المحتويات
ثانيًا: مفهوما التحكيم وحكم القانون
رابعًا: محاكم وقوانين متعدّدة أفرزها واقع الحرب
خامسًا: المحاكم والقوانين في شمالي سوريّة
ملخص
تعرض الدراسة تداعيات الحرب السورية على الواقع الاجتماعي، من حيث إفراز مشكلات اجتماعية لا حصر لها، وهي بلا شك في حاجة إلى حلول آنيّة. ولا أدلّ على ذلك من مشكلة الطلاق التي باتت منتشرة على طول البلاد، وهي تتسبّب يوميًّا في تغيير بنية الأسرة السورية، وإحداث شرخ في مؤسسة الأسرة. وعلى الرغم من إنشاء محاكمَ، وسَنِّ قوانين متعدّدة في زمن الحرب، منها ما يخصّ مشكلة الطلاق في بعض المناطق التي باتت تحكم واقعَها قوى مختلفة؛ إلا أنّ تلك القوانين لم تساهم في خفض حالات الطلاق والحدّ منها، بل هي -بحسب المتابعين والمختصّين- ما زالت في ازدياد.
أولًا- منهجية الدراسة
1- مشكلة الدراسة وأهميّتها
يعدّ الطلاق حلًّا بغيضًا، مكروهًا، وأحيانًا حرامًا في قوانين المجتمعات وأعرافها، الشرقية منها والغربية. وأحيانًا أخرى يكون الطلاق واجبًا، مندوبًا أو جائزًا، بحسب ما تداوله مضامين المشارب الثقافيّة والمعتقدات الدينيّة. لذا حلّلتها الشرائع السماوية في إطار الحلّ الأخير للمشكلة الأسرية ذات الصبغة المعقّدة. كما تناولتها القوانين الوضعية بحساسية كبيرة، كحلّ للمشكلات المستعصية أو المتراكمة في الأسرة أو بين الزوجين. لكنّ الطلاق سرعان ما يتحوّل من حلّ لمشكلة إلى مشكلة بعينها، لما يسبّبه من هدم أُسري يطال تأثيره السلبيّ جيلًا بأكمله، فكان لزامًا على الجهات التشريعية إصدار القوانين الضابِطة للمشاكل الأسرية ومنها الطلاق، كي لا تتفشّى حالات الطلاق بصورة اعتباطيّة، ولا يعدّ حلًّا سهلًا، ما يؤدي -ربّما- إلى زعزعة أركان المجتمع، إلا أنّ الأوضاع التي أفرزها العنف في المناطق التي تشهد الحرب فاقمت من مشكلة الطلاق وأسبابها العديدة.
بلغ عدد السكان في سوريّة وفقًا للأحوال المدنية في بداية العام 2011؛ أي قبل الأزمة السورية بشهرين “24.5 مليون نسمة”[1]. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الحرب السورية، ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة “فهناك أكثر من 7 مليون سوري نازح داخل البلاد، وأكثر من 4 مليون مهاجر خارج البلاد”[2] ، علاوةً على أعداد المفقودين والجرحى؛ فليست هناك إحصائية رسمية بأعداد المفقودين والجرحى في عموم البلاد؛ أي أنّ قرابة نصف السوريين باتوا نازحين ومهاجرين أو مهجّرين ومغيّبين، مخلّفين مشكلات أسرية نتيجة الشرخ الحاصل في الأسرة السورية. فمنذ بداية الحرب باتت الجغرافيا السورية المتناثرة تشهد عددًا من حكومات الأمر الواقع، والتي بادرت إلى إنشاء محاكم وإصدار قوانين تتوافق ونظرياتهم ورؤاهم في حلّ المشكلات الاجتماعية، وكان منها القوانين التي تخصّ مشكلة الطلاق، فتعدّدت القوانين على الأراضي السورية، وبات المجتمع السوري منقسمًا إلى مجتمعات محليّة لا يحكمُها قانونٌ واحد، بل قوانين متعددة منها ما يعتمد الدين مصدرًا له، وأخرى تعتمد التشريع الوضعي عمودًا فقريًّا لتشريعاتها.
