اسم الكتاب: الذهنية العربية: الثوابت والمتغيرات
اسم المؤلّف: حسين حميد
مراجعة: فادي كحلوس
دار النشر: دار نينوى
مكان النشر: دمشق/ سورية
تاريخ النشر: 2009
المحتويات
الفصل الأول: الذهنية العربية/ محدّدات أولية
الفصل الثاني: سوسيولوجية المجتمع العربي (الذهنية)
الفصل الثالث: سوسيولوجيا المجتمع العربي (منظومة القيم أفقيًا وعموديًا)
الفصل الرابع: سوسيولوجيا المجتمع العربي (الأطوار)
الفصل الخامس: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (السلطان)
الفصل السادس: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل الدين)
الفصل السابع: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل المال)
الفصل الثامن: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل الجند)
الفصل التاسع: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (الشاعر)
الفصل العاشر: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (المرأة)
جدلية العلامات الاجتماعية (التحالفات)
ينتمي الكتاب الذي بين أيدينا إلى المصفوفة الفكرية/ النقدية والتحليلية التي تناولها كتّاب ومفكرون كُثر، مثل حليم بركات، وجورج طرابيشي، ومحمد عابد الجابري، وحنا بطاطو، وجورج طرابيشي، وعلي زيعور وغيرهم. وأقول “ينتمي” لأنه تناول المجتمع العربي بسيرورته التاريخية اجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا وثقافيًا وقيميًا أيضًا، وجرى التناول من الكاتب حسن حميد بعين الباحث والمحلل والناقد، حاله حال زملائه من الكتّاب والمفكرين المذكورين آنفًا. ويمكننا القول وبكل أريحية: إن هذا الكتاب ينتمي إلى المدرسة النقدية النهضوية التي عملت على دراسة تاريخية المجتمع العربي اجتماعيًا ومراجعته، في سبيل كشف مكامن تخلفه وتأخره من أجل تجاوزها والنهوض بها من جهة، ومن جهة أخرى؛ محاولته الإجابة عن التساؤلات الهوياتية والحضارية الكبرى للعرب ومجتمعهم. ومن القيم المضافة التي يقدمها هذا الكتاب، تمثله استقصائية تاريخية عميقة تصلح مرجعية لإدراك عدد من العلاقات والعلائقية ما بين مكونات المجتمع العربي وما بينه وبين “الآخر”، وما أفرزته ونتجت منه من أحوال وقيم وأوضاع بات الفرد والمجتمع العربي يعانيان بسببها كثيرًا، وأخص هنا ما تناوله الكاتب حول الذهنية العربية وتكونها وتشكلها ومآلها.
في هذا الكتاب؛ يخبرنا كاتبه “حسن حميد” عن أسباب التطلع إلى معرفة سوسيولوجيا الأفراد والمجتمع معًا، والعوامل التي عززت هذا التطلع، كتمظهرات الاستعمار: “من أجل تيسير سبل التعامل مع الأفراد والمجتمعات والهيمنة عليهم “كتاب وصف مصر” نموذجًا. ومن تلك العوامل أيضًا: “رغبة الحاكم السياسي في معرفة من يحكم، والأساليب الأكثر نجاعة لانقياد الأفراد والجماعات لسياسته للبقاء في سدة الحكم أطول مدة زمنية ممكنة، وتوريث الحكم من بعدها، وبسبب ظهور النفوذ الأكبر للدولة الأمنية ليصبح المجتمع أمام ناظري الحاكم أشبه بمدرسة ليس الأفراد فيها سوى تلاميذ”. أما العامل الثالث فهو “سيطرة فكرة التقدم والتطور الاجتماعي.”
