ملخص
يزعم المقال بأن ادعاءات السيادة والادعاءات المضادة ما زالت فاعلةً إلى حد كبير في الصراعات الدولية والمدنية التي يشارك فيها ممثلو الحكومة. بالتركيز على حالة الصراع السوري، ينشغل هذا المقال باستخدام أكثر من منهج وذلك باستخدام نظريات التحليل النقدي للخطاب النقدي والعلاقات الدولية. وجدتُ أن السردية الأولى للسيادة التي تبناها نظام بشار الأسد وحلفاؤه الخارجيون مثل روسيا، قد بنى خطابًا “فاعلًا” بنى بطريقة “متسقة”، وثابتة، ومرتبطة بالوضوع، بالإضافة إلى خطاب “موثوق به” يجمع بين الكلمات والإجراءات (أي، أداتية وإجرائتيها). إن فعالية وصدقية سردية السيادة أولًا قُيّمت من خلال غياب مصداقية وفعالية السرديات المتنافسة/ المتنازعة كما برهن عن ذلك التطبيق الفاتر لمفهومات مثل مسؤولية الحماية (R2P) من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين. عند إجراء تلك المقارنات، يمكن وضع سياق الصراع السوري من خلال ربطه بالربيع العربي والتحولات الجيوسياسية في الشؤون الدولية. وضمن إدراجه في هذا السياق، تبرهن المقالة/ المادة عن ادعاءات كثيرة حول مدى صمود “الدولة الإقليمية” في الشرق الأوسط.
مقدمة
ما تزال السيادة فكرة “مُستعصية ومثيرة للجدل” التي تشكّل السياسة العالمية والفكر السياسي. [[1]] على الرغم من قرون من التحليل، فإنها لا تزال محل نزاع، مع وجود أصول مُتنازع عليها وموقفٍ مبهم من الامتيازات. حتى الباحثين “المتشككين” الذين هم غير راضين عن المفهوم يواصلون إعادة إنتاج منطق السيادة في تفكيرهم. [[2]] تم العثور على سبب رئيس وحيد لهذه المراوغة والجدل في الفجوة بين النظرية والممارسة. رغم أن السيادة يمكن أن تكتسب خصوصية/ دقةً سياقية وكمالياتٍ متنوعة في الممارسة، [[3]] إلا أنها تبقى رهينة لتغطياتٍ متجانسة تسعى لمقايستها وتعميمها. ضمن هذه التغطيات، يتم تضمين بعض ميزات السيادة واستبعاد ميزات أخرى. على سبيل المثال، أعلن بعض الباحثين موت مزايا “الويستفالية” في اعتمادهم تعريفًا معولمًا يقوّض بناء الدولة وأقلمتها (من الإقليم). [[4]] كرّمت اتجاهات في السياسة والعلاقات الدولية هذا التضمين من خلال استيعاب وهضم العبارات الجذابة مثل “العالم ما بعد ويستفاليا” في حين أنها تبالغ في أهمية ظهور قيم مثل مسؤولية الحماية. [[5]]
ومع ذلك، فشلت هذه التطورات في حل “معضلة السيادة” بينما استمرت الممارسة في التحرك في اتجاه واحد وبقيت النظرية تتحرك في الاتجاه الآخر، بما يولد مظاهر/ دلالاتٍ “زائفة” ومعايير مزدوجة من قبل كلٍ من الخبراء والمنظرين.
المقال هو محاولة للتقريب بين النظرية والممارسة باستخدام هذا الجدل والمراوغة كأصل أو ميزة، أكثر من مسؤولية، عن “إشكالية السيادة”. إنها تساهم في اتجاهات في الدراسة التي تحلل السيادة كعقيدة ونشاط، [[6]] كجمع وقابلية القسمة، [[7]] وكـ “جزء” و “سلة”. [[8]] يمكن لهذا التحليل الشامل للطرفين أن يستكشف الادعاءات والادعاءات المضادة المستندة إلى مفهومات تعابير غموض السيادة وكذلك يتتبع مستويات تفعيل المفهوم نفسه. يعتمد البحث على محورين يعملان بوصفهما إطارًا لتحليل صياغة عبارة السيادة وتفعيلها: الفعالية والصدقية.
