المحتويات
ثانيًا: أنواع الفدرالية، إقليم كردستان العراق نموذجًا
ثالثًا: خصوصية الواقع السوري المعيش
رابعًا: مشروع “الاتحاد الديمقراطي لروج آفا–شمالي سورية”
خامسًا: الموقف السوري من المشروع
مقدمة
موضوع الفدرالية في هذه الفترة هو أحد المواضيع المطروحة بقوة للنقاش في وسط المجتمع السوري، وهي تُفسّر من جانب أغلبية السوريين على أنّها خطوة أولية نحو تفكيك الجسم السوري، وعدّه مشروعًا دخيلًا، ومستوردًا من الخارج، وليس له جذور داخلية، لذا واجه طرح المشروع الفدرالي في الشمال السوري رفضًا قاطعًا من جانب أغلبية الشعب السوري، وفصائله المعارضة.
تكمن أهمية تناول موضوع الفدرالية في إظهار خصوصية الواقع السوري، والموقف الرافض لأغلبية الشعب السوري، وقواه المعارضة من مشروع الفدرالية، وفيما إذا كانت تلك الخصوصية مؤهلة لديمومة النظام الفدرالي أم لا؛ كونها (الفدرالية) مؤطرة بحدٍّ -يكاد يكون متفقًا عليه- من حيث المصطلح وتقسيم الصلاحيات، لكن، في أثناء التطبيق يصبح مفهوم الفدرالية فضفاضًا، فالدول التي طبّقت النظام الفدرالي لا تتشابه أنظمتها، وطريقة تقاسم السلطة بين المركز والولايات فيها، لذا ظهرت أنواع عديدة للفدرالية، في تجارب مختلفة، فقد اتبعت دول أخرى نماذج لامركزية كأنظمة حكم مشابهة للفدرالية، ما حدا بكثير من السوريين طرح أسئلة مخيفة وكثيرة ، دفعتهم إلى رفض مشروع الفدرالية رفضًا قاطعًا، وعدّه مستوردًا من الخارج، بهدف التقسيم.
كما أن فكرة الفدرالية التي يتم تداولها اليوم في وسط المجتمع السوري، لم تكن مطروحةً يوما من الأيام من أي جهة سياسية سورية، كي تكون نظام حكم لسورية، بل إنها فكرة وليدة وآنية ظهرت خلال الأزمة السورية؛ لذا، فمن المهم التوقف عند هذه النقطة، وإيضاح أسباب ظهور فكرة المشروع الفدرالي، ومحاولة القوى العظمى -بشكل غير مباشر- إيجاد الأرضية المناسبة لتطبيقه على الواقع، وأيضًا، محاولتها إقناع المجتمع والقوى السورية بتقبّله (المشروع) كأمر واقع لا بديل عنه، من هنا تكمن أهمية تناول موضوع الفدرالية في المشهد السياسي السوري.
أوّلًا: تعريف الفدرالية
مصطلح “الفدرالية” مشتق من الكلمة اللاتينية “Foedus” ومعناها المعاهدة والاتفاق. وهو نظام سياسيّ من شأنه قيام اتحاد مركزي بين مقاطعتين أو إقليمين، أو مجموعة مقاطعات وأقاليم، حيث لا تكون الشخصية الدولية إلا للحكومة المركزية مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكوّنة للاتحاد الفدرالي ببعض الاستقلال الداخلي، بينما تفقد كل منها مقومات سيادتها الخارجية التي تنفرد بها الحكومة الاتحادية، كعقد الاتفاقيات والمعاهدات أو التمثيل السياسي، ويكون على رأس هذا الاتحاد، رئيس واحد للدولة هو الذي يمثلها في المحيط الدولي[1].
ثانيًا: أنواع الفدرالية، إقليم كردستان العراق نموذجًا
ظهرت في دول العالم نماذج عديدة لنظام الفدرالية المطبقة على الأرض، نجح بعض النماذج وفشل بعضها الآخر نتيجة عدم تتطابق خصوصية ذلك البلد مع المشروع الفدرالي؛ حيث أثبتت تجارب العالم أنّ الفدرالية بتعريفها كمصطلح ليست جرعة دواء تصلح لشفاء مشكلات جميع الشعوب والطوائف والدول، إنّما من خلال التطبيق تبيّن أنّه لابدّ من التغيير في التركيبة الداخلية للنظام الفدرالي عند تطبيقه على أرض الواقع، وبما يلائم خصوصية تلك الدولة، من حيث التركيب السكاني والجغرافيا والموقع؛ لذا فعدم ملاءمة خصوصية الواقع مع المشروع الفدرالي، وعدم موافقة المجتمع بأغلبية ساحقة على المشروع يؤدي في الكثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، ربما تنتهي بحروب طاحنة بين مكونات وطن واحد.