من هنا، بات طرحُ موضوعِ الطلاق بصفتِه مشكلةً حقيقية تطال كثيرًا من الأسر السورية حاجة ملحة، وباتت هي الأخرى معاناة إضافية للشعب السوري الذي سيعاني من عواقبها جيلًا كاملًا على الأقلّ في مُستقبل الأيام.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في إلقائها الضوء على تفاقم مشكلة الطلاق في مناطق شمالي سوريّة خلال فترة الحرب السورية، وتُركّز الدراسة على حالات الطلاق في مدينة “رأس العين/سري كانيه” الواقعة في شمالي سوريّة كنموذج، حيث عانت هذه المدينة من آثار حرب عنيفة، خلّفت مفقودين ومُبعدين وعجزة وقاصرين من جرّاء ضراوتها.
2- أهداف الدراسة
تحددت أهداف الدراسة بما يأتي:
– أسباب تزايد حالات الطلاق في زمن الحرب (الأوضاع التي أفرزتها الحرب ساهمت في تفاقم مشكلة الطلاق).
– واقع تعدّد المحاكم والقوانين الخاصة بالأسرة في شمالي سوريّة التي نشأت زمن الحرب.
– معرفة ما إذا كانت الجهات القضائية والقوانين التي نشأت في سنيّ الحرب التي تخصّ الطلاق، متمكّنة من الحكم في قضايا الطلاق أم لا.
– تأثير الطلاق على الأطفال.
3- مجالات الدراسة
– المجال المكاني: تحدّد المجال المكاني للبحث في مدينة (رأس العين/ سري كانيه) في شمالي سوريّة
– المجال الزماني: تحدد المجال الزماني بالفترة الواقعة في نهاية عام 2016.
– المجال البشري: النسوة المطلقات اللواتي عرضن مشكلتهن على الجهات القضائية القائمة.
4- طريقة الدراسة والعينة
اعتمدت الدراسة على منهج “دراسة الحالة” لعيّنة محددة، اقتصرت على أربع نساء ممن تقدمن بشكواهن إلى المحاكم الخاصة بالأسرة التي أُنشِيت زمن الحرب في المنطقة.
وقد جرى اختيارهنّ لمعطيات عدّة؛ منها الاختلاف في أسباب حدوث الطلاق، والاختلاف في عدد الأطفال، وكذلك تقدمهنّ بالشكوى إلى الجهات القضائية.
ثانيًا: مفهوما التحكيم وحكم القانون
1- التحكيم في معناه العام
هو اتفاق أطراف عدّة، أو طرفين، بموجب علاقة قانونية معيّنة، عقدية أو غير عقدية، على أن يُفصل في المنازعة والخلافات التي ثارت بينهم فعلًا، أو التي يحتمل أن تثور في المستقبل، عن طريق أشخاص كفوئين يُختارون بموافقة الأطراف المتنازعة كمحكّمين في مشكلة معينة، أو إحدى هيئات، أو مراكز التحكيم الدائمة والمعروفة في البلد، بأن تتولى النظر في عملية التحكيم، وفقا للقواعد والقوانين أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز والتي وضعت من جانب مختصين.
فالتحكيم وسيلة قانونية بديلة من القضاء، أو موازية له، قوامها إرادة الأطراف المتنازعة، وقد أفسح المشرّع لها المجال للفصل في المنازعات والخلافات المتفق على عرضها على التحكيم، حيث ينتهي إلى حكم يتقيّد به الفُرقاء ويؤدي في النهاية إلى الحسم في النزاع الذي شجر بينهم، شأنه في ذلك شأن القضاء، ولكن التحكيم ينجز بسرعة ملحوظة، وبقدر أقلّ من الجهد الذي يبذل في القضاء. وقد أدت سرعة التحكيم، ومشاركة الأطراف في اختيار الجهة المحكمة، إلى دفع جميع الأطراف التي ينشأ بينها خلاف، إلى اللجوء للتحكيم أسلوبًا لحلّ منازعاتهم وخلافاتهم بدلًا من القضاء.
