مقدمة

تعددت في السنوات الأخيرات -منذ بدء الانتفاضة السورية 2011- المعاني الناجمة عن استخدام مصطلح “السينما السورية”، لذا كان لا بد من تحديد خطين رئيسين في هذه السينما؛ الأول هو السينما الحكومية التي يتحكم النظام في كل ما فيها، وتشرف عليها المؤسسة العامة للسينما، من حيث الإنتاج والتوزيع، واختيار العاملين فيها، والثاني هو السينما المستقلة التي يقدمها من رفضوا حكم الأسد وثاروا عليه، وتوزعوا في بلاد كثيرة.

ومع تكثيف النظام للإنتاج السينمائي في السنوات الماضيات، بات لا بد من الاطلاع على ما يقدمه إلى جمهوره والعالم، والسؤال لماذا يحاول النظام دعم فن مكلف في الوقت الذي تعاني فيه ميزانيته ويلات الحرب؟ لذا تركز هذه الصفحات على نتاج بعض مخرجي النظام بعد عام 2011، العام الذي قرر فيه السوريون الخروج على النظام ورفض احتلاله لحياتهم.

“نجدت أنزور، وسمير حسين، وجود سعيد” ثلاثة نماذج مختلفة، لكل موقعه لدى النظام، عمره، وطريقته التي يقدم بها أعماله، ورؤيته لسينماه، لذا جرى الاعتماد في هذا البحث على قراءة فيلمين لنجدت أنزور (رد القضاء: أسطورة الصمود في سجن حلب المركزي) 2016، و(فانية وتتبدد) 2016 كذلك. وثلاثية باسل الخطيب (مريم) 2012، (الأم) 2015، (سوريون) 2016. أما جود سعيد فقد سُلط الضوء على أكثر أفلامه إثارة للصخب (مطر حمص) 2017 وذلك لأنه صور في حمص بعد تهجير أهلها بأيام قليلة، فبينما كانت الحافلات تخرج من المدينة نافية أهلها عنها، كان فريق سعيد يدخل ليختار من أحيائهم وذكرياتهم ما يحلو له تصويره وفق رواية قاتلهم.

لا بد من الإشارة إلى أن الصفحات الآتية لا تتناول نقدًا فنيًا سينمائيًا بالمعنى الكامل للكلمة، لسبب بسيط فإن الأفلام الستة المطروحة يصعب معها القول إنها سينما بالمعنى الكامل للكلمة، حتى تجري مناقشة عناصرها، وجماليتها، وطرائق صناعتها، وإلى ما هنالك من أساليب النقد السينمائي البحت، إنما تركز هذه الدراسة على الجانب الدعائي “الخطاب” الذي تقدمه هذه الأفلام، وهي تصدّر النظام للعالم، وتحاول أدلجة الجمهور السوري من جديد، كي يتمكن النظام تنصيب نفسه دائمًا وللأبد كما يشتهي.