سُميّت الفدرالية أسماء عديدة من جانب الدول التي طُبقت فيها، كما تم تعريفها بحسب خصوصية تلك الدولة، وتطبيقها على الأرض، وذلك بأشكال مختلفة كالفدرالية المندمجة، والفدرالية المتباينة، والفدرالية التعاونية، والفدرالية على أساس الجغرافيا ..إلخ، وذلك كله كمحاولة لملاءمة واقع ومصالح الكيانات الموجودة في تلك الدولة، سواء أكانت تلك الكيانات قومية أم دينية أم عرقية أم طائفية، وبما يساهم في امتصاص الصراع بين تلك المكونات، والاتفاق على دستور يُنظّم عمل الجميع ضمن كيان موحد هي الدولة الفدرالية، لكن في الكثير من البلدان أعقب مشروع الفدرالية فكرة التقسيم، كما تسبب المشروع نفسه في صراع بين تلك الأقاليم التي كان يربطها دستور اتحادي، فتجربة فدرالية إقليم كردستان العراق النموذج قريب جغرافيًا وزمنيًا، فمشروع فدرالية إقليم كردستان العراق الذي أُعلن على أساس إقليم قومي، لم يحظَ في نظر الباحثين بالنجاح المطلوب، وباتت الفدرالية العراقية مصدر المشكلات بين السلطة المركزية، وإقليم كردستان العراق، ما أدى إلى تدهور اقتصاد الإقليم، وقطع رواتب الموظفين، ودخوله في سجال مع المركز حول بيع النفط من جانب الإقليم، وصل به أحيانًا إلى حدّ نشوب القتال، فضلًا عن الخلافات الداخلية للإقليم نفسه.
يقول الباحث مجاهد هاشم الطائي في هذا الخصوص: “هناك عدد كبير من الأسس الدستورية الخاطئة التي تشكل إشكاليات حقيقية تُضاف إلى مشكلات العراق، والتي تحتاج إلى دراسة كاملة”[2].
إنه نموذج من المشروع الفدرالي الذي مُنيَ بالمشكلات على أرض الواقع من وجهة نظر باحثين ومراقبين.
باتت فكرة التقسيم تلوح في أفق العراق في الوقت الراهن، كدليل على عدم قدرة المشروع الفدرالي على تقوية اقتصاد البلاد ووحدته، وفي عدم تعزيز قدراته العسكرية، ما سهّل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بسهولة على جزء كبير من جغرافيا العراق.
يرى المراقب السياسي الإنكليزي ألبرت دايسي، في موضوع نجاح التجربة الفدرالية ضرورة “توافر شرطيين لتطبيقها، أولهما وجود ارتباط وثيق محليًّا وتاريخيًّا وعرقيًّا أو ما شابه ذلك، قادر على أن يحمل –في نظر سكانها- هوية وطنية مشتركة، وثانيهما الرغبة في الوحدة الوطنية”[3].
إنّها شروط ديمومة النظام الفدرالي في نظر الكاتب، فهل هذه الشروط متوافرة في الواقع السوري؟ خاصة أنّ الهوية الوطنية للسوريين باتت على المحك نتيجة سياسات التفرقة التي بثها النظام بين مكونات المجتمع السوري، وتحريف مسار الثورة السورية عن قصد إلى حرب طائفية وقومية، هبطت في أثرها روح الارتباط بين مكونات المجتمع السوري، ما يثير مخاوف حقيقة لدى الشعب السوري من مشروع الفدرالية، وعدّه بداية تقسيم لسورية.