2- التحكيم في الشريعة:
“هو إجراء قانونيّ مستمدّ من الشريعة الإسلامية، يتوجب على المحكمة اتباعه في حال تقديم أحد الزوجين دعوى التفريق للشِقاق، يهدف إلى الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، وفي حال تعذّر الإصلاح يفرّق بينهما، وهو من النظام العام”. [3]
3- حكم القانون:
“يتضمّن مفهوم حكم القانون أو سيادته إعمال القاعدة القانونية نفسها في الحالات المتماثلة، وبغض النظر عن المراكز الاجتماعية للأطراف ذات الصّلة، وهو ما يعبّر عنه بالمساواة أمام القانون. ويرتبط حكم القانون باستقلال السلطة القضائية على نحو لا يسمح للسلطة التنفيذية بالتدخل في عملها والتأثير على أحكامها.” [4]
رابعًا: محاكم وقوانين متعدّدة أفرزها واقع الحرب
منذ أن أخذت الأزمة السورية مسارًا عنفيًّا، واعتمدت القوى المقاتلة المختلفة التوجهات والأهداف بالتمركز في مناطق قتالها، والتي عُدّت حاضنتها الاجتماعية والتي تقاتل من أجلها، حتى بادرت تلك القوى إلى إعلان رؤاها ونظرتها عن كيفية إدارة المناطق التي تسيطر عليها، من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإلى سنّ قوانين توافق رؤاها، لأجل ذلك كانت الناحية الاجتماعية هي إحدى النواحي التي من دون إدارتها يصعب على تلك القوى ضمان ديمومتها على الأرض، فتنوعت القوانين على الأراضي السورية؛ منها ما عدّت الدين منبعًا لتشريعاتها، ومنها ما اعتمدت القوانين الوضعية، إضافةً إلى القوانين التي كانت متداولة من قَبلُ في محاكم الدولة السورية، والتي مازالت سارية المفعول في مناطق سيطرة قوات النظام السوري حتى الوقت الحالي.
خامسًا: المحاكم والقوانين في شمالي سوريّة
في مدن شمالي سوريّة التي تحكمها الإدارة “الكردية”، يُنظَر في جميع المشاكل التي تخصّ المرأة وبخاصة مشكلة الطلاق، من جهةٍ تحكيمية شبه شعبية، تسمى “دار المرأة”، وليس شرطا أن تكون لجان تلك الجهة من الاختصاصين. تحاول الجهة التحكيمية في هذه الهياكل حلّ الأمر بالصلح، وإن فشلت في الوصول إلى حكم يرضي طرفي النزاع؛ فإنّ القضية تُحال عندها إلى محاكم الشعب.
توجد في كل مدينة خاضعة للإدارة “الكردية” محكمة تسمى “محكمة الشعب”، كما يوجد بعض محاكم الاستئناف والنقض أيضًا، لكن المحاكم تلك وبحسب تحقيقات أجريت هناك، لا تتعامل مع القضايا بموجب قانون معيّن، بل بحسب مفاهيم ومبادئ تتوافق مع رؤى الجهة الحاكمة، فقد ورد في إحدى التحقيقات التي استقصت دور القضاء في بعض المناطق من سوريّة ما يأتي: “ما يتم في محاكم الشعب من تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية أثار انتقادات واسعة عند مجمل الحقوقيين، فقد عدّ قضاة ونخب حقوقية لـ “مجلة” عنب بلدي أنّ “ما يجري في هذه المحاكم هو طامة كبرى بحقّ القضاء، إذ لا يوجد قانون مطبق، فالقانون المعتمد هو “معيار العدالة الاجتماعية” الذي يتمثل بضمير القاضي والشعب ورؤيتهم فحسب، فلا نصوص ولا قوانين تضبط الأحكام، وإن كانت بعض هذه المحاكم، التي يكون من بين قضاتها عدد من المحامين، تلجأ إلى تطبيق نصوص من القوانين السورية أحيانًا، فإنّ ذلك ينحصر في أصول المرافعات”.[8]
لكن جرى -مؤخّرًا-صوغ “قوانين المرأة” لتكون هي الفصل في جميع المشاكل التي تخصّ المرأة، ومنها مادة تتعلّق بمشكلة الطلاق، وهي المادة رقم (14) ورد فيها: “يحقّ لكلا الطـرفين طلب التفريـق، ولا يجـوز الطـلاق بـالإرادة المنفـردة”. [[9
ليس لهذه المادة عن الطلاق والتي وردت في “قوانين المرأة” قوانين فرعية وملمّة بالمشكلة ما يمكّن القاضي من التحكيم في مشكلة الطلاق، من حيث بناء مقومات الحكم الصادر بمشكلة الطلاق، متوافقًا مع القانون الذي يلم بالمشكلة، ولا تُدار هذه الهياكل والأجسام القضائية -في الأغلب- من جانب اختصاصيين أو حقوقيين مخوّلين، بحكم دراساتهم وشهاداتهم بإصدار الأحكام. هذه الإشكالية في انتقاء الكادر القضائي تسبّبت في أحكام كيفية في فضاء العدالة الاجتماعية وحكم الشعب.
ازدادت حالات الطلاق في مناطق شمالي سوريّة، من دون أن تكون تلك القوانين أو الهياكل والأجسام القضائية مساهمة في منع تفاقم المشكلة، فأغلب حالات الطلاق يحدث خارج الدوائر القضائية لحسابات اجتماعية، وجاء في إحصاء أجرته “منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة” للعام 2016 حول تعداد قضايا العنف ضد المرأة، ومنها حالات الطلاق في مناطق الشمال السوري “منطقة الإدارة الكردية” حيث ورد في الإحصاء أنّ “حالات الطلاق بلغت 778 حالة خلال العام 2016”.] 10 [
سادسًا: نتائج الدراسة
من خلال المقابلة مع عيّنة البحث عن طريق المقابلة المقنّنة، وهي أربع حالات عايشت مشكلة الطلاق في سنيّ الحرب، وجميع إجابات الأسئلة الموجهة إلى عيّنة البحث، والملاحظات التي دُوِّنت عن وضع الحالات تتعلق بفرضيات البحث الثلاثة، وهي:
1 – الأوضاع التي أفرزتها الحرب ساهمت في تفاقم مشكلة الطلاق.
2- الجهات القضائية التي نشأت والقوانين التي صدرت في سنيّ الحرب من قوى تحكم الواقع السوريّ غير متمكّنة فيما يتعلّق بقضايا الطلاق.
3- يعيشُ الأطفال عقب الطلاق في أوضاع معيشية صعبة.
وفيما يأتي عرض لأجوبة الحالات عن الأسئلة التي وجهت إليها، مع عرض الملاحظات التي دوّنت في أثناء المقابلة:
الحالة الأولى:
في إطار الأسئلة المتعلقة بالفرضية الأولى للبحث، والتي تدرس مساهمة مفرزات الحرب في تفاقم مشكلة الطلاق، أجابت الحالة الأولى إنّ مدة الزواج استمرت 13 عامًا، وأنّ الطلاق قد حدث في العام 2013، وأنّ سبب الخلاف يعود إلى الوضع المادي المتردّي للزوج الذي تزوّجها حين كانت تملك المال، وعندما تسبّب غلاء سنيّ الحرب في نفاد تلك الأموال، بدأت المشكلات بينهما حتى أفضت إلى الطلاق.
أما أجوبة الأسئلة المتعلقة بالفرضية الثانية للبحث، والتي تدرس عدم تمكّن القضاء والقوانين في قضايا الطلاق، فكانت إجابات الحالة الأولى، بأنّ مدة الخلاف والتشكّي طالت إلى ثلاثة أشهر، وبعد إصرار الزوج حدث الطلاق في العائلة، لأنّ الوضع العائلي منعها من الذهاب في حينها إلى المحكمة لاستيفاء حقوقها، وتقول الحالة إنّها التجأت فيما بعد إلى “دار المرأة” وتم إعادة أولادها الخمسة إلى حضنها، مع فرض مبلغ شهري قيمته 30 ألف على الزوج، إضافة إلى نعجتين فقط تم تحصيلهما بعد الشكوى.
فيما يتعلّق بالإجابة عن الفرضية الثالثة للبحث، والتي تدرس معاناة الأطفال بعد الطلاق، قالت الحالة إنّها وأولادها الذكور الخمسة يعيشون في منزل بأجرة شهرية، وإنّ أكبر أولادها سنًّا انقطع عن التعليم في الصف الأول، بسبب الوضع المادي، أما أولادها البقية فهم دون سنّ التعليم، وإنّ المبلغ الذي فرضته “دار المرأة” على الزوج نفقةً شهريّةً لأطفالها لا يكفي مصاريف المعيشة لمدة شهر، وبخاصة أنّها وأولادها يسكنون منزلًا بأجرة شهرية.
نتيجة:
– لوحظ أنّ النفقة التي خصصت لها ولأولادها بقيمة 30 ألف ليرة سورية، لا تكفي مصاريف الأسرة المكوّنة من أم وخمسة أولاد في أوضاع الغلاء المعيشي، وبخاصة أنّ الأسرة تسكن منزلًا يُدفع إيجاره الشهريّ من المبلغ نفسه.
– سوء التغذية واضح على أجسام الأطفال الخمسة.
– تبدو الملابس مستعملة، وتُشترى جميعها من البالة، أو تُقدّم إليهم من الخيّرين.
– تتأسّف الزوجة المطلقة كثيرًا على ما أصابها وأولادها في هذه الأوضاع الصعبة والعيش من دون زوج.
الحالة الثانية:
في إطار الأسئلة المتعلّقة بالفرضية الأولى للبحث، والتي تدرس مساهمة مفرزات الحرب في تفاقم مشكلة الطلاق، أجابت الحالة الثانية بأنّها متزوجة منذ ستّ عشرة سنة، وأنّها افترقت عن زوجها من دون حكم طلاق في العام 2012؛ أي في العام الثاني من الحرب، وتقول الحالة إنّ سبب حدوث الفراق هو اختلاف الآراء بينها وبين زوجها حول تغيّب الزوج عن البيت؛ وهو سائق شاحنة تجارية، و بحسب ما ذكرت الحالة، فقد اعتقل زوجها على الطرقات من جانب تنظيم الدولة (داعش) مرات عديدة، وذكرت أنّ التأخر في الإنجاب يعود إلى حالة الفراق والتغيّب عن المنزل، كما ذكرت الحالة أنّ الوضع المادي المتردّي للزوج من جرّاء أوضاع الحرب أيضًا خلق حالة نفسية غير مستقرة لدى الاثنين، ما تسبّب في علاقة زوجية مليئة بالمشكلات، والتي لم تكن موجودة قبل بدء الحرب.
أجابت الحالة عن الأسئلة المتعلقة بالفرضية الثانية للبحث، والتي تدرس عدم تمكّن القضاء والقوانين في قضايا الطلاق، وذكرت أنّها في حالة فراق عن زوجها منذ أربع سنوات، وحتى الآن لم يحدث الطلاق، على الرغم من أنّها تطالب به منذ سبعة أشهر أمام العائلة والجهات القضائية أيضًا، وأنّها إلى الآن لم تحصل من الزوج على نفقة أو إعانة تساعدها على المعيشة في سنيّ الحرب.
وفي إطار الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالفرضية الثالثة للبحث؛ والتي تدرس معاناة الأطفال بعد الطلاق، أجابت الحالة بأنّها أم لابنتين، الكبيرة منهنّ في عمر السادسة عشرة، والصغيرة في عمر خمس سنوات، وتعيشان معها في بيت أخيها، ولا يملكن مصدر رزق إلّا مساعدة الأهل لهم، بل حتى إنّ الأهل يتكفّلون بمصاريف دراسة ابنتها الكبيرة التي تدرس في المرحلة الثانوية، و عبّرت الحالة عن استيائها من الوضع، وقالت إنّ ابنتها تنوي ترك المدرسة لأنّها باتت راشدة، وتشعر بالخجل في أخذ مصروفها المدرسيّ من غير والدها، وحمدت الله لأنّ أطفالها لم يُصابوا بمرضٍ ما في هذه الأوضاع الصعبة.
نتيجة:
– لوحظ من خلال تصرّف الحالة وابنتها الكبيرة في أثناء المقابلة أنّهما تعدّان نفسيهما عالة على الأهل. وأنّ الحالة باتت تريد الطلاق بأي ثمن كان.
– لوحظ كذلك أنّها تريد أن تشعر بالتحرّر من قيود زوجها المتغيّب عنها منذ أربع سنوات.
– الوضع المادي متردٍّ جدًّا، والحالة النفسية المعقّدة كانت واضحة على الأم، كونها فشلت في بناء أسرة، وهي تردّد ذلك في كلامها، ولمّحت الحالة إلى أنّ زوجها قد تزوّج بأخرى بعد الفراق، وهي النقطة التي كانت تغيظها جدًّا، وتسرّع من طلبها الطلاق من زوجها.
الحالة الثالثة:
أجابت الحالة الثالثة عن الأسئلة المتعلّقة بالفرضية الأولى للبحث، والتي تدرس مساهمة مفرزات الحرب في تفاقم مشكلة الطلاق، وذكرت أنّها طلّقت بتاريخ 15/12/2016 وكانت مدة زواجها سنة وأربعة أشهر، وأنّ سبب حدوث الطلاق هو الخلافات العائلية بينها وبين أولاد الزوج من زوجته السابقة، والتي فقدت حياتها في إثر انفجار مفخّخة، فتزوّجها الرجل الذي يبلغ من العمر ستين عامًا ويكبرها بكثير، وذكرت الحالة أنّه لم يتمّ التوافق في الحياة الزوجية بسبب الخلافات العائلية، والوضع المادي المزري.
في إجابات الحالة عن الأسئلة المتعلّقة بالفرضية الثانية للبحث، والتي تدرس عدم تمكّن القضاء والقوانين في قضايا الطلاق، أجابت بأنّها طلّقت في الجامع وبحضور الأهل بطريقة شرعية، وأنّ فترة الخلاف لم تطُل غير خمسة عشر يومًا، ومن ثم، تمّ الطلاق استجابة لرغبة الزوج، وإنّها لم تستوفِ حقوقها من الزوج إلى الآن على الرغم من تقديمها شكوى على الزوج.
وذكرت أنّها تسكن الآن مع أهلها، لم تكمل الحالة الإجابة عن بقية الأسئلة المتعلّقة بالفرضية الثالثة للبحث؛ والتي تدرس معاناة الأطفال عقب الطلاق؛ وذلك لأنّها لم تنجب من زوجها أطفالًا.
نتيجة:
لوحظ أنّ الحالة تشعر بخيبة كبيرة، وأنّ مستقبلها ضاع إثر فشل زواجها من رجل مسنّ وفقير الحال في زمن الحرب، وأنّها إلى الآن لم تحصل على حقوقها المشروعة.
الحالة الرابعة:
أجابت الحالة الرابعة عن الأسئلة المتعلّقة بالفرضية الأولى للبحث، والتي تدرس مساهمة مفرزات الحرب في تفاقم مشكلة الطلاق، وذكرت أنّها بقيت متزوجة فترة سنتين، وطُلّقت في نهاية العام 2011، وأنّ سبب حدوث حالة الطلاق يعود إلى خلافات عقائدية؛ فقد تزوجا قبل بدء الثورة السورية، وانتسب زوجها فيما بعد إلى حركة إسلامية متشدّدة، وبدأت الخلافات بينهما لأسباب عقائدية إلى أن وصلت إلى الطلاق، وأنّ أسباب الخلاف لم تكن موجودة قبل الحرب.
وفي إطار إجابات الحالة عن الأسئلة المتعلقة بالفرضية الثانية للبحث؛ والتي تدرس عدم تمكّن القضاء والقوانين في قضايا الطلاق، فذكرت الحالة أنّ حكم الطلاق أُقِرّ أمام العائلة، وليس لدى جهة قضائية أو شرعية، وأنّ مدة الخلاف امتدّ نحو سنة، وذكرت الحالة أنّها هي من طلبت الطلاق خوفًا من التوجّه المتشدّد لزوجها، وخوفًا على مستقبل طفليها أيضًا، كما ذكرت أنّها لم تستوفِ حقوقها من الزوج، لأنه اختفى بعد الطلاق مباشرة، ولديها معلومات متضاربة عن مكان وجوده، فثمة معلومات تقول إنّه هاجر إلى أوربا سرًّا، وثمة معلومات تفيد بأنّه قتل في إحدى المعارك، ومعلومات أخرى تفيد بأنّه مازال في صفوف المتشدّدين.
وفي إطار إجابة الحالة عن الأسئلة المتعلقة بالفرضية الثالثة للبحث، والتي تدرس معاناة الأطفال بعد الطلاق، ذكرت الحالة أنّ عدد أطفالها اثنان؛ ولد في السابعة من عمره وهو في الصف الأول، وبنت في السادسة من عمرها لم تدخل المدرسة بعد، ويعيشان معها في منزل أهلها؛ لأنّها لا تملك دارًا للسكن، وذكرت الحالة أنّ مصدر رزقها الوحيد هو مساعدات الأهل، والتبرعات التي تصلها من الجمعيات الخيرية، وأنّها تحمد الله على أنّ أطفالها سالمون، ولم يصبهم مرض، حيث الأوضاع المادية الصعبة.
نتيجة:
لوحظ من خلال المقابلة أنّ الحالة تشعر بالغبن الذي أصابها من جراء حالة الطلاق، وهي في مقتبل العمر، وكانت الحالة تبكي أثناء المقابلة لما تشعر به من صعوبة تربية الطفلين في الأوضاع المعيشية الصعبة، وكانت تشكو وتتأسّف لضياع حقوقها، بسبب اختفاء زوجها عن الأنظار.
النتائج العامة للبحث
ما تم عرضه من نتائج المقابلات من خلال الأسئلة المقنّنة التي وجّهت إلى عيّنة البحث، وهي أربع نسوة عايشن حالة الطلاق والفراق، والملاحظات التي دُوّنت في أثناء المقابلات، تؤكّد فيها جميع الحالات من خلال إجاباتهنّ ما يأتي:
الفرضية الأولى
1- سبب الطلاق أو الفراق يعود إلى الأوضاع التي أفرزتها الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات مضت.
2- أحدثت الأوضاع التي أفرزتها الحرب أثرًا كبيرًا على الحالة المادية والنفسية للأسرة السورية؛ ما خلق بيئة أسرية مليئة بالمشكلات، تطوّر كثير منها إلى حدّ الطلاق بين الزوجين، وهذه النتائج إنّما تؤكد صحة الفرضية الأولى للبحث؛ وهي مساهمة مفرزات الحرب في تفاقم مشكلة الطلاق.
الفرضية الثانية
فيما يخصّ حكم الطلاق، أكّدت جميع الحالات أنّ حكم الطلاق صدر في ظلّ عادات وقيود عائلية وخارج الدوائر القضائية، ومن دون أن ينلن حقوقهنّ المشروعة، كما أكدت الحالات أنّهن تقدّمن بدعاوٍ للمطالبة بحقوقهنّ بعد الطلاق إلى الجهات القضائية، وذلك لاستيفاء حقوقهنّ من النفقة، أو ما يعينهن على المعيشة في أوضاع الغلاء حيث الحرب، فإحداهنّ ذكرت أنّ الجهات التحكيمية خصّصت لها من زوجها مبلغًا قدره 30 ألف ليرة سورية نفقةً لها ولأولادها الخمسة، وهي تسكن منزلًا تدفع أجرته الشهرية، أما الأخريات فأكدن أنّهن لم تنلن حقوقهن حتى اللحظة، على الرغم من تقديم الدعاوي إلى الجهات القضائية، وهذا يؤكد صحة الفرضية الثانية، وهي عدم تمكّن القضاء والقوانين التي أُنشِئت وصدرت في أثناء الحرب من قوى تحكم الواقع السوري في قضايا الطلاق.
الفرضية الثالثة
أما فيما يتعلق بمصير الأطفال بعد الطلاق، فكان لإحداهنّ خمسة أطفال، ولأخرى طفلان، وللثالثة طفلان أيضًا، أمّا الرابعة فلم تنجب أطفالًا، ومن خلال الإجابات أكّدت الحالات جميعها أنّ الأطفال من عمر المدرسة، إما أنّهم تسرّبوا، أو أنّهم سيتسرّبون قريبًا نتيجة الأوضاع المادية.
كما لوحظ أنّ الأطفال جميعهم محرومون من المستلزمات الأساسية؛ كالملبس، والمسكن، والمأكل، وتشير نتائج الدراسة إلى أنّ الأطفال يواجهون معاناة شديدة بعد الطلاق، وهذه النتائج تثبِت صحة الفرضية الثالثة للبحث؛ وهي مواجهة الأطفال لأوضاع معيشية صعبة عقب الطلاق.