إن الفاعلية، التي بناها جون أغنيو John Agnew كفكر أو كمفهوم على نطاق واسع، [[9]] يمكن أن تعزل المفهوم عن ثنائيات راسخة منذ فترة طويلة، كانت قد شغلت جزءًا كبيرًا من دراسة العلاقات الدولية مثل الدولة والأقليم، في الداخل والخارج، والداخلي والخارجي. إنها تسمح بأن تكون السيادة ممارسة بمعنى “مشتركة”، و”مُجمعة” و”متنازع عليها” عبر شبكات “الامتداد المكاني”، والتي يمكن اختبارها بشكل غير مرتبط بالإقليم حتى ضمن الحدود الإقليمية لأي دولة. [[10]] إن ترسيم الحدود، وهو جوهر الدولة الإقليمية، لم يعد يرتبط بـ “حدود الهيمنة” وأدوات الإكراه للمحافظة على هذا الترسيم أو حتى خرقه.[[11]] إن السيادة، على هذا النحو، لا يمكن أن تكون “مستدامة أو مقوضة” من دون “التعاون الفاعل بين لاعبين جمعيين على طرفي الحدود”، [[12]] إنها ضمن ما هو مُتاح من “شبكات السلطة الموثوقة” وتداولها أكثر من موقع مركزي واحد، مثل “الدولة”، تلك السيادة بحكم الواقع لا يمكن المحافظة عليها. [[13]]
تتبنى هذه المقالة معايير الفاعلية لفهم كيف أن اللاعبين الحكوميين المشتركين في الأزمة السورية يمكنهم -فرديًا أو جماعيًا- وضع “أنظمة سيادة” محددة واستبدالها وإزاحتها من أجل خدمة مصلحتهم الذاتية.
ما تزال فعالية أغنيو Agnew تتطلب الصدقية. تحتاج الجهات المشاركة في العملية إلى فرض “نسختهم” الخاصة من السيادة، ليس فقط من خلال الموارد المادية المتعلقة بالإكراه المادي ولكن أيضًا من خلال قنوات “التواصل” المرتبطة بـ “الإقناع” خاصة لأن سلطاتهم ليست ممركزة لكن “متناثرة” ضمن أنماط “الشراكة والتفاعل”. [[14]]
ضمن هذا التداول للإكراه والإقناع، يمكن أن تعني السيادة كل شيء وأي شيء “حتى يثبت العكس”. [[15]] ولذلك، فالسيادة بحاجة إلى “وعد موثوق من بيان معياري أو قياسي” يجري الحصول عليه من خلال “تأجيل لا نهائي لمقاعد الاختبار التجريبي للمستقبل، أو عن طريق تحييد حدود الماضي بأثر رجعي”. [[16]] بعد قول هذا، فإن السيادة تحتاج إلى الجهات الفاعلة “لإخفاء الفجوة التاريخية داخل دعاوي السيادة” ولتفعيل مطالبهم من خلال تنسيق كل من أداتية السيادة واكتمالها.[[17]] قدمت إيفا بيلين Eva Bellin حجة مماثلة على متانة الاستبداد أو قوته في سورية وفي الشرق الأوسط الأوسع: يمكن لقادة الدولة أن يقدموا خطابًا سليمًا واضح المعالم على شرعيتهم في حين يحافظون على احتكار “متماسك وفاعل ” لوسائل الإكراه بغرض إضافة “قيمة” لهذا الخطاب.
يتتبع المقال الفعالية والصدقية من خلال تحليل اللغة وما بعدها، أي أن السيادة ليست محض كلمات بل أيضًا ممارسات ” تُشكّل منهجيًا الموضوعات التي نتكلم عنها”. [[18]] على سبيل المثال، لا يتم التعامل مع الدولة الإقليمية على أنها بيان غير مبالٍ حول ترتيب أو نظام موضوعي للفضاء السياسي” ولكن تكوينًا استطراديًا يساعد في إنتاج هذا الترتيب أو النظام”. [[19]] يمتلك تحليل الخطاب النقدي عددًا من المنظورات، لكنني أتبنى مقاربة نورمان فيركلوف،[[20]]Norman Fairclough لأنها تُحلل كلًا من المجالات اللغوية وما بعد اللغوية.
يجري تحديد الأنماط اللغوية في خطابات القادة ومسؤولي الدول المشاركة في الصراع ومقابلاتهم. وتنمذج العينات في شكل إطارات تتضمن عبارات أو تراكيب أو جملٍ تساعدنا على فهم ما يسميه إيرفينغ غوفمان Erving Goffman “مبادئ التنظيم” [[21]] للحوادث الاستطرادية، والأهم من ذلك مشاركة الفاعلين فيها.حال تحديد هؤلاء الفاعلين الحكوميين في نصوص منمذجة بشكلٍ متعمد، فإن تلك الإطارات تُجمَع وتُرتَب في مراتب ضمن “موضوعات” على أساس أهميتها تلك المثبتة بالاتساق (يحدث التقويم عن طريق التكرار، والتردد، والتقارب مع سردياتٍ أخرى وضعت ضمن إعدادات مؤقتة وجغرافية خاصة) والتماسك (يحدث التقويم من خلال التنسيق في الممارسات والعلاقات التي تملي مثل هذا السردية الموحدة).
إن الرسم اللغوي ليس شكليًا (أي معجميًا، أو نحويًا أو دلاليًا) في حد ذاته، ولكنه وظيفي، وهذا يعني أن الاهتمام الرئيس هو “ما يمكن أن تفعله اللغة” وما يمكن أن يفعله مستخدمو اللغة بها”.[[22]]
أما المستوى الثاني من التحليل، وهو ما بعد اللغوي، فيبحث عن فهم للسياق الذي يتطور فيه بناء وتبني هذه الأطر إلى معانٍ مشتركة ومعاني ثابتة ضمن عملية أخرى يمكن تسميتها “إنتاج المعاني”. [[23]] وتشمل العناصر ما بعد اللغوية تأثير الربيع العربي، ودور الدبلوماسية، والتباين في كيفية تحويل الجهات الحكومية لخطابها حول السيادة ليتلائم مع مصالحها في صراعات أخرى مثل شبه جزيرة القرم. ولكون السيادة نفسها تُعامل بوصفها بنية أسطورية مُخترعة أكثر من أي كيان مستند إلى “الكلمة الفعلية” [[24]] يتتبع هذا التحليل بناء بناء السيادة وإعادة بناء بعدّها خطابًا يكتسب المزيد من الأهمية. لأشكلة (إضفاء إشكالية) منطقي أنا، بما أن الدولة في الشرق الأوسط قد ظهرت للعلن إقليمًا “صُنعيًا” مع حدود “مُصطنعة”، [[25]] فإن التلاعب الخطابي بـ “السيادة”، القائمة على المعاني المشيدة للأرض/ الإقليم والحدود في الصراع السوري، يمكن أيضًا أن تتبلور.
[1] – Pusterla ER (2016) The Credibility of Sovereignty-The Political Fiction of a Concept. Cham: Springer International Publishing.
[2] – Havercroft J (2011) Captives of sovereignty. Cambridge: Cambridge University Press.
[3] – Krasner S (1999) Sovereignty: Organized Hypocrisy. Princeton, NJ: Princeton University Press.
[4] – Croxton D (1999) The peace of Westphalia of 1648 and the origins of sovereignty. The International History Review 21(3): 569–591. & Rothe Mullins DC (2010) The death of state sovereignty? An empirical exploration. International Journal of Comparative and Applied Criminal Justice 34(1): 79–96.
[5] – Lyons GM and Mastanduno M (1995) Beyond Westphalia? state sovereignty and international intervention. Baltimore MD: Johns Hopkins University Press.
[6] – Thomson J (1995) State sovereignty in international relations: Bridging the gap between theory and empirical research. International Studies 39(2): 213–233.
[7] – Sheehan JJ (2006) The problem of sovereignty in European history. The American historical review 11(1): 11–15.
[8] – Perez A (1996) Who killed sovereignty? Or: Changing norms concerning sovereignty in international law. Wisconsin International Law Journal 20: 463–490.
[9] – Agnew J (2009) Globalization and Sovereignty. Lanham: Rowman & Littlefield Publishers.
[10] – ibid, p, 113.
[11] – ibid, p, 113
[12] – ibid, p, 113.
[13] – ibid, p, 7.
[14] – ibid, p, 116.
[15] -Pusterla ER (2016) The Credibility of Sovereignty-The Political Fiction of a Concept. Cham: Springer International Publishing, p, 2.
[16] – ibid, p, 3
[17] – Pusterla ER, p, 3 & Bellin E (2004) The robustness of authoritarianism in the Middle East: Exceptionalism in comparative perspective. Comparative Politics 36(2), p, 143.
[18] – Foucault M (1972) The Archaeology of Knowledge (trans. AM Sheridan Smith). London: Routledge, P, 47.
[19] – ibid.
[20] – Fairclough N (1992) Discourse and Social Change. Cambridge: Polity Press.
[21] – Goffman E (1974) Frame Analysis: An Essay on the Organization of Experience. Cambridge, MA: Harvard University Press, pp.11-12.
[22] – Halliday MAK (2004) An Introduction to Functional Grammar. London: Edward Arnold.
[23] – Steinberg MW (1998) Tilting the frame: Considerations on collective action framing from a discursive turn. Theory and Society 27(6): pp., 851-852.
[24] – McCoy J (2008) Death of the Westphalia State System, Implications for Future Military Employment (Unpublished). Fort Leavenworth, KS: School of advanced military studies, United States Army Command and General Staff College.
[25] – Fromkin D (2009) A Peace to End All peace? The Fall of the Ottoman Empire and the Creation of The Modern Middle East. New York: Avon.