ثالثًا: خصوصية الواقع السوري المعيش
الواقع السوري كما هو عليه الآن، لا يُنبئ بحلّ يُلبي طموح جميع السوريين، وذلك لأسباب عديدة، منها ما يعود إلى طبيعة أغلب القوى التي تتصارع على الأرض السورية، وتشدّد أفكارها، وتضخُّم تلك القوات على أساس الارتباط بالمصالح الدينية أو القومية أو الطائفية، وجميع هذه الأفكار لم يُنتِج إلا مزيدًا من الحرب المدمرة للبنية التحتية، وهدرًا للثروة الوطنية والطاقات البشرية للشعب السوري، وكل هذا الاستنزاف إنما يفتح الباب على مصراعيه أمام أفكار التقسيم والتشرذم.
وأيضًا من الأسباب التي لا تنبئ بالحل توسع دائرة الحرب السورية، وتغلغل قوى إقليمية ودولية في الصراع الدائر على الأراضي السورية، باتت شريكة مصالح في أي حل يمكن أن يطرح لوضع حد للصراع في سورية، لذا يبقى ثقل إيجاد الحلّ المناسب للأزمة السورية على كاهل معارضي هذه البلاد ومثقفيها، ودعاة السلم والقانون، والغيورين على أن يبقى الوطن قويًّا بجميع مكوناته، وذلك عبر حوارات داخلية للسوريين، كي تتوسع فكرة الحلّ السلمي التوافقي الضامن لحقوق جميع السوريين، وتتقلّص الأفكار الراديكالية الداعية إلى الحلول من وجهة نظر واحدة، فالحلول المطروحة من وجهة نظر واحدة لأجل المشكلة السورية باتت كثيرة على طول الجغرافيا السورية، التي أصبحت مبتورة ومجزّأة في الواقع.
قراءة الواقع السوري من وجهة نظر واحدة على أساس المنفعة القومية أو الدينية، أو بما يخدم مصلحة ثقافة بعينها، ربما ستنتج الحلّ، لكن ستنتجه ناقصًا ومحفوفًا بالمخاطر، وقد يؤدي في النهاية إلى مهالك كثيرة، تكون أكبر من تلك التي تشهدها البلاد في هذه الأيام، لذا فمن الطبيعي أخذ الدروس من حقبة حكم حزب البعث التي نشرت سموم الكراهية بين مكونات المجتمع السوري، والتي يدفع السوريون ضريبتها الآن، ويجب دراسة حيثيات الوضع الراهن أيضًا، والتسريع في إيجاد حلّ في إطار التعددية والديمقراطية، لوقف شلال النزف، وقوافل الهجرة للشعب السوري، حيث الضحايا من أبناء البلاد يُعدّون بمئات الآلاف، وأعداد النازحين والمهاجرين من طوفان الحرب تعدّ بالملايين، لتُسجَّل مأساة سورية أكبر مأساة في العصر الحالي!
رابعًا: مشروع “الاتحاد الديمقراطي لروج آفا–شمالي سورية”
الشمال السوري، المناطق ذات الأغلبية الكردية، المناطق المختلطة، بين النهرين، الجزيرة السورية، روج آفا؛ هي أسماء عديدة تُعرف بها المنطقة من جانب قاطنيها الآن؛ وهي المنطقة الممتدة على طول الخط الشمالي للحدود السورية.
أفرزت تطورات الحوادث في العام الثاني من الثورة السورية في هذه المنطقة حزبًا سياسيًّا، تتبعه قوة عسكرية تضخمت كلما توافرت له الظروف الموضوعية والذاتية، نقصد هنا “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يعدّه الكثيرون الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني في سورية.
بادر هذا الحزب في العام 2012 بإعلان تشكيل وحدات عسكرية باسم وحدات حماية الشعب، فلم تصطدم في البدء مع جيش النظام والميليشيات التابعة له، وعُدّت هذه الوحدات من جانب المعارضة السورية حليفةً للنظام السوري، لكن سرعان ما اصطدمت هذه الوحدات مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
الحرب التي خاضتها الوحدات الكردية مع قوة صُنّفت من جانب المجتمع الدولي في قائمة الإرهاب جلبت لها دعمًا دوليًا، ومساندة من جانب تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وسرعان ما تقلصت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في معظم الشمال السوري بمساندة طيران التحالف الدولي لتلك الوحدات العسكرية، ووقوع مساحات شاسعة تحت سيطرة الوحدات، دفعت بحزب الاتحاد الديمقراطي نحو توسيع مشاريعه لإدارة المنطقة.
