معاينة إعادة الإعمار والسلطوية النيوليبرالية في سورية ما بعد الحرب

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

في أوائل عام 2018، غادرت حافلات تُقلّ سوريين، من الغوطة الشرقية (التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة السورية) إلى إدلب، كجزء من صفقة استسلام مع حكومة الرئيس بشار الأسد. وكان من بين المغادرين، مهندس معماري مجهول الاسم أُخرِج مع عائلته، لكونه انضمّ إلى احتجاجات الشوارع ونشَر مواد معادية للحكومة عبر الإنترنت. بعد أشهر عدّة من إبعاده، علمَ بالاستيلاء على ممتلكاته وتجميد أصوله، وقال للصحافيين: “لقد تركت الحكومة الأشخاصَ الذين استولت على ممتلكاتهم، من دون أي شيء ليعودوا إليه، ولم تبقِ لهم أيّ أمل بالعودة”. المهندس المعماري ليس وحده؛ فقد خسر آلاف السوريين ممتلكاتهم، على مدار نحو ثماني سنوات من القتال في سورية، كان بعض الخسائر تحت ذرائع أمنية، بينما دُمرّ كثير من المنازل الأخرى، في الحملات العسكرية المطولة على الأماكن الحضرية. وفقَد آخرون وثائق نقل الملكية، أو استولي عليها عند الحدود السورية في أثناء فرارهم إلى بلدان أكثر أمانًا.

تضع هذه الدراسة هذا النوع الخاص من النشاط في زمن الحرب، ضمن الإطار النظري لإبادة الحواضر/ المدن urbicide، بذريعة أن التعسّف والدمار واسع النطاق، والاستيلاء على المنازل أو الأماكن العامة في سورية، هو شكل متميز ومتعمد من العنف ضدّ البيئة العمرانية لمدن البلاد، غايته فرضُ سياسة الفصل والتجانس في المناطق الحضرية. وعلاوة على ذلك، توضح هذه الدراسة أنه لا ينبغي النظر إلى إبادة الحواضر/ المدن على أنها حدث تدميري منفصل، أو أنها سلسلة من الأحداث التي تحدث خلال فترة من الأعمال العدائية المباشرة، بل يجب تفسيرها على نطاق واسع، بأنها عملية مستمرة لا تكون فيها إعادة البناء بعد الحرب هي الحل للدمار الحضري، بل تكون عاملًا لاستمرار مثل هذا العنف. قد يؤدي الفشل في تفسير المنطق الكامن وراء الحروب الكارثية إلى ممارسات استبدادية بعد الصراع، من حيث الرعاية الاقتصادية والاعتراف الانتقائي بأصول الممتلكات، بطرق تكرّس الإبادة في الهدف والتأثير. وتجادل هذه الدراسة بأن العقيدة الحالية لإعادة الإعمار، وتركيز المجتمع الدولي على استرداد الممتلكات كوسيلة لتسهيل عودة اللاجئين والمهجرين داخليًا، هي عملية مضللة؛ حيث إن النماذج “التقليدية” لاستعادة الممتلكات بعد انتهاء الصراع تفشل في حساب الروابط والعلاقات بين طرق التدمير وإمكانات الصراع المستقبلي، ويسمح ذلك بإعادة الإعمار القائم على إبادة الحواضر، واستمرار الاستبداد.

يوجز الجزء الأول من هذه الدراسة تاريخ الحرب في سورية، قبل مراجعة الأبحاث الموجودة حول إبادة الحواضر، ويبيّن كيف تم نشر وتوظيف منطق الإبادة هذا في سورية، ويوضح أهدافه. ويناقش الجزء الثاني الحق العام في الملكية، قبل أن يصف على وجه التحديد حقوق السكن والأرض والملكية للاجئين والمهجرين داخليًا، بموجب القانون الدولي. ويدرس آلية رد الممتلكات التي اعتُمدت بعد حرب البوسنة (التي أثرت كثيرًا في تطوير المبادئ الدولية التي توجه استعادة الممتلكات بعد الحرب) ويجادل بأن هذه الآلية تعدّ ناجحة على نطاق واسع، لكنّها غير مجهزة لمكافحة آثار حرب الإبادة. باستخدام دراسات الحالة للبوسنة وبيروت، يقدم الجزء الثالث الحجة القائلة بأن إعادة الإعمار بعد الحرب لتعزيز أهداف الإبادة تحدث بطريقتين: من خلال إعادة إعمار البيئات للمدن المستهدَفة بطرق تعزز وتكفل التجانس؛ ومن خلال الرسملة (التحول نحو الرأسمالية) الانتقائية، وتداول الأصول العقارية. وأخيرًا، يحلل الجزء الرابع المسار المحتمل لإعادة الإعمار في سورية، ويقدّم العديد من المقترحات لمنع التدمير الكامل غير القابل لاستعادة الممتلكات، ومنع استحالة عودة اللاجئين والمهجرين داخليًا، في فترة ما بعد الحرب.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل