامة “بوصفها سلوكًا”.