يقول حسن حميد: تنهض الحاجة إلى معرفة سوسيولوجيا المجتمعات خصوصًا بعد أن انقسم العالم إلى قسمين كبيرين واسعين بالمعنى الاجتماعي، عالم يملك وعالم لا يملك، عالم شمالي يحلّق في أعالي سلّم الحضارة، وآخر جنوبي يقبع في ذيل سلّم الحضارة (…) عالم فتي متجدد يقبل المتغيرات بعيدًا من التقديس، وآخر فتكت به الشيخوخة، منغلق، رافض لكل جديد، يقدس العادات والتقاليد والأعراف المتحدرة إليه من الأجداد، فيجعلها سقفًا لتفكيره ومرآة لسلوكه. ويضيف: وقد شجّع على هذه الدراسات السوسيولوجية للمجتمعات ما سمّي بمقولات (التقدم والتأخر والتطور والحضارة) واشتقاق الأسئلة الفلسفية والاجتماعية مثل: لماذا “هم” يتقدمون و”نحن” نتأخر؟ ولماذا تقدمنا في الماضي ولماذا تأخروا “هم”؟
يؤكد الكاتب التوصيف الآتي: ليس العرب وحدهم من لهم عودات نحو الماضي، ويقدسونه ويستغرقون فيه. وإن التخلف ليس خاصية عربية فقط. ليختتم الكاتب مقدمته بالقول: لا أرى حضارة علا شأنها إلا عندما اهتمت بالعقل والانسان، أي بالعمل والمجتمع.
الفصل الأول: الذهنية العربية/ محدّدات أولية
الحديث عن الذهنية العربية ذو أولوية، لأن الحديث عن الفرد والجماعة والمجتمع والنظم المعرفية، هو حديث تالٍ للحديث عن الذهنية، كما هو الحديث عن النهوض والابتكار والنظم السياسية والاجتماعية والعقائد الدينية. يقول الكاتب: الذهنية كتاب فيه ثلاث مدونات: الماضي ومدونة الحاضر ومدونة المستقبل. ويضيف: الحديث عن الذهنية هو حديث عن تعريف الفرد والجماعة والمجتمع والأمة، وهو حديث عن المجتمعات من حيث بداوتها وتحضرها، تأخرها وتقدمها.
ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى طرح أسئلة بنيوية في حقل “الذهنية” ومآلاتها: هل الذهنيات هي أداة التغيير الفاعلة في سلوكات الأفراد؟ هل الذهنيات هي الصبغة التي تصبغ شعبًا أو أمة؟ هل الذهنية معطى طبيعي أم اجتماعي مكتسب؟ مم تتكون الذهنية؟ وفي معرض تعاطي الكاتب مع هذه الأسئلة يقول: نحاول مقاربة المجتمع لرفع ما أصابه من تكلّس وإهمال ولامبالاة، وذلك بصيغ منهجية جدلية ووصفية مقارنة من جهة، ومنهجية تعتمد طريقة تحليل المضمون وصولًا إلى التحليل والبرهان، حيث هي التاريخانية والاجتماعية، والنظم المعرفية.
الفصل الأول من هذا الكتاب عُني بالمحددات الأولية لمفهوم الذهنية العربية، العوامل المكونة لها، والآراء العربية والأجنبية التي قيلت فيها وناقشتها. وجاء في هذا الفصل أيضًا: “بيئتين أساسيتين تؤثران تأثيرًا فاعلًا في تكوين الذهنية وتشكلها وفق خصائص وسمات، وآليات وسلوك وردات فعل، وقبول ورفض، إقدام وإحجام. وهاتان البيئتان هما البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. ويؤكد: “هاتان البيئتان هما الهوية التي تميز مجتمعًا عن آخر وأمة عن أخرى”.
عن الآراء العربية التي قيلت في الذهنية العربية؛ يستحضر الكاتب أقوالًا لابن عبد ربه في العقد الفريد، والجاحظ في كتابة البيان والتبيين، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ومما اقتبسه الكاتب من مقدمة ابن خلدون الذي يُعنى بالذهنية العربية: (هم أصعب الأمم انقيادًا بعضهم لبعض، فقلما تجتمع أهواؤهم، لا يحصل لهم المُلك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين. هم أبعد الناس عن العلوم، لأن العلوم ذات ملكات، محتاجة إلى التعليم، والعرب أبعد الناس عنها، لذلك كانت حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم أو المستعجمين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم. والعرب هم أسرع الناس قبولًا للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الأخلاق).
ومما ساقه الكاتب من اقتباسات لمستشرقين وفلاسفة يتمثل برأي حديث للفيلسوف أرنست رينان في كتابه مستقبل العلم الذي اتهم فيه العقلية العربية بأنها “عقلية مضادة للعلم والفلسفة” وعدّ ذلك سببًا أساسيًا من أسباب تخلفنا.
ينجز الكاتب فصل الكتاب هذا بمقولة في غاية الأهمية: أمر آخر أود إضافته إلى مكوني الذهنية (البيئة والمجتمع) وهو قابلية الاستهواء لدى الفرد العربي، أي استعداده/ ميله قبوله للتبدلات الجديدة الوافدة على حياته ومماشاتها حتى تصير جزءًا من سلوكه وتفكيره، وقبوله أيضًا لإسقاط كثير مما اعتاد عليه في سلوكه وتفكيره، إن قابلية الاستهواء هي فاعلية (مضايفة) و(محو) في آنٍ معًا. والمثال الذي يورده الكاتب هنا: مع مجيء الإسلام؛ مثل تبدل منظومة القيم “المساواة والعدالة وعقائد جديدة” ومن ثم استراتيجيات مهمة عدة مثل الإغارة والتحارب والغزو والوأد والوراثة. ويضيف: مع مجيء الإسلام تغيرت نظرة الفرد العربي إلى أمور جوهرية ثلاث: الله والإنسان والطبيعة. وقد شكّل اتصال العرب بالشعوب الأخرى حجر الزاوية في النهضة التي عرفوها في العصرين الأموي والعباسي.
الفصل الثاني: سوسيولوجية المجتمع العربي (الذهنية)
يقف الكاتب في هذا الفصل، عند بعض المحددات الثقافية والاجتماعية للشخصية العربية، ويبيّن وجوه الاختلاف والتشابه في معالمها، منطلقًا من أهم ثلاث نظرات أساسية وجهت إلى الشخصية عامة، وتتمثل في: 1- البناء الأساسي للشخصية 2- الطابع الاجتماعي للشخصية 3- الشخصية المنوالية (تكرار ظهور الصفات والأنماط السلوكية).
الفكرة الجوهرية لنظرة البناء الأساسي للشخصية تقول: إن الناس في ثقافة معينة يميلون إلى أن يتشابهوا في شخصياتهم. أما الطابع الاجتماعي: فهو نظرة على أنه النواة التي تنهض عليها شخصية الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافة معينة. والشخصية المنوالية: تعني نمط الشخصية الذي يظهر بأكبر قدر من التكرار بين مختلف أنماط الشخصية في مجتمع محدد.
ما يتناوله الكاتب هنا يتلخص بقوله: سأبحث في الذهنية العربية التي أرى أنها تعني العقلية العربية، أي آليات التفكير وقد استجابت لتأثيرات الأعراف والعادات والتقاليد التي تتمظهر عبر مرتسمات السلوك وأنماطه البادية والمتخفية في آن معًا. ويقسّم الكاتب المجتمع العربي إلى ثلاثة أحياز اجتماعية كبرى هي: المجتمع البدوي، المجتمع الريفي، والمجتمع الحضري. مع تأكيد التشابه الشديد بين الريفي والبدوي، جعل مرجعيتهما ذهنية واحدة هي البدوية، ويقابلها الذهنية الحضرية. يقول الكاتب: إن الذهنية البدوية موجودة لدى الشخصية العربية حتى وإن كانت هذه الشخصية لا تعيش في الصحراء. ثم ينتقل الكاتب إلى تبيان خصائص كل من الذهنيتين البدوية والحضرية على حدة؛ الذهنية البدوية: التنقل والترحال والعصبية والشهامة. الذهنية الحضرية: الصنعة، القانون والمال.