في البداية طرح الحزب وبعض من الأحزاب والقوة الاجتماعية الحليفة معه مشروع “الإدارة الذاتية الديمقراطية” وأُعلن من جانب الحزب أنه مشروع إستراتيجي غير قابل للتغيير، وقد فسّره كثيرون بأنّه نوع من الإدارة المحلية، ولم يُحدِث جدلًا عند المجتمع السوري وقواه السياسية والعسكرية وحتى نظام دمشق أيضًا، إلا أنّه سرعان ما أعُلنت الخطوة التالية من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي ومجموعة من الأحزاب الكردية الصغيرة المتحالفة معه، وأيضًا بعض القوى العربية والسريانية الحليفة له، فكان إعلان مشروع “الاتحاد الديمقراطي لروج آفا–شمالي سورية”.
هذا المشروع بات موضع جدل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فسرعان ما بادرت القوى الإقليمية برفض المشروع، كما رفضته المعارضة السورية، بما فيها المجلس الوطني الكردي. أما القوى الدولية ومنها روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة الأميركية؛ فتبنت مواقف مبهمة ورافضة من المشروع الفدرالي المعلن، على الرغم من أن هذه القوى هي التي تهيئ الأرضية لمثل هذا المشروع، وبخاصة روسيا الاتحادية التي ستستفيد من مثل هذا المشروع في حصحصة الجغرافيا السورية.
فمشروع الفدرالية المعلن في الشمال السوري غير مرحب به في الداخل، لحسابات تتعلق بالتخوف من المشروع كخطوة أولية مبهمة نحو الانفصال، لذا ينقصه التوافق مع شركاء الوطن، كما لم يرحب به من جانب الجوار لأسباب تعود إلى مخاوف تلك القوى من خطوات تلي مشروع الفدرالية، وهي الانفصال، كما لم يلق المشروع الفدرالي المُعلن الترحيب الدولي.
بقي المشروع مطروحًا من جانب واحد، ومحاطًا بمخاطر الانفصال، وغير متفق عليه في الداخل السوري، ومحصورًا في بقعة جغرافية ضيقة ومحاصرة، ليس لها مصير واضح مع شركائها السوريين والجوار أيضًا، وربما يحمل هذا كله بذرة نزاع بين مكونات المجتمع السوري، وبخاصة أن أغلبية الشعب السوري وقوى المعارضة رافضة للمشروع الفدرالي.
لم تتبنّ أيٌّ من القوى السياسية السورية -العربية منها أو الكردية- مشروع الفدرالية في برنامجها السياسي كنظام حكم للدولة السورية منذ نشأتها وحتى بداية الثورة السورية، فالأحزاب الكردية ومنذ نشأتها أي منذ 60 عامًا كانت على الدوام تطالب بالحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للكرد في سورية، وأهدافها تلك ما زالت تتصدر بياناتها الشهرية؛ أي أن مشروع الفدرالية ليست له جذور في المطلب الكردي في سورية، إلا أنه مع اندلاع الثورة السورية وتأسيس المجلس الوطني الكردي، الذي ضمّ أغلبية الأحزاب الكردية السورية، باتت الأصوات التي تنادي بالفدرالية ترتفع في صفوف المجلس الوطني الكردي متأثرة بفدرالية إقليم كردستان العراق، أما الفصيل الكردي الآخر مُمثلًا بحزب الاتحاد الديمقراطي، فلم ينادِ بالفدرالية عند دخوله على خط الصراع السوري، بل اختار في بادئ الأمر مشروع “الإدارة الذاتية” لإدارة المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري كمشروع إستراتيجي يمثله، وبعد نضج الظروف الراهنة لصالح طرح مشاريع أكبر من مشروع الإدارة الذاتية؛ أي مواجهة جغرافيا البلاد عملية البتر من جانب القوة المتصارعة على ارض الواقع، بادر حزب الاتحاد الديمقراطي بطرح المشروع الفدرالي؛ كخطوة نحو تحقيق كيان سياسي، وبخاصة أن المشروع الفدرالي سيكون مرسومًا بحدود جغرافية داخل الدولة السورية بحسب بنودها، ما ولّد مخاوف كثيرة لدى السوريين مفادها أن الحزب سيخطو في المستقبل خطوات أخرى تلي مشروع الفدرالية، أي الذهاب نحو الانفصال، وبخاصة أن الشعب السوري في بقية المناطق السورية ما زال يعاني من ويلات الحرب المدمرة، ولا تسمح الظروف في الوقت الحالي بإجراء استفتاء أو موافقة على أي مشروع مطروح لأجل الحل في سورية، كما أنه ليس هناك برلمان سوري منتخب بشكل حر، يستطيع رفض المشروع أو تبنيه نيابة عن الشعب السوريّ، هذا كله يجعل المشروع مطروحًا من جانب واحد ويفقد عامل الشراكة الداخلية، ما يزيد مخاوف نثر بذور الخلاف والشقاق بين السوريين.