خاتمة
من خلال التعرّف إلى حجم مشكلة الطلاق في شمالي سوريّة بوصفها نموذجًا لبلد يعاني من إفرازات الحرب المؤثِّرة على الواقع الاجتماعي، والتي خلفت مشاكل اجتماعية لا حصر لها، وتسبّبت -ولا تزال- في هدم العلاقة الأسرية، وتخطت القدسية الاجتماعية والدينية داخل الأسرة السورية، إذ تبيّن نتائج البحث أنّ للحرب دورًا في تفاقم مشكلة الطلاق في جميع المناطق السورية، وعلى الرغم من تفاوت حجم المشكلة من منطقة حرب إلى أخرى، والاختلاف في تعاطي المحاكم والقوانين في مشكلة الطلاق في مختلف المناطق السورية، إلا أنّ المشكلة قائمة في كلّ المناطق السورية، والتي تمر فيها مسيرة القضاء بمرحلة عصيبة، كما وصفها حقوقيون؛ إذ تعدّدت المرجعيات التي ليس لها مرجعية قانونية صرف، بل أخذت الأحكام صفة الاجتهاد في الحكم، وصدور أحكام كيفية من قضاة ليسوا باختصاصين دومًا، وتعتمد تقنيات الحذف والإضافة والقياس والاجتهاد في حكمها، وبات القاضي يحكم برؤيته في تطبيق الشريعة، والمحاكم تتبع لحكم العسكر الذي يحكم المنطقة التي يحكمها، فلم تساهم حالة القضاء تلك في انخفاض معدّلات الطلاق في مناطق الحرب، كما طال تأثير مفرزات الحرب الأسرة السورية في المهجر أيضًا، وهي تنال نصيبها من المشكلات الاجتماعية وبخاصة الطلاق.
وبعد معرفة الواقع الاجتماعي المُعاش في مناطق الحرب، باتت حاجة المجتمع السوري ملحة إلى تحكيم متمكّن في المشكلات الاجتماعية التي تعصف بهم ومنها مشكلة الطلاق، والتي باتت تتسبّب في تشرذم العوائل، إنّها الحالة التي من المفترض أن تعصف بضمير الحقوقيين، وتوجّههم نحو البدء بالمساهمة في إصلاح حكم القضاء قدر المستطاع في كافة المناطق السورية، وللمساهمة في استقامة الأمور نحو العدل، ووأد الجَور في مشكلة الطلاق، وبما يتوافق وأوضاع الحرب، ومن دون النظر إلى نوع الحكم والجهة المسيطرة، ما قد يخفف من وطأة المشكلة على الأسرة السورية التي باتت تحت تأثير الحرب مهشمة، وتنتظر النجاة.
المراجع
[1] – المكتب المركزي للإحصاء، مؤشرات المجموعة الإحصائية 2011، تاريخ الزيارة 20/12/2016،
http://www.cbssyr.sy/
[2] – أبو ظبي، سكاي نيوز عربية، منظمة: الحرب بسوريّة شردت 11 مليون شخص، تاريخ الزيارة 22/12/2016،
http://www.skynewsarabia.com/web/article/772278/منظمة-الحرب-بسوريا-شردت-11-مليون-شخص
[3] – لما وراق، التحكيم الشرعي، تاريخ الزيارة 23/12/2016،
http://www.damascusbar.org/AlMuntada/showthread.php?t=16682
– [4] معهد البحرين للتنمية السياسية، معجم المصطلحات السياسية، منشورات معهد البحرين للتنمية السياسية 2014، ص 33.
[5] – مر كز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطلاق: أسبابه وآثاره وطرق الحدّ منه، تاريخ الزيارة 23/12/2016،
http://www.alrafedein.com/news.php?action=view&id=8379
[6] – مركز فيريل للدراسات، سوريّة بين 2010 و2016 في الأحوال الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب السوري، تاريخ الزيارة 18/12/2016
http://firil.net/?p=2088
[ 7] – معهد ليفانت للدراسات، سورية .. حالات الطلاق والأزمة، تاريخ الزيارة 26/12/2016،
http://levantri.com/سورية-حالات-الطلاق-والأزمة/
[8]- فريق التحقيقات في جريدة عنب بلدي، قضاء سوريّة المحرّرة، ثلاث مرجعيات تنذر بتقسيم البلاد، تاريخ الزيارة 25/12/2016
http://www.enabbaladi.net/archives/57254
[9]- موقع المجلس التنفيذي لمقاطعة الجزيرة، قوانين المرأة في مقاطعة الجزيرة، تاريخ الزيارة 28/12/2016،
http://encumenacibiciker.info/قوانين-المرأة-في-مقاطعة-الجزيرة/
] -[10إحصاءات رسمية لمنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة للعام 2016، الصفحة الرسمية لمنظمة سارا لمناهضة العنف ضدّ المرأة:
https://www.facebook.com/sara.organization/?fref=ts