عن الذهنية الجمعية (البدوية والحضرية معًا) يقول الكاتب: إن سلّم القيم، والمنظومة المعرفية التي تتبناها الشخصية في مجتمع من المجتمعات، هما من يحدد مواصفات الذهنية التي تعبر عنها أنماط السلوك، وذلك من حيث الميل إلى الثبات والسكونية، وعدم تقبل المغايرة أو التغيير في العادات (…) والاستغراق في الماضي والقبول به، وعدم القبول بالتنظيم والإعداد والتخطيط. ويُرجع الكاتب ذلك إلى “أي محاولة للتنظيم والإعداد والتخطيط يعني مشاركة السماء في التدبير والسعي لمعرفة كل شيء يعني السعي إلى الدخول في دوائر محرّمة. واللا ثقة بالمستقبل هي نتاج الاستغراق في الماضي. ويضيف: الأب باعتباره ممثلًا للماضي ومجسده في الراهن يغدو هو المثال، ومفهوم الأب كما هو معروف اجتماعيًا، يمر في أطوار عديدة لكل منها ترسيمة في مرآة الابن، ولكل ترسيمة منها معانيها وتأثيراتها. ليخلص الكاتب إلى ما مفاده: لعل أبدى المساحات للخروج من مغناطيسية الأب تتبدى في الطور الذي تنمو فيه الذات الناقدة للابن، والغاية من وراء هذا الانفصال من اشتراطات الأب هي التي تسهم في كسر البنية الأبوية التي تتحكم بالمجتمع العربي.
انتقلت “الأبوية” -بحسب الكاتب- من إطار الأسرة إلى إطار المجتمع، فغدت المؤسسات والأحزاب ومن ثم الدولة ذات بنية أبوية، فمدير المؤسسة أب، والأمين العام للحزب أب، والحاكم أب، ويرجع الكاتب هذا إلى “ما تنتجه الذهنية البدوية داخل المجتمع الحضري”.
يختم الكاتب فصله هذا بالأفكار الآتية: إن الذهنية الحضرية في المجتمع العربي تحاول تجاوز العقبات الراهنة فيه، عن طريق فك الارتباط المشيمي بالماضي. وإن قبول الجديد والمغايرة منتج من منتجات الذهنية الحضرية. وإن الذهنية الجمعية العربية الآخذة بالذهنيتين البدوية والحضرية واقعة بين جاذبية الماضي وجاذبية الراهن، وهي ذهنية جمعية هجينة، خلقت مجتمعًا هجينًا وخلقت دولًا هجينة، فالدولة في نظر الذهنية البدوية غاصبة، والشطارة تظهر في مخالفة ما تريده الدولة، فالدولة عندهم لا تقوم على الشرع، ومن ثم فالدولة لا تصير وطنًا في عرف هذه الذهنية. ومفهوم المواطنة يظل غائبًا، فالعلاقة بين الفرد والدولة علاقة انفصام لا اتصال. ولذلك تتعزز روح الانتماء والولاء للعائلة والعشيرة والطائفية، والولاء هذا أقوى كثيرًا من الولاء للوطن. ويضيف الكاتب إلى استنتاجاته المهمة هذه، ما تفعله الذهنية البدوية وما تجسده داخل الأحزاب، فهي تجعلها ذات بنية عقدية، أيديولوجية، شبيهة بالبنية الأيديولوجية للعائلة والعشيرة. وإن حالة التأخر والتخلف التي تلف المجتمعات العربية عائدة إلى هذه الحالة الهجينة التي تعيشها الدولة الهجينة التي يطبّق فيها القانون وفق أعراف العائلة والعشيرة والطائفة. وكضرب من ضروب الخروج من هذا التيه يقول الكاتب أخيرًا: رفض البنية الأبوية هو رفض خجول لا يصل إلى المطالبة بكسرها وتفتيتها، لأن المفعولات القادرة على كسرها (المعرفة والتنظيم والتطور والحوار) ما زالت خارج إطار العمل، ولا سبيل للحد من هيمنة هذه الأبوية إلا بتقوية هذه المفعولات وتجسيدها اجتماعيًا.
الفصل الثالث: سوسيولوجيا المجتمع العربي (منظومة القيم أفقيًا وعموديًا)
إن أبرز الأنماط الشخصية للفرد الاجتماعي وفق الكاتب هي: الشخصية التقليدية، الشخصية المتجددة، الشخصية الجمعية (تقليدية ومتجددة معًا). وبناءً عليه “يمكننا جدولة المجتمعات في أنماط: تقليدي ومتجدد وجمعي”.
“المجتمعات العربية هي مجتمعات تقليدية (…) لأنها لم تنفك عن مشيمتها الماضوية” فالمنظومة التقليدية هي ما تمثل منظومة القيم للشخصية العربية “في حراكها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي والديني، وهذا الحراك يؤثر تأثيرًا مباشرًا في حراك المجتمع”.
يقوم الكاتب في هذا الفصل بتشريح خصائص الشخصية العربية (التقليدية والمتجددة والجمعية) ويرفد أمثلة عيانية لتجسيدات تلك الخصائص:
خصائص الشخصية العربية التقليدية وهي بعكس خصائص الشخصية العربية المتجددة: الثبات والسكونية – الماضوية – الغيبية – اللاثقة – النفور من العلم والتكنولوجية – الاستبداية – القدرية – اللاعمل/ اللاإنجاز.
خصائص الشخصية العربية الجمعية: وهي أكثر خطرًا على المجتمع من أي ذهنية أخرى؛ فهي شخصية مشدودة إلى قطبين قويين جدًا في التأثير والشد (الماضوية والمستقبل). فهي شخصية حائرة، مترددة، تنوس بين الاستجابة والقناعة القديمتين، والاستجابة الجديدة والقناعة الجديدة.
الفصل الرابع: سوسيولوجيا المجتمع العربي (الأطوار)
الأبعاد التاريخية (الثقافية، الفكرية): يرتكز الكاتب ضمن هذا العنوان الفرعي على مقولته الآتية: إن قراءة التاريخ العربي زمنيًا وفكريًا وروحيًا، في أدواره الحضارية الأولى، تمنحنا معرفة سيسيولوجيا مهمة للإحاطة بالبنية الفكرية والاجتماعية والثقافية ومنظومة القيم التي انطلق منها المجتمع العربي نحو العالم (الآخر) من جهة التي انغلق عليها وانكمش (من دون الآخر) من جهة ثانية.
ويشرح الكاتب معنى تلك القراءات، فيقول:
القراءة الزمنية هي القرون الخمس البادئة بظهور الدين الإسلامي وقيام الدولة. والقراءة الفكرية؛ هي التمازج الثقافي والفكري (تأثر وتأثير) مع الشعوب والحضارات الإنسانية الأخرى. القراءة الروحية: هي اتصال الدين الإسلامي بمعطيات الأديان الأخرى. أما القراءة الحضارية: فهي المساهمات والابتكارات والاشتقاقات الجديدة التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية في مجالات واسعة من علوم الطب والفلك والجغرافية والفلسفة والمنطق والأدب. يرى الكاتب أن الحضارة العربية الإسلامية قد قدمت نفسها بدءًا من القرن السابع وحتى القرن الثاني عشر الميلادي، بمعطياتها الفكرية والثقافية والدينية، من خلال: اللغة – الروح الإسلامية – الروح العالمية – الانفتاح – الدينامية – العقلانية – المستقبلية – التجدد. مقدمًا شروحًا وافية لكل منها، ومرفقًا رؤيته تلك بأمثلة وبراهين وافرة.
وحول انساق الفكر في هذا الطور، يقول الكاتب: لأن الفكر كان هو الموجه لكل هذه التجليات؛ فإننا نود النظر في انشغالات هذا الفكر في أنساق أو عوائق ثلاث، هي: الدنيوي والأخروي؛ ونتج عنها علوم التفسير والشرح والتأويل وعلوم الحديث. الانشغال الثاني للفكر العربي -آنذاك- كان مشدودًا إلى العلوم، كالطب والكيمياء والهندسة والفلك وغيرها. والأمر الثالث هو الجدل والمحو والتثبيت والإضافة والتحييد، أي علوم الفلسفة والمنطق وما تولد عنها من تيارات واتجاهات.
الأبعاد التاريخية (البنية الاجتماعية، والفكر الديني): ويُعنى ما جاء بهذا العنوان الفرعي بـ “معرفة الحراك الاجتماعي والدين داخل المجتمع العربي من أجل رصدهما، وجلو تمظهراتهما، قيمًا وسلوكًا، ذلك بعد إبداء المساحة الفكرية والثقافية المؤيدة للعقل والفعل في مرحلة الأطوار الأولى للحضارة العربية الإسلامية كأرضية أساسية.
الفصل الخامس: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (السلطان)
يرتكز هذا الفصل على فكرة يوردها الكاتب، وهي: الفرد يدور في دائرتين، الأولى “دنيوية” وتتمثل في رضا “السلطة”، والثانية دائرة “آخروية” تتمثل في رضا “السماء”. وإن العلاقة القائمة بين الفرد والسماء هي علاقة تسليم وغيبيات، والنتيجة خضوع كامل.
ليأتي الكاتب إلى تشريح “الأبوية” الناتجة من الفكرة السابقة “هذا التشريح محدد بالترسيمات الست الآتية”:
1- السلطان بوصفه السلطة الواقعية.
2- رجل الدين بوصفه السلطة السماوية.
3- قائد الجند بوصفه السلطة التنفيذية.
4- التاجر بوصفه السلطة المالية.
5- الشاعر بوصفه السلطة الإعلامية الدعائية.
6- المرأة بوصفها كانت كائنًا تبادليًا بين هذه العلامات الاجتماعية.
السلطان: يتناول الكاتب ضمن هذا العنوان، الظواهر الجينية لنشأة الجماعات والدولة، مستشهدًا بابن خلدون والفارابي و”جان جاك روسو وهوبز ولوك” في فكرة العقد الاجتماعي التي نادوا بها. ليخلص الكاتب بعد قراءته لتاريخية “السلطان” إلى تحديد الصفات التي يتصف بها هذا السلطان، وهي: الغلبة، التحالف، الاستحواذ، الاستبداد. وإن الحاكم/ السلطان بسبب تلك الصفات “كوّن بنى أبوية مع العلامات الاجتماعية الأخرى (سابقة الذكر) وخضّعها، (…) إلى الحد الذي سيبدي لنا أن المجتمع العربي مستلب ومغتصب ومخطوف من قبل هذه البنى الأبوية المتحالفة مع الحاكم.”
الفصل السادس: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل الدين)
يقول الكاتب: “يعي الحاكم/ السلطان جيدًا، أن ملكه وسلطانه لا يدومان من دون أن يبني في جهات عديدة، ومنها الجهة الدينية، فالتأييد الديني، والدعاوى الدينية، وبناء المساجد، والكنائس، وافتتاح المعاهد الدينية، ومراكز تحفيظ القرآن والحديث، كلها من العوامل المساعدة على تثبيت الحكم وتمتين السلطان”.
إن هذا التحالف الذي أشار إليه الكاتب هو تبيان لتحالفات “الاستبداد” وللدور الوظيفي الذي يؤديه “رجل الدين” ضمن مصفوفة الاستبداد. وتتركز مهمة رجال الدين في “الاستبداد” بـ” أخذ الناس إلى الماضي، وإلى الغيبيات، وبذلك يخرجون الناس من الواقع/ الحاضر، ويغلقون عليهم المستقبل”. و”الحاكم يريد من خلال احتواء رجال الدين أن يحوز على السلطتين: الروحية/ الدينية والواقعية/ السياسية.” و”الحاكم إذا ظلم، أو جار أو اعتدى؛ فإن حسابه ليس على الناس، وإنما على الله، والثورة عليه حرام.”
ولكي يبين الكاتب أهمية البنية الأبوية الدينية في المجتمع وسطوتها في الحياة العربية، يقول: تكاد تضم وتشمل جميع مناحي الحياة وجميع شرائح المجتمع، فتأثيرها طاغٍ في المجتمع. وأبرز معطياتها: الإفتاء والقضاة والدعاة والمحتسب.
الفصل السابع: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل المال)
يتناول الكاتب في هذا الفصل، الدور الذي أدّه المال في التحالفات الاجتماعية في المجتمع العربي، منذ مرحلة القبيلة والعشيرة إلى يومنا هذا، مرورًا بدوره في المراحل الأولى لظهور الإسلام، وفي الدولتين الأموية والعباسية. ويذهب الكاتب إلى تشخيص أهم السمات التي اتسم بها المجتمع العربي اقتصاديًا في العصرين الأموي والعباسي، وكيف أدّت طبقة من الأسر الإقطاعية والأسر التجارية دورًا في “حكم المجتمع العربي والسيطرة عليه بالتحالف مع أهل الحكم وأهل الجند وأهل الدين، خصوصًا عندما صار هذا التحالف تحالفًا مع الغرباء عن المجتمع، فأهل الحكم وأهل الجند وأهل الدين غدوا غرباء “الأتراك والفرس”. ويخلص الكاتب إلى إبراز السمات الواسمة للمجتمع اقتصاديًا آنذاك، وينهي الكاتب هذا الفصل، بالدور الذي أدّه “رجل المال” الذي ساهم في إنتاج “التوريث السياسي” الذي عرفته المجتمعات العربية من أيام “معاوية”. ويختم بالقول: عن البنى الأبوية حريصة على أمرين: حراسة هذه البنى، والحرص على التحالفات مع البنى الأبوية الأخرى.
الفصل الثامن: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (رجل الجند)
يتناول هذا الفصل حال الجند والشرطة والعسس ومظاهر الحرب والأمن في المجتمع العربي، منذ الدولة الجنينية /معين، حمير، سبأ/ ثم حالة التنظيم لـ”الجند”، متطرقًا إلى الجيش في مرحلة “صدر الإسلام”، وفي أيام الدولتين الأموية والعباسية، لينتقل إلى تناولها في العصور اللاحقة كعصر الدولة الفاطمية. ويتناول الكاتب مهمات “الجند” عبر أزمنة المجتمع العربي.
الفصل التاسع: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (الشاعر)
يقول الكاتب: نشطت العلوم وتطورت في اتجاهات أربعة أساسية: الاتجاه الديني، والاتجاه التاريخي، والاتجاه الفلسفي، والاتجاه العلمي. وإن الدولة كالأموية والعباسية، لم تهتم بهذه الاتجاهات المعرفية اهتمامًا متساويًا. ويُرجع الكاتب سبب اهتمام الدولة الأموية بالشعراء والشعر إلى أن حكمهم بني على الضغط والقهر والمنازعة، “فالشعراء هم من يبشرون بهم” و”يشيدون بذكرهم” فكانوا “يقومون بما تقوم به الصحافة لأحزابها”. وهنا تبرز أهمية التحالفات المعقودة بين أهل الحكم وأهل الشعر. والسبب الآخر وراء تشجيع الأمويين للشعر، هو عدم تشجيعهم للفلسفة والعلوم الأخرى.
الدولة العباسية “اتهمت بهذه الاتجاهات كلها” فاهتموا بالفلسفة والترجمة. ويمر الكاتب بالمراكز التعليمية التي عرفها العرب: المساجد – المؤدبون – الكتاتيب- مجالس المناظرة- المكتبات- المدارس. ويختتم الكاتب هذا الفصل بمناقشة فكرة “تحالفات أهل الحكم مع الشعراء الكبار بوصفهما بنيتين أبويتين متحالفتين.”
الفصل العاشر: الذهنية العربية والعلامات الاجتماعية (المرأة)
في هذا الفصل يتناول الكاتب موضوع المرأة من زوايا عدة، وضمن موضوعات عدة، ومما نبه إليه الكاتب:
“النظرة الذكورية تهدف إلى إبقاء المرأة في مجالها الطبيعي (المجال البيولوجي) كالزواج والحمل والولادة”
“الرجل سيطر بشكل كامل على الحقل الاقتصادي، وهذا ما جعل فرص استقلالية المرأة قليلة ونادرة”
“زواج القرابة يحافظ على القربى الدموية ويوحّدها في إطار العشيرة”
“أيّدت الذكورية المريضة نفسها بتأويل من التشريعات الدينية”
“أيّدت الذكورية المريضة نفسها بجملة من العادات والتقاليد والأعراف والأمثال”
“المرأة الأم تورث الابنة القاعدة البيانية للطاعة العمياء للرجل، عبر أنموذج إرشادي مُصاغ على شكل آداب تسمى (آداب المرأة)”
“الإسلام جاء بقيم جديدة، وروحًا اجتماعية جديدة كرّمت المرأة وأعلت منزلتها”
“من أسباب تخلف المجتمع العربي: كثرة التناسل، البطالة، الأميّة، التأخر في الزراعة والصناعة والتجارة، وضعف البحث العلمي، وتخلف أوضاع المرأة”
“تشدّد الإسلام في حقوق المرأة”
“هذه المرحلة من قهر المرأة في العصر العباسي، لم تعرفها مرحلة تاريخية عربية سابقة، وهي وجه من وجوه انهيار الدولة العباسية”
“في العصر العثماني؛ عادت المرأة إلى التواري في “الحرملك” ولم تنل من التعليم حظًا”
“إن ثقافة “الحرملك” أعادت إنتاج عبودية المرأة”
“إن دوائر الجدّات هي غير دوائر الأمهات، ودوائر الأمهات هي غير دوائر البنات، ومن ثم هي غير دوائر الحفيدات، لكن أيضًا إن مدونة الوصايا واحدة وهدفها الأعم والجوهري واحد، وهو الطاعة العمياء للرجل، وبذلك تكون المرأة سلطة (أمومة) تشابه السلطة (الأبوية)”.
جدلية العلامات الاجتماعية (التحالفات)
في الفصل الأخير من هذا الكتاب، يقول الكاتب مكثّفًا الفصول السابقة: العلامات الاجتماعية الممثلة بالحاكم وقائد الجند ورجل الدين والتاجر والشاعر والمرأة؛ تشكل البنية الأبوية للمجتمع العربي، وإن حال تلك العلامات الاجتماعية ليست واحدة، بل متفاوتة ومتعددة. ليستطرد الكاتب بعد هذا في تشخيص التحالفات القائمة بين العلامات الاجتماعية تلك وجدليتها. ومن الاستخلاصات الختامية في هذا الكتاب، يورد الكاتب ما يأتي:
“إن أية ذهنية، ليست معطى بيئيًا صرفًا أو معطى اجتماعيًا صرفًا، إنما نتاج المعطيين معًا”
“إن الذهنية العربية ليست نتاجًا لعصر زمني بعينه، إنما نتاج تراكمي”
“أبرز ما أفصحت عنه الذهنية العربية من خصائص وصفات هو: الماضوية، الأبوية، الاتباعية، الفردية، الجزيرية، الوراثة، والطارئية.”
ويختتم الكاتب كتابه بالقول: لعل المعول عليه بالتغيير، وإيجاد منظومة جديدة، ومدونة قيمية جديدة، هو المرأة، لمعيارين اثنين هما: هي المُشكّل الأول للفرد، وكونها تشكل عنصرًا تبادليًا بين جميع العلامات الاجتماعية، وصاحبة تأثر فاعل.