خامسًا: الموقف السوري من المشروع
يقول “فابريس بالونش” في دراسة له بعنوان “استدامة كردستان السورية والإستراتيجية الإقليمية لـحزب العمال الكردستاني” ما يلي: “يسيطر اليوم “حزب الاتحاد الديمقراطي” على أرض يعيش فيها نحو مليوني نسمة، ولكن 60 في المئة منهم فقط من الأكراد، لكنّ خرائط كردستان السورية التابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” تشير إلى أن “مقاطعة عفرين” ستضم في النهاية أعزاز وجرابلس والباب الشمالية ومناطق منبج الشمالية، وستؤدي هذه النتيجة إلى تخفيض نسبة السكان الأكراد إلى نحو 30 في المئة”[4].
وإذا ما أخذنا الإحصاءات التي اعتمدها (بالونش) في الحسبان فإن الكرد الباقين في المناطق التي من المزمع إعلان الفدرالية فيها كنظام حكم ستكون نسبتهم 30 بالمئة، وهذه نسبة ضئيلة للكرد في المناطق التي ستُعلن فيها الفدرالية، كما يجب أن نضع في الحسبان أن الكرد في المناطق التي ستعلن فيها الفدرالية ليسوا جميعًا موافقين على المشروع عينه، فالأحزاب التي تنطوي تحت سقف المجلس الوطني الكردي ومناصريه لا يؤيدون المشروع الفدرالي المعلن، وهذا يقلل نسبة الكرد الذين يؤيدون المشروع الفدرالي، كما أن جميع الفصائل المسلحة للمعارضة السورية التي خارج نطاق الجغرافيا التي ستعلن فيها الفدرالية ليسوا موافقين على المشروع الفدرالي بل يحاربونه.
أيضًا، جميع القوى السياسية المعارضة للنظام والذين هم خارج نطاق الجغرافيا التي ستعلن فيها الفدرالية تعارض المشروع ، ونظمت مظاهرات رافضة له، كما أن نظام دمشق أعلن رفضه ، وأيضًا، المناطق التي تخضع لسيطرته لم نسمع منها صوتًا مؤيدًا؛ فلا بدّ أن نذكر هنا، أن من يوافق على المشروع الفدرالي هم قسم من الكرد الذين يؤيدون حزب الاتحاد الديمقراطي، وأيضًا بعض الأحزاب الكردية الصغيرة التي تنسِّق مع حزب الاتحاد الديمقراطي وتؤيد المشروع، وكذلك هناك قسم من العرب والسريان الذين تلاقت مصالحهم مع المشروع الفدرالي يؤيدونه، وهم يسكنون داخل المناطق التابعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”. كل ذلك ينبئ بأن المشروع الفدرالي في شمالي سورية ربما سيولد نزاعًا جديدًا بين مكوناتها لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه، وبخاصة أنّ للمشروع حدودًا جغرافية قد تتسبب في نزاعات شبيهة بالنزاعات التي يواجهها إقليم كردستان العراق مع حكومة المركز.
المشهد السوري الذي طغى عليه طابع العنف المتشدد، والذي بات مشهدًا مليئا بالتراجيديا الإنسانية، لكثرة ما تعرض له الشعب السوري من قتل وتهجير، ودمار هائل في البنية التحتية، وهدر للثروة الوطنية، وما مارسه النظام والقوة المتشددة على الأرض من دمار وتفكيك، وبات إيجاد الحل لمثل هذه المعضلة ملحًّا وصعبًا في آن واحد، وما لم تتبنَّ المعارضة السورية بالإجماع مشروعًا متكاملًا يحقّق المساواة لجميع السوريين، ويضمن وحدة البلاد، ويزيح الستارة عن الثقافات المقهورة في البلاد من جانب النظام السوري منذ عقود، ضمن عقد اجتماعي جديد، يغلق الباب أمام طرح المشاريع من وجهة نظر واحدة؛ فلن ينتهي المشهد الدرامي، وستستمر المأساة السورية على هذا المنوال، وربما يرتفع مستوى العنف، ونشهد في المستقبل مأساة أكبر وأقسى، لذا، يقع على عاتق المعارضة السورية بأطيافها المختلفة في هذه المرحلة الحساسة طرح مشروع “الحل في إطار التعددية والديمقراطية”.
ومن المفيد عند البحث عن حل ناجع للمشكلة السورية، عدم إغفال متطلبات الواقع السوري وخصوصيّته في أن تكون هناك دراسة شاملة للواقع السوري، تشمل التركيب السكاني، واختلافات العقائد والأعراق، وتنوّع اللغات والثقافات، من ثمّ بناء الحلّ بما يتوافق ومصالح جميع المكونات الأنفة الذكر، وذلك بمشاركة ممثلي جميع المكونات في الحوارات التي تدور لأجل وضع صيغة الحل النهائي للمشكلة السورية، لضمان حقوق الأقليات الإثنية أو العرقية في البلاد ضمن عقد اجتماعي واحد يضمن وحدة البلاد، وفي إطار التعددية والديمقراطية.
ومهما كانت تسمية مثل هذا المشروع الذي يجتمع عليه السوريين ضمانة لمستقبلهم، وقد تسمى أسماء عديدة، لكنّها في المحصلة يجب أن تكون باتفاق السوريين، ومعترف من الجوار والقوى العالمية. هكذا مشروع سيكون مساهمًا في وقف النزف السوري، وبناء مستقبل سورية الغد في إطار التعددية والديمقراطية، وسيساهم مثل هذا المشروع في ازدهار البلاد اقتصاديًا، وتماسكها كوحدة جغرافية تقطع السبيل أمام التقسيم والتشتت على الأقل من وجهة نظر طارحيها، وكوجهة نظر سيكون لمثل هذا المشروع التوافقي فوائد جمة على الكرد في سورية، وذلك من جهة تأمين الحقوق المشروعة لهم، وتُجنِّب الكرد حروبًا داخلية هم في غنى عنها، وبخاصة بعد أن أجبرت الظروف نحو نصف السكان الكرد بالهجرة من مدنهم وقراهم في اتجاه دول الجوار والقارة الأوربية، كما أن وضع حل للقضية الكردية في سورية ضمن إطار التعددية والديمقراطية، سيستفيد منه الكرد في دول الجوار أيضًا، وربما يختارونه حلًّا لقضيتهم.
المراجع:
1- القاموس السياسي، أحمد عطية الله، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1968، ص 896.
2- مركز إدراك للدراسات والاستشارات، بحث بعنوان “الدولة العراقية بين الفيدرالية واللامركزية، للباحث مجاهد هاشم الطائي، نشر في آذار/ مارس 2016.
http://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/03/Iraqi-between-federalism-and-decentralization.pdf
3- ويكيبيديا- الموسوعة الحرة، ألبرت دايسي: مراقب سياسي إنكليزي.
آخر تعديل لهذه الصفحة يوم 31 تموز/ يوليو 2016.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9
4- معهد واشنطن، دراسة بعنوان “استدامة كردستان السورية والإستراتيجية الإقليمية لـحزب العمال الكردستاني”، الباحث فابريس بالونش: مدير الأبحاث في “جامعة ليون2″، نشر في 24 آب/ أغسطس2016.
[1] القاموس السياسي، أحمد عطية الله، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1968، ص 896.
[2] مركز إدراك للدراسات والاستشارات، بحث بعنوان “الدولة العراقية بين الفيدرالية واللامركزية، للباحث مجاهد هاشم الطائي، نشر في آذار/ مارس 2016.
http://idraksy.net/wp-content/uploads/2016/03/Iraqi-between-federalism-and-decentralization.pdf
[3] ويكيبيديا- الموسوعة الحرة، ألبرت دايسي: مراقب سياسي إنكليزي.
آخر تعديل لهذه الصفحة يوم 31 تموز/ يوليو 2016.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9
[4] معهد واشنطن، دراسة بعنوان “استدامة كردستان السورية والإستراتيجية الإقليمية لـحزب العمال الكردستاني”، الباحث فابريس بالونش: مدير الأبحاث في “جامعة ليون2″، نشر في 24 آب/ أغسطس2016.